مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء
نشر في اليوم 24 يوم 11 - 05 - 2020

شرعت حكومة سعد الدين العثماني في بحث سيناريوهات رفع الحجر الصحي بعد 20 ماي الجاري.
الأخبار الواردة من وراء الكواليس تفيد أن جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية منخرطة في دراسة السيناريوهات الممكنة للخروج من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريل الماضي.
ويأتي ذلك بينما انخرطت 15 دولة أوروبية في التخفيف من قيود وإجراءات حالة الحجر منذ مطلع الشهر الجاري، بل إن دولا مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا أعلنت بشكل رسمي عن استراتيجيات شاملة للخروج من حالة الحجر الشامل، وهي دينامية دفعت مسؤولين، سواء في الحكومة مثل وزير الداخلية أو وزير الصحة، إلى التعبير عن بعض القناعات الأولية بخصوص المرحلة الموالية ليوم 20 ماي، حيث استنتج البعض وجود تصورات مختلفة لم تُحسم بعد على أساس مشترك.
لكن من خلال التجارب المختلفة، يبدو أن التفكير في الخروج من حالة الحجر الصحي لدى الحكومات، سواء في أوروبا أو آسيا أو المنطقة العربية، محكوم بمقاربتين: الأولى، تؤكد على ضرورة الحد من خسائر الاقتصاد والمقاولة، وهي المقاربة التي دفعت الوزير الأول في دولة كبرى مثل فرنسا، إلى تبرير استراتيجية بلاده للتخفيف من قيود الحجرالصحي أعلن عنها الثلاثاء الماضي أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بالخوف من “الانهيار“، ولا شك أن هذه المقاربة تفرض نفسها بقوة في العالم ككل، بما في ذلك بالمغرب.
التقارير والتقديرات الصادرة منذ أسبوعين من الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو من قبل مؤسسات وطنية حول خسائر الاقتصاد الوطني، إنما تنطوي على التبرير ذاته؛ رفع الحجر لأجل إنقاذ الاقتصاد والمقاولة.
في المقابل، تبرز مقاربة أخرى تفرض نفسها بقوة، أيضا، فيما يخص التصورات الرائجة حول كيفية الخروج من الحجر الصحي، يعد المهنيين فيقطاع الصحة، من وزارات ومنظمات وأطباء وفاعلين مدنيين في مختلف أنحاء، أبرز من يدافع عنها، ممن يحذرون أن يؤدي التخفيف من إجراءات الحجر إلى موجة ثانية للوباء تقضيعلى الجهود التي بذلت خلال فترة الحجر الصحي، ويرون أن رفع الحجر غير ممكن إلا إذا نزل معدل التكاثر (R0) عن 1 في المائة لمدة أسبوعين على التوالي، فضلا عن الاستمرارفي فرض إجراءات أخرى مثل الكمامة والتباعد الاجتماعي، علاوة على الرفع من الفحوصات الطبية لكل المخالطين أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس كورونا.
فما هي الدواعيالمغربية لرفع قيود الحجر الصحي؟ ما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة؟ وما السيناريوهات المتاحة أمام المغرب للخروج الآمن من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريلالماضي؟
هاجس إنقاذ الاقتصاد
استطاع فيروس كورونا أن يشل الاقتصاد العالمي، إلى حد أنه أوقف سلاسل الإنتاج بشكل شبه كلي بين الدول، ما أدى إلى خسائر فادحة، تتفاوت حسب القطاعات.
وإذا كانت مقاربة “إنقاذ الاقتصاد” تفرض نفسها اليوم، على الدول، لدفعها نحو رفع الحجر الصحي، فقد كانت ضاغطة، أيضا، على بعضها لمنعها من فرض حالة طوارئ صحية منالأساس.
هذا النقاش بدا واضحا في أمريكا على وجه الخصوص التي وضعت إنقاذ الاقتصاد في كفة مماثلة لإنقاذ الأرواح. اليوم، تفرض هذه المقاربة نفسها مجددا، لاعتباراتموضوعية، أبرزها أن توقف الاقتصاد لمدة زمنية أطول معناه “الانهيار” كما قال بذلك صراحة الوزير الأول الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي أمام أعضاء الجمعية الوطنية لبلاده.
