تزامن شهر رمضان مع أحداث كبرى عاشها المغاربة، مثل محاكمة الضباط الذين تورطوا في الانقلاب على الحسن الثاني وحاولوا إسقاط طائرته، أو قضية محاكمة الكوميسير ثابت، أو حملة التطهير التي جرت في مثل هذا الشهر، فضلا عن حصار قطر الذي ألقى بظلاله على علاقات المغرب مع دول خليجية. وفيما يلي بعض الأحداث التي وقعت في مثل هذا الشهر. حصار في عز رمضان.. المغرب والأزمة الخليجية في العاشر من رمضان، الموافق ل5 يونيو 2017، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين، زائد مصر مقاطعتها لقطر، موجهة لها عدة اتهامات، من قبيل دعم الإرهاب والتحالف مع إيران، ولرفع الحصار عن الدوحة قدمت لائحة ب13 مطلبا، ضمنها قطع العلاقات مع إيران، وطرد قيادات الإخوان المسلمين، وإغلاق قناة “الجزيرة”.. وضع هذا الحدث المفاجئ المغرب في قلب معادلة صعبة، في هذا الشهر الفضيل، وهو الذي دأب على نسج علاقات جيدة مع جميع دول الخليج. فهل يدعم الدول التي فرضت حصارها على قطر، أم يقف إلى جانب الدوحة، أو يتخذ موقف الحياد؟ كان أول موقف اتخذه المغرب أمام هذه الأزمة هو صدور بلاغ من وزارة الخارجية في 11 يونيو 2017، بعد ستة أيام من اندلاع الأزمة، تعبر فيه عن انشغال المملكة المغربية البالغ بخصوص هذه الأزمة، فضلا عن قيام ملك البلاد باتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف الأطراف، داعيا إياها إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة. كما حرص البلاغ على التوكيد على أن المملكة المغربية تفضِّل حيادا بنَّاء لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة. وفي اليوم الموالي 12 نونبر 2017، صدر بلاغ ثان لوزارة الخارجية، ينفي ربط الموقف المغربي من هذه الأزمة بأي حال من الأحوال، مع مواقف أطراف غير عربية أخرى، تحاول استغلال هذه الأزمة لتعزيز تموقعها في المنطقة، والمس بالمصالح العليا لهذه الدول، في إشارة إلى إيران وتركيا. كما صدر بلاغ ثالث يخبر بأن الملك محمد السادس أمر بإرسال مواد غذائية إلى دولة قطر، مؤكدا أن هذا الموقف لا علاقة له بالجوانب السياسية للأزمة القائمة بين دولة قطر ودول شقيقة أخرى. وبعد ذلك توالت مبادرات مغربية للوساطة، لكنها فشلت بسبب تعقد الأزمة. ولازالت هذه الأزمة مستمرة إلى اليوم، وتعكر صفو العلاقات بين المغرب وبعض دول الخليج مثل الإمارات والسعودية. قضية الكوميسير ثابت ومغامراته تفجرت قضية “الكوميسير ثابت” في الأيام الأخيرة من شهر رمضان من سنة 1990، ويمكن اعتبارها أحد أبرز الأحداث التي عاشها الرأي العام آنذاك. تورط ثابت في اعتداءات جنسية ضد المئات من النساء باستعمال العنف والاختطاف والاحتجاز، وتسجيل ممارساته الجنسية عليهن عبر أشرطة فيديو. القضية طفت على السطح، حين تقدمت سيدة بشكاية أمام أمن الحي المحمدي عين السبع، بالدارالبيضاء، قبيل عيد الفطر من سنة 1990، ضد شخص يُدعى “الحاج حميد” اتهمته باحتجازها واغتصابها رفقة صديقتها، مفيدة أن هذا الشخص مهاجر مغربي مقيم في إيطاليا، وأنه قام بتسجيل عملية اغتصابها على شريط فيديو. أول من استقبل هذه السيدة هو العميد مصطفى بنمغنية، رئيس الشرطة القضائية بالحي المحمدي، لأنها حرصت على أن تتحدث معه شخصيا. وفعلا، جرى فتح بحث في القضية. وبعد التحريات التي قامت بها الشرطة، تبين أن الشخص المعني هو محمد مصطفى ثابت، الملقب ب”الحاج ثابت” الذي كان يشغل حينها منصب رئيس الاستعلامات العامة لأمن الحي المحمدي عين السبع. بعدها جرى طي الملف في ظروف غامضة ولم يخرج للعلن ولم تتحرك أي متابعة بشأنه. لكن هذه القضية ستتفجر من جديد بعد ثلاث سنوات، أي في سنة 1993، وستصبح