مشروع القانون الخاص بالشبكات الاجتماعية والبث المفتوح هو الابن غير الشرعي لقوانين مكافحة مقاطعة البضائع الإسرائيلية. هذه ليست مبالغة، ولكنها حقيقة. المواد الثلاث في مشروع 22.20، ليست سوى محاكاة محلية لقوانين جرى إقرارها في سياقات معينة، ولم يجر في المغرب سوى استبدال الهدف: الشركات المحلية بدل الإسرائيلية. للقانون، إذن، أصل ومرجع ورقم، وطابع غير شريف. وفي الواقع، كان من الصعب تحديد أصل سلالة مشروع 22.20، لو لم يتفضل واحد من المدافعين عنه، وهو إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (وزيره في العدل هو من طرح المشروع قبل أن يسحبه مضطرا) ليمنح المناقشات هذه الارتباطات. في حواره مع «أخبار اليوم»، لم ينتقد لشكر مشروع قانون 20.22، بل أضفى عليه شرعية مستمدة من القانون المقارن. قال: «شخصيا، بحثت في القانون المقارن، الفرنسي والألماني حول المواد الثلاث، وعندما سيفتح النقاش العمومي، سنطرح كيف تعاملت هذه الديمقراطيات المتقدمة مع هذه القضايا». بسماع كلمات رنانة مثل القانون المقارن، والديمقراطيات المتقدمة، يُخيل للمرء أننا كنا نتصرف إزاء المناقشات المحلية حول مشروع القانون المذكور، وكأننا منفصلون عن الواقع. لكن ذلك ليس صحيحا. الكلمات المنتقاة بعناية، ناهيك عن الاقتضاب المتعمد في الإيضاح يدفع المرء إلى الشك. ماذا يعني لشكر بالقانون المقارن؟ ببساطة، إنه يقصد قانونا واحدا يتعلق بتجريم الدعوة إلى مقاطعة البضائع التي مصدرها إسرائيل. وفي الاستشهاد المرجعي بكل من القانونين الفرنسي والألماني، يسكن الشيطان. لم يكن ذلك اعتباطيا بالمرة. في ألمانيا، كما أشار إلى ذلك لشكر نفسه، جرى إقرار هذا القانون في 2019، وفي فرنسا، حدث ذلك في العام 2015. ليس هناك شيء آخر. لم يشر لشكر إلى الولاياتالمتحدة، لأن مشروع قانون مماثلا جرت عرقلته هناك عام 2018، لكنهم يملكون قانونا قديما يعود إلى عقد السبعينيات، يتضمن عقوبات ضد المقاطعين تكاد تكون مطابقة لما هو موجود في مشروع قانون 22.20. ولشكر، على ما يبدو، وهو المتحمس لمضامين القانون المقارن، غير مكترث بالتفاصيل كثيرا، فهو يساري ميال عموما إلى أعمال الليبراليين، فهؤلاء أنفسهم هم من يقفون وراء قوانين تجريم مقاطعة الشركات والبضائع ذات المصدر الإسرائيلي. في ألمانيا، كانت جماعة من النيوليبراليين، والكيانات السياسية المعادية للمهاجرين، هي من صممت على إقرار القانون، ونجحت في ذلك. وفي فرنسا، كان الليبراليون المدعومون باليمين حريصين على دفع الداعين إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية إلى المحاكم. في ألمانيا، كما في الولاياتالمتحدة، كانت خطة تمرير قوانين تجريم مقاطعة البضائع الإسرائيلية غارقة في السرية. في ألمانيا، لم يجر الكشف عن مشروع القانون سوى يوم واحد قبل خضوعه للتصويت، وفي الولاياتالمتحدة، كان مخططا أن يدرج المشروع، خفية، في اليوم الأخير لعمل الكونغرس قبل خروج أعضائه إلى العطلة الصيفية لذلك العام. تبدو هذه التفاصيل وكأن هناك تدبيرا واحدا لعمليات تجريم المقاطعة. ودعونا لا نتحدث عن تعريف لشكر أيضا للمقاطعة الموجبة للتجريم، فهي نفسها بالكلمات ذاتها، وبالترتيب نفسه كما هي مدرجة في هذه القوانين. هل هذه صدفة؟ دون عبء إثبات هائل، فإن وزير العدل، اليساري، وجماعة الضغط التي مارست حريتها بكل «ليبرالية جديدة» في نص المشروع، لم يكن لديهم أي مرجع يستندون إليه لتجريم مقاطعة بضائع الشركات، سوى نموذج تجريم مقاطعة البضائع الإسرائيلية. ولسوف يظهر، بعدما برزت الفضيحة إلى العلن، أن المسؤولين الحكوميين، الذين كانوا يأملون أن يمر مشروع القانون خلسة، على قادر بالغ من الاستهانة بالناس. ومن الطبيعي، تبعا لذلك، أن يتخلص الجميع من أي دليل يربطه بالجريمة، ولقد حاول الاتحاد الاشتراكي أن يلعب اللعبة نفسها، لكنه فشل. لم يكن مشروع القانون نصا يتيما، بل كان نتيجة لاحتضان هؤلاء النيولبيراليين المحليين نصوص قانون مشينة أقرها نيولبيراليون آخرون في مكانين بعيدين. والاتحاد الاشتراكي، وقد تخلص من أي قيمة تربطه باليسار، ليست لديه مشكلة في أن يكون خادما للنيوليبراليين، على كل حال. ونحن نشعر بنوع من السعادة على الصراحة غير المتعمدة لشخص مثل لشكر، والتي أوضحت أن مشروع القانون ولد من رحم، وبحبل سُرِّي كذلك. يدافع لشكر عن قانونه، كما يهاجم لوبيات يزعم وقوفها وراء حملات الدعوة إلى مقاطعة بضائع. في الواقع، وفي عام 2018، كانت التهمة الرئيسة، كما روجها أعضاء في الاتحاد الاشتراكي وفي التجمع الوطني للأحرار، هي وقوف شبكات موالية لحزب العدالة والتنمية وراء المقاطعة الشعبية آنذاك. وقد خلصت دراسة مشوهة ومجتزأة، وتنقصها الدلائل، إلى أن أعضاء في حزب العدالة والتنمية عملوا بفعالية لدفع الناس إلى مقاطعة منتجات شركة أفريقيا. ولشكر يعود مجددا إلى هذه الأقاويل ليصنع فذلكة محيرة: «إننا نواجه مسا بحرية المواطن في أن يقاطع ما يشاء». وهذه العبارة ليست، في نهاية المطاف، سوى دعوة إلى الصمت. قتل رحيم لأي تشكل جماعي لأي حملة، أي فرض نوع هادئ من الاستسلام لحكم الشركات. في حقيقة الأمر، لا يمكننا أن نتوقع شيئا من حزب الاتحاد الاشتراكي. لقد بلغ به الوهن السياسي مبلغه في فترة لشكر، حتى إن أي تخمين حول وجود مستقبل لهذا الكيان قد لا يكون سوى أضغاث أحلام. كيان وضع تاريخه وراءه منذ 20 عاما، وراح يتخلص من أي معارضة كيفما كانت داخله، ثم باع رصيده الباقي إلى التجمع الوطني للأحرار. إن لشكر لا يمنحنا آمالا زائفة، على كل حال، فهو لا يتزحزح عن مرافعته دفاعا عن مشروع وزيره في العدل، كما هو على أهبة الاستعداد لفعل ذلك في أي وقت تكون فيه الفرصة سانحة. مازال لشكر مؤمنا بأن الفرص متاحة في وضع تمارس فيه السياسة وكأننا في الغرب المتوحش. لكن، ما هو أهم هو أن تحذروا دعواته كل مرة؛ سواء إلى حكومة وحدة وطنية، أو إلى أي شيء آخر. يمكن أن يكون فُوه الاتحاد الاشتراكي فاغرا، وهو يملؤه بتبن الشركات، لذلك، لن يخسر شيئا إضافيا. لم يعد لهذا الحزب «شعب» يقف خلفه، ومن المؤكد أن لا شيء سيغير ذلك مستقبلا.