في المغرب، يمكن معرفة أنصار هذه المقاربة من خلال التقارير والدراسات التي صدرت في الآونة الأخيرة التي تدعو إلى إنقاذ المقاولة من الانهيار، ولو اضطرت الدولة للديون الخارجية، وهو الموقف الذي تضمنته مقالة وزير الفلاحة ورئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.
لاحقا، برزت أصوات مماثلة، تتبنى المقاربة عينها، لكن تعبر عنها بلغة أخف، في هذا السياق يمكن الإشارة إلى نتائج الدراسة التي أجراها الاتحاد العام لمقالات المغرب (الباطرونا)، والتي تشير إلى أن نحو 47 في المائة من المقاولات المغربية التي شملها الاستطلاع سجلت انخفاضا في نشاطها للفصل الجاري بأكثر من 50 في المائة.
بل إن 78 في المائة من الشركات السياحية المشاركة في الدراسة صرحت بأنها لجأت إلى خفضمناصب الشغل، وكشفت ثلثاها أنها تضررت من انخفاض رقم المعاملات.
وقد شمل الانخفاض في رقم المعاملات جميع القطاعات تقريباً، من السياحة إلى العقار إلى الصناعةالتقليدية والصناعات الثقافية والإبداعية والإعلام والنسيج.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن 41,8 في المائة من الشركات طلبت تأجيل سداد قروضها، و37 في المائة منها طلبت تأجيل أداء الضرائب، و48,4 في المائة طلبت تأجيل أداء الاشتراكات الاجتماعية.
وما يكشف أن الأزمة أضرت بشكل كبير بالاقتصاد هو طلب نحو 23 في المائة من الشركات المستجوبة ثلاثة تأجيلات لسداد قروضها.
وأشارت الدراسة إلى أن الشركات تخشى فقدان 165.586 وظيفة، أي 55 في المائة من مجموع الوظائف، ناهيك عن أن فقدان العمل يؤدي إلى التوقف المؤقت للتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي صرحت به 39 في المائة من المقاولات التي شاركت في الاستطلاع/الدراسة، وعددها 1740 مقاولة، تمثل أكثر من 300 ألف وظيفة، منضوية تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، علما أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تمثل نحو 90 في المائة من النسيج المقاولاتي المغربي.
الوضع المأزوم للمقاولة تعبّر عنه الأرقام التي كشف عنها وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، كذلك، حيث صرّح بأن إجمالي 113 ألف شركة أوقفت أنشطتها منذ 15 مارس الماضي. وقد أوضح الوزير أن أكثر من 700 ألف أجير في القطاع الخاص إما عجزوا عن العمل أو جرى فصلهم نتيجة لذلك.
ولا تبدو هذه المعطيات بعيدة عن الحقيقة، فالتقديرات التي تقدمها جهات رسمية تذهب في الاتجاه عينه، إذ تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يشهد الاقتصاد الوطنيانخفاضا يقدر ب6,8٪ خلال الفصل الثاني من 2020، بسبب انتشار وباء كورونا وتمديد فترة الحجر الصحي.
توقعات المندوبية وردت في مذكرة خاصة سجلت فيها أنه من المنتظرأن يواكب هذا الانخفاض فقدان ما يقارب 8,9 نقطة من النمو خلال الفصل الثاني من 2020، مقارنة مع توقعات تطور الناتج الداخلي الخام قبل تفشي وباء كوفيد 19، عوض3,8 نقط المتوقعة في بداية شهر أبريل.
ما معنى ذلك؟
تشير المندوبية إلى أن الآثار الوخيمة للوباء من شأنها أن ترفع الخسائر المتوقعة على مستوى القطاعات الإنتاجية إلى 7,29 مليار درهم، خلال النصف الأول من سنة 2020 ،عوض 15 مليار درهم المتوقعة في 7 أبريل.
وتتوقع المندوبية أن يشهد الطلب الخارجي الموجه للمغرب تراجعا بنسبة 6,12 بالمائة، خلال الفصل الثاني من 2020، عوض ناقص 6٪ المتوقعة في 7 أبريل، متأثرا بانخفاض الواردات وخاصة الأوروبية، مما سيساهم في تراجع الصناعات المحلية الموجهة للتصدير.
وفي ظل ذلك، يُتوقع أن تنخفض الصادرات الوطنية ب1,6 بالمائة، حسب التغير السنوي، كما ستشهد الواردات تراجعا يقدر ب4,8٪ موازاة مع تقلص المقتنيات من المواد الخام ومواد الاستهلاك والتجهيز.
