بعد تقرير المرحلة البحثية الأولى الذي أصدره فريق "منصات" في ماي الماضي، يصدر هذا الأخير تقريرا آخر يعرض لبعض من نتائج المرحلة البحثية الثانية حول نفس الموضوع: المغاربة وكورونا. من الناحية المنهجية جرى إنجاز هذه المرحلة الثانية من البحث، بالسير على نفس منوال المرحلة الأولى. وذلك بالحفاظ على الطابع الاستطلاعي والكمي للبحث، واعتماد الاستمارة كأداة بحثية. وذلك بهدف استكشاف ورصد التحولات والتغيرات التي طرأت في خضم زمن كورونا، على معارف، تمثلات، مواقف وممارسات عينة من المغاربة بين مرحلتين: مرحلة أولى تميزت بإعلان حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي كوضع غير مألوف لدى المبحوثين، ومرحلة ثانية عرفت التمديد والتشديد في تلك الإجراءات من طرف السلطات العمومية. وهي إجراءات لا شك، أنها أثرت بهذا القدر أو ذاك على آرائهم ومواقفهم، كما على معيشهم وسلوكياتهم.
فرضت ظروف الحجر الصحي التي رافقت ظهور"كوفيد 19′′ تعليق الحياة الاعتيادية، وشملت الإجراءات التقييد القانوني والإجباري لحركة الأفراد والجماعات، بغرض التخفيف من التماس والمخالطة بين الأشخاص المصابين والمعرضين للإصابة بالوباء. فرضت هذه الإجراءات فتح الباب للتفكير الجماعي من أجل إبداع أنماط عيش متكيفة مع إكراهات المرحلة العابرة لزمن الجائحة والطوارئ الصحية. يعكس ذلك إذن، تحول فيروس كورونا المستجد إلى عامل حفاز اجتماعي بامتياز un agent catalyseur. أي كعامل يطلق بمجرد حضوره أو تدخله تأثيرات تمس كل مستويات الحياة الاجتماعية، وكل الأفعال والسلوكيات الفردية والجماعية، بدءا من ضرورة الحفاظ على الجسد، على الأقارب والأسرة، ووصولا إلى ضرورة تطوير وتكييف نظام الحياة الجماعية الكفيل بدرء مخاطر الوباء. بعبارة أخرى، لقد تحول هذا "الكوفيد" إلى مؤثر اجتماعي بتوليده لبيئة تقتضي تجديد وإعادة توجيه الصلات بين الناس، برزت ضمنها الكثير من التصرفات والعلاقات عندهم، في حين توارى بعضها الآخر؛ بحيث أن أكثر من ثلاثة أرباع أفراد العينة عبروا عن إدراك ووعي بهذا التغير، خاصة وأن 27.2% منهم خبروا محنة الفيروس عن قرب من خلال علاقة مباشرة بشخص أصيب أو مات بالكورونا. إن المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات، تجسيد لنظام من العلاقات التي يتم من خلالها تدبير الحاجات والمصالح والموارد والتبادلات الجماعية. وهو الإطار العام الحامل لوجود ونظام الحياة الجماعية للأفراد، بحيث أن الفرد في هذا السياق هو فاعل اجتماعي، وبالتالي فوجوده متقاسم مع وجود الآخرين، وممتد العلاقات بالآخرين في الزمن وفي المكان. بحيث يبرز الوجود الاجتماعي للفرد كضرورة من أجل أمنه وأمن الغير، فيدخل من خلال وجوده ذاك ضمن أنساق تضامن اجتماعية، يستحيل استمرارية المجتمع بدونها. انطلاقا من ذلك، يتضمن هذا التقرير محاولة الإجابة الأولية عن الأسئلة التالية: كيف دبر المغاربة فترة الحجر الصحي؟ ما درجة تأثر تمثلاتهم للمرض، للمريض، للمؤسسات بفترة الحجر الصحي الثانية؟ وكيف بدت مختلف مستويات التضامن والتآزر؟ وعلى من اعتمدوا خلال هذه المرحلة؟ وكيف تأثرت بعض العناصر القيمية خلال فترة تدبير الحجر الصحي؟ ثبات في العلاقات الاجتماعية يتوزع مجتمع الدراسة على شكل أفراد وأسر، تسكن تحت سقف واحد، وبأحجام تتفاوت من فرد إلى أكثر من عشرة أفراد، تمثل المجموعات والأسر التي يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثة وخمسة أفراد حوالي 60 % من المجموع، تليها الأسر والمجموعات من فردين أو ستة أفراد بنسب متقاربة لا تتجاوز 12 %لكل مجموعة أسرية أو غيرها. وهو نفس التوزيع المسجل في العينة العشوائية السابقة، بفوارق لا تتجاوز في مجملها نقطتين بخصوص كل مجموعة، على محور قياس النسب المئوية، وهذا يتضح بمقارنة بسيطة بين نتائج البحث السابقة مع الحالية. وهو أيضا مجتمع يعيش ظروف الحجر الصحي، بموارد رزق تتوزع مصادرها بين مداخيل الاستمرار في مزاولة العمل بنسبة 54.1 %، والاعتماد على مدخرات سابقة بنسبة 11.9 % أما الاعتماد على دعم الدولة للفئات المتضررة بسبب الجائحة فلم تتجاوز في عينتنا نسبة 6.14 % من المجموع، ليكتفي الباقي بالبحث عن موارد أخرى أساسية أو تكميلية مختلفة، عبر ممارسة بعض أنشطة الترميق (البريكولاج)، أو الاعتماد على بعض المساعدات التضامنية التي تعددت مصادرها، تتصدرها العائلة التي مازالت تحتفظ بقوة الربط المجتمعي وكونها خزانا تقليديا لثقافة وقيم التعاون والتضامن المباشر داخل المجتمع المغربي. لقد ساهمت الظروف التي فرضتها الجائحة في فقدان نسبة مهمة من المواطنين لمكاسب مادية، في حين تحملت أخرى نقصا في فرص وشروط العمل، أو نقصا وحتى انقطاعا للموارد المالية الشهرية التي تعتمد عليها كل أسرة، لدرجة أن أكثر من نصف عدد العينة النشيطين لم تعد تتجاوز مداخيلهم الشهرية 5000 درهم، بل إن حوالي ثلث المبحوثين لم تتعد لديهم مبلغ 2500 درهم شهريا، بما فيهم 21.6 % من المجموع ظلت مواردهم دون 1000 درهم شهريا. ففي الوقت الذي ينفى فيه حوالي خمس العينة تغير علاقاتهم الاجتماعية خلال فترة الحجر الصحي، بنسبة 19.1 %، نجد أن نسبة أعلى منهم تصل 78.6 % يؤكدون حدوث تلك التغيرات في حياتهم الاجتماعية. وهي تغيرات لا يتم الإجماع على عدها سلبية أو إيجابية، بحيث يعتبر ما نسبته 57.9 % أن علاقاتهم بالأفراد المحيطين بهم قد تطورت نحو الأفضل، في مقابل 7.3 % فقط، ممن صرحوا أن علاقات الآخرين بهم قد ساءت خلال فترة الحجر الصحي، لتبقى نسبة 34.8 % من المواطنين محتفظة بتمثل استمرار علاقات اعتيادية بينهم وبين الغير، ولم يسجلوا بهذا الصدد أي تغير محسوس. لكن الذين فضلوا عبارة العلاقات العادية لم ينكروا مساهمة ظروف الحجر الصحي في تقوية وتحسن علاقاتهم العائلية، وهو الاتجاه المعبر عنه بتكرار بلغت بنسبته 83.2 % من مجموع المواطنين، واكتفى البعض بالتعبير عن تحسن علاقاته مع الأصدقاء لكن بنسبة لم تتجاوز 8 %، بينما سجلت علاقات الجوار أضعف نسبة تحسن بتسجيل نقطة ونصف من المائة. وإذا كان المنزل هو الفضاء الأكثر استعمالا من قبل الأسر والمجموعات المشكلة للمجتمع المغربي خلال