نستقبل شهر رمضان هذه السنة في ظل أزمة غير مسبوقة، وظروف استثنائية تتمثل، أساسا، بجائحة فيروس كورونا المستجد، الذي غيّر مناحي الحياة رأسا على عقب، ليجد المسلمون أنفسهم في قلب عاصفة من التساؤلات الصحية المرتبطة بتأثير الفيروس على الصائم، ومدى قدرة جهاز المناعة على مقاومة الوباء؟ ثم هل يجوز صحيا الصيام في زمن كورونا؟ وهل ستتمكن الحالات المصابة بالفيروس من الصيام، في ظل علاج الكلوروكين المتبع؟ هذا الجدل انطلق لأسابيع قبل قدوم الشهر المبارك، عقب تصريح إعلامي للأخصائي في علوم التغذية، محمد الفايد، قال فيه إن: “صيام شهر رمضان بطريقة شرعية صحيحة، مع الاعتماد على الأطعمة الطبيعية من خضر وفواكه خلال الإفطار، من شأنه أن يطرد السموم من الجسم ويقضي على فيروس كورونا، والذي يمكن طرده، أيضا، من الجيوب الأنفية عبر استنشاق بخار بعض التوابل مثل القرنفل والقرفة”. كما أوصى، كذلك، بأن تصوم النساء الحوامل ومرضى السكري، وهو ما فتح عليه وابلا من الانتقادات وجبهة حرب جديدة من طرف معارضيه الذين اعتبروا تصريحه هذا، “خطير جدا ويهدد سلامة المواطنين، نظرا لافتقاره للأسس العلمية والطبية وتنافيه مع توصيات الوزارة الوصية، ومنظمة الصحة العالمية”. وفي سياق عاصفة الأخذ والرد بين مؤيدي الفايد والفريق المعارض لتصريحاته، والتي لم تخفت لأسابيع متتالية، انتصرت البروفيسور سميرة فافي-كريمر، مديرة معهد علم الفيروسات بستراسبورغ، لفكرة ارتباط الصيام بالمناعة، مشيرة إلى أن هذه الفريضة ومن الناحية العلمية “تمنح الجسم الراحة وتقوي مناعته”. وأوضحت سميرة فافي، التي حلت ضيفة على برنامج “حديث مع الصحافة” الذي يبث على القناة الثانية، أن الصيام يقوي جهاز مناعة الإنسان ويرفع من جاهزيته لمواجهة الأمراض، على اعتبار أن ال «métabolisme»أو التمثيل الغذائي ينخفض خلال فترة الصيام، شريطة “أن لا يفرط الصائم في الأكل عند الإفطار”. وتوصي فافي، باعتماد النظام الغذائي المتوازن من أجل اكتساب المناعة خلال هذا الشهر الفضيل، غير أن الأخصائية وفي الوقت عينه “لا تنصح الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة مثل السكري والقلب وغيره بالصيام، حفاظا على سلامتهم الصحية”. وشددت المتحدثة في تصريحها على أن الصوم وإن كان يساعد على اكتساب المناعه، فإنه “لن يحمينا من الإصابة بالفيروس، إذ لا علاقة للصيام بمرض كورونا المستجد، بحيث أن الفيروس موجود فعلا ولن يتحرك، كما أنه لا يفرق بين الإنسان الصائم أو غيره”. كما نبهت المتحدثة إلى أن كل من يغادر بيته يعرض نفسه ومحيطه لخطر الإصابة، “وبالتالي، ما يجب أن نفكر فيه هو التباعد الاجتماعي في رمضان وتجنب الصلاة الجماعية أو زيارة الأقارب، حماية لعائلتنا من هذا الفيروس، أي من الموت”. لا علاقة بين الصيام وجفاف الحلق ويأتي تصريح الأخصائية المغربية، في وقت لايزال الاختلاف قائما بين العلماء الذين يعتبرون صيام شهر رمضان يقوي جهاز المناعة ويرفع من جاهزية الجسم لمواجهة الأمراض، وبين من يؤكد على أن فقدان كميات من السوائل دون الاستعاضة عنها بشرب الماء يعرض جسم الإنسان لخطر الإصابة بأمراض الكلى نتيجة نقص السوائل، وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات صحية أخرى تؤثر على المناعة بشكل سلبي، وهو المنطق عينه الذي يتبناه الناشط