«إلى حدود الساعة، ليس هناك أي جديد، فحتى بوادر الانفراج تغيب في الوقت الراهن. الظروف تزداد تعقيدا، كما بدأت الأمور تختلط على الجميع، ومعاناتنا النفسية تزداد. في الحقيقة، نحن نشعر بالضياع؛ لقد بلغنا مستويات عالية من الإحباط؛ وهناك من مرض نفسيا؛ وهناك من دخل في حالة اكتئاب حاد. صحيح أن القنصليات والسفارة تقوم بما يدخل في اختصاصها، لكننا نحمل الحكومة مسؤولية استمرار معاناتنا». هذا ما كشفه مغاربة عالقون بين الداخل الإسباني والثغرين المحتلين سبتة ومليلية منذ الإغلاق الشامل للحدود البرية والبحرية والجوية يوم 13 مارس المنصرم، في دردشة مع «أخبار اليوم»، علما أن عدد المغاربة العالقين في مختلف مناطق العالم يقارب 30 ألف عالق. وإذا كان المغاربة العالقون في مختلف الدول يواجهون المعاناة والمشاكل نفسها، فإن المغاربة العالقين بإسبانيا يشعرون ب«الإهانة» وهم يرون أنفسهم على بعد 12 كيلومترا من مدينة طنجة، ولا يستطيعون بلوغها؛ كما أن العالقين بمليلية وسبتة يوجدون على بعد أمتار من بني انصار والفنيدق ولا يستطيعون ولوجهما. بل أكثر من ذلك، هم يشعرون ب«الضياع» وهم يرون إسبانيا رحلت 9700 مواطن إسباني من المغرب، برا وجوا، منذ 13 مارس الماضي، كما يشاهدون ويسمعون ويقرؤون ترحيل مختلف دول العالم، الفقيرة والنامية والغنية، 85 ألفا من مواطنيها، برا وبحرا، من المغرب، فيما لاتزال الحكومة المغربية تبحث عن «تصور» لكيفية ترحيل مواطنيها بالخارج، على حد قول رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في حواره التلفزيوني الأخير. وعن إمكانية إعادة المغاربة العالقين بالخارج، أكد مصدر مطلع على ملف العالقين المغاربة بإسبانيا ل«أخبار اليوم»، قائلا: «الأمور في اتجاه إعادتهم». وفي ظل تضارب الأرقام بخصوص العالقين بإسبانيا، أوضح المصدر ذاته أن عدد العالقين بلغ، إلى حدود أمس الأربعاء، «400 عالق»، علما أنه «أعيد عدد من المغاربة المقيمين بإيطاليا الذين كانوا وصلوا إلى الجزيرة الخضراء قصد العبور إلى المغرب، حيث دفعت القنصلية تكلفة عودتهم إلى أماكن إقامتهم بإيطاليا». ال400 عالق الذين تحدث عنهم مصدرنا هم من المغاربة الذين لديهم تأشيرة «شينغن»، فيما يوجد هناك أيضا حوالي 400 مغربي عالق في سبتة ومليلية، وفق تقارير إسبانية، أغلبهم ممن يعرفون ب«العمال والتجار الحدوديين»، المقيمين بالداخل المغربي، والذين يدخلون نهارا إلى سبتة ومليلية ويعودون في المساء. عالقون يفقدون الأمل في الحكومة وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة المغربية أنها منكبة على معالجة ملف العالقين بالخارج، يقولوا بعض العالقين إنهم فقدوا الأمل في الحكومة، وينتظرون تدخلا ملكيا لتخفيف معاناتهم اليومية بعيدا عن الوطن والأسرة. وقال أحد العالقين المغاربة بالجزيرة الخضراء ل«أخبار اليوم»، نيابة عن المجموعة التي يعيش معها: «إلى حدود الساعة، ليس هناك أي جديد، فحتى بوادر الانفراج تغيب حاليا، والوقفات الرمزية التي قمنا بها، بداية الأسبوع أمام بعض القنصليات، تهدف إلى إثارة الانتباه من أجل تدخل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لأن الحكومة، على ما يبدو، فقدت مصداقيتها لدى المغاربة