التراجعات تبدو شاملة في تقديرات المندوبية، من ذلك أنها تتوقع انخفاضا في استهلاك الأسر بنسبة 1,2٪ خلال الفصل الثاني من 2020، وذلك بسبب تراجع النفقات المتعلقة بالنقل وبالمواد المصنعة وبخدمات الفندقة والترفيه.
وفي المقابل، سيواصل الاستثمار تقلصه بوتيرة تناهز 5,26 في المائة، بسبب تراجع مخزونات المقاولات، حيث ستساهم الأزمة الصحية في الحد من احتياجات المقاولات من التمويلات في الوقت الذي ستظل احتمالات انتعاش سريع للطلب غير مؤكدة، خلال الفترة المقبلة.
ولا تبدو تقديرات الحكومة بعيدة عن هذا المنحى، ففي الرسالة التي بعثت بها إلى الاتحاد الأوروبي في 26 مارس الماضي، توقعت خسائر معتبرة في قطاعات السياحة والسيارات والأقمشة في عام 2020، خصوصا وأن الصادرات المغربية نحو الاتحاد الأوروبي تشكل أكثر من 58 في المائة، كما أن الاستثمارات الأوروبية المباشرة تشكل 59 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب، علاوة على أن الاتحاد يشكل المورد الرئيس لقطاع السياحة بنسبة 70 في المائة.
ما يعني أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد الأوروبي ستكون لها انعكاسات مباشرة وسلبية جدا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.
ولعل من أبرز الآثار الجانبية الاقتصادية للأزمة في الاتحاد الأوروبي وانعكاسها على المغرب، التراجع المحتمل في تحويلات المغاربة المقيمين في أوروبا وبقية العالم، التي بلغت سنة 2019 إلى أزيد من 64 مليار درهم، ويتوقع أن تتراجع بشكل كبير خلال هذه الفترة، مع لذلك من انعكاسات اجتماعية سلبية على الوضع العام للأسر التي تعيش على تحويلات أبنائها في الخارج.
أما قطاع السياحة، فإن “الكونفدرالية الوطنية للسياحة” تقدر أن الخسائر المتوقعة لعام 2020، قد تبلغ تقريبا 34.1 مليار درهم في إيرادات السياحة الإجمالية، و14 مليار درهم من قطاع الفنادق وحده. وتتوقّع الكونفدرالية تراجعا بنسبة 98 في المئة في عدد السيّاح الذين يزورون المغرب، ما سيعرّض 500 وظيفة و8500 شركة للخطر.
وتفيد المعطيات والتقديرات الاقتصادية أن الاقتصاد المغربي يصعب عليه تحمل نتائج استمرار الحجر الصحي لفترة أخرى بعد 20 ماي، بل يصعب عليه الانطلاق من جديد في ظل استمرار إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية.
ولعل هذا الوضع هو ما دفع لجنة اليقظة الاقتصادية إلى الإعلان عن شروعها في إعداد خطة للإنعاش الاقتصادي تأخذ بعين الاعتبار، وفق بلاغ لوزارة الاقتصاد والمالية، المستوى القطاعي، وتعتزم وضع آليات للتمويل طويلة الأجل لفائدة المقاولات، ووضع آليات لتحفيز الطلب مع إيلاء الأولوية لتعزيز المنتج المحلي، في إطار خطة شاملة للإنعاش قد يُعلن عنها في أفق 20 ماي الجاري.
أما وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، فقد أومأ أمام مجلس النواب إلى إمكانية تعديل قانون المالية لسنة 2020، وتقديم قانون مالي تعديلي، بناء على الاضطرابات التي يعرفها الاقتصاد لعالمي والجهوي نتيجة الفيروس، ما يعني إمكانية إعادة النظر في كل الفرضيات والأولويات لتي تضمنها القانون المالي للسنة الجارية.
