بعد ستة شهور من المعاناة والبعد عن الأهل والديار، يبدو أن ملف مئات المواطنين المغاربة العالقين في الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، منذ 13 مارس الماضي، وجد طريقه إلى الحل، حيث وافقت الحكومة المغربية، بتنسيق مع نظيرتها الإسبانية، على فتح الحدود البرية في وجه العالقين ابتداء من يوم أمس الأربعاء للعودة إلى بيوتهم. وستكون هذه العودة الإرادية على دفعات وتدريجيا عبر معبر «تاراخال»، بالنسبة إلى العالقين بستة، ومعبر «بني أنصار» للعالقين في مليلية. وإذا كانت الحكومة الإسبانية ترغب في التخلص من المغاربة الذين صدرت في حقهم قرارات الطرد، فإن المغرب رفض استقبالهم، نظرا إلى أن الأمر يتعلق ب«ممر إنساني» استثنائي فقط، في حين أن عملية استقبال المطرودين والمرحلين تخضع لإجراءات أخرى منصوص عليها في الاتفاق الموقع بين البلدين بهذا الخصوص، وفق مصادر «أخبار اليوم». في هذا الصدد، كشفت مصادر حقوقية ونقابية من مدينتي بني أنصار والفنيدق للجريدة أن الفوج الأول من العالقين في مليلية وسبتة عبر إلى الجانب المغربي، صباح يوم أمس الأربعاء، حوالي الساعة العاشرة و15 دقيقة، ونقلوا على متن حافلات، إذا بلغ عدد العائدين من مليلية 200 مغربي، ومن سبتة 100 مغربي تقريبا. وتابعت المصادر ذاتها أن السلطات المحلية في المدينتين كانت تستعد منذ أول أمس الثلاثاء لاستقبال العائدين في احترام تام للإجراءات الصحية المعمول بها بالمملكة. وتابعت مصادرنا أن السلطات وفرت حافلات لنقل العالقين إلى الجانب المغربي. وإذا كان العالقون الراغبون في العودة من مليلية إلى بيوتهم معفيين من تقديم شهادة سلبية كورونا، فإن الراغبين في العودة من سبتة مجبرون على تقديمها. وستتكفل السلطات المغربية بإجراء تحاليل الكشف عن الفيروس بالنسبة إلى العائدين من مليلية، فيما لا يعرف إن كانت الحكومة الإسبانية هي من تكفلت بتحاليل العائدين من سبتة، أم إنهم أجروها على حسابهم الخاص. بدورها، أكدت مندوبة الحكومة الإسبانية بمليلية، صابرين موح، انطلاق عملية «الإعادة الطوعية» للمغاربة العالقين في المدينة منذ 13 مارس الماضي أول أمس الأربعاء، مشيرة إلى أن عملية الترحيل، التي تجري في تنسيق تام مع السلطات المغربية، ستشمل فقط العالقين الراغبين في العودة. وأضافت قائلة: «سنربط الاتصال مع هؤلاء الأشخاص (الراغبين في العودة) من أجل إخبارهم بموعد العودة المرتقبة باليوم والساعة»، مبرزة أن العملية مفتوحة في وجه العالقين الموجودين في أماكن الإيواء الحكومية وفي بيوت الأقارب والأصدقاء على حد سواء. كما طلبت من العالقين عدم الانتقال إلى معبر بني أنصار دون التواصل مسبقا مع المندوبية من أجل الحصول على موعد الخروج. وقالت صابرين موح إن عملية الترحيل ستكون في ثلاث دفعات، إذ إن الفوج الأول عاد يوم أمس، فيما من المنتظر أن يعود الفوج الثاني يوم غد الجمعة، والثالث يوم الأحد المقبل، مذكرة بأن عملية الترحيل ستستمر في حال اقتضى الأمر ذلك. وفي ما يخص إعادة العالقين بسبتة، لا توجد أي معطيات رسمية، باستثناء بعض المصادر النقابية والحقوقية المغربية والإعلامية الإسبانية التي