عقد المغرب وفرنسا، أمس الخميس بباريس، الاجتماع الرابع عشر رفيع المستوى، بين البلدين تحت الرئاسة المشتركة لرئيسي الحكومتين، سعد الدين العثماني وإدوارد فيليب. الوفد المغربي ضم، إضافة إلى رئيس الحكومة، كلا من وزير المالية محمد بنشعبون، ووزير التجارة والصناعة مولاي حفيظ العلمي، بحضور سفير المغرب بباريس شكيب بنموسى، وتم خلال اللقاء توقيع اتفاقيات بين البلدين، وتنظيم منتدى اقتصادي بين رجال الأعمال في البلدين شارك فيه نحو 300 رجل أعمال من المغرب وفرنسا. وبالرغم من أن فرنسا تعتبر المغرب شريكا مفضلا، إلا أن الاجتماع الرابع عشر الرفيع المستوى يأتي في سياق خاص يتسم بنوع من البرود في العلاقات بين البلدين، لعدة أسباب: منها ما هو اقتصادي، وما هو سياسي. وحسب مصطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية، والخبير في العلاقات المغربية الفرنسية، فإن عدة مؤشرات تظهر برودا في العلاقات بين البلدين. أولها، عدم عقد لقاء بين وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، مع نظيره ناصر بوريطة، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في شتنبر الماضي، حيث اعتاد وزير الخارجية الفرنسي عقد لقاء للتنسيق والتشاور على هامش الجمعية العامة. وبالمقابل، التقى وزير الخارجية الفرنسي بنظيره الجزائري، صبري بوقادوم، لأزيد من ساعة، ما قرأت فيه الرباط رسالة سلبية. ثانيا، هناك مشكل يتعلق برغبة فرنسا في الحصول على صفقة القطار فائق السرعة الذي سيربط بين مراكشوأكادير، وهو مشروع ضخم تقدر قيمته بنحو 10 ملايير أورو، في حين أن المغرب تلقى عرضا أفضل من الصين. هذا، علما أن المغرب منح لفرنسا صفقة ال “تي. جي. في” الرابط بين طنجة والدار البيضاء، دون طلب عروض، تعويضا لها على عدم شراء طائرات “رافال” في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، كما حصلت شركة “ألستوم” الفرنسية على صفقات “الطرامواي” في الرباط والدار البيضاء. هذا الخلاف تحدث عنه المندوب العام لإدارة السجون صراحة في البرلمان حين قال، إن بعض وسائل الإعلام الفرنسية مثل “فرانس 24” تهاجم المغرب في سياق الضغط للحصول على صفقة خط مراكشأكادير. المؤشر الثالث على برود في العلاقات، هو تصريح وزير المالية الفرنسي برونو لومير، الذي انتقد علانية انتقال شركات السيارات الفرنسية للمغرب لإنتاج سيارات “رونو” و”بوجو” في المغرب، قبل إعادتها إلى فرنسا لبيعها، وهو تصريح تلقاه المسؤولون المغاربة بامتعاض شديد. وقد جاءه الرد من مولاي حفيظ العلمي، الذي ذكره بأن المغرب بات يتوفر على مهندسين وشركات تصنع جميع أجزاء السيارات، وبأنه لا يقوم فقط، بتركيب السيارات، وإنما يصنعها كلها. ثالثا، هناك خلاف واضح بين المغرب وفرنسا فيما يتعلق بالأزمة الليبية، ففرنسا تدعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي يخوض حربا ضد طرابلس، في حين يتبنى المغرب مقاربة المصالحة بين الأطراف المتصارعة، ويرغب في تعزيز استقرار هذا البلد، من خلال دعم اتفاق الصخيرات. رابعا، يضيف السحيمي إلى كل هذه المؤشرات، المنافسة المغربية الفرنسية في إفريقيا الغربية، ففرنسا لا تنظر بارتياح لتحول المغرب كأول مستثمر في بعض دول إفريقيا الغربية. رابعا، هناك مؤشر الحرب الإعلامية التي اندلعت مؤخرا، بعدما نشرت وكالة الصحافة الفرنسية مقالا وصفت فيه أميناتو حيدر ب”غاندي الصحراء”، فردت عليها وكالة المغرب العربي للأنباء، بمقال اتهم صحافي الوكالة الفرنسية بتجاهل التاريخ والقانون، “ولاسيما القرارات المتتالية الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي يُعتبر بلده عضوا دائما فيها”، مضيفة أن هذا البلد (أي فرنسا) استبعد بشكل دائم أي إشارة إلى “الاستقلال” أو”الاستفتاء” وإعادة تركيز أي قراءة منحازة أو انتقائية لمبدأ تقرير المصير. بل اعتبرت الوكالة أن ما نشرته “فرانس بريس”، هو بمثابة “إشادة بالانفصال وعمل استفزازي غير مقبول”. ورغم هذا البرود الواضح، فإن عقد اللقاءات رفيعة المستوى مستمرة بين الرباط وباريس، إذ منذ 1997 جرى عقد أول لقاء من هذا النوع، ومنذ ذلك الوقت جرى تنظيم 13 دورة بالتناوب في المغرب وفرنسا. وآخر اجتماع عُقد بالرباط يومي 15 و16 نونبر 2017، برئاسة سعد الدين العثماني وإدوارد فيليب، بمشاركة العديد من وزراء الحكومتين، وتم توقيع 24 اتفاقية شراكة في مجالات عدة منها التربية والتكوين والتشغيل، والابتكار ومحاربة الهجرة غير الشرعية، أما الدورة ال14 لاجتماع أمس، فإنها تضع خارطة طريق للسنتين المقبلتين. ورغم الأزمات التي قد تمر بها علاقات البلدين، فإن الشراكة بينهما تبقى مستمرة، ويلخص الخبير مصطفى السحيمي هذه الوضعية بالقول: “إن الموقف الرسمي للإيليزي هو الشراكة مع المغرب، لكن هناك مراكز تأثير مرتبطة بالحكومة الفرنسية تقوم بين الفينة والأخرى بحملات ضد المغرب تؤثر على مستوى العلاقات”.