في ظرف أقل من خمسة اشهر عاشت، مرت العلاقات المغربية الفرنسية بثلاث أزمات وضعت العلاقات بين البلدين على محك حقيقي فما إن تكاد تنجلي أزمة، حتى تتفجر أخرى، مما جعل النصف الأول من السنة الجارية تاريخا لأحلك الفترات التي عاشتها العلاقات المغربية الفرنسية على عهد الملك محمد السادس. أول أزمة، تفجرت في فبراير الماضي، عندما استدعت السلطات الفرنسية مدير المخابرات عبد اللطيف الحموشي، للتحقيق معه على خلفية شكاية تتعلق بالتعذيب وضعها الملاكم المثير للجدل زكريا مومني. التصعيد جاء على خلفية شكاية وضعت ضد المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني حول ما قيل إنه تورط في ممارسة التعذيب بالمغرب حيث قام سبعة عناصر من الشرطة الفرنسية بمحاولة تبليغ استدعاء قضائي للمسؤول المغربي بمقر إقامة السفير المغربي بباريس وهو ما اعتبرته المملكة، "خرقا للأعراف الدبلوماسية وبطريقة مستفزة". وخلف هذا الاستدعاء، ردود أفعال قوية من قبل المغرب، الذي أدان بشدة استدعاء مسؤول مغربي خارج إطار القانون والأعراف، بلغ حد استدعاء السفير الفرنسي وإبلاغه احتجاج المغرب رسميا. وعلى إثر ذلك، اتصل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالملك محمد السادس من أجل تطويق الأزمة، غير أن المكالمة الهاتفية التي جمعت الملك محمد السادس بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عقب الحادث، لم تخفف من حدة التوتر الذي تعيشه العلاقات المغربية الفرنسية بسبب أزمة استدعاء مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي من قبل السلطات الفرنسية دون احترام للأعراف الديبلوماسية. وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس آنذاك بأن مسؤولي البلدين "مستمرون في حوارنا الصادق مع السلطات المغربية لتجاوز الصعوبات الأخيرة التي عرفناها وذلك بروح الصداقة والثقة المتبادلة"، إلا أن التفاعلات الأخيرة تكشف، برأي العديد من المراقبين، عن استمرار الأزمة. وكان من تفاعلات هذه الأزمة، قرار وزارة العدل تعليق جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين، وهو مؤشر على تبني المغرب لخيار التصعيد، في وقت اعتبر فيه العديد من المراقبين، أن "صفحة الخلاف في طريقها إلى الطي بعد الاتصال الهاتفي بين الملك والرئيس". وعلى الرغم من الغطاء السياسي لتعليق الاتفاقيات، فإن وزارة العدل أكدت أن تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين، الهدف هو "تقييم جدواها وتحيينها بما يتيح تدارك ما يشوبها من اختلالات"، مضيفة أن "وزير العدل والحريات، وبعدما تأكد لديه عدم احترام اتفاقيات التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، وما أبان عنه ذلك من بروز عدد من الاختلالات والنقائص في هذه الاتفاقيات قرر استدعاء قاضية الاتصال المغربية المعتمدة بفرنسا، إلى حين الاتفاق على حلول مناسبة تضمن الاحترام المتبادل والتام لمنطوق وروح الاتفاقيات التي تربط البلدين، صونا لسيادة الدولتين، على أساس مبدأ المساواة، الذي ينبغي أن يحكم علاقتهما". ولم تكد رياح الود تسري على العلاقات المغربية الفرنسية بعد قضية استدعاء مدير المخابرات عبد اللطيف الحموشي، حتى اندلعت أزمة أخرى في مارس الماضي تسبب فيها تعامل "مهين لسلطات مطار شارل دوكول الفرنسي مع وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، والطاقم المرافقة لهم، لحظة عودتهم إلى المغرب قادمين من لاهاي عبر باريس. وزير الخارجية المغربي، تعرض لتفتيش مهين من قبل أمن المطار الفرنسي، هو والطاقم المرافق له، وعلى الرغم من إشهاره لجواز سفره الديبلوماسي إلا أن ذلك لم يجنب مزوار مهانة خلع ملابسه وحذائه وجواربه. وفي محاولة منه لتطويق الأزمة الجديدة، اتصل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بنظيره المغربي، وقدم اعتذارا رسميا للوزير المغربي، مؤكدا أن السلطات الفرنسية ستفتح تحقيقا في الموضوع وتعاقب كل من تورط في هذه الأزمة. وخلف هذا الحادث استياء كبيرا في المغرب، وتداولت مواقع التواصل بكثافة خبر التفتيش المهين للوزير المغربي، معتبرين أن الأمر وجه من وجوه الإهانة التي تواجه بها فرنسا باستمرار المغرب. أما ثالث الأزمات، فكان قصة الزيارة المثيرة للجدل التي قتم بها الضابط السابق في صفوف الجيش المغربي مصطفى أديب، أمس الخميس للجنرال عبد العزيز بناني بالمستشفى العسكري بباريس. بدأت القضية بمحاولة للضابط الذي قضى عقوبة حبسية على هامش تفجيره لقضايا الفساد داخل الجيش المغربي، للجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني، المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية، بالمستشفى. وعمم أديب عبر صفحته على موقع التواصل فايسبوك، الرسالة التي حملها للجنرال، إضافة إلى باقة ورد، قال إنها "أرخس باقة". ولم تكد تمر ساعات على الزيارة، حتى تحركت الهواتف في كل الجهات، وأصدر رئيس الحكومة بلاغا يحتج فيه على "الاستفزاز الاستفزازي الذي استهدف بمستشفى فال دو غراس بباريس، الجنرال دو كور دارمي عبد العزيز بناني الذي يتابع علاجات مكثفة بالمستشفى المذكور". وذكر بلاغ لرئاسة الحكومة، أن" شخصا ذو سوابق قضائية ومعروف لدى السلطات الفرنسية، كان وراء هذا الاستفزاز والاعتداء المعنوي السافر على الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني وعائلته داخل هذا المستشفى". ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استدعى محمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات، في سابقة هي الأولى من نوعها، سفير فرنسا بالمملكة شارل فري لإبلاغه "استياء المملكة الشديد على إثر الاعتداء المعنوي الجبان الذي كان ضحيته الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني أمس في غرفته بالمستشفى الباريسي فال دو غراس من قبل المدعو مصطفى أديب". وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، فإن "المنصوري أكد أن هذا التصرف غير المقبول الذي ينضاف للعديد من الحوادث التي عرفتها خلال الشهور الأخيرة العلاقات المغربية الفرنسية من شأنه أن يهدد بمزيد من التعقيد في مسلسل تطبيع العلاقات الثنائية". وفي اليوم نفسه، باشر المغرب في شخص سفيره بباريس شكيب بنموسى إجراءات للتنديد بهذا التصرف لدى وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، بالنظر لكونه تصرفا بالغ الخطورة من حيث طابعه المستفز والمهين تجاه شخصية مغربية سامية تخضع للعلاج بمستشفى عسكري فرنسي. وقد تقدم بنموسى بتساؤلات حول التساهل الذي يستفيد منه بعض الأشخاص المعروفين بسوابقهم، والذي لا يمكنه إلا أن ينعكس سلبا على العلاقات المغربية الفرنسية.