«المشكل الحقيقي، الآني، هو أن هناك معاناة نفسية ومعاناة إنسانية. هناك أشخاص عالقون معنا يعيشون بعيدا عن أبنائهم وآبائهم وعائلاتهم؛ هناك أناس، أيضا، لديهم أعمال وأغراض في المغرب. هذه هي معاناتنا الحقيقية هنا بالجزيرة الخضراء على مرمى حجر من طنجة». هذا ما عبر عنه أحد المغاربة العالقين في مدينة الجزيرة الخضراء بإسبانيا منذ الإغلاق الشامل للحدود البرية والبحرية والجوية، يوم 13 مارس المنصرم، في تصريح ل«أخبار اليوم». هذا المغربي، الذي كان في مهمة رفقة أصدقاء له في أوروبا قبل إغلاق الحدود، هو واحد من مئات المغاربة العالقين بإسبانيا، وينتمي إلى إحدى الأسر المغربية العشرين العالقة في الجزيرة الخضراء، والتي اختارت، هذه المرة، توجيه رسالة كتابية إلى الملك محمد السادس بعدما صدت كل الأبواب في وجوهها، لاسيما في ظل ذهاب كل المؤشرات في اتجاه تمديد حالة الطوارئ في المملكة أسبوعيين آخرين، واستمرار إغلاق الحدود إلى أجل غير مسمى. المعاناة ذاته يعيشها مغاربة آخرون عالقون في سبتة ومليلية، لا لشيء إلا لأنهم كانوا بعيدين عن المعابر الحدودية أثناء إغلاق الحدود. في انتظار الفرج على غرار الرسالة التي وجهها المئات من المغاربة إلى الملك محمد السادس، يوم الاثنين الماضي، من عدة دول أوروبية، للتدخل لإعادتهم إلى أرض الوطن، بعد إغلاق الحدود تجنبا لتفشي وباء كورونا، توصلت جريدة «أخبار اليوم»، حصريا، برسالة من مجموعة من الأسر المغربية العالقة في الجزيرة الخضراء، موجهة إلى الملك محمد السادس، حيث يناشدونه التدخل لترحيلهم بعدما أصبحوا، منذ يوم 13 مارس الماضي، «دون وطن». بعض المغاربة العالقين في الجزيرة الخضراء، حيث تتراءى لهم الأضواء المغربية القريبة، أسروا للجريدة بأنهم يشعرون بالألم عندما يشاهدون السياح الأوروبيين يغادرون المغرب في رحالات استثنائية، فيما هم ليس في استطاعتهم العودة إلى المغرب، وقالوا: «لقد سئمنا الانتظار». وجاء في الرسالة، التي توصلت بها الجريدة فجر أمس الخميس: «وبعد تقديم فروض الطاعة والإجلال، يشرفني يا مولاي رعاكم لله وحفظكم أن نتوجه إلى مقامكم العالي بلله، نحن رعاياكم من مواطنين مغربيات ومغاربة عالقين بالديار الإسبانية، بعد قرار المغرب السديد إغلاق حدود المملكة حماية للبلاد والعباد من تفشي وباء كورونا، برسالة استعطاف من أجل إعطاء أوامركم السامية لإعادتنا إلى بلدنا الحبيب». وتابعت الرسالة أن المغاربة العالقين بإسبانيا يواجهون مشاكل لا حصر لها، من بينها: وجود آباء وأمهات عالقين بالخارج، فيما انقطعت عن الأبناء أو الوالدين من كبار السن الرعاية المادية والإنسانية؛ توقف إعالة العائلات من أبناء وزوجات وأسر بسبب وجود رب الأسرة أو ربة الأسرة عالقين بالخارج؛ كما أن هناك مسؤولين عن مؤسسات تجارية واقتصادية توقفت تعاملاتها مع شركائها، وأصبحت عاجزة عن أداء مستحقاتها أو الوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك والمستخدمين والشركاء المختلفين، ما جعل الصعاب تتراكم عليها بسبب وجود مسؤوليها خارج المغرب، واستحالة مباشرة أعمالهم». وبعد الانتقادات التي وجهت إلى القنصلية المغربية في الجزيرة الخضراء في بداية الأزمة من لدن العديد من المهاجرين المغاربة المقيمين بإيطاليا، قبل أن تتدخل لإعادتهم ومنحهم بعض الدراهم لتخفيف تكلفة السفر؛ وضح المغربي حكيم، وهو أحد العالقين بالجزيرة الخضراء، في حديث مع الجريدة قائلا: «بالنسبة إلى القنصلية المغربية في الجزيرة الخضراء، فهي تقوم بدورها كما ينبغي، ولله الحمد، لقد آوت الناس، ووفرت الفنادق، لكننا لا نتحدث عن المشكل المادي، بل هناك معاناة أكثر تعقيدا، وهي المعاناة النفسية والإنسانية”. وأضاف، “نحن مغاربة، نريد العودة إلى وطننا، حيث يوجد أطفالنا وآباؤنا وأشغالنا. هذا هو جوهر المعاناة.. التحدي الذي يواجهنا الآن هو أن أسرنا في المغرب. هناك مشكل إنساني حقيقي». يروي هذا المغربي أنه كان في أوروبا، وبعد وصوله بحرا إلى سبتة للدخول إلى المغرب، فوجئ بإغلاق الحدود، قبل أن يضطر مرة أخرى رفقة مغاربة آخرين إلى العودة إلى الجزيرة الخضراء. ويلخص هذه الدوامة المستمرة قائلا: «بالفعل، عدنا من سبتة إلى الجزيرة الخضراء. مرت أيام عصيبة، والحمد لله على كل حال. ونحن الآن مازلنا في الخزيرات ننتظر الفرج». لهذا، يلتمس هؤلاء العالقون من الملك «النظر في وضعيتنا المزرية بعين الرأفة والرحمة، وإعطاء أوامركم، صاحب الجلالة والمهابة، لإرجاعنا إلى وطننا الحبيب، ووضع نهاية للوضع المأساوي الذي بتنا نعيشه». وتشير المعطيات التي حصلت عليها الجريدة إلى أن الرسالة الجديدة وجهت إلى الملك من لدن 20 أسرة مغربية عالقة تعيش في فنادق قريبة من مدينة الجزيرة الخضراء، علما أن هناك تقريبا 300 مغربي عالقين في كل التراب الإسباني ينتظرون ترحيلهم، فضلا عن 600 آخرين في فرنسا، و1000 مغربي في تركيا، إضافة إلى 150 مغربيا عالقا في سبتةالمحتلة، وعشرات العالقين في مليلية المحتلة. وتعتبر هذه الرسالة المكتوبة الثانية من نوعها التي وجهت إلى الملك بعد رسالة «استعطاف المغاربة العالقين ببلدان العالم لإرجاعهم إلى حضن الوطن»، والتي وجهت إلى الملك بداية هذا الأسبوع. وجاء في الرسالة الأولى: «نحن المواطنون المغاربة الموجودون خارج البلاد لأسباب مهنية أو عائلية أو سياحية أو للدراسة لحظة تعليق الرحلات الجوية والبرية والبحرية من وإلى المغرب، والذين بقوا عالقين في بلدان الاستقبال، نتوجه إلى جنابكم الشريف بطلب شملنا بعطفكم، وإعطاء أوامركم المطاعة للجهات المختصة من أجل إرجاعنا إلى حضن وطننا وأهلنا، مع استعدادنا للحجر الصحي بالطريقة والشكل الذي تراه الحكومة مناسبا حفاظا على سلامة أسرنا ومواطنينا». وأضافت الرسالة: «ظروف العيش في ظل الحجر الصحي والخوف من بؤر المرض، خصوصا مع طول فترة تعليق الرحلات ووجود مرضى وأطفال ومسنين بيننا، يزيد من المعاناة النفسية والجسدية للعالقين».