في الوقت الذي تراجعت فيه الحكومة المغربية عن ترحيل الجهاديين المغاربة وزوجاتهم وأطفالهم العالقين بين سورياوتركيا، وحتى بعض المعتقلين لدى السلطات العراقية، بدأ هؤلاء المغاربة يطرقون أبواب الجمعيات والناشطين الحقوقيين والإعلاميين المغاربة بهدف لعب دور الوساطة، والضغط من أجل إيجاد حل ل”أزمتهم” في إطار ما ينص عليه القانون، مع مراعاة ظروف وسياق ودرجة ندم وتوبة كل واحد على حدة. كما أن عائلات هؤلاء الجهاديين في المغرب بدأت تتحرك من أجل حلحلة الملف؛ في المقابل، هناك عائلات لا ترغب في معرفة أي شيء عن أبنائها، إذ تبرأت منهم. هذا ما كشفته معطيات حصلت عليها “أخبار اليوم” من مصدر عليم. المصدر ذاته أوضح أن نساء وأطفال مغاربة يعيشون حياة مأسوية جدا في مخيمات الاحتجاز لدى الأكراد في شمال سوريا، بسبب “البرد القارس تحت الخيام في عز فصل الشتاء”، وانتشار شبكات الاتجار في البشر. إلى حدود الساعة، تجمع المعطيات الرسمية المغربية وغير الرسمية على أن عدد الجهاديين المغاربة وزوجاتهم وأطفالهم، وحتى أرامل القتلى منهم، الذين لازالوا على قيد الحياة، يصل إلى 760 مغربيا: 89 جهاديا على الأقل معتقلان ما بين العراقوسورياوتركيا، و280 امرأة و391 قاصرا يتواجدون ما بين مخيمات الاحتجاز التابعة للأكراد في شمال سوريا والأراضي التركية. كل هؤلاء ينتظرون من الحكومة المغربية ترحيلهم في الأيام المقبلة، حسب التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سورياوالعراق. حياة مأساوية عبد العزيز بقالي، رئيس التنسيقية، كشف أنهم تلقوا مناشدات من 163 أسرة مغربية عالقة بين شمال سورياوتركيا، موضحا أن من بينهم 100 امرأة وما يزيد عن 60 طفلا. كلهم يناشدونهم من أجل تبني ملفهم والتوسط لهم لدى السلطات المغربية لتعجيل عملية ترحليهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها. علاوة على مغربيتين تقبعان في سجون العراق محكوم عليهما بالإعدام؛ تنتميان إلى المجموعة التي سافرت إلى العراق بعد إعلان قيام ما يسمى بالدولة الإسلامية. إلى جانب جهاديين مغاربة آخرين اعتقلوا قبل 2011 لازالوا يقبعون في السجون العراقية، أحدهم كان حوكم سنة 2004 بثماني سنوات سجنا نافذا، وبعد انقضائها وجهت له تهم أخرى حوكم بموجبها بالإعدام. ويشير بقالي إلى أن أغلب المغاربة المعتقلين والعالقين بين سورياوتركيا “مستعدون لدفع ثمن ما أقدموا عليه، لكن عندهم تخوف من الأحكام المثقلة، لهذا يطالبون بأحكام مخففة وفق ظروف وسياق ومدى ندم وتوبة كل واحد على حدة”. وتابع أن جل هؤلاء “يؤكدون أنهم غرر بهم، وأنهم اكتشفوا بعد السفر إلى سورياوالعراق أن داعش قدم لهم وعودا فارغة”. تبرز المعطيات التي توصلت إليها الجريدة أن نحو 23 مغربية وأطفالهن على الأقل يعشن في مخيم “الهول” الذي لازال يتبع لقوات سوريا الديمقراطية، حيث “يعيشون حياة مأسوية”. علاوة على أخريات هربن إلى تركيا خلال الحملة العسكرية للجيش التركي مؤخرا على المخيمات التابعة للأكراد، من بينهن مغربية لديها طفلان. هذه المغربية طرقت أبواب التمثيلية الدبلوماسية المغربية في تركيا للعودة إلى المغرب، لكن في النهاية تمت الموافقة على ترحيلها لوحدها دون الطفلين، وهو الشيء الذي رفضته، مؤكدة أنها لا يمكنها العودة دون أطفالها. ورفضت السلطات المغربية قبول عودة طفليها، نظرا إلى عدم توفرهما على أي وثيقة تثبت أنهما مغربيان. فيما تقول الأم إن الطفلين ازدادا في “دولة الخلافة”، ووالدها المغربي قتل في جبهات القتال. هذا الملف يطرح عدة صعوبات، من بينها كيفية التعامل مع مغربيات لديهن أطفال