تجنب عودة ثانية للفيروس
إلى جانب مقاربة “إنقاذ الاقتصاد” من الانهيار، ثمة مقاربة أخرى تسيطر على الهيئات والمهنيين في قطاع الصحة، تنطلق من هاجس السيطرة على انتشار الفيروس، ومنع موجة ثانية له، بسبب التخفيف من إجراءات الحجر الصحي. يقول أصحاب هذه المقاربة إن الجهود التي بذلت من أجل السيطرة على فيروس “كورونا” من خلال إجراءات الحجر الصحي لا ينبغي إفشالها من خلال التسرع في التخفيف من تلك القيود، وهو الفشل الذي قد يسمح بموجة ثانية للفيروس، في حالة جرى رفع الحجر بطريقة غير عقلانية، ولا تستحضر المعطيات العلمية والطبية، وكذا قدرة النظام الصحي على التحمل.
أبرز من يدافع عن هذه المقاربة وزير الصحة، خالد أيت الطالب، الذي أوضح أمام مجلس النواب أن قرار رفع حالة الطوارئ الصحية يبقى رهين بنزول مؤشر انتشار الفيروس عن معدل التكاثر (R0)، بحيث يجب أن ينخفض معدل انتشار الفيروس عن نسبة 1 في المائة لمدة أسبوعين على الأقل، وثانيا انخفاض المصابين الجدد، ثم تراجع نسبة الحالات الإيجابية المؤكدة عند تعميم الاختبارات على الأشخاص المخالطين.
وألح الوزير أيت الطالب في أكثر من مرة على أهمية استمرار بعض قيود الحجر الصحي، مثل التباعد الاجتماعي، وتعميم ارتداء الكمامات، والاستمرار في استعمال دواء الكلوروكين للحد من الحالات الحرِجة للمرضى المصابين. وزير الصحة شدد على ضرورة التمسك ب”الوعي واليقظة” حتى “لا نعود إلى الوراء”، مؤكدا على نجاعة البروتوكول العلاجي المعتمد على دواء الكلوروكين في التغلب على الحالات الحرجة، وبالتالي، التخفيف من حدة الوفيات في صفوف المرضى.
في ضوء تلك المقاربة، تنكب اللجنة العلمية الطبية التي تشتغل إلى جانب وزارة الصحة على إعداد خطة تتماشى مع التوجه نحو التخفيف من قيود الحجر الصحي، حيث تتجه إلى تبني تقنيات يمكنها أن تسعف في السيطرة على الفيروس، مثل تقنية تحليل الأمصال لقياس قوة مناعة المغاربة، على غرار ما جربته دول أخرى مثل روسيا وتركيا وغيرها، وتعميم إجراء الفحص الطبي على المخالطين والمشتبه فيهم خلال مراحل رفع الحجر الصحي، تماشيا مع الرفع من عدد المختبرات في أغلب المدن الكبرى والمتوسطة، بما في ذلك مدنا جديدة مثل الناظور وبني ملال والراشيدية وورزازات.
وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، حذر من جهته من التسرع في التخفيف من قيود الحجر الصحي، لأن أي خطأ سيكون “مغامرة” خطيرة تؤدي إلى تفشي الفيروس مرة أخرى. وقال الوردي خلال ندوة افتراضية نظمتها شبيبة حزب التقدم والاشتراكية، إنه لا ينبغي المغامرة برفع الحجر دون الأخذ بالاعتبار استعداد منظومة الصحة، وزيادة كبيرة في عدد الفحوصات، والتأكد من جاهزية أقسام الإنعاش.
وشدد وزير الصحة السابق على أنه ينبغي الحسم في إنهاء حالة الطوارئ الصحية بعد تسطيح منحنى الإصابات، واقتراب معدل انتشار فيروس “كوفيد 19 “من 5.0 في المملكة، بينما الوضع الحالي يبقى بعيدا عن كل هذا.
وبخصوص فعالية الكلوروكين ضمن البروتوكول العلاجي للمصابين بالمرض، قال حسين الوردي إنها غير مرتبطة بدليل علمي؛ إذ إن 80 %من المصابين بالعدوى قادرون على التماثل للشفاء تلقائيا، محذرا من إعطاء “أمل زائف بشأن فعالية الكلوروكين”، مشيرا إلى محدودية الإمكانيات الصحية للمغرب مقارنة بدول أوروبية مثل فرنسا، لأن مجموع اعتمادات وزارة الصحة المغربية مثلا لا تعادل سوى ميزانية مستشفى مارسيليا الفرنسي.
تتنازع الحكومات المقاربتين معا، ولا يمكن تجاهل التحديات والإكراهات التي تطرحها كل منها، ما يقتضي استحضارهما معا في أي سيناريوهات ممكنة للخروج من حالة الحجر الصحي.
