صدرت في الآونة الأخيرة، ضمن منشورات المركز الثقافي للكتاب، مذكرات قيادي حزب الاستقلال الراحل، امحمد بوستة، بعنوان: «الوطن أولا.. مذكرات في السياسة والحياة»، وهي من توقيع الإعلامي محمد الضو السراج. إذ تعرف هذه المذكرات بأهم المحطات السياسية والحياتية. صرح الكاتب والإعلامي الراحل محمد العربي المساري بأنه ظل يلح على القيادي الاستقلالي امحمد بوستة أن يكتب مذكرات حياته السياسية. ونزولا عند رغبته، فقد بدأ بوستة في تسجيل محطات مساره السياسي والحياتي في لقاءات متكررة بينهما. لكن الأقدار شاءت ألا يكتمل هذا العمل، إذ رحل المساري سنة 2015، دون أن تأخذ هذه المذكرات مسارها المرغوب. وبعد عامين، سيرحل بوستة أيضا، لكن كان قد سلم ما تحقق من هذه المذكرات لأحد المقربين منه الذين يثق بهم، موصيا إياه: «لأني أثق فيك، وأنت تقرأ أفكاري، فهذه مذكراتي بين يديك». لكن مذكرات بوستة، التي صدرت في كتاب عن منشورات المركز الثقافي للكتاب موقعة باسم الإعلامي محمد الضو السراج، هي عبارة في الأصل عن حوار صحافي ضمن برنامج «الشاهد» الذي كان يبث في القناة الأولى قبل عدة سنوات، حسب ما أوضح السراج في تمهيد هذا المؤلف، غير أنه يؤكد أنه أعد للنشر بتنسيق مع الراحل محمد العربي المساري. من جانب آخر، يكشف السراج أن المذكرات تسعى إلى إطلاع القارئ «على جزء مهم من تاريخ المغرب المعاصر، من بدايات القرن العشرين إلى حدود السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين»، إذ يغوص به في سيرة صباه ومسيرته التعليمية، وانخراطه في العمل الوطني من أجل استقلال المغرب وبناء الدولة، كما يقدم شهادة بوستة على تحولات المجتمع المغربي وانتقالاته السياسية، وكذا تعثراته، خاصة ما يتعلق منها بفساد الانتخابات. ونقرأ مما قاله الراحل محمد العربي المساري في المقدمة: «تابعت مسيرة امحمد بوستة عن قرب، في أعمال تنظيمية، وفي الأسفار، وبعضها طويل، وفي مناسبات اجتماعية، وكنت أفهم حينئذ أي دروس تشرب ومن أي معين نهل مفاهيمه وتصوراته وطقوسه». كما أكد المساري أن بوستة كان من أوائل القادة الاستقلاليين الذين دعوا إلى نقل مشعل العمل الحزبي إلى الأجيال الجديدة من الشباب القادرين على حمل الرسالة ومواصلة النضال. يقع الكتاب في 12 فصلا، حيث تعالج الفصول الأولى ظروف نشأة بوستة وتعليمه الأولي والثانوي وخطواته الأولى في دروب الحركة الوطنية، فيما تعالج الفصول اللاحقة العودة إلى المغرب بعد استكمال دراسته في فرنسا والتحاقه بصفوف حزب الاستقلال، حيث يسرد الكتاب في هذه الفصول مجموعة من الأحداث (نفي محمد الخامس، مفاوضات إكس ليبان، الانشقاق عن حزب الاستقلال، وفاة الملك، إعداد دستور جديد، الخ). أما الفصول الأخيرة، فيخصصها معد الكتاب لمحطات أساسية تلت انتقال السلطة في المغرب بعد وفاة محمد الخامس، في مقدمتها اختطاف المهدي بنبركة، ومحاولات الانقلاب ضد الحسن الثاني، ووفاة علال الفاسي، وبروز مشكلة الصحراء، فضلا عن أحداث أخرى تهم بالأساس العمل الحزبي والحكومي والانتخابات. ويزخر الكتاب بمجموعة من الوثائق عبارة عن بلاغات وبيانات حزبية ومقتطفات من تصريحات وحوارات ومقالات صحافية، فضلا عن صور ومواد أرشيفية تؤرخ مجموعة من الأحداث الوطنية أو الدولية ذات الصلة بالمغرب، كما يتضمن نصوصا قانونية وتنظيمية ومذكرات وملتمسات ومواثيق، الخ. والأهم من هذا إحالاته على شخصيات وطنية، البعض منها معروف، والبعض الآخر مغمور في الذاكرة، رغم دوره المهم في تاريخ المغرب. إذ يقدم الكاتب، في آخر الكتاب، فهرسا لهؤلاء الأعلام المغاربة والعرب والفرنسيين وغيرهم.