تحول مشروع القانون الجنائي إلى موضوع خلاف داخل الحكومة، بعدما كان مجرد خلاف بين فرق الأغلبية حول تعديلات تهم جريمة “الإثراء غير المشروع”. وحسب مصدر قيادي في الأغلبية الحكومية، فإن سبب الخلاف لا يرتبط فقط، بموضوع جزئي يتعلق بالإثراء غير المشروع، وإنما بسببين: الأول، هو أن الحكومة الحالية ليست هي التي أحالت مشروع القانون الجنائي على مجلس النواب، وإنما قامت بذلك الحكومة السابقة التي ترأسها عبدالإله بنكيران. ويشير المصدر إلى أن الحكومة الحالية، التي تكونت قبل أشهر، لم يسبق أن ناقشت موضوع مشروع القانون الجنائي، ولم تحسم موقفها منه، باستثناء عرض سبق أن قدمه محمد بنعبدالقادر، وزير العدل، في المجلس الحكومي حول “السياسة الجنائية”. وبالتالي، فإن أطرافا داخل الحكومة، مثل حزب الاتحاد الاشتراكي له تحفظات على صيغة المشروع. فحزب لشكر كان يعارض مشروع القانون الجنائي، عندما كان في المعارضة عند إحالته من طرف حكومة بنكيران، لكنه اليوم يجد نفسه في الأغلبية وهو في وضع حرج. فكيف يدافع وزيره في العدل عن مشروع كان يعارضه سابقا، ولم يسبق أن ناقشه مع البرلمانيين؟ ويشير المصدر إلى أنه عند تعيين بنعبدالقادر، كان مشروع القانون الجنائي، قطع أشواطا من النقاش في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ووصل مرحلة إيداع التعديلات، في عهد الوزير السابق محمد أوجار، ولهذا، يضيف المصدر، فضّل بنعبدالقادر عدم سحب المشروع من البرلمان، لكن على أساس أن تتولى الحكومة الجديدة مناقشته من جديد، “لتوضيح الرؤية الفلسفية التي تحكمه”، “وهو ما لم يتم لحد الآن”. ويشدد المصدر على أنه لا يمكن الشروع في المصادقة على تعديلات مشروع القانون الجنائي، إلا بعد الحسم في رؤية الحكومة لهذه التعديلات، قائلا: “لا بد من اجتماع زعماء الأغلبية للبت في هذا الموضوع”. أما الموضوع الثاني، الذي يثير حساسية لدى بعض الأطراف في الحكومة، فيرتبط باستمرار وزير الدولة مصطفى الرميد، في الدفاع عن مشروع القانون الجنائي، وخاصة عن “تجريم الإثراء غير المشروع”، ويعتبر القيادي من الأغلبية الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الرميد هو الذي أعد مشروع القانون الجنائي عندما كان وزيرا للعدل، وأنه “لازال يعتبر نفسه معنيا بالدفاع عنه إلى اليوم”، في حين يقول المصدر إن “عليه احترام اختصاص وزير العدل الحالي محمد بنعبدالقادر”. وكان الرميد، قد تدخل مرتين مؤخرا في موضوع الإثراء غير المشروع، الأول حين رفض تعديلات فرق الأغلبية بمجلس النواب على جريمة الإثراء غير المشروع، والتي اعتبر أنها “تفرغ الجريمة من مضمونها”، لأنها تربط إثبات الجريمة بالمجلس الأعلى للحسابات الذي يتوفر على التصريحات بالممتلكات، وليس بتحقيقات النيابة العامة، وأيضا تشترط لمتابعة الموظف المشتبه به أن يكون قد تقاعد من مهمته، أي لا يمكن متابعته وهو يمارس مهامه. وبعدما تبين أن فريق البيجيدي وافق على هذه التعديلات، وبتدخل من الرميد، عاد الفريق إلى طرح “تعديلات استدراكية” تقضي بالحفاظ على نص الجريمة كما جاء في مشروع الحكومة، مع إضافة زوجة الموظف المعني بالإثراء إلى لائحة الأشخاص الذين يجب فحص ثرواتهم، إضافة إلى الموظف وأبنائه القاصرين. وأثار هذا التعديل رفضا من حلفاء البيجيدي. أما التدخل الثاني للرميد، فتمثل في استمراره في الدفاع عن موقفه المؤيد لتجريم الإثراء غير المشروع كما جاء في المشروع، ومؤخرا نشر الرميد تدوينة، قال فيها إن الفصل المتعلق بالإثراء غير المشروع عرف “تجاذبا ونقاشا بين المعنيين والمهتمين، وذلك لاعتبارات لا تخفى بواعثها”. ودافع عن تجريم الإثراء استنادا إلى مرجعية الدستور، الذي ينص على مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وعلى الوقاية من كافة أشكال الانحراف المرتبط بنشاط الإدارات والهيئات العمومية واستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها والزجر عند هذه الانحرافات، وأشار إلى أنه اعتبارا ل”محدودية التبليغ عن الفساد المنتشر في العديد من المستويات، فإن من شأن تجريم الإثراء غير المشروع أن يمنح الدولة إطارا قانونيا فعالا لمحاصرة ظاهرة الفساد”. كما استند إلى اتفاقية مكافحة الفساد لسنة 2003 المعتمدة من قبل الأممالمتحدة التي صادق عليها المغرب في ماي 2007، والتي تنص على حث الدول على اتخاذ تدابير تشريعية وتدابير أخرى “لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع، أي زيادة في موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة، قياسا مع دخله المشروع”. كما أشار إلى مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي نصت على تكليف الرئيس المنتدب للمجلس بتتبع ثروة القضاة، وأن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأولادهم بواسطة التفتيش، وأن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة بفي ممتلكاته خلال فترة ممارسة مهامه، زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة. ولاحظ الرميد أن هذا المقتضى “بقي حصرا على القضاة والقاضيات ولم يشمل باقي الموظفين والموظفات، دونما مبرر واضح أو سبب معقول”. وبخصوص قانون التصريح بالممتلكات، الذي يعتمده المغرب، اعتبر الرميد أنه “يعاقب على عدم التصريح أو التصريح الكاذب”، لكنه لا يعاقب من تبين أن ثروته زادت خلال ممارسته مهنته زيادة لا يستطيع تعليلها، “وهو ما يجعلها نصوصا غير ذات جدوى ولا معنى لها، وهي والعدم سيّان”. ويظهر من هذه الخلافات، أنها ستؤثر على مسطرة المصادقة على التعديلات في مجلس النواب، ما يعني أن مشروع القانون الجنائي، الذي مضى على إحالته على المجلس حوالي أربع سنوات، مرشح لمزيد من التعثرات.