تؤكد آخر الإحصائيات واستطلاعات الرأي الإسبانية أن المهاجرين المغاربة غير النظاميين، خاصة، والنظاميين، عامة، هم أكبر ضحايا السياسة البرغماتية التي تعتمدها الحكومات الإسبانية المتعاقبة على الحكم في التعامل مع ملف المهاجرين. إذ في الوقت الذي يسهم فيه المغاربة في الاقتصاد الإسباني، باعتبارهم يدا عاملة ذات أهمية كبيرة أو دافعي ضرائب ومساهمين في صندوق الضمان الاجتماعي والمعاشات، مازالت مدريد ترفض تسوية وضعية نحو ربع مليون مغربي، كما تشدد إجراءات الحصول على المواطنة الإسبانية بالنسبة إلى المغاربة. ويبدو أن الحكومة الإسبانية وجدت في الرأي العام الإسباني سندا لعرقلة المشروع الذي تقدم به تحالف «نستطيع معا»، حليف الحزب الاشتراكي في الحكومة، والذي يطالب بتسوية وضعية 600 ألف مهاجر غير نظامي أجنبي، ومنح المواطنة الإسبانية لنحو 2.2 مليون أجنبي. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أرقام مكتب الإحصاء الإسباني وتقارير أخرى، فإن المغاربة يعتبرون أكبر المتضررين من عرقلة هذا المشروع. مع ذلك، فالمشروع لا يحظى بموافقة أغلبية الرأي العام الإسباني، إذ كشف استطلاع للرأي أجراه الموقع المتخصص أن «71.9 في المائة من الإسبان يرفضون تسوية الوضعية القانونية ل600 ألف مهاجر غير نظامي (100 ألف منهم طلبوا اللجوء)، ومنح المواطنة ل2.2 مليون مهاجر نظامي أجنبي يقيمون فوق التراب الإسباني. في المقابل، أيد المبادرة 18.9 في المائة فقط من الإسبان، فيما امتنع 9.2 في المائة من المستجوبين عن الإدلاء برأيهم. المثير في الاستطلاع هو أن قواعد الحزبين الكبيرين، الاشتراكي (57.8 في المائة) والشعبي (93.8 في المائة)، و«المواطنون» (89.6 في المائة) وفوكس (97.4 في المائة)، ترفض تسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين، فيما وحدها قواعد حزب «نستطيع معا» أيدت المبادرة بنسبة 69.7 في المائة. ويبقى المثير هو رفض قواعد الحزب الاشتراكي هذه المبادرة، رغم أنه حزب بني على أفكار الدفاع عن العمال والمهاجرين. ويُظهر الاستطلاع، الذي أُنجِز لصالح صحيفة «الإسبانيول»، كذلك، زحف النزعة اليمينية على إسبانيا، حيث أصبحت لا ترغب في المهاجرين، إذ إن 64.5 في المائة يؤيدون الطرد الفوري للمهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية؛ مقابل رفض 28.4 في المائة فقط طردهم، فيما امتنع 7.1 في المائة من المستجوبين عن الإدلاء برأي. وعلى صعيد قواعد الأحزاب، تحظى سياسة الترحيل بدعم 86.2 في المائة من المؤيدين للحزب الشعبي، و97.3 في المائة من أنصار فوكس، و80.3 من حزب مواطنون، و46.1 في المائة من الحزب الاشتراكي؛ فيما يدعمها 23 في المائة فقط من المتعاطفين مع «نستطيع معا»، صاحب المبادرة. لكن تفكيك الاستطلاع يظهر في موضع آخر التناقض الإسباني إزاء المهاجرين غير النظامين والنظاميين؛ فالرأي العام نفسه الذي يطالب بترحيلهم وعدم تسوية وضعيتهم القانونية، يعترف بأن المهاجر جزء من الحل للحفاظ على نظام المعاشات. في هذا يرى 47.1 في المائة من الإسبان أن إسبانيا تحتاج إلى المهاجرين للضمان استدامة المعاشات، مقابل 44.2 في المائة يعتقدون أن المعاشات غير مرتبطة بالمهاجر، فيما امتنع 8.6 في المائة من المستجوبين عن الإدلاء برأي في الموضوع. ولفهم حجم تأثير الإحصائيات المذكورة آنفا على المهاجرين المغاربة، نعود إلى تقرير المعهد الوطني الإسباني للإحصاء، الصادر في منتصف إبريل الماضي، والذي قال إن الجالية المغربية حطمت كل الأرقام القياسية بتسجيل 864 ألفا و546 مغربيا مقيمين بطريقة قانونية في كل التراب الإسباني إلى غاية فاتح يناير 2020. علما أن التقرير لا يتحدث عن نحو 250 ألف مغربي يقيمون بطريقة غير قانونية في الجارة الإسبانية، إلى جانب نحو 250 ألف مجنس، فيما تتحدث تقارير أخرى عن إمكانية أن يكون عدد الإسبان من أصول مغربية، من جهة الأب أو الأم، بلغ نحو نصف مليون شخص. ويشير المعهد ذاته، كذلك، إلى أن هناك 268 ألفا و564 مهاجرا مغربيا منخرطا في صندوق الضمان الاجتماعي الإسباني، محتلين المرتبة الثانية خلف الرومانيين (314.5 ألفا)، ومتبوعين بالإيطاليين (124.5 ألفا)، والصينيين (90 ألفا). ويمثل المهاجرون من خارج المجال الأوروبي 780 ألفا و158 منخرطا من أصل 1.2 مليون منخرط أجنبي..