بعد محاكمة استغرقت ثلاث جلسات، قضت الغرفة الجنحية التلبسية التأديبية بابتدائية مراكش، مساء أول أمس الاثنين، بسنة حبسا نافذا ضد صاحبة قناة على موقع التواصل الاجتماعي “اليوتيوب”، على خلفية بثها شريطا اعتبرت فيه إصابة نقيب هيئة المحامين بمراكش بفيروس كورونا “عقابا إلهيا بسبب دفاعه عن أحد المتهمين في قضية حمزة مون بيبي”، كما قضت الغرفة، برئاسة القاضي فؤاد حلبي، ضد المتهمة، المتابعة في حالة اعتقال، بغرامة مالية قدرها 5000 درهم، وتعويض الطرفين المدنيين بدرهمين رمزيين، واحد لفائدة هيئة المحامين بمراكش، والآخر لصالح نقيبها مولاي سليمان العمراني. وبعدما أعلن 848 محاميا نيابتهم عن الطرف المدني، تم الاكتفاء بلائحة من 6 محامين للمرافعة عن الطرفين المشتكيين، خلال جلسة أمس، في الوقت الذي لم يؤازر فيه أي محام المتهمة، التي سبق لها أن طلبت من المحكمة، خلال الجلسة السابقة الملتئمة بتاريخ الاثنين 4 ماي الفارط، تعيين محام للدفاع عنها، معللة طلب المساعدة القضائية برفض العديد من المحامين مؤازرتها في هذا الملف، ليرشدها رئيس هيئة الحكم إلى تقديم طلب إلى الجهة المختصة، قبل أن يتم تأجيل البت في الملف لهذا السبب، ولم يتسن للجريدة التأكد من تقدمها بطلب، من داخل سجن “الأوداية”، إلى نقيب هيئة المحامين بمراكش، وهو طرف مشتكٍ في الملف، تلتمس منه فيه تعيين محام يدافع عنها في إطار المساعدة القضائية، وهو الطلب الذي من المفترض أن يوافق عليه النقيب بقوة القانون. وقد استغرقت الجلسة الأخيرة زهاء ساعة من الزمن، إذ انطلقت في حدود العاشرة والنصف من صباح أول أمس الاثنين، ورافع خلالها خمسة محامين نيابة عن الطرف المدني، ممثلا في هيئة المحامين بمراكش ونقيبها، واستهل المرافعات النقيب السابق للهيئة نفسها، المحامي مولاي عبد اللطيف احتيتش، الذي اعتبر بأنه ليس من أخلاق الدفاع التسبب في اعتقال أي مواطن، ملقيا بالمسؤولية على من قال إنهم دفعوا بالمتهمة إلى الإدلاء بتصريحات ورّطتها في هذه المحاكمة، وشنّ النقيب احتيتش هجوما عنيفا على من اتهمهم باستغلال “يوتوبورز” كأداة في تصفية حسابات مع محامين، بذريعة أنهم دافعوا عن متهمين في قضية “حمزة مون بيبي”. كما رافع كل من المحامين عبد الرحمان الفقير وميلود لغدش الشياظمي وعبد النبي الزيتوني، من هيئة مراكش، نيابة عن الطرف المشتكي، فيما غادر قاعة الجلسات كاتب مجلس الهيئة عينها، المحامي محمد العجيد، قبل أن يحين دوره في المرافعة، و تناول الكلمة المحامي رشيد الإدريسي، من هيئة الدارالبيضاء، نيابة عن النقيب السابق للهيئة ذاتها، عبد اللطيف بوعشرين، مؤكدا المرافعات السابقة. من جهتها، صرحت المتهمة أنها تعاني من مرض عقلي ونفسي وتتناول أدوية للتعافي منه، نافية بأن تكون لها أية عداوة أو خلاف مع المشتكي، كما نفت بأن يكون حرّضها أي شخص على الإدلاء بتصريحات مسيئة لنقيب محاميي مراكش، مؤكدة، في المقابل، بأنها تستقي مواضيع فيديوهاتها من التصريحات الإعلامية لرئيس جمعية حقوقية، الذي قالت إنها تتواصل معه عبر الواتساب. ممثل الحق العام، القاضي عبد الرحيم المعناوي، التمس إدانة المتهمة وفق فصول المتابعة، معتبرا بأن هناك قرائن وأدلة كافية على مسؤوليتها الجنائية الكاملة عن الأفعال التي تتابع من أجلها، مستدلا على ذلك بأن من ينشئ قناة على مواقع التواصل الاجتماعي ويبث فيها فيديوهات، لا يمكنه أن يكون مريضا عقليا. وحجز رئيس الغرفة الملف للتأمل، حوالي الساعة ال 11 والنصف صباحا، قبل أن ينطق بالحكم، في حدود الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه. هذا وسبق للنقيب احتيتش أن تقدم بشكاية أمام وكيل الملك لدى ابتدائية المدينة، نيابة عن هيئة المحامين بمراكش، الجمعة 3 أبريل الماضي، موضحا فيها