برلمانيو "الدستوري" و"الحركة" و"الأحرار" الأكثر تغيبا "بدون عذر" خلال جلستين... و30 برلمانيا تغيبوا مرتين    السعدي: حكومة أخنوش تمتلك المشروعية الانتخابية من حصولها على تفويض من 5 ملايين مغربي    سانشيز يشكر المغرب على جهود الإغاثة    مجلس النواب يصادق بأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    هذه توقعات أحوال الطقس نهاية الأسبوع بالمغرب.. و"الأرصاد" توصي بالحذر    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    استقالة وزيرة هولندية من أصول مغربية بسبب "تصريحات عنصرية" صدرت داخل اجتماع لمجلس الوزراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل        إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    حماس "مستعدة" للتوصل لوقف لإطلاق النار    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان الريسوني يكتب.. إلى هاجر
نشر في اليوم 24 يوم 02 - 10 - 2019

Lعزيزتي هاجر.. ها أنت تدخلين التاريخ رغم أنفك وأنف سجانك الذي اعتقد أنه يقيد حريتك، فيما هو يقيد اسمك في سجل الأبطال الذين لا يواجهون الظلم بالمسكنة، بل يحولونه إلى طاقة ومحرك للتاريخ، وهذا ما فعلت وأنت تغادرين قاعة المحكمة بخطى واثقة وابتسامة ساخرة، راسمة بأصبعيك الصغيرين شارة نصر كبيرة… لقد رأيتك يا هاجر تضعين الحكم خلفك والنصر أمامك، كما كنت أرى، وأنت تلتفتين إلينا في الجلسة، القاضي خلفك، وخلف القاضي اللوحة التي كُتب عليها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا للَّهَ إِنَّ للَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ». بالمناسبة، يا هاجر، لا أعرف لماذا يضعون هذه الآية القرآنية خلف القاضي وليس نصب عينيه!
هل نقول إننا حزانى لأنك بعيدة عنا يا هاجر؟ أكيد، لكننا لن نرتكن إلى هذا الحزن وأنت وقفت في قاعة المحكمة، قبل أن يغادرها القاضي الذي تكفل بقراءة حكم إدانتك، وقلتِ لأصدقائك وزملائك، والضحكة الساخرة تسبقك: «لا تبكوا.. لا تبكوا». لن نبكيك يا هاجر لأننا نرى العالم الحر يردد اسمك رمزا للحرية، لن نبكيك يا هاجر، ونحن نرى العالم الحر يرفع صورتك رمزا للخلاص ممن لم يكتفوا بسجنك، بل تسابقوا إلى التشهير بك وتشويهك، وما شوهوا إلا أنفسهم. هكذا يا هاجر فعلوا بالسيد المسيح: سجنوه وقالوا عنه ابن زنى.
لن نبكيك يا هاجر، اتفقنا، لكننا لا نملك أن نمنع ملايين المغاربة من البكاء على وطن «يجرفه الكناسون مع القمامات في آخر الليل»، كما قال محمد الماغوط. لا نملك أن نصادر حق المغاربة في وطن ينغل فيه كناسو الأحلام من كل الأنواع والأحجام. كناسون فوق الحكومة. كناسون في حكومة لا تحكم حتى وزراءها. كناسون في صحافة ضد الصحافة. كناسون في نقابة صحافة حبا لله قيادييها بكل المواهب إلا موهبة الكتابة. كناسون في قضاء القضاء على القضاء. كناسون في أحزاب ماتت وتعفنت، فعفَّ الشعب حتى عن دفنها. كناسون ببذلات أنيقة. كناسون بلحى طويلة. كناسون وكناسات بتنانير قصيرة وحداثة قاصرة عن قول: «هاجر الريسوني قد تكون ضحية قوانين ظالمة، لكنها بالتأكيد ضحية سلطات ظالمة»… حداثيات وحداثيون يكفُرون بالحداثة عندما تصطدم بأولياء نعمتهم في مربع الحكم الحقيقي. أتعرفين يا هاجر من هو زعيم هؤلاء الحداثيين الزائفين الناطق الرسمي باسمهم؟ إنه مغني الراي الشاب خالد الذي قال إنه سيصوت في الانتخابات الرئاسية الجزائرية لبوتفليقة، لماذا؟ «باش نقدر نشرب كاس ويسكي براحتي» قال!
