حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء
نشر في اليوم 24 يوم 11 - 05 - 2020

شرعت حكومة سعد الدين العثماني في بحث سيناريوهات رفع الحجر الصحي بعد 20 ماي الجاري.
الأخبار الواردة من وراء الكواليس تفيد أن جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية منخرطة في دراسة السيناريوهات الممكنة للخروج من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريل الماضي.
ويأتي ذلك بينما انخرطت 15 دولة أوروبية في التخفيف من قيود وإجراءات حالة الحجر منذ مطلع الشهر الجاري، بل إن دولا مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا أعلنت بشكل رسمي عن استراتيجيات شاملة للخروج من حالة الحجر الشامل، وهي دينامية دفعت مسؤولين، سواء في الحكومة مثل وزير الداخلية أو وزير الصحة، إلى التعبير عن بعض القناعات الأولية بخصوص المرحلة الموالية ليوم 20 ماي، حيث استنتج البعض وجود تصورات مختلفة لم تُحسم بعد على أساس مشترك.
لكن من خلال التجارب المختلفة، يبدو أن التفكير في الخروج من حالة الحجر الصحي لدى الحكومات، سواء في أوروبا أو آسيا أو المنطقة العربية، محكوم بمقاربتين: الأولى، تؤكد على ضرورة الحد من خسائر الاقتصاد والمقاولة، وهي المقاربة التي دفعت الوزير الأول في دولة كبرى مثل فرنسا، إلى تبرير استراتيجية بلاده للتخفيف من قيود الحجرالصحي أعلن عنها الثلاثاء الماضي أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بالخوف من “الانهيار“، ولا شك أن هذه المقاربة تفرض نفسها بقوة في العالم ككل، بما في ذلك بالمغرب.
التقارير والتقديرات الصادرة منذ أسبوعين من الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو من قبل مؤسسات وطنية حول خسائر الاقتصاد الوطني، إنما تنطوي على التبرير ذاته؛ رفع الحجر لأجل إنقاذ الاقتصاد والمقاولة.
في المقابل، تبرز مقاربة أخرى تفرض نفسها بقوة، أيضا، فيما يخص التصورات الرائجة حول كيفية الخروج من الحجر الصحي، يعد المهنيين فيقطاع الصحة، من وزارات ومنظمات وأطباء وفاعلين مدنيين في مختلف أنحاء، أبرز من يدافع عنها، ممن يحذرون أن يؤدي التخفيف من إجراءات الحجر إلى موجة ثانية للوباء تقضيعلى الجهود التي بذلت خلال فترة الحجر الصحي، ويرون أن رفع الحجر غير ممكن إلا إذا نزل معدل التكاثر (R0) عن 1 في المائة لمدة أسبوعين على التوالي، فضلا عن الاستمرارفي فرض إجراءات أخرى مثل الكمامة والتباعد الاجتماعي، علاوة على الرفع من الفحوصات الطبية لكل المخالطين أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس كورونا.
فما هي الدواعيالمغربية لرفع قيود الحجر الصحي؟ ما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة؟ وما السيناريوهات المتاحة أمام المغرب للخروج الآمن من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريلالماضي؟
هاجس إنقاذ الاقتصاد
استطاع فيروس كورونا أن يشل الاقتصاد العالمي، إلى حد أنه أوقف سلاسل الإنتاج بشكل شبه كلي بين الدول، ما أدى إلى خسائر فادحة، تتفاوت حسب القطاعات.
وإذا كانت مقاربة “إنقاذ الاقتصاد” تفرض نفسها اليوم، على الدول، لدفعها نحو رفع الحجر الصحي، فقد كانت ضاغطة، أيضا، على بعضها لمنعها من فرض حالة طوارئ صحية منالأساس.
هذا النقاش بدا واضحا في أمريكا على وجه الخصوص التي وضعت إنقاذ الاقتصاد في كفة مماثلة لإنقاذ الأرواح. اليوم، تفرض هذه المقاربة نفسها مجددا، لاعتباراتموضوعية، أبرزها أن توقف الاقتصاد لمدة زمنية أطول معناه “الانهيار” كما قال بذلك صراحة الوزير الأول الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي أمام أعضاء الجمعية الوطنية لبلاده.