بأن شريطا متداولا على مواقع التواصل الاجتماعي تضمّن “سبا وإهانة لهيئة المحامين بمراكش ونقيبها الممارس وللمحامين”، الذين قالت الشكاية إن الفيديو وصفهم بأقبح النعوت، مستدلة على ذلك بعبارات واردة في الشريط نفسه، الذي تم تضمينه في قرص مدمج مرفق بالشكاية، التي اعتبرت بأن الفعل المرتكب منصوص عليه وعلى عقوبته في الفصل 2_447 من القانون الجنائي، والمادة 60 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، والتي تنص على أنه “كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي”، ناهيك عن كون هذا الفعل يشكل “خرقا لمقتضيات القانون المتعلق بالنشر عبر الوسائل الإلكترونية”، تقول الشكاية التي طالبت ب”اتخاذ الإجراءات المناسبة والصارمة في حق المشتكى بها ومتابعتها وفقا لما يقتضيه القانون، واعتبار الفعل آنيّ، مع ما يستتبع ذلك من تطبيق لمقتضيات المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية”، وهي المادة التي تنص على حالات تحقق التلبس. واستنادا إلى مصادر مطلعة، فقد برّرت المشتكى بها، التي يبلغ عمرها 50 سنة، خلال استنطاقها من طرف نائب وكيل الملك، تصريحاتها في الفيديو بدوافع وطنية وبغيرتها على البلاد، نافية بأن يكون أي شخص محتمل أو جهة مفترضة قد حرضتها على بث الشريط، قبل أن تتقدم باعتذار لهيئة المحامين ولنقيبها، الذي غادر، مؤخرا، المستشفى بعد تعافيه تماما من فيروس “كوفيد-19″، غير أن هذا الاعتذار لم يمنع النيابة العامة من إحالة المتهمة على المحاكمة، في حالة اعتقال احتياطي، أمام الابتدائية نفسها، متابعة إياها بجنح: “إهانة محام أثناء قيامه بمهامه، إهانة هيئة منظمة، والمس بالحياة الخاصة للأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، إذ انعقدت الجلسة الأولى بتاريخ الاثنين 6 أبريل الفائت، وتم تأخيرها لاستدعاء الطرف المشتكي. وأمرت النيابة العامة، خلال مرحلة البحث التمهيدي، الضابطة القضائية بعرض المتهمة على خبرة طبية، إذ تمت إحالتها على مستشفى “ابن النفيس” للأمراض النفسية والعقلية، حيث خلصت الخبرة إلى أن “مسؤوليتها الجنائية ناقصة”، وأوضح مصدر قانوني بأن مفهوم المسؤولية الجنائية الناقصة أكد عليه المشرع المغربي في الفصل 135 من القانون الجنائي، الذي نصّت فقرته الأولى على أنه “تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي تنقيص مسؤوليته جزئيا”، في المقابل، اعتبر مصدر من دفاع الطرف المشتكي بأن الخبرة القضائية المذكورة تبقى موضوع نقاش قانوني مادامت لم يتم إجراؤها بطلب من المحكمة. وحسب مصادر متطابقة، فقد سبق للمتهمة أن بثت شريطا كالت فيه اتهامات “خطيرة” لأحد القضاة بابتدائية مراكش، ليتم تقديمها أمام النيابة العامة، التي أصدرت قرارا بإيداعها مستشفى “ابن النفيس”، الذي غادرته بعدما أمضت فيه فترة زمنية قصيرة. يشار إلى أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدارالبيضاء تجري، حاليا، بحثا قضائيا تمهيديا في شأن شكاية أخرى تقدمت بها هيئة المحامين بمراكش، مؤخرا، أمام وكيل الملك لدى ابتدائية المدينة، ضد مجهول تطالب فيها بفتح تحقيق في شأن فيديو جديد ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، كال فيه بطله، الذي لم يكشف عن وجهه، اتهامات لنقيب المحامين بمراكش، وانتقد فيه السرعة التي تعاملت بها النيابة العامة مع الشكاية ضد “اليوتوبورز” المتهمة، إذ قال إنه تم التقدم بها صباح الجمعة 3 أبريل الماضي، ليُصدر وكيل الملك، ساعات قليلة بعد ذلك، تعليماته للدرك الملكي بالمركز الترابي “سيدي عبد الله غيات”، ضواحي مراكش، بتوقيف المشتكى بها ووضعها تحت الحراسة النظرية، قبل أن تُجرى لها مسطرة التقديم أمام أحد نوابه، ابتداءً من الواحدة من زوال اليوم الموالي.