أحد كان يتوقع، أن يعلن موقع كود الإلكتروني، في بيان له، أنه سيصبح منصة للدعوة إلى الإسلام. كل ما كان يتوقعه الكثيرون، أن مدير الموقع، سينشر اعتذارا عن مقال الرأي المستفز، الذي قارن بين الجعة والصلاة، ورجّح أن الخمارات تسهم في التنمية الاقتصادية عكس المساجد. أن يعلن "كود" عن هذا التحول الجذري، من نصرة العلمانية والحداثة إلى الدعوة إلى القرآن والسنة، والتبشير بالقيم الإسلامية، في بيان مطول يشرح فيه، سياقات هذه المراجعة الفكرية، بسبب مقال رأي مستفز، فهذا أمر أغرب من الغرابة. لم يسبق لوسيلة إعلامية في العالم، أن عاقبت نفسها، بمراجعة راديكالية لتوجهها التحريري، إذا ما وقع خطأ متعمد أو غير متعمد، في نشر الأخبار أو الآراء. يعرف المتابعون، أن الموقع لم يصبح في ملكية حركة دعوية إسلامية، ولم يوظف حماد القباج ليكون كاتب رأي، ولم يجعل رضوان بنعبد السلام مراسلا، ولم يتعاقد مع الشيخ حسن الكتاني، ولا اتصل بالشيخ عمر الحدوشي، ولا طلب من المفكر المغربي إدريس الكنبوري، أن ينشر سلسلته في نقد فكر محمد شحرور، ولم يتعاقد مع رئيس الحكومة السابق الأستاذ عبدالإله بنكيران، ليلقي مواعظ إيمانية مصورة. ولا تحالف مع حركة التوحيد والإصلاح أو جماعة العدل والإحسان. المفاجئ في البيان، أن صحفيي وكُتاب الموقع، يعلنون استعدادهم لنصرة المرجعية الإسلامية قولا وفعلا. هناك غموض، يلف هذا البيان الذي يعلن عن مراجعة مضحكة لاختيارات الموقع الإلكتروني، من هذا الذي كان سببا في تبنيه للمرجعية الدينية؟ لا يعقل أن يكون مقال رأي، أحدث هذا التحول، الذي نتج عنه بيان مطول، يشرح فيه التوجه الجديد. ما أثار الاستغراب، أن كاتب البيان، قال: "رأينا، أن الاعتذار لا يكفي، فاختارنا مناصرة المرجعية الإسلامية، تعبدا لله، ثم إرضاء لجموع المسلمين في هذا البلد الحبيب". جُنَّ رموز الخطاب العلماني، وعم الفرح والسرور الشباب الفيسبوكي، الذي يحارب العلمانية والإلحاد، وتأسفت صفحات التنوير، لهذا التراجع غير المقنع. طالب محبو الموقع هيئة التحرير، أن تكتب اعتذارا فقط ، وهذا المعمول به في العمل المهني الإعلامي، لا أن يعاقب الموقع جمهوره، بتخليه عن مرجعيته الحداثية، والارتماء في أحضان مرجعية كان يحاربها. لم يستسغ القراء هذا البيان، وراحوا يذكرون الموقع، بعناوين مقالات سابقة، مشابهة لمقال صاحب الرأي المستفز، غير أنه لم يصدر عنه بيان ولا بلاغ،ومن هذه المقالات: مقال يسخر من الدعاء بالرحمة للأموات، أكانوا مسلمين أم ملحدين؛ مقال يدافع عن الدعارة زمن كورونا؛ مقال يشتم الصحافي يوسف بلهيسي بألفاظ نابية؛ مقال يفسر كشف المرأة لمؤخرتها في روتيني اليومي، بالاستقلال المادي؛ مقال يدافع عن نقد الإسلام؛ مقال يدافع عن حقوق المثليين؛ مقال يوضح أن رمضان ليس شهر العبادة ، بل شهر الجنس والقمار والشيشة... إلخ. يبدو أن كاتب البيان، كما لو أنه قام بدراسة محتوى الموقع، منذ أن انطلق، واكتشف أنه يستفز المسلمين، وينشر إعلانات تبشير المسيحيين، فاعتقد أن كتابة اعتذار عن مقال واحد، لكاتب ديدنه استفزاز المشاعر الإسلامية، والإكثار من الحديث عن الحرية الجنسية، لن يصدقه المسلمون، فلو أراد أن يعتذر، عليه أن يعتذر عن المئات المقالات المستفزة منذ أن انطلق الموقع. لذلك، صاغ كاتب البيان، رؤية في المراجعة الفكرية، وأعلن أن جميع الصحافيين وكتاب الرأي، سيعلنون التوبة والندم، في بث مباشر؛ وصرح بلغة مباشرة، أن صاحب المقال المستفز، سيكتب حلقات تشرح كتاب الإبانة في شرح أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري، تقوية لعقيدته الإسلامية؛ وسترتدي الصحافيتان-المتصارعتان حول أخبار مؤخرة كيم كاردشيان الخميسات-الحجاب؛ وسيعمل الموقع على استضافة المقرئ الإدريسي أبو زيد، للحديث عن المؤامرات التي تواجه الأمة الإسلامية؛ وستصبح القضية المركزية في السياسة التحريرية، الدعوة إلى العفة، وتشجيع الزواج على سنة الله ورسوله... ما أعلن عنه موقع كود في بيانه، أسبابه غير واضحة، وما يقال يبقى مجرد تحليلات نسبية. شخصيا، لم أصدق أن هذا البيان، صادر عن إدارة الموقع، وأرجح أنه مقال، لكاتب ساخر، لم يستسغ إلزام الموقع بالاعتذار عن مقال الرأي المستفز.