في المغرب، يمكن معرفة أنصار هذه المقاربة من خلال التقارير والدراسات التي صدرت في الآونة الأخيرة التي تدعو إلى إنقاذ المقاولة من الانهيار، ولو اضطرت الدولة للديون الخارجية، وهو الموقف الذي تضمنته مقالة وزير الفلاحة ورئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.
لاحقا، برزت أصوات مماثلة، تتبنى المقاربة عينها، لكن تعبر عنها بلغة أخف، في هذا السياق يمكن الإشارة إلى نتائج الدراسة التي أجراها الاتحاد العام لمقالات المغرب (الباطرونا)، والتي تشير إلى أن نحو 47 في المائة من المقاولات المغربية التي شملها الاستطلاع سجلت انخفاضا في نشاطها للفصل الجاري بأكثر من 50 في المائة.
بل إن 78 في المائة من الشركات السياحية المشاركة في الدراسة صرحت بأنها لجأت إلى خفضمناصب الشغل، وكشفت ثلثاها أنها تضررت من انخفاض رقم المعاملات.
وقد شمل الانخفاض في رقم المعاملات جميع القطاعات تقريباً، من السياحة إلى العقار إلى الصناعةالتقليدية والصناعات الثقافية والإبداعية والإعلام والنسيج.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن 41,8 في المائة من الشركات طلبت تأجيل سداد قروضها، و37 في المائة منها طلبت تأجيل أداء الضرائب، و48,4 في المائة طلبت تأجيل أداء الاشتراكات الاجتماعية.
وما يكشف أن الأزمة أضرت بشكل كبير بالاقتصاد هو طلب نحو 23 في المائة من الشركات المستجوبة ثلاثة تأجيلات لسداد قروضها.
وأشارت الدراسة إلى أن الشركات تخشى فقدان 165.586 وظيفة، أي 55 في المائة من مجموع الوظائف، ناهيك عن أن فقدان العمل يؤدي إلى التوقف المؤقت للتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي صرحت به 39 في المائة من المقاولات التي شاركت في الاستطلاع/الدراسة، وعددها 1740 مقاولة، تمثل أكثر من 300 ألف وظيفة، منضوية تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، علما أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تمثل نحو 90 في المائة من النسيج المقاولاتي المغربي.
الوضع المأزوم للمقاولة تعبّر عنه الأرقام التي كشف عنها وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، كذلك، حيث صرّح بأن إجمالي 113 ألف شركة أوقفت أنشطتها منذ 15 مارس الماضي. وقد أوضح الوزير أن أكثر من 700 ألف أجير في القطاع الخاص إما عجزوا عن العمل أو جرى فصلهم نتيجة لذلك.
ولا تبدو هذه المعطيات بعيدة عن الحقيقة، فالتقديرات التي تقدمها جهات رسمية تذهب في الاتجاه عينه، إذ تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يشهد الاقتصاد الوطنيانخفاضا يقدر ب6,8٪ خلال الفصل الثاني من 2020، بسبب انتشار وباء كورونا وتمديد فترة الحجر الصحي.
توقعات المندوبية وردت في مذكرة خاصة سجلت فيها أنه من المنتظرأن يواكب هذا الانخفاض فقدان ما يقارب 8,9 نقطة من النمو خلال الفصل الثاني من 2020، مقارنة مع توقعات تطور الناتج الداخلي الخام قبل تفشي وباء كوفيد 19، عوض3,8 نقط المتوقعة في بداية شهر أبريل.
ما معنى ذلك؟
تشير المندوبية إلى أن الآثار الوخيمة للوباء من شأنها أن ترفع الخسائر المتوقعة على مستوى القطاعات الإنتاجية إلى 7,29 مليار درهم، خلال النصف الأول من سنة 2020 ،عوض 15 مليار درهم المتوقعة في 7 أبريل.
وتتوقع المندوبية أن يشهد الطلب الخارجي الموجه للمغرب تراجعا بنسبة 6,12 بالمائة، خلال الفصل الثاني من 2020، عوض ناقص 6٪ المتوقعة في 7 أبريل، متأثرا بانخفاض الواردات وخاصة الأوروبية، مما سيساهم في تراجع الصناعات المحلية الموجهة للتصدير.
وفي ظل ذلك، يُتوقع أن تنخفض الصادرات الوطنية ب1,6 بالمائة، حسب التغير السنوي، كما ستشهد الواردات تراجعا يقدر ب4,8٪ موازاة مع تقلص المقتنيات من المواد الخام ومواد الاستهلاك والتجهيز.
التراجعات تبدو شاملة في تقديرات المندوبية، من ذلك أنها تتوقع انخفاضا في استهلاك الأسر بنسبة 1,2٪ خلال الفصل الثاني من 2020، وذلك بسبب تراجع النفقات المتعلقة بالنقل وبالمواد المصنعة وبخدمات الفندقة والترفيه.
وفي المقابل، سيواصل الاستثمار تقلصه بوتيرة تناهز 5,26 في المائة، بسبب تراجع مخزونات المقاولات، حيث ستساهم الأزمة الصحية في الحد من احتياجات المقاولات من التمويلات في الوقت الذي ستظل احتمالات انتعاش سريع للطلب غير مؤكدة، خلال الفترة المقبلة.
ولا تبدو تقديرات الحكومة بعيدة عن هذا المنحى، ففي الرسالة التي بعثت بها إلى الاتحاد الأوروبي في 26 مارس الماضي، توقعت خسائر معتبرة في قطاعات السياحة والسيارات والأقمشة في عام 2020، خصوصا وأن الصادرات المغربية نحو الاتحاد الأوروبي تشكل أكثر من 58 في المائة، كما أن الاستثمارات الأوروبية المباشرة تشكل 59 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب، علاوة على أن الاتحاد يشكل المورد الرئيس لقطاع السياحة بنسبة 70 في المائة.
ما يعني أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد الأوروبي ستكون لها انعكاسات مباشرة وسلبية جدا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.
ولعل من أبرز الآثار الجانبية الاقتصادية للأزمة في الاتحاد الأوروبي وانعكاسها على المغرب، التراجع المحتمل في تحويلات المغاربة المقيمين في أوروبا وبقية العالم، التي بلغت سنة 2019 إلى أزيد من 64 مليار درهم، ويتوقع أن تتراجع بشكل كبير خلال هذه الفترة، مع لذلك من انعكاسات اجتماعية سلبية على الوضع العام للأسر التي تعيش على تحويلات أبنائها في الخارج.
أما قطاع السياحة، فإن “الكونفدرالية الوطنية للسياحة” تقدر أن الخسائر المتوقعة لعام 2020، قد تبلغ تقريبا 34.1 مليار درهم في إيرادات السياحة الإجمالية، و14 مليار درهم من قطاع الفنادق وحده. وتتوقّع الكونفدرالية تراجعا بنسبة 98 في المئة في عدد السيّاح الذين يزورون المغرب، ما سيعرّض 500 وظيفة و8500 شركة للخطر.
وتفيد المعطيات والتقديرات الاقتصادية أن الاقتصاد المغربي يصعب عليه تحمل نتائج استمرار الحجر الصحي لفترة أخرى بعد 20 ماي، بل يصعب عليه الانطلاق من جديد في ظل استمرار إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية.
ولعل هذا الوضع هو ما دفع لجنة اليقظة الاقتصادية إلى الإعلان عن شروعها في إعداد خطة للإنعاش الاقتصادي تأخذ بعين الاعتبار، وفق بلاغ لوزارة الاقتصاد والمالية، المستوى القطاعي، وتعتزم وضع آليات للتمويل طويلة الأجل لفائدة المقاولات، ووضع آليات لتحفيز الطلب مع إيلاء الأولوية لتعزيز المنتج المحلي، في إطار خطة شاملة للإنعاش قد يُعلن عنها في أفق 20 ماي الجاري.
أما وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، فقد أومأ أمام مجلس النواب إلى إمكانية تعديل قانون المالية لسنة 2020، وتقديم قانون مالي تعديلي، بناء على الاضطرابات التي يعرفها الاقتصاد لعالمي والجهوي نتيجة الفيروس، ما يعني إمكانية إعادة النظر في كل الفرضيات والأولويات لتي تضمنها القانون المالي للسنة الجارية.