العالقين، لاسيما أن تصريحات ممثلي الحكومة، سواء رئيسها أو وزير الخارجية أو الوزيرة المنتدبة المكلفة بمغاربة العالم، تطبعها الضبابية في الخطاب»، وأضاف: «تزداد معاناتنا يوما بعد يوما وهنا لا نتحدث عن المعاناة المادية، فهذه لها مقاييسها، لأننا نحرم أنفسنا من أشياء كثيرة من أجل مواجهة تكاليف الأيام المقبلة؛ لكن المعاناة النفسية فادحة ولا تعوض، نحن نعاني هنا، وأبناؤنا وذوونا يعانون في المغرب»، وتابع: «بدأت الظروف تزداد صعوبة، كما بدأت الأمور تختلط على الجميع. ليس هناك تتبع بشكل مباشر للمغاربة العالقين، نحن في الحقيقة نشعر بالضياع، ليست هناك مواكبة ولا حوار. هذا إشكال كبير؛ نحن نعاني غياب المعلومات، ولا نعرف المكلف بملفنا، فحتى موظفو القنصليات لا يملكون المعلومة، في كل مرة يقولون لنا إن القرار بيد هذا، وفي الغد يقولون إنه بيد آخر، وهكذا». ولا تختلف معاناة العالقين في سبتة ومليلية عن معاناة العالقين في الجزيرة الإيبيرية، إلا في افتقار الفئة الأولى إلى محاور وسيط، فيما تلجأ الفئة الثانية، على الأقل، إلى القنصليات للتشكي. أحد العالقين بسبتة والمتحدر من الفنيدق قال للجريدة: «مازال حالنا في سبتة كما هو منذ يوم 13 مارس الماضي. لقد انقسمنا إلى مجموعات؛ فئة جرى إيواءها في ملعبين مغطيين؛ وفئة ثانية في مساجد وتتكفل بهم جمعيات؛ وفئة ثالثة التجأت إلى أقارب لها في سبتة. لكن تبقى المجموعة التي جرى إيواؤها في الملعبين المغطيين تعيش وضعا مأسويا يحط من الكرامة الإنسانية، ونحن لا نلوم ‘‘النصارى'' لأنهم استطاعوا على الأقل أن يوفروا لنا السكن والطعام، رغم تواضعهما، فالمسؤولية الكاملة تتحملها الحكومة المغربية». وأبرز المتحدث أنهم لم يتواصلوا مع أي جهة رسمية، «مازلنا ننتظر، والباقي مجرد إشاعات. لقد بلغنا مستويات كبيرة من الإحباط، وهناك من مرض نفسيا، وهناك من يعاني حالة اكتئاب حاد. إنها معاناة حقيقية، وما خروج بعض العالقين للاحتجاج في بعض القنصليات المغربية إلا خير شاهد على هذه المعاناة، والرغبة في إيصال رسالة احتجاجية إلى المسؤولين المغاربة». 500 درهم وفطور حصلت «أخبار اليوم» على فيديوهات توثق وضع المغاربة العالقين في الملعبين المغطيين، وهو ما يصفه أحدهم بالقول: «في الملعبين هناك المهاجرون المغاربة غير النظاميين، والقاصرون المغاربة غير المصحوبين، والعالقون المغاربة. هناك خليط من الناس والفئات العمرية. الأضواء لا تُطفأ في الملعبين طوال الليل، ما يجعل النوم صعبا، فضلا عن المناوشات بين النزلاء، بل هناك من يلعب كرة القدم فيما الآخرون نيام. في هذه الأجواء، يوجد كل شيء إلا الراحة». ومما زاد طين معاناتهم بلة، تخصيص وجبة فطور ضعيفة وقليلة لهم، وهي عبارة عن «كوميرة وحريرة وشباكية ودانون وفريت ومرق»، على حد قول أحدهم والذي يشبه وضعه بوضع السجناء. أغلب الذين تتواصل معهم الجريدة في إسبانيا يقولون إن القنصليات والسفارة لا تتحمل المسؤولية عن أوضاعهم، بل هم يعاتبون الحكومة. أحد العالقين في ضواحي الخزيرات أسر للجريدة بالقول: «في الجزيرة الخضراء، استطاعت القنصلية توفير المسكن، سواء في فنادق أو في شقق ل80 في المائة تقريبا من العالقين، كما أنها تمنح نحو 500 