تفضّل وزير الخارجية، ناصر بوريطة، مساء يوم الاثنين الماضي، بتقديم عرض أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وحرص على فتح الاجتماع أمام وسائل الإعلام، حول موضوع جعل غالبية المغاربة يكتشفون أن المياه المقابلة لسواحل النصف الجنوبي من بلادهم لم تدخل بعد ضمن السيادة القانونية للمملكة. اجتماع هذا الاثنين ليس أول خطوة يقوم بها المغرب لبسط سيادته القانونية على مياه الصحراء، بل يعود إعداد مشروعي القانونين اللذين شرع البرلمان في مناقشتهما إلى قرابة ثلاث سنوات. وكان ذلك قد جاء في سياق اشتداد معركة قانونية تصدير المغرب المنتجات الآتية من الصحراء، في إطار اتفاقياته الدولية، خاصة منها المبادلات مع الاتحاد الأوربي. لكن الوزير السابق للاتصال، مصطفى الخلفي، كشف، في ندوته الصحافية التي أعقبت مناقشة مجلس حكومي هذه المشاريع صيف العام 2017، عنصرا آخر يفسّر توقيت تحريك المغرب هذه الورقة التشريعية. قال الخلفي يومها إن الخطوة جاءت في أفق تقديم الملف النهائي لتمديد الجرف القاري من 200 كلم إلى قرابة 350 كلم. وتعتبر عبارة «تمديد الجرف القاري» الكلمة السر في تفسير التوقيت الذي أقدم فيه المغرب على مدّ سيادته القانونية نحو مياه الصحراء، ذلك أنه صادق على اتفاقية الأممالمتحدة حول قانون البحار، الموقعة بمونتي غوباي في 10 دجنبر 1982 أواسط العام 2007، وكان، بالتالي، ملزما بتقديم ملفه الرسمي لتمديد جرفه القاري قبل نهاية شهر ماي 2017، أي داخل أجل عشر سنوات من مصادقته على الاتفاقية. وعندما نقول تمديد الجرف القاري لسواحل الصحراء، فإننا نلامس وترا حساسا آخر في هذا الملف، وهو الذي يهمّ رسم الحدود البحرية بين المياه الإقليمية المغربية ونظيرتها الإسبانية، الخاصة بجزر الكناري. استشعار المغرب قرب انتهاء أجل العشر سنوات، الذي تحدّده اتفاقية «مونتيغوباي»، كان قد دفعه عام 2013 إلى تنصيب لجنة مؤقتة مكلفة بتحديد الجرف القاري للمغرب في واجهته الأطلسية، وهو المعطى الذي ظل غائبا عن الوثائق والدراسات الرسمية للمملكة منذ استقلالها. مهمة يعرف عنها رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، الكثير، باعتباره أشرف عليها بصفته وزيرا للخارجية حينها. لكن المهمة لم تكن سهلة، حيث يتطلّب تحديد الجرف القاري إمكانات تقنية وخبرات خاصة، وهو ما استدعى اللجوء إلى مساعدة تقنية خارجية لتحضير الملف الذي ينبغي عرضه على اللجنة الأممية المختصة. لم يكد ناصر بوريطة ينهي اجتماعه بلجنة الخارجية في مجلس النواب، حتى طار رئيس الحكومة المحلية لجزر الكناري، أنخيل فيكتور طوروس، إلى مدريد، مستنفرا الحكومة الإسبانية المركزية، ومحذرا مما يمكن أن تتضمنه الخريطة المغربية المطروحة للمصادقة في إطار مشروع القانون الخاص بحدود المياه الإقليمية. وبعد اعترافه بعدم الاطلاع بعد على هذه الخريطة، قال المسؤول الإسباني المحلي، في ما يشبه التهديد، إنه مستعد لرفع صوته في حال تبيّن