تجنب عودة ثانية للفيروس
إلى جانب مقاربة “إنقاذ الاقتصاد” من الانهيار، ثمة مقاربة أخرى تسيطر على الهيئات والمهنيين في قطاع الصحة، تنطلق من هاجس السيطرة على انتشار الفيروس، ومنع موجة ثانية له، بسبب التخفيف من إجراءات الحجر الصحي. يقول أصحاب هذه المقاربة إن الجهود التي بذلت من أجل السيطرة على فيروس “كورونا” من خلال إجراءات الحجر الصحي لا ينبغي إفشالها من خلال التسرع في التخفيف من تلك القيود، وهو الفشل الذي قد يسمح بموجة ثانية للفيروس، في حالة جرى رفع الحجر بطريقة غير عقلانية، ولا تستحضر المعطيات العلمية والطبية، وكذا قدرة النظام الصحي على التحمل.
أبرز من يدافع عن هذه المقاربة وزير الصحة، خالد أيت الطالب، الذي أوضح أمام مجلس النواب أن قرار رفع حالة الطوارئ الصحية يبقى رهين بنزول مؤشر انتشار الفيروس عن معدل التكاثر (R0)، بحيث يجب أن ينخفض معدل انتشار الفيروس عن نسبة 1 في المائة لمدة أسبوعين على الأقل، وثانيا انخفاض المصابين الجدد، ثم تراجع نسبة الحالات الإيجابية المؤكدة عند تعميم الاختبارات على الأشخاص المخالطين.
وألح الوزير أيت الطالب في أكثر من مرة على أهمية استمرار بعض قيود الحجر الصحي، مثل التباعد الاجتماعي، وتعميم ارتداء الكمامات، والاستمرار في استعمال دواء الكلوروكين للحد من الحالات الحرِجة للمرضى المصابين. وزير الصحة شدد على ضرورة التمسك ب”الوعي واليقظة” حتى “لا نعود إلى الوراء”، مؤكدا على نجاعة البروتوكول العلاجي المعتمد على دواء الكلوروكين في التغلب على الحالات الحرجة، وبالتالي، التخفيف من حدة الوفيات في صفوف المرضى.
في ضوء تلك المقاربة، تنكب اللجنة العلمية الطبية التي تشتغل إلى جانب وزارة الصحة على إعداد خطة تتماشى مع التوجه نحو التخفيف من قيود الحجر الصحي، حيث تتجه إلى تبني تقنيات يمكنها أن تسعف في السيطرة على الفيروس، مثل تقنية تحليل الأمصال لقياس قوة مناعة المغاربة، على غرار ما جربته دول أخرى مثل روسيا وتركيا وغيرها، وتعميم إجراء الفحص الطبي على المخالطين والمشتبه فيهم خلال مراحل رفع الحجر الصحي، تماشيا مع الرفع من عدد المختبرات في أغلب المدن الكبرى والمتوسطة، بما في ذلك مدنا جديدة مثل الناظور وبني ملال والراشيدية وورزازات.
وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، حذر من جهته من التسرع في التخفيف من قيود الحجر الصحي، لأن أي خطأ سيكون “مغامرة” خطيرة تؤدي إلى تفشي الفيروس مرة أخرى. وقال الوردي خلال ندوة افتراضية نظمتها شبيبة حزب التقدم والاشتراكية، إنه لا ينبغي المغامرة برفع الحجر دون الأخذ بالاعتبار استعداد منظومة الصحة، وزيادة كبيرة في عدد الفحوصات، والتأكد من جاهزية أقسام الإنعاش.
وشدد وزير الصحة السابق على أنه ينبغي الحسم في إنهاء حالة الطوارئ الصحية بعد تسطيح منحنى الإصابات، واقتراب معدل انتشار فيروس “كوفيد 19 “من 5.0 في المملكة، بينما الوضع الحالي يبقى بعيدا عن كل هذا.
وبخصوص فعالية الكلوروكين ضمن البروتوكول العلاجي للمصابين بالمرض، قال حسين الوردي إنها غير مرتبطة بدليل علمي؛ إذ إن 80 %من المصابين بالعدوى قادرون على التماثل للشفاء تلقائيا، محذرا من إعطاء “أمل زائف بشأن فعالية الكلوروكين”، مشيرا إلى محدودية الإمكانيات الصحية للمغرب مقارنة بدول أوروبية مثل فرنسا، لأن مجموع اعتمادات وزارة الصحة المغربية مثلا لا تعادل سوى ميزانية مستشفى مارسيليا الفرنسي.
تتنازع الحكومات المقاربتين معا، ولا يمكن تجاهل التحديات والإكراهات التي تطرحها كل منها، ما يقتضي استحضارهما معا في أي سيناريوهات ممكنة للخروج من حالة الحجر الصحي.
