مع استمرار عداد فيروس "كورونا" المستجد في الارتفاع ببلدنا، أصبح السؤال الحائر بين الخبراء، هو هل الوقت الراهن هو ذروة الفيروس، أم أن ذروة المرض لم تأت بعد، خاصة في ظل التشاؤم الذي تعبر عنه الوضعية الوبائية المتفاقمة وتوقعات منظمة الصحة العالمية التي تقول بأن إفريقيا تجاوزت هذه المرحلة. ولأول مرة منذ أسابيع ترتفع نسبة الفتك الإجمالية بفيروس "كورونا"، لتبلغ 1.8 في المائة، بعدما ارتفعت حصيلة الوفيات بدورها لتتجاوز سقف 1011 حالة، بحسب وزارة الصحة التي أعلنت أيضا أول أمس الخميس أن معدل الإصابة التراكمي، بلغ 3.4 في المائة لكل مائة ألف نسمة. وزارة الصحة: نعيش مرحلة ذروة الوباء وأشارت وزارة الصحة، أيضا، إلى أن عدد المتعافين بلغ 1315 حالة تعافي، إلى حدود عشية أول أمس، فيما بلغت عدد الحالات النشطة التي تتابع علاجها في المستشفيات أو المنازل 14173 حالة، بمعدل 39 حالة لكل مائة ألف نسمة، وبلغ عدد الحالات الحرجة 183 حالة بمختلف أقسام العناية المركزة والإنعاش في المملكة. وبشر معاذ المرابط، منسق المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة بوزارة الصحة، المواطنين بأن معدل توالد الحالات كان يساوي في بداية الأسبوع 1 في المائة، لكنه بدأ ينخفض بشكل طفيف في اليومين الأخيرين، ليستقر في 0.98 في المائة. وتابع المتحدث: "لن نصدر الحكم حاليا، لكن في حالة ما تأكد الأمر خلال الأيام المقبلة، فإننا نعيش ذروة الوباء، وسنتجاوزها رويدا رويدا"، مضيفا: "سنسير بذلك في منحنى تنازلي". البروفيسور الناجي: من السابق لأوانه الحديث عن ذروة الوباء وخلافا لما جاء على لسان المسؤول بوزارة الصحة، يرى البروفيسور الأخصائي في الأمراض الفيروسية، المصطفى الناجي، أنه "من السابق لأوانه الإعلان عن سير المغرب في المنحى التنازلى الذي يؤشر إلى دخوله مرحلة الذروة أو خروجه منها، خاصة وأن الوضعية الوبائية في المغرب غير مستقرة". الناجي، الذي يعتبر من أوائل الخبراء حول العالم الذين اشتغلوا على فيروس "كورونا" في ثمانينات القرن الماضي، قال إن "الأساسي حاليا، والذي يحتكم إليه الخبراء الأخصائيون في تفسير مرحلة الذروة، هو أن يعرف مؤشر العدوى أو le facteur R0 انخفاضا أساسيا يصل إلى 0.5، آنذاك يسعنا القول إننا نسير نحو تخطي مرحلة الذروة قبل أن نصل r0، التي تعني رسميا أننا تخلصنا من الوباء". وأشار الناجي إلى أن تصريح وزارة الصحة الغرض منه طمأنة المواطنين، خاصة في ظل الارتفاع المستمر للحالات ما أرعب الناس، وهو لا يتنافى، أيضا، مع وضعية المغرب على الصعيد العالمي، والتي لا تستدعي القلق، إذ لازلنا في مأمن من الناحية العلمية". وبخصوص مدى إمكانية تسقيف المنحنى الوبائي خلال هذه الأيام المقبلة، يقول الناجي: "حاليا إذا ما استحضرنا الأرقام التي يسجلها المغرب بصفة يومية منذ أسابيع سنلحظ أنه وبالرغم من هذا الارتفاع المسجل، بقينا مستقرين في 1200 أو 1500، فيما لم نتجاوزها لنصل 2000 حالة في اليوم، وهذا مؤشر مهم يمكن تفسيره بأننا في مرحلة la phase stationnaire أي الثبات، ونتمنى أن يستمر الأمر على ما هو عليه، لأن المراد والسعي كله هو أن ينخفض هذا المعدل على مدار أيام متتالية لنقول إننا تجاوزنا مرحلة الخطر وسقفنا المنحنى". وشدد المتحدث في حديثه ل"أخبار اليوم" على أنه "لا يجب أن نتسرع في الإعلان عن الذروة أو تجاوزها في بلدنا، ذلك أن الوضعية الآن ثابتة، لكن لا ندري ما الذي ستخبئه الأيام اللاحقة، وهو نفس ما وقع في الأشهر الماضية" يقول المتحدث، مضيفا: "كنا قد سلمنا بأن شهر أبريل الماضي كان ذروة الوباء، في وقت لم نتجاوز 10 آلاف إصابة، لكن الأسابيع اللاحقة أحبطت توقعاتنا، وكما سبق وذكرت كوفيد19 