الكتاب الذي أصدره المؤرخ الفرنسي «بيير فيرموران»، المتخصص في المنطقة المغاربية، في الآونة الأخيرة بعنوان: «المغرب.. مملكة المفارقات»، هو كتاب مستفز بأسئلته حول التناقضات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. وقد وزع الكتاب، في نسخته الفرنسية الإلكترونية، خلال الأيام القليلة الماضية على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب. من هو محمد السادس؟ هل الملك هو من يحكم؟ وهل الإسلام المغربي يمثل حاجز صد ضد الإسلام السياسي؟ وهل المغاربة أحرار أم رعايا خاضعون؟ ما هي طموحات الشبيبة المغربية؟ ولماذا ترسل فرنسا أئمتها من أجل التكوين في المغرب؟ وهل يمثل المغرب نموذجا للعالم العربي؟ هذه بعض الأسئلة، ضمن أسئلة يصل عددها إلى مائة، يطرحها الكاتب والمؤرخ الفرنسي «بيير فيرموران»، المتخصص في التاريخ المغاربي، في كتاب حديث له بعنوان: «المغرب.. مملكة المفارقات». يرى «فيرموران» في المغرب، هذا البلد الذي حافظ على هويته الأمازيغية العربية على امتداد تاريخه منذ مجيء الإسلام إلى اليوم، باعتباره أكثر البلدان العربية والإفريقية قدرة على المزاوجة بين الإرث الإسلامي والتحديث الغربي. كما يعتبره من بين الدول التي توظف قوتها الناعمة إلى الحد الأقصى، حيث ترتبط في علاقات جيدة مع بلدان العالم، ما عدا الجزائر وإيران. من جانب ثان، يقول «فيرموران» إن المغرب يطمح إلى أن يكون دولة ديمقراطية، ويرغب في أن يصبح قوة إسلامية كبرى، مع وجود الملك على رأس نظامين متناقضين، أحدهما سياسي والثاني ديني؛ أي مزاولته رئاسة الدولة وإمارة المؤمنين. فضلا عن ذلك، يقول «فيرموران» إن الملك صديق الجميع، يحميه حلفاؤه، ويهيمن على المعارضين لحكمه، ويبدي وطنية غير مقيدة. غير أنه يتساءل عما إذا كان الملك محمد السادس قد استطاع فعلا أن يلعب أدواره كاملة بعد عشرين سنة من الحكم؟ في مقابل هذه اللوحة الجذابة للمغرب، يرسم «بيير فيرموران» صورة قاتمة تتكون من لوحات رديئة كثيرة منها: بؤس العالم القروي، ضعف التعليم والتكوين، تجذر الفكر الديني المتطرف، انغلاق البلد داخل حدوده الترابية، إلخ. وانطلاقا من هذه اللوحات القاتمة، يضع مجمل المفارقات والتناقضات في هذا البلد الذي يحلم أن يكون «استثنائيا»، كما يقول في أول جملة من مقدمة هذا الكتاب. يقسم «بيير فيرموران» كتابه هذا، الصادر عن دار «تالانديي» الفرنسية، إلى عدة فصول موزعة مجالات الأسئلة التي يطرحها. ففي الفصل الأول، يطرح أسئلة تاريخ المغرب وأصول المغاربة وعلاقتهم بالأندلس وتوالي العروش. وفي الفصل الثاني، يجيب عن أسئلة مرتبطة بالجغرافيا: الحدود، الموقع المتوسطي، الصحراء، المياه، إفريقيا وأوروبا. وفي الفصل الثالث، ترد أجوبة عن أسئلة المجتمع، عربه وأمازيغه، هجراته واستقراره، وظواهره المتعلقة بالفقر والشتات والانتفاضات والعلاقات التجارية وطموحات الشباب وقضايا الحرية والتبعية والخضوع والتطرف، إلخ. ويخصص الفصل الرابع للدين، حيث يطرح أسئلة حول دين الدولة وإمارة المؤمنين وتدين المغاربة والإسلام السياسي والأقليات الدينية ومدى احترام الشريعة الإسلامية... أما الفصل الخامس، فهو يتناول النظام السياسي في المغرب: الملكية، الحكم، ولاية العرش، الحكومة، المخزن، الأحزاب، الربيع العربي، المعارضة، التصويت، الخطوط الحمراء، الصحافة، الخ. ويتناول الفصل السادس المسائل الاقتصادية (الموارد، الصناعة، العلاقة مع فرنسا، الدارالبيضاء، الرأسمالية الملكية، المقاولات الكبرى، الشراكات التجارية، الصادرات والواردات، تجارة المخدرات، الاقتصاد البيئي...). ويطرح في الفصل السابع سؤالا حارقا: هل هناك ثقافة مغربية؟ ومن خلاله يتناول موقع الفن والفكر والأدب والاهتمام باللغة ودور النخبة الثقافية في حياة المغاربة... وفي الفصل الأخير، ينكب على توضيح المفارقات التي تطبع علاقات المغرب الخارجية مع أوربا وأمريكا والصين وأفريقيا والشرق الأوسط ودور الدبلوماسية المغربية، خاصة فيما يتعلق بمشكلة الصحراء. تجدر الإشارة إلى أن «بيير فيرموران» كاتب وباحث ومؤرخ فرنسي، من مواليد 1966 بفيردان، وهو أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة السوربون منذ سنة 2012. يتمحور مجال اهتماماته حول المجال المغاربي والعوالم العربية الأمازيغية. ألف العديد من الأعمال من بينها: الإنكار الفرنسي، فرنسا في بلاد الإسلام، مغرب محمد السادس، المغارب: الديمقراطية المستحيلة، تاريخ المغرب منذ الاستقلال، تشكل النخبة في المغرب وتونس.