رغم تراجع حالات الإصابات بفيروس كورونا المستجد في المغرب بشكل واضح في الأيام الأخيرة مقابل ارتفاع عدد المعافين، إلا أن المغرب مقبل على أيام صعبة، نظرا إلى التداعيات الاقتصادية والتجارية للأزمة الحالية، إلى جانب تحدي الهجرة غير النظامية الآتية من إفريقيا جنوب الصحراء، بسبب الأزمات التي تعيشها العديد من الدول الإفريقية، والتي ستزداد حدة في مرحلة ما بعد فيروس كورونا. هذا ما حذرت منه وزارة الخارجية الإسبانية بشكل غير مباشر في رد لها على سؤال كتابي برلماني. وتأتي هذه المخاوف الرسمية الإسبانية في الوقت الذي لم يعد فيه المغرب البوابة الرئيسية للعبور إلى أوروبا في غرب البحر الأبيض المتوسط، منذ فرض الحجر الصحي والطوارئ مع منتصف مارس الماضي، حيث انتقل ثقل الهجرة غير النظامية ونشاط المافيا إلى السواحل الجزائرية. بل أكثر من ذلك، حال فيروس كورونا دون ركوب المغاربة قوارب الموت، حيث تراجعوا إلى المرتبة الثانية، فاسحين المجال للجزائريين الذي لم يثنهم الفيروس عن ركوب أمواج المتوسط. ضعف الأنظمة الصحية والاقتصادية تتوقع الحكومة الإسبانية ارتفاع ضغط الهجرة غير النظامية انطلاقا من دول الجوار في الضفة المتوسطية بسبب تداعيات فيروس “كوفيد-19”. وبينما تستعد دول مثل المغرب والجزائر إلى رفع الحجر الصحي، تقول وزارة الخارجية الإسبانية إنه “من المرتقب أن يحدث ارتفاع سريع” للإصابات في الفيروس التاجي في جنوب المتوسط، نظرا إلى “تمركز تجمعات ديمغرافية مهمة فيها، وإلى الضعف الحاد للأنظمة الصحية العامة” للعديد من دول جنوب المتوسط، وفق ما أوردته وكالة الأنباء “أوروبا بريس”. وإذا كان رئيس الحكومة المغربية، سعيد الدين العثماني، حذر من أن الخروج من الحجر الصحي أصعب من دخوله، فإن وزيرة الخارجية الإسبانية، آرانتشا غونثاليث لايا، تتوقع الأسوأ في بعض دول جنوب المتوسط التي تربطها علاقات الجوار مع الجزيرة الإيبيرية. في هذا تقول: “آثار الجائحة يمكن أن تكون مدمرة في الأماكن ذات الأنظمة الاقتصادية الضعيفة وفي ظل غياب بنيات الحماية الاجتماعية”. وتتخوف الحكومة الإسبانية من أن يؤدي تأزم جيرانها الجنوبيين إلى مواجهة شاملة مع الهجرة عبر غرب المتوسط أو الأطلنتي إلى سواحل الجنوب الإسباني، أو برا إلى سبتة ومليلية. وتشير في الرد الكتابي الموثق بتاريخ 11 ماي 2020، أن الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي “تسجل يوميا استمرار ضغط الهجرة خلال الجائحة”. ودقت ناقوس الخطر قائلة: “من المتوقع أن يزداد هذا الضغط نتيجة الجائحة، وما يشكله ذلك من انعكاسات على بلدنا”. كورونا قد يدفع الناس إلى التطرف على غرار مشاكل الهجرة والاقتصاد التي يطرحها الفيروس في المغرب والجزائر وباقي دول جنوب المتوسط، عادت وزارة الخارجية الإسبانية لتحذر في نفس الوثيقة (الرد البرلماني) من أن التأثير “القوي” للجائحة على بلدان المنطقة “من المتوقع أن يؤدي إلى تطرف هذه المجتمعات الهشة، وهو الشيء الذي قد يتسبب في عواقب فورية”. ومن أجل مواجهة هذه التحديات في دول جنوب المتوسط، دعت الحكومة الإسبانية إلى “التحرك بسرعة والاستجابة للحاجيات الواقعية