لقد تحدثنا، أنت وأنا، يا هاجر، في مناسبات سابقة، آخرها خلال زياراتي لك في السجن، عن القوانين التي نحتاج إلى مراجعتها، لكننا تحدثنا أكثر عن ممارسات سلطة لا حدود لها ولا محاسب لها. فكم من قانون جيد رمته السلطات في سلة المهملات، عندما قررت أن ترمي من لا ترضى عنهم في السجن. لقد رأى الجميع كيف اعتقل شباب الفايسبوك بقانون الإرهاب بدل قانون الصحافة والنشر. إنني، وأنا أذكرك بهذا، أعرف جيدا أنك ستضحكين وتقولين لي: «الوزير الذي كان يرأس النيابة العامة وصمت عن هذه المجزرة القانونية في حق شباب حزبه، يحق له أن يبتلع لسانه أمام التجاوزات الحقوقية التي شابت هذا الملف.. إنه يحمل حقيبة حقوق الإنسان، الآن، مثلما يحمل متفرج في سيرك حقيبة ساحر وضع فيها أمام عينيه أوراقا وملفات، ليفاجأ المتفرج بعد فتحها بحمامة أو أرنب يقفز منها». ستقولين لي كلاما شبيها بهذا وتضحكين وأضحك. لكن التاريخ يا هاجر لن يضحك، ولن يرحم أحدا. التاريخ سيسجل: «حدث هذا في الزمن الإسلامي»، حيث نشكو اختلال “العدالة” بعدما اشتكى الجالس على العرش اختلال “التنمية”.
هاجر.. في جلسة محاكمتك الأخيرة، وأنا منتش بمرافعات دفاعك التي مرغت أسانيد اعتقالك ومتابعتك في نقع الاختلال والتناقض، وأنا شبه متأكد من أن المحكمة ستبرئك ومن معك، التفتَ إليَّ محامٍ معروف وقال لي، متحدثا عن أحد القضاة: «هل تعرف القاضي الفلاني؟»، أجبت بالنفي، فاستطرد: «باختصار إنه يصدر الأحكام مثلما ينشر الموقع الإلكتروني الذي يملكه مسؤول سابق بوزارة الداخلية الأخبار. تأتيه على شكل تقارير فيحولها إلى مقالات إدانة».
هاجر.. الخلل في المغرب بنيوي، وداء العطب قديم وعميق وشامل. ولعل أبلغ من عبر عنه هو زميلنا خالد الجامعي؛ فقد التفت إليه مرة عبد اللطيف الفيلالي، وكان وزيرا أول، وقال له: «اسمح لي يا خالد أن أقول لك إن الصحافة في المغرب دون المستوى»، فأجابه الجامعي بسرعة بديهة صحافي حقيقي: «بحال الصحافة ديالنا بحال الوزراء ديالك أ السي عبد اللطيف». وضع التردي، يا هاجر، يعم كل القطاعات، وينسحب على شتى المجالات. فهل ستمر الديمقراطية فقط على أجسادنا، نحن الصحافيين المستقلين؟ وسنكون كما عبَّر عن ذلك الشاعر شوقي بزيع: «هذا تجاهي فليكن جسدي.. منارةً ولأكن جسراً لمن عبروا»؟ هاجر، عندما كنت أقرأ مقالاتك عن الأساتذة المتعاقدين، كان يشدني الاسم الذي اختاروه لتنسيقيتهم (الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد)، والآن وجدتني أتساءل: هل يريدون منا أن نؤسس تنسيقية للصحافيين الذين فرض عليهم السجن، وتنسيقية للصحافيين الذين فرضت عليهم الهجرة خارج الوطن، وثالثة للصحافيين الذين فرض عليهم الصمت..أما تنسيقية الصحافيين الذين فرضوا على أنفسهم الاشتغال ضباط شرطة، فمنظمة وقوية أكثر من أي وقت مضى. هاجر.. أعرف أن هذا العبث مؤلم لكنه يبقى محض عبث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.