إذا كانت حكومة العثماني لم تخرج لتوضح بشكل صريح خطتها بشأن عدد من القضايا وكذا "تعايش" المواطنين مع الوباء، فإن واقع الحال يفيد أن هناك عواقب أكبر على الاقتصاد المغربي، إذ تكبد الكثير جراء توقف جميع الأنشطة، خصوصا المركزية منها على مستوى الميزانية، والتي قدرها وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة قبل أسابيع، بما يقارب مليار درهم عن كل يوم من الحجر الصحي، إلا أن البروفيسور مصطفى الناجي، يشدد أن المغرب يوجد أمام منعرج أخير في اتجاه العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، لكن "المواطن يوجد هو الآخر أمام الامتحان الأصعب على الإطلاق". ويربط البروفيسور الناجي بين مواصلة المواطنين التزامهم الكامل والتقيد الصارم بكافة التدابير الاحترازية المعلن عنها، من تباعد جسدي، وقواعد النظافة العامة وإلزامية ارتداء الكمامات الواقية وتحميل تطبيق ‘وقايتنا' من جهة، وبين نجاح بلوغ المغرب بر "الأمان" في هذه المعادلة الصعبة، مشددا على أن الخروج من هذه الأزمة رهين بوعي المواطن ومسؤوليته خلال المرحلة المقبلة التي ستكون حاسمة وحساسة". وأكد مدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المواطنين أن فيروس كورونا لم ينته أبدا، بل وقد يطور نفسه وتظهر طفرة جديدة تؤسس لموجة ثانية من الإصابات قد تكون أسوأ من سابقتها، في حالة لم ينجح المغاربة في امتحان المسؤولية الذي هم مقبلون عليه في المرحلة المقبلة. وأكد الناجي، في تصريح لجريدة "أخبار اليوم"، أن "المواطن اليوم ملزم بتبني سلوكيات جديدة، وضمنها ارتداء الكمامات والقفازات والتباعد الاجتماعي، والحرص على تنظيف وتعقيم اليدين، وتجنب الاكتظاظ، وعدم ارتداء الأسواق والشواطئ في أوقات الذروة، وأيضا الامتثال لجميع التدابير الموصى بها من طرف السلطات، بما فيها تجنب الزيارات العائلية ومشاركة الطعام في طبق واحد وغيرها". وشدد البروفيسور والأستاذ الجامعي على أن إجراءات تخفيف الحجر لا علاقة لها بزوال الفيروس، بل تأتي إنقاذا للاقتصاد الوطني، على اعتبار أن "الوباء لازال باق معنا، ولا نزال نسجل بؤرا مهنية وغيرها بأعداد متفاوتة لا تبعث على الاطمئنان كثيرا، بل تستدعي مزيدا من الحيطة والحذر وهذا ما يستوجب أن لا يتغير سلوكنا الحالي اتجاه الفيروس". وحذر البروفيسور والأستاذ الجامعي من أي تراخي من طرف المواطنين وأرباب المعامل، في التعامل مع التدابير الاحترازية خلال الفترة المقبلة من التعايش مع الوباء، مشيرا إلى أن مجموعة من الباحثين في مجال الفيروسات والأطباء الصينيين، قالوا إنه ليس من المرجح أن "يختفي" فيروس كورونا المستجد بالطريقة التي حدثت مع فيروس سارس قبل 17 عاما، وذلك لأن كورونا قادر على الدخول إلى جسم الإنسان وعدم التسبب بأي أعراض، على عكس سارس، "وهنا تكمن خطورته، لذلك وجب التعامل بحذر كبير"، يقول المتحدث. أما البروفيسور الأخصائي في الأمراض المعدية، جمال الدين البوزيدي، فأوضح من جهته، أن الفيروس يطور نفسه وجيناته بشكل مستمر، ما يجعل المواطن عرضة للإصابة في أي لحظة إذا ما لم يلتزم بالإجراءات الموصى بها. ونبه البوزيدي إلى أن "كورونا" المستجد، هو "فيروس حديث العهد بالخبراء، وبالتالي، لم يكشف بعد عن كل خصائصه، إذ من الممكن أن يكون على سطح أي شيء نلمسه أو نقربه، ثم إن الفيروس التاجي، الذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات ARN، تكون لديه قدرة كبيرة على التحول، وإن كان لم يطرأ عليه أي تحول كبير إلى حدود الآن". وشدد البوزيدي أن "مرض "كورونا" من الناحية العلمية ومن حيث السند الطبي العلمي، لا يوجد دواء له أو حتى لقاح ضد الإصابة به، وبالتالي، تبقى الوسيلة الوحيدة من أجل الحماية من الإصابة، هي الالتزام بشروط التدابير الوقائية والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات بالطريقة الصحية والطبية التي تحمي بنسبة 95 في المائة من خطر الإصابة، خاصة في الأماكن المغلقة كالمنازل وأماكن العمل، حيث تكون نسبة احتمالية العدوى تفوق 75 في المائة، فيما تقل نسبة العدوى في الأماكن المفتوحة غير المكتظة بنسبة 12.5 في المائة". وينظر الخبراء إلى سلوك المواطن بقلق شديد، في وقت ألقت الدولة بكرة مواجهة الفيروس إلى مرمى الوعي المجتمعي لكسب هذه المرحلة الثانية من التعامل مع الوباء، والتي تقتضي التعايش معه من خلال احترام الإجراءات الوقائية، من قبيل "التباعد الجسدي" و"احترام مسافة الأمان" و"استعمال الكمامة" و"التعقيم المستمر"، و"دورية مراقبة الحرارة"، وهي كلها إجراءات لن تتمكن السلطات العمومية من فرضها، في غياب وعي المواطن المعول عليه من أجل إنجاح المخطط التخفيفي للحجر الصحي استعدادا لرفع حالة الطوارئ.