يبدو أن الصراع بين حاكم مدينة سبتةالمحتلة والسلطات المغربية اتخذ أبعادا أخرى تسير في اتجاه التصعيد. إذ لم يعد الصراع يقتصر على القضايا السياسية والاقتصادية والتجارية، بل انتقل إلى الحقل الديني من خلال حرمان آلاف المغاربة والمسلمين السبتاويين من الاحتفاء بشعيرة العيد هذه السنة، تحت ذريعة حماية السكان من احتمال عودة الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد. لكن هذا القرار الذي اتخذه اليميني حاكم سبتة عن الحزب الشعبي، خوان بيباس، يوم الجمعة الماضي، أثار ويثير الكثير من الجدل في الثغر المحتل والمدن المغربية المجاورة له، إذ اعُتبر بمثابة فعل تمييز واستفزاز وإهانة لمشاعر مسلمي سبتة الذين يشكلون نصف سكان المدينة تقريبا. ومما زاد من الطابع السياسي للقرار هو تأكيد حكومة مليلية المعتدلة أنها ستضمن احتفاء مسلميها بعيد الأضحى، مع تعليق صلاة العيد جماعة فقط لدواع صحية. في هذا الصدد، قرر المجلس الحكومي المحلي لسبتة، الذي يتكون من الحزب الشعبي اليميني وحزب «فوكس» اليميني المتطرف، يوم الجمعة الماضي، إلغاء شعيرة عيد الأضحى هذه السنة والمرتقب في 31 يوليوز المقبل. وبررت حكومة سبتة هذا القرار المثير للجدل بوجود تقارير أعدتها وزارة الصحة في الحكومة نفسها تؤكد ضرورة إلغاء العيد. في المقابل، انتقد حزب «حركة الكرامة والمواطنة» المحلي بسبتة قرار إلغاء العيد، وأعتبر أن الأمر فيه نوع من التمييز والاستفزاز للمسلمين، إذ تساءل عن الأسباب الحقيقية لإلغاء شعيرة أسرية بامتياز ودون تجمعات، فيما يسمح بتجمعات مسيحية لعشرات الأشخاص. فاطمة حميد، النائبة السبتاوية عن حزب «حركة الكرامة والمواطنة»، انتقدت اليميني خوان بيباس، وسألته قائلا: «يجب شرح سبب إلغاء العيد في وسط أسري ضيق وخاص، لكن، في المقابل، يمكن الاحتفاء بحفل زواج واستدعاء 300 شخص»، وتابعت أنه «لا يوجد أي دليل قانوني ولا موضوعي ولا صحي مقنع»، وأشارت إلى حكومة مليلية، المكونة من حزب الوسط «مواطنون» والحزب الاشتراكي والحزب المحلي تحالف مليلية، والتي حرصت على احترام مشاعر المسلمين من خلال السماح بالاحتفاء بالعيد مع تعليق صلاته جماعة فقط. من جهته، هاجم الحزب الشعبي رافضي القرار، واتهمهم بمحاولة استغلال عيد الأضحى لأهداف سياسية، ووجه خطابه إلى فاطمة حميد قائلا: «يجب على السيدة فاطمة حميد أن تعيد التفكير في خطورة كلامها، لأنه بالنسبة إلى الرئيس خوان بيباس فإن حياة وصحة السبتاويين أولى، وفوق أي اعتبار، وهذا القرار تدعمه التقارير التقنية التي أنجزتها وزارة الصحة»، فيما قالت حكومة سبتة إن «السباتويين سواسية باختلاف أعراقهم ودياناتهم». وضم الحزب الاشتراكي صوته إلى المسلمين، إذ طالب حاكم سبتة بالتراجع عن قراره. في هذا قال الحزب الاشتراكي: «موقف الحكومة هو الازدراء بعينه تجاه الساكنة المسلمة لسبتة، والتي لم تكلف الحكومة نفسها عناء استشارتها أو