حديث الرأي العام. وحسب رواية مصطفى بنمغنية لعدد من وسائل الإعلام، الذي توبع في هذه القضية، وحكم عليه ب10 سنوات سجنا، أكد أنه لم يتورط في طي الملف، بل قام بما يجب عليه القيام به، بحيث أعد محضرا وسلمه لرئيسه أحمد أوعشي، كما أخبر رئيسه القضائي، وكيل الملك. لكن القضية بقيت جامدة ولم تتحرك. في حوار مع مجلة “زمان”، روى الكوميسير بنمغنية، بعد خروجه من السجن، أنه استقبل تلك السيدة في نهاية شهر رمضان سنة 1991، فأخبرته أنها تعرضت للاغتصاب من قبل رجل قدم نفسه على أنه الحاج “حميد” يشتغل في إيطاليا، ثم ادعى أنه شرطي وقادها رفقة صديقتها إلى شقته، حيث اغتصبها وصور لها شريطا. ويروي أنه بعد مجموعة من الأسئلة تبين له أن الأمر لا يتعلق باغتصاب، وأن السيدة تريد أن تغير مجرى الأحداث، وأنها مارست الجنس مع الرجل بمحض إرادتها، وأن شيئا ما وقع دفعها لتغيير روايتها. ويضيف أن ما حدث هو أنها بعد ممارسة الجنس غادرت الغرفة إلى الحمام، ولما عادت وجدت “الحاج حميد” يعيد مشاهدة شريط العملية الجنسية. ولما استفسرته عن سبب تصويره لها أجابها: “أعجبتني، وإذا جئت إلي في يوم العيد سأسلمك الشريط، وإذا لم تأت سأبيعه”. هنا قررت وضع شكاية ضده. وحسب رواية بنمغنية دائما، فإنه بعدما أبدى استعداده للبحث في الموضوع، جرى تنقيله من رئاسة الشرطة القضائية بالحي المحمدي عين السبع، إلى فرقة الشرطة القضائية بأنفا. لكن تلك السيدة عادت مرة أخرى ورفعت شكاية ثانية، وهذه المرة عن طريق محاميها، فتفجرت القضية سنة 1993. ولما اقتحم الأمن شقة الكوميسير ثابت بشارع عبدالله بن ياسين، عثر على 118 شريطا يوثق لعلاقاته الجنسية مع نحو 500 امرأة منهن قاصرات، فاعتقل وجرى التحقيق معه ومحاكمته. اعترف المتهم خلال البحث التمهيدي، حسبما جاء في منطوق الحكم الاستئنافي الصادر ضده، في 15 مارس 1993 بأنه كان في كل يوم يتوجه إلى أبواب المدارس والكليات أو الشوارع على متن سيارته ويعرض على المارات مرافقته، وكلما ركبت معه إحداهن يتحايل عليها وإذا رفضت يهددها ويذهب بها إلى شقته الموجودة بشارع عبدالله بن ياسين، فإن رضيت مارس معها الجنس وإن رفضت أرغمها على الاستسلام له، وإذا كانت إحداهن بكرا يقوم بافتضاض بكارتها. وأضاف أنه مارس الجنس على نحو 500 امرأة وفتاة قاصر، وأنه يقوم بتصوير آلة التصوير، “كاميرا”، جميع أفعاله الجنسية مع النساء والفتيات اللواتي يأتي بهن إلى شقته، وأنه كان يمارس الجنس رفقة صديقه في بعض الأحيان مع امرأة واحدة، وفي آن واحد ينهج الطريق عينها، كما هو مبين بأشرطة الفيديو المحجوزة والمسجلة بها تلك الأفعال. وبعد جلسات محاكمة ماراطونية جرى فيها عرض الأشرطة في جلسات سرية، أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف في الدارالبيضاء، حضوريا ونهائيا، حكما بالإعدام على المتهم الحاج ثابت وجاء في منطوق الحكم: “وحيث أن المحكمة تداولت بشأن تمتيع المتهم بظروف التخفيف، فقررت عدم تمتيعه بها، نظرا إلى خطورة الأفعال المرتكبة. إن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء وهي تقضي علنيا وحضوريا وانتهائيا في القضايا الجنائية والجنح المرتبطة بها. في الدعوى العمومية: تصرح بمؤاخذة المتهمين ثابت محمد مصطفى ومن معه من أجل ما نُسب إلى كل واحد منهم. والحكم على المتهم ثابت محمد مصطفى بالإعدام وتُحمّل المتهمين الصائر والإجبار في الأدنى وبإتلاف الأشرطة الفيديو المحجوزة وبمصادرة المحجوزات: الكاميرا والتلفزة والفيديو والسيارة لفائدة الدولة، وبإغلاق الشقة الكائنة بشارع عبدالله بن ياسين بالبيضاء”. هذا، وجرى تنفيذ عملية الإعدام في حق ثابت فجر يومه الأحد 5 شتنبر 