كلما أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرا أو بيانا، إلا وتنظر إليه السلطة المغربية بريبة وانزعاج، في حين تقول RSF إن عيونها مفتوحة لرصد ما يحد من حرية الرأي والتعبير، وإن مهمتها هي أن تحمي حق الصحافيين في الكتابة والكلام في سياق يتسم بتزايد “الكراهية” ضد الصحافيين بالعالم. في هذا الحوار نقترب من “مراسلون بلا حدود” ومن تقديراتها وكيف تتجاوب معها السلطة، وذلك من خلال صهيب الخياطي، مدير مكتب RSFبشمال إفريقيا، يتحدث فيه عن اليد الممدودة للحوار، وعن بداية مسار الترافع وتعثره في الشهور الأخيرة، وعن أصعب القضايا التي أثارت غضب السلطة وعن احتمال انزلاق المغرب إلى مصاف الدول المعادية لحرية صحافة.
مع اقتراب إعلان منظمتكم عن التصنيف السنوي في سلم حرية الصحافة دوليا، عموما كيف يمكن وصف سنة 2019 على هذا المستوى؟ نعتقد أنّ التهديدات على حرية الصحافة في العالم تتزايد بشكل كبير بتزايد الاعتداءات على الصحافيين ومؤسسات الإعلام وبتصاعد خطاب معادٍ للصحافة من قبل قادة سياسيين وقوى سياسية ودينية، وأنّ أماكن كثيرة أصبحت غير آمنة لعمل الصحافيين. ونشير هنا إلى أنّ حصيلة الصحافيين الذين قتلوا سنة 2019 هي الأقل منذ 16 عاما بسبب تراجع عمليات قتل الصحافيين في مناطق النزاع المسلح على غرار سوريا واليمن وأفغانستان، بالمقابل نجد أنّ الصحافيين عرضة للقتل في المناطق التي توصف ب”دول في حالة سلم”، وهذه النسبة في ارتفاع سنة بعد أخرى. بالمقابل ارتفع عدد الصحافيين ضحايا الاحتجاز التعسفي، وقد سجلنا 389 حالة بنهاية 2019 نصفهم في الصين ومصر والعربية السعودية. ونذكّر أننا عنوانّا تقرير التصنيف العالمي للسنة الفارطة “آلية الخوف تعمل بأقصى طاقتها” للتدليل على أنّ وتيرة الكراهية ضدّ الصحافيين تصاعدت، لتبلغ درجات خطيرة من العنف، وأنّ الأنظمة الاستبدادية تشدّد قبضتها على وسائل الإعلام في بيئة مشوبة بالعداء لهم. تفاعلت منظمتكم طيلة السنة الأخيرة مع بعض الملفات المعروضة على القضاء؛ ولوحظ ارتفاع في عدد البلاغات المخصصة للمغرب، هل يسري الأمر على مجمل دول المنطقة، أم هناك تعامل خاص مع المغرب؟ يعمل مكتب شمال أفريقيا على أربع دول، هي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ومن مهامه رصد وتوثيق الانتهاكات في المنطقة وهي قاعدة ليست فيها معايير لكلّ بلد ونعمل بنفس الآليات ولا نيّة لرفع حجم أو عدد ما يُنشر عن بلد دون آخر. إن تراجع النشر بخصوص تونس لتراجع نسبة الانتهاكات، كما أنّ تراجع ما يُنشر بخصوص ليبيا، فذلك لغياب الصحافيين على الأرض وانتقال أغلب وسائل الإعلام إلى خارج ليبيا. فنحن لا نقصد بلدا، فقط ننشر ما يقع التثبت فيه من انتهاكات. وخلال الأسابيع الأخيرة سخرنا جهدا كبيرا للعمل على وضعيات الصحافيين الجزائريين، وهذا أمر لا يُقاس بنسبة النشر فقط لأنّ مهام التدخّل متعدّدة. ألا تمارسون تأثيرا على سير المحاكمات وعمل القضاء ببلاغاتكم؟ هذا ما تُتهم به غالبا منظمات حقوق الإنسان المحلية والدوليّة كلّما ناضلت من أجل المحاكمة العادلة، وكلما دافعت وساندت محاكمات الرأي والمحاكمات السياسيّة. ليس لنا أو لغيرنا التدخّل في سير القضاء أو مسّ استقلاليته، لكن واجبنا التنبيه كلّما لاحظنا تجاوزات أو إخلالات من أيّ جهة كانت. والأصل اليوم، في الكثير من الدول، أنّ جهات سياسية وقوى نفوذ هي التي تتدخّل في عمل القضاء وليس المدافعين عن الحقوق الإنسان الذين يطالبون دوما باستقلالية القضاء، فكيف لمطالب باستقلالية السلطة القضائية أن يسعى للتدخل فيها أو التأثير عليها، فكلّما كان القضاء مستقلا كلّما أمكن ضمان الحقوق. وثمّة الكثير من القضايا، في منطقتنا، أصدر فيها القضاء قرارا أو حُكما يجرّم عملا صحفيا ولكنّها كانت أحكاما سياسيّة باستعمال القضاء، وهذا هو الفارق الجوهري بين من ينادي باستقلاليّة القضاء ويناضل ضدّ توظيفه ومن يوظّف القضاء ثمّ يتهمنا بالتدخّل في سير العدالة! فور إعلان منظمتكم احتلال المغرب المرتبة 135 على سلم حرية الصحافة لسنة 2019، ردت وزارة الاتصال آنذاك ببلاغ تتهمكم فيه بعدم الموضوعية والتحامل.. ماهي المعايير التي يتم اعتمادها في التصنيف وكيف تتفاعلون مع الردود الرسمية؟ سأبدأ بالجزء الثاني من سؤالك، حيث إنّه بعد صدور هذا البلاغ في 19 أبريل 2019 أوفدنا ممثلا عن المنظمة والتقى السيد محمد الأعرج وزير الاتصال حينئذ والسيد مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان، وتمّ تقديم مواقف المنظمة، ولكن أساسا أردنا أن نعبّر للسلطات المغربية أنّنا لا نقصد استهداف المغرب مُطلقا وأنّنا نطلب الحوار ونسعى إلى الشراكة معه، من أجل تحقيق الأهداف التي نشترك فيها مع هيئات وجمعيات ونشطاء من المغرب والعالم. بعض ردود جهات في السلطة المغربيّة تكون حادّة إلى حدّ ما، ونحن نذهب في الاتجاه المعاكس تمامًا، حيث نطلب اللقاء والحوار ونبحث إمكانيات تحقيق بعض المكاسب، فنحن لا نريد القطيعة مع النظام ولا نبحث عن معاداته، حتى وإن كانت مواقفنا ناقدة وحادّة، فإنّها تندرج ضمن أدوارنا ومهامنا الحقوقية في الدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحافيين ووسائل الإعلام. أمّا عن معايير التصنيف فهي أوّلا شاملة لكلّ بلدان العالم وليست فيها أي ازدواجيّة مطلقا، حيث تعتمد المنظمة أساسا استبيانا بأكثر من عشرين لغة وتتقسم فيه الأسئلة إلى محاور هي: 1- التعددية بما يعني درجة حضور مختلف الآراء في الفضاء الإعلامي، 2- استقلالية وسائل الإعلام عن أي سلطة سياسية أو حكومية أو اقتصادية أو دينية، 3- مناخ العمل والرقابة الذاتيّة، 4- الإطار التشريعي ، 5- الشفافية، 6- البنية التحتية للمؤسسات الإعلامية، 7- الانتهاكات، أي حجم الاعتداءات على الصحافيين ووسائل الإعلام. كما يقع الاعتماد على تقارير مكاتب المنظمة حول العالم، والتي يعتمدُها الفريق الذي يعمل على التصنيف، وهي ليست مهمّة مؤقتة، بل إنّ العمل عليه يكون طيلة السنة، بجمع المعطيات وتحليلها وإخضاعها لآليات تثبت علميّة. بهذا فمن يقول إنّ التصنيف غير موضوعي مردود عليه. لأنّ من يحرص على تقدّم بلد يجب أن يعمل على تطوير المؤشرات التي ذكرناها. نحن أيضا يهمّنا أن يتقدّم المغرب، لذلك نسعى إلى العمل مع الجميع، بما في ذلك السلطات، من أجل أن يقع تجاوز الانتهاكات وإصلاح الإطار التشريعي ورفع التضييقات على الصحافيين ووسائل الإعلام. حدث أن أصدرت مندوبية السجون بالمغرب بلاغا بخصوص دخول منظمتكم على خط إضراب عن الطعام لأحد معتقلي حراك الريف، واتهمتكم بخدمة أجندات أجنبية بل المساس بالمصالح العليا للمملكة، كيف كان ردكم على هذه الاتهامات الخطيرة؟ فعلا، وكان بيانا خاليا من “السياسة”، وما صدر عن هذه الهيئة لا يمثّل إساءة إلينا فقط، بل إلى الحُكم في المغرب، ليس فقط لمضمونه، بل ولشكله المتشنّج. وأحيانا هنالك “مسؤولون” “يُهرولون” بداعي الدفاع عن النظام فيقعون في “خطيئة” الإساءة إلى النظام وإلى الدولة. نحن نختلف مع السلطة في المغرب بخصوص قضايا حرية الإعلام، ولكنّنا أيضا نعرف أداء الدولة المغربية في التعاطي مع عديد القضايا، وأن يوضع اسم رئاسة الحكومة أعلى البيان، فهذا أمر أجبرنا في البداية على التثبت من صدقيّة البيان قبل كلّ شيء، لقد كان أمرا غريبا بالفعل. ولم نشأ أن نردّ لأنّه من المسؤوليّة عدم الخوض في جدل بنفس الأسلوب، وأساسا لأنّه يهمّنا التواصل مع السلطات الحكوميّة التي وإن اختلفنا معها، فإنّ الحوار معها يكون على قدر كبير من الاحترام المتبادل ورفعة الخطاب وعدم السقوط في الثلب والشتم. ونؤكّد أنّنا لا نخدم أجندة أيّ بلد وليس لسلطة سياسيّة سلطان على ما نتخذه من مواقف، وأن مسألة السيادة خطّ أحمر وكذلك نظام الحُكم فهو شأنٌ مغربي/مغربي، وللمغاربة قوى سياسية ومدنية ومواطنات ومواطنين لهم اختيار ما يُناسبهم من قوى حُكم، وإنّما نحن جزء من قوى الحريّة في العالم ندافع عن حقوق الإنسان في كليتها وشموليتها، ونعتني منها بالحقّ في الإعلام وحرية الصحافة. وأخيرا عندما نشرنا خبر إضراب الصحفي المواطن ربيع الأبلق، كنّا على يقين تامّ أنّ الأمر صحيح ولدينا الدليل، لكنّنا لا ندخل في جدل، فهمّنا الحقيقة وهدفنا أن نتقدّم مع الجميع، نحن ننأى بأنفسنا عن الجدل العميق لأننا طُلاب حوار مُؤسس ومُثمر. لا تثير مواقفكم حفيظة الجهات الرسمية فقط، بل حتى النقابة الوطنية للصحافة المغربية لها موقف سلبي من تقاريركم وتصنيفاتكم.. نعتقدُ أنّ الأساس في اختلاف عدد من المواقف مع النقابة الوطنيّة للصحافة ضعف التواصل والتنسيق بيننا، وهذا أمر عبرنا عنه في مناسبتين للأستاذ عبد الله البقالي. ونحن لم يسبق مُطلقا أن وجهنا أيّ انتقاد للنقابة الوطنيّة، وإن كان من الممكن تطوير عمل النقابة وأدائها، فذلك يعود بالأساس إلى هياكلها ومنخرطيها وعموم صحافيي وصحافيات المغرب، ونحن على استعداد دائم للتعاون مع النقابة. تتقبّل مراسلون بلا حدود مواقف النقابة على اعتبارها وجهة نظر، حتى وإن كانت حادّة نسبيا، ويمكن تجسير الخلافات في المواقف والآراء بخلق آليات عمل مشتركة في مجال تنمية قدرات الصحافيين ووسائل الإعلام وإصلاح المؤسسات وتنظيم ورشات للتفكير المشترك، ومن المهمّ وضع مبادرات مشتركة في النقاط التي نتفق حولها، وهي ليست قليلة. نحن نحتاج حوارا مع هياكل المهنة وكلّ الهيئات والمنظمات المغربية المعنية بحرية الصحافة، وفقط ما نطلُبهُ أن تكون المواقف الناقدة بناءة ومبنية على معطيات دقيقة ومنتصرة للصحافيين وغير خاضعة للحسابات التي من شأنها أن تجعل الصحافيين المستقلين في خطر. منظمة دولية أم منظمة فرنسية؟ كل المنظمات الدولية في العالم بدأت في دولة واحدة، بل وأحيانا من مدينة وبمبادرة من قلّة، وأن تكون مراسلون بلا حدود قد نشأت في فرنسا وأنّ مقرّها الرئيسي باريس، فهذا لا يعني أنّها منظمة فرنسيّة. كما أنّها لا تُعبّر عن مواقف الدولة الفرنسيّة أو تخضع لإملاءات دولة المقرّ. تماما مثلما أنّ مكتب شمال أفريقيا مقرّهُ تونس فلا دخل للدولة أو السلطات التونسيّة في طريقة عملنا أو مواقفنا، سواء التي تخص تونس أو بلدان المنطقة، وثمة مكاتب منظمات في الرباط، ولا نعتقد أنّ السلطات المغربية تتدخل في عملها. والمتتبع يلاحظ بيسر أنّه لا ترابط بين طبيعة العلاقات السياسية والدبلوماسية الفرنسية المغربية ومواقف وعمل مراسلون بلا حدود. وهذا ينطبق على أداء المنظمة في كل أنحاء العالم. ولكن يُريد البعض التشويه والتشويش فيربط نشأة المنظمة بفرنسا للادعاء بالتدخل الخارجي وغيرها من المسائل الخارجة تماما عن مقاربة حقوق الانسان، بل إنّنا نرفض التدخل في مسائل السيادة الوطنية، ونعتبر أنّ مهامنا تدخل في مجال حقوق الإنسان وآليات حمايتها وليس تدخلا في شأن الدول، ولهذا نعمل على حماية الصحافيين مهما كانت الجهة التي تعتدي عليهم وتعرضهم للخطر، سواء كانت حكومات أو قوى سياسية أو دوائر نفوذ مالي أو مافيات أو مجموعات دينية. وما هي حدود علاقتكم مع دولة فرنسا؟ هي حدود علاقتنا بكلّ دول العالم، ويمكن العودة إلى موقع المنظمة والبحث إذا ما كان ما يُنشر حول فرنسا (المرتبة 32 في التصنيف العالمي) فيه تمييز لفائدة بلد المقرّ المركزي! لكن بالمقابل كانت فرنسا متعاونة معنا في مبادرتنا “من أجل الإعلام والديمقراطية”، حيث دعمت منظمتنا في هذا المسار إلى جانب تونس وكوستاريكا والنرويج والسنغال وعدد قليل من الدول الأخرى. فنحن نحتاج دولة فرنسا كما كلّ دول العالم التي يمكن أن نلتقي معها في أهداف كونيّة سامية. صدر قبل شهور تقرير لمنظمتكم بمدريد بخصوص قضية الصحراء، ابتعد عن الشأن الحقوقي ليخوض في أمور سياسية، هل تمثل المواقف المعلنة به موقف المنظمة من قضية الصحراء؟ كل هياكل المنظمة مُلزمة بهذا التقرير لأنه صادر عن أحد فروعها. وقد عبّرنا على أمرين أساسيين أولهُما، أنّ حالة حرية الصحافة في الصحراء تستوجب بالفعل معالجات كبيرة من قبل السلطات وكل الأطراف المُتدخّلة، وثانيهما أن مضمون التقرير يمكن مناقشتُه. وللعلم فإنّ فروع المنظمة (الموجودة فقط في أوروبا) لديها مساحة من الاستقلالية وهي تضمّ متطوعين منخرطين وأنّ المكاتب (على غرار مكتب شمال أفريقيا) يضمّ موظفين وخبراء. كلّ عمل يمكن نقدُه وتقييمُه من أجل البناء والتقدّم، ومكتبنا تواصل خلال فترة إصدار التقرير، الذي أشرتم إليه، وقبلها لمناقشة جملة من المسائل مع مسؤولين مغاربة. وفي كلّ الأحوال، فإنّه غالبا ما يلامس الحقوقي السياسي في ملف الصحراء لما فيه من تعقيدات، وكلّما كان التعامل شفافا أمكن تجاوز سوء الفهم مع الجانب الحكومي وإنصاف أصحاب الحق في الصحراء الذين لهم الحق في المعلومة وفي صحافة حرة ومستقلّة وتعددية تعبّر عن كلّ الآراء والمواقف، ولكلّ المغاربة والرأي العام الدولي الحق أيضا في أن يعلموا الحقائق بوضوح وشفافية بخصوص هذه المنطقة من العالم. نحن لا نتدخّل في هذا الموضوع باعتباره ملفا سياسيا، بل باعتباره ملفا حقوقيا في إطار رسالتنا لحرية الإعلام، وحيث إنّ الصحراء تحت السلطة الإدارية للدولة المغربيّة فإنّنا نتوجّه إليها لمعالجة وضع حرية الإعلام هناك تماما كما باقي مناطق المغرب، ونتمسك بالشرعية الدوليّة لحلّ ملف الصحراء بشكل شامل. كيف تفاعلت السلطات مع هذا التقرير؟ ليس هنالك مواقف مُعلنة بخصوص هذا التقرير، ولكن تمّ تبليغنا بعدم رضى السلطات بما ورد فيه، وخاصة اعتبارها أنّ أغلب من تمّ ذكرهم كحالات لا ينتمون لقطاع الإعلام بل هم نشطاء سياسيون، وأيضا أنّ التقرير لم يتضمّن موقف السلطات، وهذا ما اعتبرناه اعتراضا وجيها. وهل ساهم في زيادة التوتر؟ قبل صدور التقرير بدأنا مرحلة تواصل مع السلطات المغربيّة وتسبّب التقرير في بطء لهذا المسار. ولا يمكن بحال وصف الأمر بالتوتر بل عسر في التواصل، وكان علينا أن نبادر باستمرار لطلب اللقاء بمسؤولين لتقديم مواقفنا ومقترحاتنا لإصلاح قطاع الإعلام وحماية الصحافيين. وبالنسبة إلينا أن يكون للسلطات المغربيّة موقف سلبي ممّا نُصدرهُ لا يعني أن نقطع مع إمكانيات فتح الحوار. تسرب للصحافة المغربية موضوع لقاءات جمعتكم بمجموعة من المسؤولين المغاربة بالموازاة مع دورة تدريبية حول “التغطية الإعلامية للمسارات الانتخابية” في نونبر المنصرم، هل من الممكن معرفة ما تم تداوله من ملفات وكيف كان تعامل السلطات المغربية معكم؟ بالفعل التقينا السيّد مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وعددا من مسؤولي الوزارة، وقدمنا له مواقفنا من الإطار التشريعي المتعلق بحرية الإعلام والعديد من الملفات المتعلقة بصحافيين: ملف توفيق بوعشرين الذي اعتبرناه ملفا سياسيا، وكذلك ملف الصحفي حميد المهدوي والصحافيين المواطنين الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن على خلفية تغطيهم لأحداث حراك الريف، وكذلك المحاكمات التي يتعرض لها علي أنوزلا والمعطي منجب ومن معه. كان الحوار مع السيّد الوزير ومسؤولي الوزارة مباشرا وواضحا، وقدموا لنا وجهات نظرهم، وقد أكدوا دائما أنّ الملفات قضائيّة وأن القضاء مستقل، واعتبرنا أنّ الخروقات كثيرة. وبالنسبة إلينا ليس من المقبول أن يقع توظيف القضاء لسجن الصحافيين، وموقفنا الثابت هو وقف المتابعات وإطلاق سراح الصحافيين المساجين. والمشكل اليوم أننا نحاول متابعة هذا اللقاء وإيجاد سبل مواصلة الحوار لكن يبدُو أن الأمر ليس يسيرا. لقد بيّنا بوضوح أنّ مرتبة المغرب في التصنيف العالمي لم تتقدّم، لأن السلطات لم تقدّم مبادرات وأنّ صحافيين في السجون، ونبّهنا إلى أنّ إمكانيّة تراجع المغرب أبعد من المرتبة 135 (وهي مرتبة سيئة) واردة إذا ما تقدّمت دول أخرى. بل إنّنا قلنا بوضوح إنّه بسبب عدم مبادرة السلطات بالإصلاحات والإصرار على سجن صحافيين سيتسبب في تصنيف النظام المغربي ضمن قائمة أعداء حريّة الصحافة، وقلنا إنّه أمر لا نتمناه ولكنّنا لا نقدر على ردّه إذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه، لأنّنا نعتمد منهجا علميا صارما لا يُميّز بين بلد وآخر إلا بما قدّمه لحرية الصحافة وحرية الصحافيين وحمايتهم، فعلى السلطات المبادرة بتحسين الوضع وتقديم مؤشرات إيجابيّة ولتبدأ بإطلاق سراح توفيق بوعشرين وحميد المهداوي والصحافيين المواطنين ووقف المتابعات ضدهم. ما حقيقة أنكم تواجهون صعوبات في تنظيم أنشطة بالمغرب؟ ليس لدينا ما نُخفيه حين تنظيم نشاط ل”مراسلون بلا حدود” في المغرب، ويهمّنا ويُشرّفنا أن يحضر مُمثلو السلطات أيّ نشاط ننظّمُه، وهذا في تقديرنا أمر ايجابيّ. وصحيح أنّه كانت لدينا تخوفات قبل تنظيم آخر دورة تدريبية خاصّة بعد البيان “المُتشنّج” لإدارة السجون. فحين يكون خطاب مسؤول حكومي متوازن ومسؤول وينبَري مسؤول إداريّ لكيل الشتائم والاتهامات الباطلة، فهذا أمر يدعو إلى التساؤل والحيطة، حيث إنّنا ندعو صحافيين مهنيين وخبراء للتدريب ولا نريد أن يتعرضوا لأي مضايقات، خاصّة أنّ المضامين التدريبية دائما لا تتعلّق بمواقف المنظمة. وللأمانة لم نتعرّض، أو أيا من المشاركين، لأي مضايقة خلال الدورة التي انعقدت بمقرّ الجمعيّة المغربيّة لحقوق الإنسان التي شرّفنا التعاون معها، على اعتبار أنّها مفخرة لحركة حقوق الإنسان في العالم، ومدرسة في النضال المدني والسلمي مرّت بها أجيال من المناضلات والمناضلين المغاربة، ونعتبرها شريكا نتفق معه في الكثير من المواقف. كيف تتحققون من المعطيات التي تدرجونها في تقاريركم؟ تعتمدُ منظمتنا على شبكة من المراسلات والمراسلين وشبكة واسعة من العلاقات التي تضمّ صحافيين ومحامين ونشطاء وجامعيين. ويكون عملنا باعتماد ذات المعايير التي تعتمدها الصحافة من أجل الدقّة. ما هي أصعب الملفات التي أثارت غضب السلطات المغربية على منظمتكم؟ أشرتم قبل قليل إلى مناسبتين صدر فيهما ردّ من جهات رسمية، أولاهما بخصوص مركز المملكة المغربية في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وثانيهما بخصوص إضراب ربيع الأبلق. لكن من خلال لقاءاتنا يمكن القول إنّ ملفّ توفيق بوعشرين هو الملف الأكثر إزعاجا للسلطات، لأنّه الملف السياسي بامتياز، وأعتبر شخصيّا أنّه القضيّة الأبرز في تاريخ الصحافة المغربيّة خلال العقود الأخيرة. حلّ ملف بوعشرين يجب أن يكون سياسيّا تماما كما هو أصلُ الملف، فالخروقات القانونيّة بيّنة والتجاوزات في كلّ المراحل. ونرجو أن يتدخّل جلالة الملك محمّد السادس، وهو رئيس السلطة التنفيذية ورئيس السلطة القضائيّة، للأمر باتخاذ الإجراءات الضروريّة من أجل إطلاق سراح توفيق بوعشرين. وهذا أمرٌ بلّغناه للسيد الوزير مصطفى الرميد وذكرناه في لقائنا بالسيّدة أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رغم أنّ موقفها نقيض موقفنا، وفي لقائنا بالأستاذ يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، وفي لقائنا بالأستاذ عبد الله البقالي الذي كان النقاش معه نقديّا من جِهَةِ استعدادِ النقابة للبحث عن حلول وتجاوز المشكلات، ونتمنى أن تكون النقابة قادرة على ترجمة إرادتها إلى مبادرات لأنّ دورها يبقى هامّا ومركزيّا. على ذكر قضية الصحفي بوعشرين، سيتم قريبا السنة الثانية من اعتقاله دون أن تستجيب الحكومة لطلب فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي بإطلاق سراحه، كيف تنظرون إلى الأمر؟ يعتبر تقرير فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي من القرائن الرئيسية الدالة على أنّ ملف بوعشرين سياسي بامتياز. والمتأمّل في آليات الفريق وتقاريره عبر العالم يعلم مدى دقّة عمله. وحين صدور التقرير اعتقدنا أنّ المملكة المغربيّة ستطلق سراح بوعشرين وتُراجع الإجراءات وتحاسب من خرق قوانين الدولة المغربيّة وسمحَ بأن يُنتهك حقّ بوعشرين في محاكمة عادلة، وقبل ذلك أن يقع اعتقالُهُ بشكلٍ تعسفي. ذكرت بعض المواقع الإلكترونية دخول منظمتكم على خط طلبات لجوء بعض الصحافيين لفرنسا أو بلدان أخرى، هل يدخل هذا في مجال اختصاصكم؟ إنّ من أهمّ أدوار منظمتنا منذ التأسيس مرافقة الصحافيين، والصحافيين المواطنين والمدونين والمتعاونين مع وسائل الإعلام، الذين يتعرضون لأخطار، وهذا أمر يشمل المئات منهم ومنهن كلّ عام ومن مختلف بلدان العالم. وكلّما أمكن مساعدة صحفي في ملف طلب اللجوء بالتدخل لدى حكومات أو هيئات دوليّة لا نبخل بذلك، ونحن نتعامل مع الصحافيين في مسألة الدعم كلّما كان الأمر متعلّقا بصعوبات أو انتهاكات على خلفية النشاط الإعلامي فقط. سن المغرب قانونا للصحافة خاليا من العقوبات السجنية، في حين تتحدث منظمتكم دائما عن التراجع، لماذا لا تنظرون للأمور الإيجابية كذلك؟ خلال لقائنا الأخير مع السيّد الوزير مصطفى الرميد ذكرنا له الفُرص، من ذلك أنّنا اعتبرنا إحداث مجلس الصحافة أمرا إيجابيّا شرط أن يكون بالفعل مؤسسة قادرة على تطوير الإعلام بالمغرب. وقبل هذا، لنذكّر بأنّ دستور 2011 ضمن حرية الرأي والتعبير عامة، وتمّ التعبير في ديباجته بوضوح على الالتزام بحقوق الإنسان، لكن لنكن واضحين أنّ النظر إلى الصحافة في التشريع المغربي تعنيها الكثير من النصوص وليس مجلة الصحافة فحسب، فثمة المجلة الجزائيّة وقانون الاتصال السمعي البصري وقانون النفاذ إلى المعلومة إضافة إلى أكثر من ظهير، مما يجعل من الصعب الاحتكام قانونا إلى نص واضح، وخاصّة هذا “الممرّ” بين مجلة الصحافة والمجلة الجزائية والذي تم اعتمادُه في تحويل قضايا نشر إلى جرائم جزائية، وحتّى تعديلات 2016 وكل ما ألحق من فصول للمجلة الجزائيّة، لا يمكن أن يذهب إلا في اتجاه التضييق على حرية التعبير عامّة وحريّة الصحافة على وجه الخصوص. والأمثلة كثيرة، من ذلك ما تعلق بالأخبار الزائفة أو بسرية المصادر. وللتأكيد فنحن ننظر إلى الإيجابيات، ولكن لا يجب أن يقع الالتفاف عليها في التشريع أو الممارسة أو سير المؤسسات. يشهد المغرب مؤخرا حملة اعتقالات في صفوف مدونين ويوتبرز، هل سيؤثر هذا على تصنيف المغرب لهذه السنة؟ أوّلا إنّ كل اعتقال على خلفية النشر مُدان، وثانيا العمل على التصنيف في أسابيعه الأخيرة، وإن لم تتحرّك السلطات في اتجاه إيجابي فهذا سيؤثر ولا شكّ على ترتيب المغرب. نتمنّى أن يكون بالإمكان التدارُك، وسيكون من الرائع أن نعقد ندوتنا الصحفيّة الخاصة بالترتيب في الرباط هذا العام.. ولكن يبدُو أنّ قوى الشدّ إلى الخلف تتحكّم، وهي التي ترتهن القرار.