للشركاء الجنوبيين” للاتحاد الأوروبي، حيث تعترف أن بلدان جنوب المتوسط هي “الركيزة الأولى لسياسة السيطرة على الهجرة”، التي تنهجها مدريد وبروكسيل. في إشارة واضحة إلى ضرورة دعم المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا لمحاربة تداعيات ”كوفيد-19”. وتدرك إسبانيا والاتحاد الأوروبي أن المغرب امتداد لأمنهما القومي، لاسيما فيما يتعلق بمحاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب، لهذا سارعت المفوضية الأوروبية إلى تخصيص هذه السنة 457 مليون أورو لمساعدة خزينة الدولة المغربية على مواجهة تكاليف فيروس كورونا المستجد، بدءا من تعزيز البرامج الصحية والحماية الاجتماعية والتعليم والتنافسية… وقد تسلم المغرب، يوم 29 ماي المنصرم، جزءا من هذا الدعم المالي قدره 157 مليون أورو، على أساس أن يسلم 300 مليون أورو الباقية قبل نهاية السنة الجارية، وفق الحكومة المغربية والمفوضية الأوروبية. “الحريك” ينتقل من المغرب إلى الجزائر تكشف آخر المعطيات الرسمية وغير الرسمية الإسبانية أن ثقل الهجرة غير النظامية ونشاطات المافيا انتقل هذه السنة بشكل واضح من المغرب إلى الجزائر، لكنه ازداد منذ فرض الحجر الصحي وحالة الطوارئ بالبلدين المغاربيين وإسبانيا منذ منتصف مارس الماضي. وبينت معطيات وأرقام نشرتها صحيفة “يومية إشبيلية”، أن الحرّاكة الجزائريين تفوقوا على نظرائهم المغاربة في العبور إلى السواحل الإسبانية هذه السنة، وهو معطى قلّما يُسجل منذ بروز ظاهرة قوارب الموت سنة 1988. وأشار المصدر ذاته إلى أن ثلاثة من أصل أربعة “حرّاكة” يصلون إلى سواحل جنوب الجزيرة الإبييرية منذ فاتح يناير الماضي، خَرَجُوا من سواحل الجزائر. وبلغة الأرقام، كشف المصدر ذاته وصول 984 مهاجرا مغربيا غير نظامي إلى إسبانيا مقابل 1699 جزائريا ما بين فاتح يناير الماضي و19 ماي المنصرم. وأشار المصدر عينه إلى تغير قواعد “الحريك”، حيث إن الأمر لا يتعلق بتراجع عدد “الحرّاكة” المغاربة وضغط الهجرة على السواحل المغربية، بل بتسجيل خروج المهاجرون من الجزائر مباشرة إلى سواحل إسبانيا دون المرور عبر المياه المغربية، كما أصبحوا يستعملون الدراجات المائية السريعة بدل القوارب المتهالكة، مشيرا إلى أن كل واحد يرد “الحريك” من الجزائر يدفع للمافيا ما بين 20 ألفا إلى 25 ألف درهم. ويرجع أغلب الخبراء والتقارير تراجع انتقال ضغط الهجرة غير النظامية إلى إسبانيا من المغرب إلى سواحل الجزائر، إلى التعاون والتنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا منذ صيف 2018 من ناحية، وإلى الدعم الأوروبي المادي والمعنوي للمغرب من ناحية أخرى، إلى جانب أن التطبيق الصارم لإجراءات الحجر الصحي والطوارئ في المغرب، خاصة فيما يتعلق بالتنقل بين المدن، عطل تحركات المافيا والمهاجرين غير النظاميين؛ علاوة على أن ضغط الهجرة انتقل من شمال المغرب إلى جنوبه، إذ إن خروج عدد مهم مقارنة مع السنوات الماضية، من سواحل الأقاليم الجنوبية صوب جزء الكناري، ساهم في ارتفاع عدد المهاجرين الواصلين إلى هذه الجزر خلال السنة الجاري بنسبة 636 في المائة مقارنة مع السنة الماضية.