الأمازيغي أحمد عصيد عندما اعتبر في مقطع فيديو أثار جدلا كبيرا قبل يومين، أن “جفاف الحلق قد يشكل خطرا على المواطن، لأن الفيروس يذهب إلى الجهاز التنفسي عوض الجهاز الهضمي، ما يستوجب ضرورة أن يبقى الحلق مبللا عبر شراب المواد السائلة كل ساعة أو نصف ساعة”. وفي ظل غياب أي دراسة علمية تفيد بأن جفاف الحلق قد يسهم في الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ينفي البروفيسور مصطفى الناجي، الأخصائي في علم الفيروسات ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وجود أي “علاقة تربط بين فيروس كورونا ورطوبة الحلق”. وأوضح الناجي أنه لا توجد دراسة علمية، تثبت أن جفاف الحلق قد ينقل فيروس “كوفيد19″ بسرعة أكبر إلى الرئتين، مشيرا إلى أن ”العلاقة الوحيدة الثابتة، حاليا، بالمنطق العلمي هي العلاقة المباشرة بين الوباء ومناعة الشخص. فإذا كانت مناعة الشخص الصائم أو غير الصائم مضطربة، فسيكون في مقدمة من يستهدفهم الفيروس”. ويرفض البروفيسور الناجي اعتبار أن صيام رمضان قد يساعد الشخص في الحماية والوقاية من الإصابة بالوباء، مشددا في الآن عينه، على أن “من يحمي الشخص هو البقاء في المنزل وتحقيق التباعد الاجتماعي طيلة هذه الفترة المقبلة”. الأخصائي، وفي تصريحه ل”اليوم 24″، أكد على أن الفرق الوحيد بين رمضان والأيام العادية، يكمن في الانتباه لمكونات وجبة الإفطار من خلال الاعتماد على المأكولات التي تغذي حاجة الإنسان الخاصة من بروتينات وفيتامينات وغيرها، مع أخذ ما يقارب لتر ونصف من الماء في اليوم. إذ إن رمضان يساعد الإنسان على التخلص من السموم التي يحتويها جسمه”. وبخصوص الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة يرفض الناجي، أن يقوموا بهذه الفريضة من تلقاء أنفسهم لما له من عواقب وخيمة على صحتهم، مؤكدا على ضرورة مراجعة الطبيب واستشارته، إذ وحده من يقرر وفقا لكل حالة ومدى تقدم علاجها. واعتبرا الأخصائي الناجي أن “أي ربط بين الصيام إيجابيا أو سلبا هو ضرب من الهواجس فقط، والتي لا تستند على أساسي علمي وطبي”. الموقف عينه عبر عنه يوهان غيساكي، وهو طبيب بروفيسور بمعهد كارولينسكا مختص في الأمراض المعدية وعلم الأوبئة، والذي أكد على أنه لا توجد أي دلائل علمية تثبت صحة الادعاءات التي تقول إن جفاف الحلق جراء الصيام سيسهم في تفشي الفيروس. الأخصائي وفي تصريح للإذاعة السويدية الناطقة بالعربية، قال: “أكاد أجزم بأن العكس هو الصحيح لأن الرطوبة هي التي توفّر البيئة المناسبة لاحتضان الأغشية المخاطية للفيروس في حالة رطوبتها عنه في حالة جفافها، إذ بالعكس أعتقد أن خطر انتقال العدوى ينخفض عند الصوم”. الفرق بين الصيام الطبي والصيام الرمضاني.. شاسع لكن المبدأ واحد أما البروفيسور جمال الدين البوزيدي، الأخصائي في الأمراض التنفسية والفيروسية، فيرى أن “لا علاقة بين فيروس كورونا وصيام شهر رمضان”، مشيرا إلى أن أداء الفريضة من عدمه يكون حسب كل حالة على حدة، بما فيها الحالات المصابة بالفيروس. وأوضح البوزيدي في تصريحه ل”اليوم 24″، أن ما يزيد عن 80 في المائة من الحالات المصابة التي سجلها المغرب عادية طبيا، وبإمكانها الصيام بعد سماح الأطباء بذلك ووفقا للعلاج المتبع، فيما الحالات الصعبة نسبيا أو الموجودة في قسم الإنعاش فأكيد ستفطر، لكن القرار