هذه الفترة، فإن افتقاد أماكن كانت تلبي حاجات ورغبات الأفراد ظل ملازما لمرحلة الحجر الصحي. حيث تعتبر الفضاءات التعليمية والمهنية الأكثر غيابا وافتقادا في حياة المغاربة المبحوثين بنسبة 23 %، تليها المساجد كفضاءات للعبادة الجماعية عند 19.3% منهم، ثم بعدها فضاءات الترفيه والرياضة بنسبة العشر تقريبا (10.9 %). أما الباقي من المواطنين فقد عبر عن افتقاده لبعض الأنشطة الجماعية الأخرى، كزيارة الأقارب بنسبة 15.3 %، والسفر والتنقل بنسبة 16.1 %. في حين تبقى نسبة المفتقدين لفضاءات وخدمات القرب التي تقدمها المقاهي والمطاعم، والصالونات والحمامات ضعيفة، إما لوجود بدائل عنها بالبيوت وفضاءات السكن. أو لتركيز الناس على الحاجي والأساسي في حياتهم في مقابل تأجيل الكمالي والتكميلي خلال هذه الفترة. خلال مرحلة الحجر الصحي سواء الأولى أو الثانية، صار التواصل عن بعد هو الوسيلة الأكثر فعالية والأكثر اعتمادا لتحقيق عدد من الحاجات والرغبات المجتمعية للأفراد، وبذلك أصبح الولوج للأنترنت حاجة عامة جرت تلبيتها، بنسبة لا تقل عن 96.6 %، وهي بذلك ظلت مستقرة بين مرحلتي هذا البحث، كما أن نسبة استقاء الأخبار والمعلومات عن الجائحة بواسطة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي بقيت مرتفعة أكثر من أية وسيلة أخرى. مخاوف من "المجهول" أمام المخاوف والقلق الكبير الذي لازال يثيره الفيروس، تظل الأسرة والعائلة الملجأ الأساسي لأفراد العينة في حالة الحاجة إلى المساعدة. فجوابا عن سؤال إلى من تلجأ في حالة الحاجة إلى مساعدة، أكد 73% من المستجوبين لجوؤهم إلى الأسرة والعائلة. وما يزيد من تعميق هذا الرابط، وما يدل أيضا على قوته، بالرغم من كل التحولات التي لحقته، اعتبار الأغلبية المطلقة 83% أن ظروف هذه الأزمة الصحية قوت من علاقتهم بأفراد العائلة. فيما اعتبر فقط، 4% بأن الأزمة قوت روابطه مع مؤسسات الدولة. و1,5% من تقوت علاقتهم مع الجيران خلال ظروف هذا الوباء. ومن جهة أخرى، اعتبر حوالي 80% من المستجوبين بأن ظروف الوباء غيرت من سلوكياتهم اتجاه محيطهم فيما أجابت النسبة المتبقية بالنفي. يسهل علينا أن نلاحظ من خلال قراءة بسيطة ومباشرة للمبيانات والأرقام أن الجائحة، بالرغم من كل تداعياتها الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، فقد ساهمت في إحياء روابط التضامن والتعاون بين التكتلات والأنساق الهوياتية الصغرى بمختلف تسمياتها. وتبرز الهوية العائلية كنموذج مركزي في هذا السياق، حيث يصرح 73 % من المواطنين أن العائلة مثلت وتمثل الملجأ الأساسي لطلب المساعدة عند الضيق والحاجة، تليها جماعة الأصدقاء بنسبة 17 %، في حين كان الاعتماد على مؤسسات الدولة مطلب 6% من المواطنين، لتحل قبل جماعات الزمالة في العمل التي لم تتجاوز نسبتها ثلاث نقط من المائة. وهذا يؤشر على مركزية مساهمة الرابط العائلي في تخفيف الظروف التي نتجت عن الطوارئ الصحية. فيبرز سلوك التضامن عند أفراد العائلة الواحدة كالتزام تطوعي متعدد الأبعاد، لصالح غير القادرين من بينهم على تلبية حاجاتهم الاقتصادية، فرادى أو أربابا لأسر متعددة الأفراد. اهتزاز العقلانيات الهشة أم تفاوض مع واقع الجائحة؟ لقد عبر أكثر من ثلثي العينة62% عن ثقتهم الكبيرة في العلم و الطب، وتتوزع النسبة الباقية بين الثقة المتوسطة 23% والثقة الضعيفة 7% والمنعدمة 2%، فيما رفض الجواب عن السؤال 6% . ومقابل هذه الثقة لاحظنا تراجعا في نسبة من يعتقدون في "نظرية المؤامرة" وأن الفيروس صناعة مختبرية. ففي الوقت الذي كانت فيه هذه النسبة تصل إلى حوالي 59% في المرحلة الأولى من البحث، تراجعت هذه النسبة لتصل إلى 35%. وبالمقابل ارتفعت نسبة الاعتقاد في أن كورونا مرض كغيره من الأمراض، وارتفاع طفيف للاعتقاد في أنه عقوبة إلهية، والتي تضاعفت ما بين البحث الأول 5%، والثاني لتكون إجابة 10% من المبحوثين. كما ارتفعت نسبة الذين ما زالوا يعبرون عن عدم درايتهم بمصدر الفيروس إلى 17 في المائة. وبالرغم من أن الشكل التقليدي للوقاية من الأمراض يظل مرتبطا بالعديد من التمثلات الشائعة من قبيل "الحاضي الله" و"لن يصيبنا إلا ما قدر لنا" والموت والحياة بيد الله"، إلا أن تفشي كورونا وفرض الحجر الصحي قد أبان عن كون هذه العقلانيات ذات الحمولة الميتافيزيقية، فقدت قدرا كبيرا من التأثير. وتمثل هذا النزوع نحو عقلانية مبنية على الاعتماد على العلم و الطب، من خلال ما يوضحه عدد المبحوثين الذين اعتبروا أن أول إجراء يجب القيام به في حالة الإصابة بالفيروس هو الاتصال بالرقم الأخضر للتدخل الطبي بنسبة فاقت 80% . في حين انعدمت نسبة التوجه نحو الرقاة او المعالجين التقليديين. وفي نفس اتجاه تراجع هذه العقلانية الهشة، ربما بسبب طول مدة الفيروس، وفشل الخطاب الذي روج للطب البديل والتداوي بالأعشاب، أكد أكثر من 64% من أفراد العينة على أنه لا يمكن معالجة الفيروس بالأعشاب والتوابل و الأغذية فقط. و14% أقروا بإمكانية ذلك. مقابل 22% لم يكن لهم موقف محدد. تثبت العديد من الدراسات التي تناولت تحولات القيم الدينية لدى المرضى، وخاصة لدى المصابين بالأمراض المزمنة، أن هناك اتجاهان اثنان تأخذهما هذه القيم: تصاعد حاد في الإقبال على العبادات والممارسات، أو إعادة التفكير المطلق في دور الدين والتوجه نحو مراجعة درجة الإيمان بالتفسيرات الغيبية، التي لم تستطع أن تجد حلا للمريض أثناء مروره بالأزمات الصحية الحادة. وبالرغم من صعوبة تصنيف مبحوثي العينة بين هذين الاتجاهين، في هذه الدراسة، يبقى الملاحظ أن الموقف من إغلاق المساجد ظل ثابتا في نسبته المرتفعة بين المرحلة البحثية الأولى والثانية (أكثر من 90%). فيما ظهر بوضوح أن الدين كقيمة مهيكلة للنسق القيمي للفئة المبحوثة ظل ثابتا هو الآخر. فبخصوص تقييمهم للدور الذي أصبح يلعبه الدين في حياتهم خلال فترة الحجر الصحي، فقد صرح حوالي نصف المبحوثين (50 %) عن كون هذا الدور قوي ويشمل كل مناحي حياتهم، فيما حصر (33%) من المبحوثين أهمية هذا الدور في حياتهم الروحية. و(9%) في حياتهم العائلية والاجتماعية. بينما لم تتجاوز نسبة من صرحوا بكون الدين لا يلعب أي دور في