فما السيناريوهات الممكنة بالنسبة إلى المغرب؟ وما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة في هذا الصدد؟
السيناريوهات الممكنة
ومن بين الإجراءات التي تندرج ضمن القواعد الثلاث، إجراء 700 ألف فحص أسبوعيا للكشف عن الفيروس، وإعادة فتح المدارس على مرحلتين؛ في 11 ثم 18 ماي الجاري، وإلزامية وضع الكمامات في وسائل النقل العمومية، وإعادة فتح كل المتاجر، باستثناء المقاهي والمطاعم التي ستبقى مغلقة حتى نهاية شهر ماي الجاري.
في حين لن يسمح للمسارح وصالات السينما وكبرى المتاحف بالعمل مجددا، ستبقى مغلقة إلى مرحلة أخرى.
أما الأحداث والمنتديات الرياضية فلن تستأنف قبل شتنبر المقبل. وتعِد الخطة الفرنسيين بإمكانية رفع الحجر الصحي تماما، في حالة انخفض عدد حالات الإصابة الجديد إلى أقل من 3 آلاف يوميا.
الفرنسيون قرروا اللجوء إلى نظام التعقب الإلكتروني، لمراقبة المرضى والمخالطين، رغم الجدل الذي أثير حول الإجراء، في علاقته بالحقوق والحريات الفردية، لكن الوزير الأول وعد بأن يخضع هذا الإجراء تحديدا إلى نقاش في البرلمان قبل إقراره أو رفضه.
وقال إدوارد فيليب ّردا على الموقف الرافض لإقرار نظام التعقب الإلكتروني “ينبغي أن يكون بذلك موضع تصويت” مضيفا: “إن النقاش مبكر في هذا المجال وقبل تنفيذ التطبيق سيكون موضوع نقاش وتصويت في البرلمان”.
الوزير الأول الفرنسي ّ برر قرار الدولة الفرنسية بالخروج تدريجيا من الحجر الصحي بخطر “الانهيار” الذي يهدد فرنسا اجتماعيا واقتصاديا بسبب القيود الصارمة المفروضة على الفرنسيين منذ 17 مارس الماضي، وقال: “نشعر بأن الوقف الطويل للإنتاج وإغلاق المدارس والحدود ووضع قيود للحركة، قد يؤدي إلى خطر الانهيار”، مشيرا إلى أن الحجر “سمح بتفادي 70 ألفا من الوفيات”.
وقال أيضا: “لأجل تنظيم حياة الفرنسيين، علينا أن نعيش مع الفيروس ونحتمي منه”، مضيفا: “ليس هناك علاج أثبت نجاعته ولم نبلغ المناعة الجماعية بعد”، مؤكدا أن تفشي الفيروس في “انخفاض بطيء، لكن منتظما عموما، تقترح التجارب الدولية على المغرب أربع مقاربات/ سيناريوهات للتغلب على الفيروس والخروج من وضعية الحجر الصحي؛
المقاربة الأولى: تؤكد على ضرورة التعايش مع الفيروس من خلال تغيير نمط الحياة، وهي مقاربة تنطلق من أن الفيروس سيبقى إلى فترة غير معروفة، وبالضبط حتى إيجاد اللقاح، الذي قد يستغرق عاما على الأقل، وفي انتظار أن يجيب العلم والطب عن الأسئلة العالقة حول طبيعة الفيروس وقدراته على الانتشار والقتل. ولأن الفيروس قد يتراجع، لكن قد يعود من جديد، مادام هناك مصابون في شتى بقاع العالم.
ملخص هذه المقاربة أنه في غياب تلقيح فعال، تبقى الوقاية هي الوسيلة الأساسية لمواجهته، وعلى المواطنين في كل الدول تغيير طريقة عيشهم، والتكيف مع الفيروس للحد من انتشاره. ومن متطلبات ذلك، الكف عن المصافحة والعناق، والاستمرار في ارتداء الكمامات الواقية في الفضاءات العمومية مثل وسائل النقل والعمل والتسوق، والحفاظ على التباعد الاجتماعي لمسافة لا تقل عن متر ونصف بين المواطنين في المحلات والفضاءات العمومية، والخضوع للعزل الصحي في حالة الشك والاشتباه بنقل
الفيروس.