فما السيناريوهات الممكنة بالنسبة إلى المغرب؟ وما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة في هذا الصدد؟
السيناريوهات الممكنة
ومن بين الإجراءات التي تندرج ضمن القواعد الثلاث، إجراء 700 ألف فحص أسبوعيا للكشف عن الفيروس، وإعادة فتح المدارس على مرحلتين؛ في 11 ثم 18 ماي الجاري، وإلزامية وضع الكمامات في وسائل النقل العمومية، وإعادة فتح كل المتاجر، باستثناء المقاهي والمطاعم التي ستبقى مغلقة حتى نهاية شهر ماي الجاري.
في حين لن يسمح للمسارح وصالات السينما وكبرى المتاحف بالعمل مجددا، ستبقى مغلقة إلى مرحلة أخرى.
أما الأحداث والمنتديات الرياضية فلن تستأنف قبل شتنبر المقبل. وتعِد الخطة الفرنسيين بإمكانية رفع الحجر الصحي تماما، في حالة انخفض عدد حالات الإصابة الجديد إلى أقل من 3 آلاف يوميا.
الفرنسيون قرروا اللجوء إلى نظام التعقب الإلكتروني، لمراقبة المرضى والمخالطين، رغم الجدل الذي أثير حول الإجراء، في علاقته بالحقوق والحريات الفردية، لكن الوزير الأول وعد بأن يخضع هذا الإجراء تحديدا إلى نقاش في البرلمان قبل إقراره أو رفضه.
وقال إدوارد فيليب ّردا على الموقف الرافض لإقرار نظام التعقب الإلكتروني “ينبغي أن يكون بذلك موضع تصويت” مضيفا: “إن النقاش مبكر في هذا المجال وقبل تنفيذ التطبيق سيكون موضوع نقاش وتصويت في البرلمان”.
الوزير الأول الفرنسي ّ برر قرار الدولة الفرنسية بالخروج تدريجيا من الحجر الصحي بخطر “الانهيار” الذي يهدد فرنسا اجتماعيا واقتصاديا بسبب القيود الصارمة المفروضة على الفرنسيين منذ 17 مارس الماضي، وقال: “نشعر بأن الوقف الطويل للإنتاج وإغلاق المدارس والحدود ووضع قيود للحركة، قد يؤدي إلى خطر الانهيار”، مشيرا إلى أن الحجر “سمح بتفادي 70 ألفا من الوفيات”.
وقال أيضا: “لأجل تنظيم حياة الفرنسيين، علينا أن نعيش مع الفيروس ونحتمي منه”، مضيفا: “ليس هناك علاج أثبت نجاعته ولم نبلغ المناعة الجماعية بعد”، مؤكدا أن تفشي الفيروس في “انخفاض بطيء، لكن منتظما عموما، تقترح التجارب الدولية على المغرب أربع مقاربات/ سيناريوهات للتغلب على الفيروس والخروج من وضعية الحجر الصحي؛
المقاربة الأولى: تؤكد على ضرورة التعايش مع الفيروس من خلال تغيير نمط الحياة، وهي مقاربة تنطلق من أن الفيروس سيبقى إلى فترة غير معروفة، وبالضبط حتى إيجاد اللقاح، الذي قد يستغرق عاما على الأقل، وفي انتظار أن يجيب العلم والطب عن الأسئلة العالقة حول طبيعة الفيروس وقدراته على الانتشار والقتل. ولأن الفيروس قد يتراجع، لكن قد يعود من جديد، مادام هناك مصابون في شتى بقاع العالم.
ملخص هذه المقاربة أنه في غياب تلقيح فعال، تبقى الوقاية هي الوسيلة الأساسية لمواجهته، وعلى المواطنين في كل الدول تغيير طريقة عيشهم، والتكيف مع الفيروس للحد من انتشاره. ومن متطلبات ذلك، الكف عن المصافحة والعناق، والاستمرار في ارتداء الكمامات الواقية في الفضاءات العمومية مثل وسائل النقل والعمل والتسوق، والحفاظ على التباعد الاجتماعي لمسافة لا تقل عن متر ونصف بين المواطنين في المحلات والفضاءات العمومية، والخضوع للعزل الصحي في حالة الشك والاشتباه بنقل
الفيروس.
