خرج نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، عن تحفظه ووصف حكومة العثماني بأنها عبارة عن “جزر مفككة، ومحميات كبرى تستقوي على بعضها البعض، أمام هشاشة مؤسسة رئيس الحكومة”، في إشارة إلى عدم الانسجام الحكومي، خاصة بين البيجيدي، الذي يقود الحكومة، وحليفه التجمع الوطني للأحرار. ورغم التعديل الحكومي الأخير اعتبر نزار خلال كلمته الافتتاحية في الدورة الخامسة للجنة المركزية للحزب يوم السبت 14 دجنبر 2019، بالرباط، أنه كان ينبغي غداة التعديل الحكومي مراعاة “مبدأ التوازن والرقابة المتبادلة داخل مكونات الحكومة”، “وعدم الإفراط في تركيز القرار الاقتصادي، وتجنب تنازع المصالح”، “ووضع آليات جديدة لتنسيق العمل الحكومي”. ويبدو من حديث نزار عن الإفراط في تركيز القرار الاقتصادي وتنازع المصالح، تلميحه إلى هيمنة التجمع الوطني للأحرار على القطاعات الاقتصادية، ووجود بعض وزرائه في حالة تنازع مصالح، كونهم وزراء، وفي الوقت عينه، رجال أعمال في قطاعات كبرى، مثل عزيز أخنوش، وزير الفلاحة، ومولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة. ولم يقف انتقاد نزار للحكومة على هذا الحد، بل إنه هاجم بشدة قانون المالية لسنة 2020، معتبرا أنه “ترجمة لهذه الحقيقة التي تعيشها اليوم الحكومة المعادلة”. فقانون المالية الجديد، حسب نزار، هو “قانون العفو والإعفاءات والترضيات والاستثناءات، والتفصيل على المقاسات الفئوية والقطاعية”. وهو قانون “يكافئ محترفي التهرب الضريبي وتهريب الأموال، ومحترفي استغلال ثغرات القوانين للتهرب من واجبات المواطنة”. وفي مقابل ذلك، “لم يتعامل قانون المالية 2020 بنفس الكرم الحاتمي مع الجميع”، بل أشهر ورقة التقشف والصرامة الميزانياتية مع الموظفين، والباحثين الجامعيين، والمتقاعدين، والطبقة الوسطى، والأسر ذات الدخل المحدود، وكل الشرائح الاجتماعية والمهنية التي لا سند لها في دوائر المال والمصالح. واعتبر نزار أن حكومة العثماني تقوم فقط، بتصريف الأمور الجارية، ومواصلة تنفيذ البرامج المعتمدة “رغم الإجماع الحاصل على نواقصها وضعف مردوديتها وضرورة القطع معها”، أما “الإصلاحات الحقيقية في التعليم والصحة والإدارة ومحاربة الفساد، والجبايات والتقاعد والدعم الاجتماعي وإدماج الشباب وإطلاق الجيل الجديد من الاستراتيجيات القطاعية”، فإن كل ذلك “لم ينطلق بعد”، كما تساءل عن “التدابير الفورية لاستعادة الثقة، وتبديد مظاهر الأزمة”، وغياب إجراءات لوضع حد لانحسار الاقتصاد الوطني، وتعطل الاستثمار، وتفاقم بطالة الشباب ونزيف هجرة الكفاءات، وتصاعد مساحات الاحتقان، متسائلا عما إذا كانت الحكومة “لم تستخلص الدروس من أحداث الحسيمة وجرادة وزاكورة وحركة المقاطعة وغيرها من أشكال التعبير والاحتجاج الجديدة والمتنوعة التي تعتمل داخل المجتمع”. وبخصوص “النموذج التنموي”، الذي تم تعيين لجنة ملكية لإعداده، ذكر نزار بمنطلقات ومواقف حزب الاستقلال بشأن منهجية اشتغال اللجنة. أولها، أن التداول حول هذا الورش الاستراتيجي “لا ينبغي أن يبقى محصورا بين الخبراء ومكاتب الدراسات وأندية التفكير.. بل لا بد من “مشاركة حقيقية للهيئات السياسات والمنظمات النقابية والشركاء الاقتصاديين والمجتمع المدني”. ثانيا، نبه إلى أن “تراجع السياسي، قد يكون أحد معطلات النموذج التنموي الحالي”، بعد أن كان محركا وسندا أساسيا في التنمية، كما هو الشأن خلال تجربة الإصلاح الدستوري، والانتقال الديمقراطي، والتناوب التوافقي، والمصالحات الكبرى. ودعا إلى أن يكون النموذج “موضوع تعاقدات وتوافقات كبرى بين مختلف الفاعلين والقوى الحية، في المجتمع حول الاختيارات والأولويات والقطائع المترتبة عنها من أجل الانتقال إلى النموذج الجديد، وذلك في إطار حوار وطني وجهوي مفتوح على كل الحساسيات. ثالثا، دعا إلى إشراك المواطن منذ البداية لكي يقتنع أن الانتقال إلى نموذج تنموي جديد يعني حياة أفضل، وفرصا أكثر، وفوارق أقل.