أكدت خروج الفوج الأول يوم أمس، مبينة أن عدد العالقين في سبتة قد يصل إلى 1000 مغربي مقابل 400 عالق على الأقل في مليلية. ويعد ترحيل 200 عالق من مليلية يوم أمس تكملة للعملية التي انطلقت في منتصف ماي الماضي، قبل أن تُجمد لأسباب مجهولة، حيث كانت السلطات رحلت 203 عالقين فقط، فيما جرى يوم أمس ترحيل 100 عالق من سبة، بعد ترحيل 285 عالقا أيام 22 و23 و24 ماي الماضي، قبل أن تُعلق العملية إلى أجل غير مسمى لأسباب غير معروفة، رغم أن هناك من كان يتحدث عن خلاف مغربي إسباني حول العدد الحقيقي للعالقين، نظرا إلى أن الرباط تفرق بين العالقين والمهاجرين غير النظاميين، فيما تحاول سلطات سبتة إدراج المهاجرين مع العالقين. وبشكل عام، كان لدى المغرب، في نهاية شهر مارس الماضي، نحو 36 عالقا في مختلف مناطق العالم، وتمكن من إعادة أو تسهيل عودة جل العالقين تقريبا. محنة لا تنسى من جهته، أوضح البقالي حسن، وهو عالق سابق ورئيس الجمعية الخيرية الإسلامية دار الطالب، في حديث مع «أخبار اليوم»، أن «إعادة العالقين الباقين في الثغرين ليست متأخرة فحسب، بل تأتي بعد معاناة قاسية. لكن نتمنى أن يعود الباقون لأن الجانب الإنساني يبقى أهم من كل شيء. إنها تجربة لا تنسى». وردا على ما يروج بخصوص عدم رغبة بعض العالقين في العودة بعد نحو 200 يوم من المعاناة، بين البقالي قائلا: «هناك من يرغب في تغليط الرأي العام. يجب أن نفرق بين العالق ومن يوجد هناك من أجل الحريك إلى إسبانيا. ليس هناك من يرفض العودة إلى أبنائه ووالديه، لكن هناك من عاد للعمل في سبتة ومن لديه نية الهجرة»، وتابع أن الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة في الوقت الراهن تدفع بعض العالقين إلى البقاء في سبتة، خاصة في ظل إغلاق المعبر، وغياب بدائل للتهريب المعيشي، «لكن أغلب العالقين يريدون العودة»، يقول البقالي. من جانبها، أكدت العالقة المغربية (ن.) بمدينة سبتة للجريدة، مساء يوم أول أمس الثلاثاء، أن سلطات الثغر تواصلت معهم وأجرت لهم اختبار الكشف عن الفيروس على أساس أن يعبروا إلى الجانب المغربي يوم أمس. وتابعت أن عملية العودة تشمل المغاربة الذين كانوا يعيشون سواء في متجر سابق لبيع الخمور أو رفقة أقاربهم، مشيرة إلى أن هناك نحو 200 عالق يريدون العودة إلى بيوتهم. محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، قال ل«أخبار اليوم» إن «إعادة النساء من جيبي سبتة ومليلية خطوة جاءت متأخرة جدا، وإن كانت مسألة الإعادة تحمل بين ثناياها حربا خفية بين سلطات المدينتين المحتلتين والرباط، حيث فشلتا في لي ذراع المغرب بخصوص هذا الموضوع لأنهما أصبحتا تحت ضغط كبير بعد تزايد الهجرة غير النظامية، وبالتالي، فإن تعاون الرباط الأمني أمر لا بد منه»، فيما يرى عمر ناجي، الناشط الحقوقي وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، أن «هذا التأخر في إعادة العالقين ليس له أي تبرير معقول»، مضيفا أنه كان بالإمكان إعادتهم سابقا عبر إجراء اختبار الكشف لهم، لكن «شيئا أفضل من لا شيء»، في إشارة إلى أن بداية الترحيل يوم أمس خطوة جيدة في حد ذاتها بعد معاناة طويلة وقاسية.