المقاربة الثانية، وتتعلق بالفحص الشامل قبل وخلال فترة رفع الحجر الصحي، لأنها تقنية فعالة قد تمكن من اكتشاف المصابين، بمن فيهم أولئك الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض ويمكن أن ينقلوا العدوى إلى غيرهم دون شعور منهم، ومن شأن الفحص الشامل أن يؤدي إلى اكتشاف المصابين، وبالتالي عزلهم وعلاجهم، وفي الوقت عينه من شأن هذا الفحص تأكيد سلامة الأشخاص غير المصابين، هؤلاء سيكون بإمكانهم العودة إلى أعمالهم وأنشطتهم العادية. ومن شأن تحاليل الفحص الشامل أن تزرع أجواء الثقة في المجتمع، لأنها تساهم في تمييز المصابين من غيرهم خلال أمد زمني محدود، ومن شأن ذلك، أيضا، أن يساعد في الانطلاق من جديد بالنسبة إلى الاقتصاد والمؤسسات والناس كذلك.
وتختلف الدول في العمل على هذا الإجراء، بين دول تعتمد الفحص الشامل لجميع مواطنيها، أي فحص عشوائي دون تمييز، وهو توجه اعتمدته ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وتتجه فرنسا إلى العمل به أيضا، لكن هناك خيارا ثانيا يدعم الفحص الموجه وليس الشامل، بحيث يكتفي بالأشخاص الذين لديهم أعراض المرض، مثل السعال والحمى، والمخالطين لهم. وهذا التوجه هو المعتمد في المغرب، ويبدو أنه قيد التعزيز والتوسيع.
المقاربة الثالثة، تقوم على الاستعانة بالتقنية من أجل محاصرة الفيروس، تتمثل في إرساء منظومة تكنولوجية للتعقب والتتبع، وهي منظومة تسمح للأجهزة الأمنية بتتبع المرض قبل إصابته وبعدها، من أجل معرفة المخالطين له، وهذه المنظومة بقدر ما تساعد في التعرف على المريض ومخالطيه بسرعة كبيرة، بل وتعقيم الأماكن التي مر منها، والتي يمكن معرفتها من خلال نظام التتبع، تساعد كذلك في التنبؤ ببؤر الوباء التي قد تظهر في أي منطقة كانت، ومن التوجه نحو هذه البؤر بشكل استباقي.
وعموما، يمكّن نظام التتبع من التعرف على ثلاث فئات: المصابون ومخالطيهم، الناجون من الفيروس، والأشخاص المتعافون ممن أصبحت لديهم مناعة ضد الفيروس بعد إصابتهم به، بعبارة أخرى، يساعد نظام التعقب في تحديد وتدقيق الخريطة الوبائية، وبناء استراتيجية لمواجهتها بشكل ناجع ّ وفعال.
مقاربة رابعة، تقدمها التجارب الأوروبية تتمثل في استراتيجية “توقف ثم تقدم Stop and go، تقوم على فرضية أن الأوبئة معدية، وأن الذين يحملون الفيروس دون أعراض يمكنهم نقل الفيروس لغيرهم عند رفع الحجر الصحي، مما قد يؤدي إلى موجة ثانية للفيروس نتيجة رفع الحجر الصحي. وعليه، فإن الحل الممكن هو أنه كلما ارتفعت حالات الإصابة يمكن فرض الحجر من جديد، لأسبوع أو أسبوعين، إلى حين التعافي من جديد ثم رفع الحجر مرة أخرى، وهكذا، وهي مقاربة ترمي إلى تسطيح منحنى الوباء، وتجنب حدوث ذروة عالية من المصابين، يعجز معها النظام الصحي عن استيعاب المصابين. وتفترض هذه المقاربة رفع الحجر على مراحل، واستثناء بعض الفئات الهشة مثل كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، لأن الفيروس قاتل بالنسبة إليهم.
هذه سيناريوهات/مقاربات تبدو متباينة، لكنها متكاملة، ويمكن للمغرب أن يستفيد منها في صياغة استراتيجيته الخاصة للخروج من الحجر الصحي بأقل الأضرار الممكنة، إذ يكفي الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي تكبدها المواطن المغربي، وفي الوقت عينه الحيلولة دون موجة ثانية للفيروس خلال مراحل رفع الحجر، تهدم الجهود المبذولة منذ بداية مارس الماضي.
سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.