منذ أن ألقت الجائحة بظل تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المغرب وعيون مختلف الفاعلين تحاول أن ترسم صورة عن المغرب وليد كورونا، المغرب الذي سيخرج من رحم هذه الأزمة، ما هي ملامحه؟ وكيف سيتعافى مما خلفته الجائحة؟ وبأي وجه ستلقى الأحزاب منتخبيها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟ وبأي آليات وساطة يدخل المغرب مرحلة جديدة ملغومة بالاحتجاجات التي قد تذكيها الأزمات الاجتماعية الطارئة بسبب كورونا؟ يبدو أن أزمة كورونا قد تعزز أكثر من حالة اللايقين في العالم، ما يفتح الباب أمام السلطويات لكي تتقوى أكثر، مرشدها في ذلك النموذج الصيني، باعتباره النموذج الملائم أكثر من غيره في التعامل مع أزمات كورونا، مقارنة بأسلوب تعامل الدول الديمقراطية أساسا، خصوصا وأن أزمة كورونا دفعت العديد من الدول النامية أو المتقدمة، بما فيها المغرب، إلى إعادة النظر في فهمها للديمقراطية وحقوق الإنسان، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن كورونا سيكون له تأثير جوهري على الممارسة السياسية في الأمد القريب والمتوسط. خيار تعزيز السلطوية في المغرب، على سبيل المثال، تؤكده عدة مؤشرات تتمثل؛ من جهة أولى، في النقاش الجاري حول الانتخابات المقبلة، والذي يرمي إلى التحكم القبلي في نتائجها، من خلال ابتداع فكرة القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس الأصوات الصحيحة المعبّر عنها كما جرى العمل به منذ انتخابات 2002، ومن جهة ثانية، تضخم دور وزارة الداخلية والمؤسسات الأخرى غير المنتخبة، التي تسوّق منذ بداية الجائحة لخطاب التنمية والكفاءة والفعالية، في الوقت الذي يجري التنقيص من دور السياسة والانتخابات النزيهة، وهو توجه يعكس تنامي خطاب إيديولوجي جديد يتغطى بمدح التنمية وذم السياسة. إجمالا، يمكن القول إن كل أزمة مر بها العالم إلا وكان لها تأثير معين على النظام الدولي، بمؤسساته وقواعده، فقد أفرزت الحرب العالمية الثانية نظاما دوليا معينا قائما على الصراع بين منظومتين، رأسمالية واشتراكية، خاضت مواجهة طويلة تزيد على أربعة عقود، وفي الزمن الراهن يلاحظ أن أحداث 11 شتنبر 2001 مثلا، كان لها تأثير مختلف على النظام الدولي، حيث تصدر الإرهاب الأجندة الأمنية العالمية، وشغلت الجماعات المسلحة التي تُوصف بالإرهابية حيزا واسعا في الجدل السياسي والقانوني والمؤسساتي طيلة العقدين الماضيين. من المحتمل أن تؤدي أزمة كورونا إلى حرب باردة جديدة، بسبب تنامي الصراع بين الصينوأمريكا، كأن تعمل أمريكا على حصار الصين اقتصاديا وتجاريا وعسكريا، من خلال إلغاء بعض قواعد العولمة، وتكريس سياسة حمائية جديدة، وربما سعت الصين، بالمقابل، إلى ابتداع أشكال جديدة من العولمة نفسها، كرد فعل منها على الصلف الأمريكي نحوها، وإذا كانت الصين تبدو حذرة حتى الآن، ولا تعبر عن الرغبة في ملء الفراغ الأمريكي في أي منطقة من العالم، إلا أن التوقعات تشير إلى أن هذا الدور قادم، وتمارسه الصين من الآن بشكل مختلف. بالعودة إلى المغرب، يبدو أن النقاش حول الانتخابات المقبلة لا يخلو، كذلك، من هذا التنازع بين توجه تعزيز الديمقراطية، وتوجه آخر يرى في النقاش حول القوانين الانتخابية فرصة لتعزيز السلطوية. وبين من يرى أزمة كورونا فرصة جديدة للتغيير في المنطقة العربية ككل، وبين من يرى فيها فرصة لتعزيز السلطوية، تبدو المملكة متذبذبة بين التوجهين، حيث تروج لخطاب الديمقراطية والانتخابات والتعددية، لكنها على مستوى الممارسة تبدو مقتنعة بالخطاب الإيديولوجي الجديد حول التنمية.