المقاربة الثانية، وتتعلق بالفحص الشامل قبل وخلال فترة رفع الحجر الصحي، لأنها تقنية فعالة قد تمكن من اكتشاف المصابين، بمن فيهم أولئك الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض ويمكن أن ينقلوا العدوى إلى غيرهم دون شعور منهم، ومن شأن الفحص الشامل أن يؤدي إلى اكتشاف المصابين، وبالتالي عزلهم وعلاجهم، وفي الوقت عينه من شأن هذا الفحص تأكيد سلامة الأشخاص غير المصابين، هؤلاء سيكون بإمكانهم العودة إلى أعمالهم وأنشطتهم العادية. ومن شأن تحاليل الفحص الشامل أن تزرع أجواء الثقة في المجتمع، لأنها تساهم في تمييز المصابين من غيرهم خلال أمد زمني محدود، ومن شأن ذلك، أيضا، أن يساعد في الانطلاق من جديد بالنسبة إلى الاقتصاد والمؤسسات والناس كذلك.
وتختلف الدول في العمل على هذا الإجراء، بين دول تعتمد الفحص الشامل لجميع مواطنيها، أي فحص عشوائي دون تمييز، وهو توجه اعتمدته ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وتتجه فرنسا إلى العمل به أيضا، لكن هناك خيارا ثانيا يدعم الفحص الموجه وليس الشامل، بحيث يكتفي بالأشخاص الذين لديهم أعراض المرض، مثل السعال والحمى، والمخالطين لهم. وهذا التوجه هو المعتمد في المغرب، ويبدو أنه قيد التعزيز والتوسيع.
المقاربة الثالثة، تقوم على الاستعانة بالتقنية من أجل محاصرة الفيروس، تتمثل في إرساء منظومة تكنولوجية للتعقب والتتبع، وهي منظومة تسمح للأجهزة الأمنية بتتبع المرض قبل إصابته وبعدها، من أجل معرفة المخالطين له، وهذه المنظومة بقدر ما تساعد في التعرف على المريض ومخالطيه بسرعة كبيرة، بل وتعقيم الأماكن التي مر منها، والتي يمكن معرفتها من خلال نظام التتبع، تساعد كذلك في التنبؤ ببؤر الوباء التي قد تظهر في أي منطقة كانت، ومن التوجه نحو هذه البؤر بشكل استباقي.
وعموما، يمكّن نظام التتبع من التعرف على ثلاث فئات: المصابون ومخالطيهم، الناجون من الفيروس، والأشخاص المتعافون ممن أصبحت لديهم مناعة ضد الفيروس بعد إصابتهم به، بعبارة أخرى، يساعد نظام التعقب في تحديد وتدقيق الخريطة الوبائية، وبناء استراتيجية لمواجهتها بشكل ناجع ّ وفعال.
مقاربة رابعة، تقدمها التجارب الأوروبية تتمثل في استراتيجية “توقف ثم تقدم Stop and go، تقوم على فرضية أن الأوبئة معدية، وأن الذين يحملون الفيروس دون أعراض يمكنهم نقل الفيروس لغيرهم عند رفع الحجر الصحي، مما قد يؤدي إلى موجة ثانية للفيروس نتيجة رفع الحجر الصحي. وعليه، فإن الحل الممكن هو أنه كلما ارتفعت حالات الإصابة يمكن فرض الحجر من جديد، لأسبوع أو أسبوعين، إلى حين التعافي من جديد ثم رفع الحجر مرة أخرى، وهكذا، وهي مقاربة ترمي إلى تسطيح منحنى الوباء، وتجنب حدوث ذروة عالية من المصابين، يعجز معها النظام الصحي عن استيعاب المصابين. وتفترض هذه المقاربة رفع الحجر على مراحل، واستثناء بعض الفئات الهشة مثل كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، لأن الفيروس قاتل بالنسبة إليهم.
هذه سيناريوهات/مقاربات تبدو متباينة، لكنها متكاملة، ويمكن للمغرب أن يستفيد منها في صياغة استراتيجيته الخاصة للخروج من الحجر الصحي بأقل الأضرار الممكنة، إذ يكفي الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي تكبدها المواطن المغربي، وفي الوقت عينه الحيلولة دون موجة ثانية للفيروس خلال مراحل رفع الحجر، تهدم الجهود المبذولة منذ بداية مارس الماضي.
سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.