فيروس ذكي جدا، ووجب التعامل معه بحذر مضاعف، لأنه يطور نفسه وفقا للظروف المحيطة به، ويقتنص الفرصة في اصطياد ضحاياه، فمزيدا من الحذر وأشدد على الحذر والتباعد". وفي السياق عينه، يفسر الناجي ارتفاع نسبة الإماتة، أول أمس الخميس، إلى 1.8 بالمائة في وقت ظلت تتأرجح بين 1.5 و1.6 طيلة الأشهر الماضي، "لما وقع في أقسام الإنعاش في مراكش والدار البيضاء وطنجة، من فوضى وخصاص مهول في المعدات والأسرة، فضلا عن ولوج الحالات إلى المستشفى بعدما يستفحل فيها الوباء، ما يدمر أي إمكانية علاج مبكر"، ويضيف: "نتمنى أن لا يتكرر هذا السيناريو أبدا وتخلصنا من الفيروس رهين بسلوكنا، في ظل غياب لقاح إلى حدود الساعة". ما المقصود بمرحلة الذروة؟ وما الذي يستند عليه الخبراء في الإعلان عن بلوغها؟ يتحدث الخبراء عن أوقات ذروة الوباء عندما "يصبح المنحنى مستوياً"، أي مرحلة تسقيف المنحنى، بحيث أنه عندما ينمو وباء دون رادع (إجراءات التباعد الاجتماعي والوقاية)، يصاب عدد أكبر من الناس ويموتون كل يوم أكثر من اليوم السابق، تماما كما حدث في إيطاليا شهر مارس الماضي، عندما انتقلت من تسجيل بضع مئات من الإصابات المكتشفة كل يوم في أوائل مارس إلى أكثر من 6500 حالة إصابة يوم 21 مارس، ما دفعها فورا إلى إعلان إجراءات التباعد بين مواطنيها، وهو أيضا ما حدث في المغرب شهر أبريل الماضي، عندما سجلت حالات بالمئات في مختلف البؤر الناشطة وقتها. وبحسب ما أكده الناجي، وعدد من الخبراء الذين تواصلت معهم "أخبار اليوم" في وقت سابق، فإن تسقيف المنحنى الوبائي وثباته لا يعني بالضرورة أن الوباء وصل ذروته. على اعتبار أن هذا رهين أيضا ب"عدد الحالات النشطة" التي لاتزال تتلقى العلاج، ويستمر هذا الرقم في الارتفاع حتى يصبح عدد المرضى الذين يتوفون جراء الفيروس أو يتعافون منه كل يوم أكبر من عدد الإصابات الجديدة المسجلة بشكل يومي. وهذا يعني أنه عندما تنخفض الإصابات الجديدة، وتقل مقارنه مع الحالات التي توفيت جراء الفيروس أو تعافت منه، تؤثر مباشرة في عدد الحالات النشطة، وبالتالي، يبدأ معدل الحالات المصابة يقل، وهو ما يعني تسقيف منحنى الحالات النشطة ثم هبوطه، ووقتها يسع الخبراء الجزم بتجاوز مرحلة الذروة الوبائية. وبحسب ما أورده البروفيسور الناجي، فإن "التخوف الأكبر اليوم الذي قد يربك تسقيف المنحنى في المغرب، هو الموجة الثانية التي حسم الخبراء في أنها قائمة لا محالة، في ظل غياب لقاح للفيروس حتى الآن، وعلينا أن نكون مستعدين لها كما يجب". منظمة الصحة العالمية: إفريقيا ربما تجاوزت ذروة كورونا وفي سياق متصل، ومرتبط دائما بمرحلة الذروة، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن إفريقيا قد تكون تخطت ذروة وباء كوفيد-19، محذرة في الوقت عينه من أن التراخي في تدابير الوقاية قد يسهل ظهور موجة إصابات ثانية. وأعلنت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا ماتشيديسو مويتي، خلال اجتماع عبر تقنية الفيديو "يبدو أننا بلغنا ذروة الوباء وعدد الإصابات الجديدة اليومية حالياً يتجه إلى الانخفاض"، مشيرة إلى أن "هذه الوتيرة لا تشمل كل الدول، مثل ناميبيا التي تشهد ارتفاعاً في عدد الإصابات الجديدة". وسجلت إفريقيا رسميا 1,2 مليون إصابة بينها نحو 28 ألف وفاة، وهي أقل قارات العالم تضررا بعد أوقيانيا، فيما جنوب إفريقيا وحدها نصف عدد الإصابات في القارة، وهي الخامسة عالميا من حيث حصيلة الإصابات. وأشادت مويتي في الوقت عينه بحكومات الدول الإفريقية لاتخاذهم "قرارات شديدة الصعوبة وشجاعة" بفرض العزل، منبهة في الآن ذاته، إلى أن الوضع لايزال "خطيرا"، مضيفة أنه "كلما فتحت دول اقتصادها، باتت اليقظة المتزايدة ضرورية أكثر".