حياتهم على الإطلاق خلال فترة الحجر الصحي نسبة (8%). مرة أخرى تعكس هذه الأرقام على المستوى العام، بعض المظاهر العامة لعلاقة المغاربة بالدين، من قبيل الارتفاع العام لمستوى التدين والارتباط بالدين مع اختلاف تصريفه والتعبير عنه، ما بين حصر تأثيره في المجال الفرداني الروحي أو امتداده في مختلف أشكال وأنماط الحياة الاجتماعية والعائلية. من جهة أخرى تكشف هذه الأرقام عن كون ارتفاع نسبة التدين في المجتمع المغربي لم يمنع ظهور هوامش، حتى و إن كانت محدودة، فهي جد معبرة لصالح بروز موقف من قبيل "لا دور للدين على الإطلاق" ، إذ إن نسبة (8%) من المبحوثين، الذي صرحوا بكون الدين لا يلعب أي دور في حياتهم بالمطلق خلال فترة الحجر الصحي تبقى نسبة لها دلالتها السوسيولوجية، رغم ضعفها الكمي مقارنة بالعدد العام للمبحوثين. تجدر الإشارة إلى أن محاولة فهم مدى تأثير الحجر الصحي على تدين المستجوبين تبقى غير آمنة في غياب تصور عن مدى ومستوى تدينهم في الفترة الزمنية السابقة على الجائحة. في مجمل الأحوال تعكس أجوبة المبحوثين، بشكل عام، ملمحا سوسيولوجيا مهما من ملامح مجتمع الدراسة، الذي اخترقته العقلانية في شقها المرتبط بالاعتقاد بالعلم وجدواه بدرجة كبيرة؛ دون أن تستطيع هذه العقلانية تغطية وتجاوز كل آليات المقاومة والتعبير الأخرى. على المستوى الخاص، تعبر إجابات المبحوثين بشكل كبير، عن حالة العجز التي لم تتورع وسائل الإعلام ومن خلالها المشتغلين والمستثمرين في مجال اللقاحات والصناعات الدوائية عن إبدائها، من خلال التعبير المتواصل عن استحالة الوصول إلى دواء أو لقاح مضمون في الأمد القريب. انزياح نسبي للشك في النظام الصحي وثبات الرضا عن إجراءات السلطات العمومية شهدت أسباب الخوف من كورونا تباينا واضحا في توزيع النسب ما بين المرحلة الأولى من البحث والمرحلة الثانية. ففي الوقت الذي كان مبعث القلق الأساسي في البداية، راجع إلى ضعف وهشاشة البنية الصحية والاستشفائية بالبلاد بنسبة58% ، تراجع هذا السبب ليتصدر الترتيب خلال المرحلة الثانية من البحث سبب آخر مرتبط بعدم وجود علاج لكورونا. ولم يعد في المرحلة الثانية من البحث سوى25% من المبحوثين سبب الخوف من كورونا إلى هشاشة البنيات والمؤسسات الصحية. يظهر إذن، أن أفراد العينة قد اكتسبوا مزيدا من الثقة في قدرة المؤسسات الصحية على التعامل مع الوباء، بعد أن ساد في المرحلة البحثية الأولى خوف من عدم قدرة النظام الصحي على استيعاب أعداد المرضى وضمان استشفائهم. غير أنه مع توالي الزمن والتحكم في عدد المصابين، وظهور حالات الشفاء، واستقرار نسبة الوفيات في أقل من ثلاثة في المائة، اكتسب الناس مزيدا من الثقة في المؤسسات الصحية وقدرتها على تدبير الجائحة. غير أنه وبالرغم من استعادة هذا القدر من الثقة في المؤسسات الصحية، وتراجع الخوف من كورونا بسبب هذه الهشاشة كما سجلنا في المرحلة الأولى من البحث، ظلت نسبة القلقين إلى القلقين جدا من كورونا تناهز 80%. وتتعزز هذه النسبة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصنيف أكثر من حوالي 60 % من المبحوثين المرض باعتباره خطيرا جدا واعتبره 36% متوسط الخطورة. وعلاقة بإجراءات السلطات العمومية لمواجهة الجائحة بتمديد الحجر الصحي، فقد اعتبرها 78% من المبحوثين ضرورية، كما يمكن أن نرصد مؤشرا على ثقتهم في ما تقوم به السلطات العمومية في كون 67.2% من أفراد العينة لم يتهافتوا على اقتناء حاجيات زائدة للتخزين (أغذية، أدوية...) بعد إعلان التمديد. وهي نفس النسبة تقريبا من المبحوثين (66.5%) التي تفضل البقاء في مكان إقامتها الحالي بدون نية أو رغبة التواجد في مكان آخر. كما تظهر هذه الثقة أيضا في الموقف من الخطاب الرسمي حول الجائحة، بحيث عبر 60.6% من أفراد العينة عن تتبع يومي لما يقوله الإعلام الرسمي، مقابل 35% تتابعه بشكل متقطع. فالملاحظ إذن، أن هذه النسب لا تختلف كثيرا عن تلك التي وردت في المرحلة الأولى من البحث. المسؤولية المجتمعية والعقلانية غير المكلفة من أهم الخصائص الطبية لوباء كورونا، سرعة الانتشار. لذلك قامت التدابير الأساسية للحجر الصحي على ضرورة تقليل الاتصال بين الناس. هذه الخاصية جعلت من الوباء تهديدا للفرد وصحته الجسدية، لكنها جعلته أيضا في حالة خوف مستمر من نقل العدوى. بهذا المعنى لم يعد المرض شأنا فرديا، بل شأنا يهم الفرد، الأسرة، المجتمع ومؤسسات الدولة. من هذا المنطلق، تضمنت الاستمارة البحثية الثانية عددا من الأسئلة الرامية إلى الوقوف عند تمثلات الناس للروابط الاجتماعية في علاقتها بمفهوم المواطنة وتعريف المواطن. وهكذا نجد أن 55.3% من المستجوبين، يعتبرون من المسؤولية الاجتماعية اعتبار كل من يتم التقاء بهم حاملين مفترضين للفيروس. كما أنه وفي تناغم مع الرضا عن إجراءات الحجر الصحي، اعتبر88% من المستجوبين أن تعريف المواطن المسؤول هو ذلك الذي يحترم إجراءات الحجر الصحي، في حين أن ربط المواطنة المسؤولة بالمساهمة في صندوق كورونا لم يحضر إلا عند 1% من المبحوثين. وفي نفس السياق عبر 68% من أفراد العينة عن موقف سلبي من الذين لا يحترمون إجراءات الحجر الصحي. ويتعزز هذا الموقف السلبي بنسبة 26% من الذين ربطوا بين عدم الالتزام بإجراءات الحجر الصحي والأنانية وعدم التفكير في الآخرين. في حين لم يعتبر سوى 3% من المستجوبين الأمر كحرية فردية في التصرف والسلوك. كما تجدر الإشارة في إطار الحديث عن المسؤولية المواطنية، عن تصريح 31% من أفراد العينة عن كونهم انخرطوا أو شاركوا بطرق مختلفة في نشاط جماعي توعوي يخص مكافحة تفشي الفيروس. وعلى الرغم من أهمية هذه النتائج، التي تعلي من المواقف الإيجابية اتجاه ضرورة التحلي بروح المسؤولية، واحترام إجراءات الحجر الصحي؛ فإن الملاحظة الأساسية حولها مرتبطة بارتفاع نسبة المواقف الإيجابية من ضرورة احترام إجراءات الحجر الصحي والتحسيس والتوعية بأهميته، في حين أن المساهمة في صندوق كورنا لم تحظى سوى بنسبة%1 ويحيلنا تدني هذه النسبة على العديد من الإشكاليات والفرضيات المرتبطة بالعلاقة مع المؤسسات بصفة عامة وصندوق كورونا بوجه خاص مع العلم أن نسبة 35% من المبحوثين.