أيتام أنجبنهم مع جهاديين من جنسيات أخرى، من بينها دول يطبع التوتر العلاقات الدبلوماسية بينها وبين المغرب، مثل إيران. وبيّن عبد العزيز بقالي أن أغلب المغاربة والمغربيات العالقين والمعتقلين بين سورياوالعراقوتركيا ينحدرون من مدينة من مدينة طنجة وتطوان والعرائش وفاس، بالدرجة الأولى، متبوعين بالمنحدرين من مدن بني ملال و الحسيمة وقلعة السراغنة والدار البيضاء والرباط والجديدة بالدرجة الثانية. إيجاد الحل لهذا يرى بقالي أنه “يجب التفكير في إيجاد حل لأزمة هؤلاء المغاربة. إذا أخطؤوا يجب أن يدفعوا الثمن، لكن يجب أولا أن يرحلوا، ويخضعوا للتحقيق ويحاكموا وفق سياق وظروف وعقلية ودرجة ندم كل حالة على حدة”. بالإضافة إلى “التفكير في ما بعد خروجهم من السجن”. وأردف أنه “يجب أن تكون هناك عملية إدماج حقيقية؛ وأن يكون الهدف من العقوبة هو إعادة إصلاحهم وليس الانتقام منهم؛ وألا تكون هناك ضغوطات عليهم بعد الخروج. كل هذا من أجل تحقيق الإصلاح في معناه الحقيقي”. “جرونا من بلدنا كالدواب” من جهتها، قدمت وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” شهادات مغربيات عالقات بين سورياوتركيا، من بينهن حالة المغربية أمال (اسم مستعار)، البالغة من العمر 30 ربيعا، توجد الآن في الجنوب التركي، ما يرجح فرضية أن تكون من بين المجموعة التي استطاعت الهروب من مخيمات الأكراد إلى تركيا خلال الحملة العسكرية التي قام بها الجيش التركي على المناطق التابعة للأكراد مؤخرا. توضح أمال أن العائق الوحيد أمام عودتها إلى كنف أسرتها بالمغرب هو أطفالها الأربعة الذين لا يتوفرون على أوراق الثبوتية المغربية. وتفسر أن الأطفال الثلاثة الكبار أنجبتهم مع زوجها الأول الذي رافقته إلى سوريا سنة 2014، بينما الطفلة الرابعة أجبتها مع بلجيكي من أصول مغربية، والذي تزوجت به بعد مقتل زوجها الأول، وهو نفس المصير الذي لقيه زوجها الثاني متأثرا بانفجار. وتعترف قائلة: “نحن نادمات جدا على المجيء إلى هنا، لقد جرونا من بلدنا كالدواب”. وتقول إلى تعيش من المساعدات التي يقدمها لهم المواطنون الأتراك. ولخصت معاناة المئات من الأطفال المغاربة قائلة إن طفلها البكر البالغ من العمر 12 ربيعا لا يدرس وليست لديه أي وثائق ثبوتية. إكرام، شقيقة مغربية محتجزة في المخيمات التابعة للأكراد شمال سوريا وتبلغ من العمر 33 عاما، تؤكد أن عائلتها تحاول بكل الوسائل ترحيل شقيقتها، لأنها: “تعاني من مرض مزمن وعاهة على مستوى الذراع بسبب شظايا قصف”. وتروي أن شقيقتها تنحدر من العرائش، ولديها طفل يتيم في سن الرابعة، تعيله بعد مقتل والده 15 يوما بعد الولادة. لكن إكرام تتأسف ل”عدم وجود محاور مغربي”. مصادر الجريدة أوضحت أن أغلب المغربيات المحتجزات في شمال سوريا تقبعن في مخيم الهول الذي يؤوي نحو 80 ألف شخص، أكثر من النصف أطفال، علما أن 80 في المائة من هؤلاء الأطفال ولدوا في ما يسمى “دولة الخلافة”. فيما مخيم “روج” يوجد تحت سيطرة “مليشيات إسلامية” محلية موالية لتركيا، ويضم، أيضا، عددا قليلا من المغربيات وأطفالهن، أغلبهن من مزدوجي الجنسيات. وإذا كانت السلطات المغربية “توقفت” عن ترحيل الجهاديين المغاربة وزوجاتهم وأطفالهم بعد أن رحلت 8 جهاديين فقط في مارس المالي، فإن تقريرا لصحيفة “إلباييس”، حديثا، أكد أن الحكومة الإسبانية ترفض أيضا ترحيل مغربيات و17 طفلا من شمال سوريا. مسؤول إسباني كبير كشف ل”إلباييس” أنه “يطرح خيار نقلهم إلى العراق لمحاكمتهم هناك”، دون أن يوضح كيف سيكون مصير الأطفال ال17 والجهادي المغربي عمر الحرشي الذي لا يعرف مكان اعتقاله.