طلب رأيها؛ وكان القرار أحاديا، لا أقل ولا أكثر، من وزارة الصحة المحلية». وكشف مصدر مطلع بسبتة ل«أخبار اليوم» أن قرار تعليق عيد الأضحى من لدن حكومة سبتة «جرى الطعن فيه، ولم يتأكد بعد إن كان سيلغى أم لا»، مشيرا إلى أن «تعليق العيد من عدمه سيُعرف اليوم الثلاثاء». ويبدو أن حاكم سبتة اتخذ القرار بشكل أحادي دون العودة إلى المفوضية الإسلامية بإسبانيا ولا إلى باقي الهيئات الإسلامية. وقال المصدر إن «السلطات اتخذت القرار دون موافقة الهيئة الإسلامية التي تمثل سكان سبتة»، ولايزال هناك مجال أمامها للتراجع عن القرار، حيث إن «الموضوع قيد الدراسة بين وزارة الصحة الإسبانية والهيئات الدينية بسبتة قبل الخروج بقرار رسمي». وقالت مصادر مختلفة من سبتة للجريدة إن القرار صادم، حيث لم يسبق أن ألغيت شعيرة العيد في المدينة، وإن «صعود حزب فوكس المتطرف لديه وزنه في سبتة، حيث يضغط على حاكمها بيباس، نظرا إلى المصالح المشتركة بينهما»، وتساءلت المصادر: «كيف يعقل أن يُحتفى بالعيد في مليلية ولا يحتفى به في شقيقتها سبتة؟». محمد بنعيسي، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان والمقيم بتطوان على مشارف سبتة، أوضح ل«أخبار اليوم» أن إلغاء عيد الأضحى بمدينة سبتةالمحتلة «هذه السنة بدعوى تفشي كورونا هو قرار يأتي للتضييق على مسلمي المدينة من لدن اليمين الذي مافتئ يوجه مدفعيته العنصرية صوب السكان الحقيقيين للمدينة منذ وصول حزب فوكس إلى حكم المدينةالمحتلة، ولعل أبرزها اتهامات بالإرهاب لمغاربة سبتة، وتهميشهم، مع محاولات لتغيير البنية السكانية». وفي ظل التضييق الممنهج الذي يتعرض له مغاربة سبتة، طالب بنعيسى السلطات المغربية بالشروع في «وضع خطة عاجلة من أجل إعادة شريان الحياة بين المدينتين، طبعا دون السماح بعودة أي شكل من أشكال الأنشطة غير المشروعة كالتهريب، وبين باقي التراب الوطني، ما سيسمح لمغاربة المدينتين بتعزيز أواصر ارتباطهم ببلدهم الأم». من جانبها، أفادت الصحافية الإسبانية، صونيا مورينا، المهتمة بشؤون سبتة ومليلية، في حديثها للجريدة، بأنه من حق ساكنة سبتة أن تتساءل عن سبب التعليق وهي ترى سلطات مليلية تتشبث بالعيد. وترجح صونيا أن يكون حديث حكومة سبتة عن إمكانية عودة الفيروس في حال الاحتفاء بالعيد «مجرد ذريعة»، مبرزة أن «وجود حزب فوكس مع الحزب الشعبي في الحكومة لا يساعد». وتذهب صونيا إلى أبعد من ذلك بالقول إن القرار قد يكون يراد منه توجيه ضربة ولو صغيرة إلى المغرب، ردا على إغلاقه الحدود ومنع التهريب المعيشي من المدينة. ولا تستبعد أن يكون القرار سياسيا مغلفا بثوب صحي. كما أن القرار قد يراد منه، كذلك، التشويش من حكومة محلية يمينية على العلاقات الجيدة بين الحكومة المركزية اليسارية والحكومة المغربية. وخلصت صونيا إلى أن سلطات سبتة تدرك أن هذا القرار لن ينظر إليه بعين الرضا في الرباط، حيث قد يعتبر استفزازا.