درهم للأسرة في الأسبوع، أي نحو 70 درهما في اليوم، مخصصة للطعام، لكن هذا المبلغ يبقى متواضعا هنا في أوروبا، حيث المعيشة غالية مقارنة بالمغرب». مبلغ 50 أورو (500 درهم) توفره القنصليات للمقيمين في الشقق بدل الفنادق، حيث يتوفر الطعام. «رغم 50 أورو تبقى الظروف صعبة، لأنك تحرم نفسك من أشياء كثيرة، وتقتصر على الضروريات»، يقول العالق نفسه، وأضاف: «وإذا احتجنا إلى الأدوية، فإن القنصلية تتكفل بتوفيرها لنا». بدوره، أكد المصدر المطلع للجريدة قائلا: «في إسبانيا، هناك من العالقين من يتوفر على عائلة، ويتوصل بالمساعدات التي يطلبها، والباقون يقيمون في فنادق أو شقق ويتوصلون بحاجياتهم». وعمن يدفع ثمن المبيت والأكل، بقول المصدر ذاته: «العالقون لا يدفعون شيئا، بل يتلقون مساعدات من القنصليات». وقد أجمع أغلب العالقين على القول: «المغاربة هنا يترجون جميعا تدخل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لأنه هو الوحيد الذي يمكنه إيجاد حل لهذه الأعداد من العالقين بإسبانيا وفي باقي دول العالم». ما الفرق بيننا وبينهم؟ في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المغربية تأجيل إعادة نحو 30 ألف عالق مغربي في مختلف دول العالم لأسباب تقول إنها صحية؛ تدخلت مختلف دول العالم لدى الحكومة المغربية لترحيل مواطنيها منذ 13 مارس الماضي. إذ خرج في الشهرين الأخيرين نحو 85 ألف عالق أجنبي بالمغرب نحو بلدانهم الأصلية، فيما يبقى عدد المغاربة مزدوجي الجنسية أو المهاجرين المقيمين بالخارج، الذين تمكنوا من العودة، قليلا جدا، وفق تقرير لوكالة الأنباء الإسبانية «إيفي». ويتحدث المصدر ذاته، نقلا عن مصادر دبلوماسية، عن مغادرة 84 ألفا و449 أجنبيا المغرب في 532 رحلة جوية استثنائية انطلاقا من مطاري الدارالبيضاء ومراكش. وتبقى فرنسا الدولة التي نظمت أكبر عدد من الرحلات، حيث جرى ترحيل 29 ألف فرنسي من المغرب على متن 160 رحلة جوية. أما بريطانيا، فنظمت لمواطنيها 55 رحلة، مرحلة بذلك 9000 عالق بالمغرب، 80 في المائة منهم بريطانيون، وينحدر الباقون من دول لها علاقات وثيقة ببريطانيا مثل أستراليا، بتنسيق مسبق مع الرباط، فيما رحلت الولاياتالمتحدةالأمريكية 2000 مواطن في 13 رحلة جوية، في حين رحلت كندا 1300 مواطن من المغرب، أجلت 350 فقط منهم في ثلاث رحلات جوية مباشرة، فيما ال650 الآخرون اتجهوا إلى دول أخرى قبل أن يعرجوا على كندا، في حين رحلت هولندا 900 عالق في ثلاث رحلات على الأقل. فضلا عن ذلك، قامت دول أخرى مثل روسيا بترحيل 463 عالقا لها في المغرب، والكويت 400 عالق، وتركيا 277 عالقا، والبرازيل 203 عالقين، وتونس 157 عالقا، ومصر 98 عالقا، والإمارات 57 عالقا، وقطر 80 عالقا؛ كلهم على متن رحلات جوية. ولا يعرف عدد المواطنين الألمان والبلجيكيين الذين غادروا المغرب منذ إغلاق الحدود، في حين قامت إسبانيا بترحيل نحو 9700 إسباني كانوا عالقين في مختلف المدن المغربية، أغلبهم عادوا برا عبر سبتة ومليلية، فيما عادت قلة قليلة لا تتجاوز 400 عالق في رحلات جوية. هذه الأعداد الكبيرة من المرحلين من لدن حكوماتهم، حتى الفقيرة منها، جعلت بعض المغاربة العالقين يتساءلون: «ما الفرق بيننا وبينهم؟».