أن في الخطوة المغربية ما يمس بمصالح الجزر. ردّ فعل يعني أن التطمينات التي حرص بوريطة على تقديمها، خلال عرضه مشروعي القانونين الجديدين أمام البرلمان، لم تكن كافية. فالصيغة التي أتت بها هذه التطمينات تفيد بتوقّع الاصطدام أكثر من استبعاده، حيث قال بوريطة إن الخطوة التشريعية المغربية يمكن أن تشكل «أرضية تفاوضية صلبة لأي تسوية أو اتفاق قد يبرم بهذا الخصوص مع الدول التي لها شواطئ متاخمة أو مقابلة لبلادنا»، وأشار بالتحديد إلى كل من إسبانيا وموريتانيا. فما الداعي لهذا التوجّس المسبق؟ الشق المتعلّق بموريتانيا يرتبط باتفاق لرسم الحدود البحرية معها جرى توقيعه في أبريل 1976، بناء على اتفاقية مدريد التي كانت تمنح الجارة الجنوبية الثلث الجنوبي من الصحراء. وعرّف هذا الاتفاق الحدود البحرية بين البلدين في خط العرض 24، وهو ما تجاوزته الأحداث بعد شهور قليلة، بعد استعادة المغرب منطقة وادي الذهب، ويتطلّب، بالتالي، رسم الحدود البحرية بين البلدين اتفاقا جديدا. الإشكال الأكثر تعقيدا يرتبط بجزر الكناري الإسبانية، لأن المسافة الفاصلة بين السواحل المغربية وجزيرة «فويرتيفونتورا»، التابعة لأرخبيل الكناري، لا تتجاوز 100 كلم. مسافة تجعل البلدين في موقف خلاف لأن المنطقة الاقتصادية الخالصة، حسب القانون الدولي، تصل إلى أكثر من 200 كلم من السواحل، وفي حال كانت المسافة الفاصلة بين سواحل دولتين تقل عن هذه المسافة، يكون ترسيم الحدود البحرية بينهما مرتبطا باتفاقهما. من الناحية النظرية، تنصّ القوانين الدولية على اقتسام المسافة الفاصلة بين الدولتين بشكل متساو، وبالتالي، تكون المنطقة الخالصة للمغرب في الجزء المقابل لهذه الجزيرة الإسبانية، هي 50 كلم. لكن الأمر يصبح أكثر تعقيدا في الواقع. فمن الناحية العلمية، يتطلّب تحديد النقطة التي يبتدئ منها المجال البحري لأية دولة دراسات جيولوجية تحدد حدود الجرف القاري، ولا يبتدئ ذلك بالضرورة من الشاطئ. إلى جانب ذلك، يملك المغرب قاعدة قانونية تقول إن أرخبيل الخالدات ليس دولة جزرية حتى يطبق عليها هذا المبدأ، بل هي مجرد جزر تابعة لدولة أخرى، وبالتالي، تطبّق عليها قاعدة الخُمُس من المسافة الفاصلة، مقابل أربعة أخماس لصالح المغرب، وهو ما يرجّح أن مشاريع القوانين الجديدة تعتمده، وليس مبدأ الخط الأوسط بين الساحلين، وبالتالي، فإن باب الخلاف مع إسبانيا، خاصة حكومة الكناري المحلية، مشرع على مصراعيه، بالنظر إلى المخزونات المحتمل وجودها في هذه المنطقة من الغاز والنفط. الخطوة الأولى لحسم موضوع السيادة المغربية على مياه سواحل الصحراء، ستكون أمام اللجنة الأممية المختصة، لكن قرارات هذه الأخيرة لا تعتبر ملزمة، وتكتفي بإصدار توصيات. أي أننا قد نكون مقبلين على معركة قانونية دولية، شبيهة بلجوئنا إلى محكمة العدل الدولية عام 1975 لنيل الاعتراف القانوني بالسيادة على أراضينا المسترجعة، لكن الأمر، هذه المرة، يهمّ مياهنا المسترجعة.