1993 بسجن القنيطرة. وتلك كانت آخر مرة يُنفذ فيها حكم الإعدام في المغرب.. الحكم بإعدام ضباط المحاولة الانقلابية في شهر رمضان من سنة 1973، جرت محاكمة الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب على الحسن الثاني في 1972، وهيمنت هذه القضية على الأحداث التي هزت الرأي العام المغربي. يتعلق الأمر بضباط من سلاح الجو المغربي من قاعدة القنيطرة تورطوا في الهجوم على طائرة الراحل الحسن الثاني، لكنهم فشلوا في إسقاطها. وقد جرى حكم الإعدام في هذا الشهر، وهم: محمد أمقران، الوافي كويرة، عبدالقادر زياد، حميد بوخالف، عبدالعالي المهدي، أحمد بلقاسم، العربي بينوا، الطاهر بحراوي، عبد الرحمان كمون، الحاج العربي، اليزيد ميداوي ومحمد الشلاط. نفذ الحكم في منطقة “شليحات” قرب القنيطرة رميا بالرصاص، أما 35 ضابطا آخر، فقد سجنوا بالمركزي بالقنيطرة، ولكن بعد 8 أشهر من الاعتقال ألقي بهم في معتقل تازمامارت، فيما برئ آخرون. واقعة محاولة الانقلاب جرت بعد أقل من سنة من محاولة انقلاب قصر الصخيرات في 1971. ففي غشت 1972، وبينما كان الملك عائدا من زيارة له لفرنسا مستقلا طائرة بوينغ 727، تعرضت طائرته لهجوم من طرف أربع طائرات حربية من نوع “5 F” كان يُعتقد أنها تريد مرافقة الطائرة الملكية، لكنها بدأت فجأة في إطلاق النار، ما جعل الطائرة الملكية تتعرض لأضرار، لكنها نجحت بقيادة الطيار محمد القباج في النزول في مطار القنيطرة، لكن المقاتلات قصفت المطار، كما جرى قصف القصر الملكي، بينما نجح الملك الحسن الثاني في التوجه إلى قصر الصخيرات والسيطرة على الوضع. فشلت العملية وجرى اعتقال الانقلابيين وهرب الطيار كويرة وبعض الطيارين عبر مروحية إلى جبل طارق، لكن جرى تسليمهم بطلب من الحسن الثاني ومحاكمتهم، وتبين أن الجنرال محمد أوفقير، وزير الدفاع، كان ضالعا في العملية الانقلابية، وقيل في بيان رسمي إنه انتحر. ومنذ ذلك الحين أُلغي منصب وزير الدفاع في المغرب، وأصبح الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. حملة التطهير في رمضان في شهر رمضان من سنة 1996، جرى إطلاق حملة ضد رجال الأعمال والتجار، سُميت “حملة التطهير”، أدت إلى اعتقال العديد من رجال الأعمال ومحاكماتهم. جاءت الحملة في سياق أزمة اقتصادية خانقة عرفها المغرب، حيث أظهرت تقارير أن انتشار أنشطة التهريب في الشمال تهدد الاقتصاد الوطني، فقرر الملك الراحل الحسن الثاني تكليف إدريس البصري وزير الداخلية بتنفيذ المهمة، رغم أن وزراء في حكومة عبداللطيف الفيلالي تحفظوا عليها.. جرت اعتقالات واسعة في صفوف مجموعة من رجال الأعمال ووجهت لهم عدة تهم، من قبيل تهريب الأموال إلى الخارج وتجارة المخدرات والتهرب الضريبي وغيرها. كما جرى اعتقال تجار صغار ومتوسطين، وأيضا، مسؤولين ضمنهم المدير العام للجمارك علي عمور، ومن أبرز المعتقلين، الصيدلاني بنعبدالرزاق الذي اتهم بإدخال عينات دم ملوث بفيروس “السيدا” من الخارج، وحكم عليه بتسع سنوات سجنا نافذا. إضافة إلى الحكم على نحو 1200 شخص ومصادرة أموالهم، ما انعكس ذلك على الأوساط السياسية والاقتصادية. في المقابل تولت مجموعة من الجمعيات الحقوقية انتقاد الحملة، ما دفع بالوزير المنتدب المكلف بحقوق الإنسان، محمد زيان آنذاك، إلى الإعلان عن استقالته خلال برنامج تلفزيوني مباشر، احتجاجا على الطريقة التي نهجها وزير الداخلية إدريس البصري ودفاعه عن الحملة في عدد من خرجاته الإعلامية. وبعد مرور أشهر من هذه الحملة التي كانت لها نتائج سلبية على الواقع الاقتصادي والسياسي، تدخل الحسن الثاني وأصدر عفوه على جميع المعتقلين، وكان ذلك في 16 أكتوبر من سنة 1997.