يعود أساسا إلى الطبيب المعالج. وأشار المتحدث إلى أنه من الناحية الطبية يوجد فرق بين الصيام الطبي، والصيام الرمضاني، “فالصيام الطبي مثبت علميا أنه ناجع حتى إن عددا كبيرا من المستشفيات في أمريكا وألمانيا وروسيا يوصون به، ويعتمدونه في علاج مرضاهم واكتسابهم المناعة ضد الأمراض الفيروسية، ويسمى ”الفاسطو تيرابي”، لكنه يختلف عن الصيام الرمضاني الخاص بالمسلمين، إذ يسمح فيه للصائم طبيا لمدة 12 أو 14 ساعة، بأن يشرب السوائل، لكنه يمتنع عن إدخال سُعرات حرارية إلى جسمه، وفي الإفطار يأخذ فقط المواد التي يحتاجها الجسم، في حين أن في الصيام الرمضاني يمتنع الصائم عن الطعام والشراب لساعات أطول، وإفطارنا ومحتوياته معروفة طبعا بين السكريات والبروتينات والحلويات وغيرها، أي إننا لا نتبع نظاما غذائيا سليما في الإفطار الرمضاني، عكس الإفطار الطبي الموصى به”. وأردف المتحدث أن هذه التقنية التي يعتمدها الأخصائيون والعلماء الأجانب نابعة من دراسات متعددة تقول إن: “الصيام يقوي مناعة الجسم”، وبحسب ملاحظات الأخصائيين، فإن جميع الديانات السماوية توصي بالصيام، لكن ما أثار انتباههم أكثر هو أن الحيوانات نفسها عندما تمرض تصوم عن الطعام تلقائيا إلى أن تُشفى، وهذا دليل على أنها اكتسبت مناعة فطريا. ونبه الأخصائي في حديثه ل”أخبار اليوم”، أن العدو الأساسي للمناعة، والصديق المقرب من فيروس كورونا ليس هو جفاف الحلق، وإنما “الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والغضب التي تهلك الجهاز المناعي، فضلا عن السمنة وقلة النوم والأكل الكثير خلال الإفطار والمخدرات بكل أشكالها”. كما أشار إلى أن الصائم يجب أن ينتبه لنظام أكله الغذائي وأن يقلل من السكريات بكل أنواعها، ذلك بأن يأخذ أقل من 100 ملغ في اليوم، سواء من الغليكوز أو السكروز، لأنها تعطل الجهاز المناعي لأكثر من 5 ساعات”. المصابون بأمراض مزمنة لا يجب أن يصوموا في هذا التوقيت الطبيب مصطفى كرين، من جانبه، شدد على أن المبدأ يقول إنه “حتى في الظروف العادية، فإن المريض وبغض النظر عن طبيعة مرضه يُفترض أن لا يصوم”. ولفت كرين في تصريحه ل”اليوم 24″ أن في ظل وضع التشديد الذي نعيشه اليوم، “قرار منع الصيام بالنسبة إلى المرضى الذين يعالجون بسبب أمراض مزمنة أو مرهقة أو طويلة المدة، يجب أن يكون أكثر حزما وضرورة، حتى لا نحمل نظامنا الصحي أعباء هو في غنى عنها، وحتى الشّرع يتفهمها ويأخذها بعين الاعتبار”. وشدد الطبيب ورئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، على أن الناس العاديين الذين لا يعانون من أي أمراض مزمنة يساعدهم الصيام بشكل طبيعي، مع مراعاة ضرورة عدم التعرض للإرهاق، والحرص على تغذية سليمة ومتوازنة، وشرب الكثير من الماء ومراجعة الطبيب بمجرد الإحساس بأي أعراض. وبخصوص علاقة الصيام بالجهاز المناعي، يقول المتحدث إنه موضوع تناولته بعض الدراسات وإن كانت قليلة نوعا ما، ومنها تلك التي نشرها الدكتور فريديريك سالدمان، والتي خلصت إلى أن “الصيام يمكن أن يكون مفيدا جدا من خلال مساعدة الجسم على التخلص من الخلايا الميتة والعديد من المواد السامة التي تؤثر سلبا على النظام المناعي، كما يمكن للصيام أن يحصر الالتهابات داخل الجسم، والتي تعتبر بوابة الإصابة بالأمراض الفيروسية والأمراض الجرثومية الأخرى”.