بعد فترة من تنفيذ خطة تروم ترويج خطاب التسامح ومحاربة الفكر المتطرف بالسجون المغربية، من خلال منهجية التثقيف التي أتاحت استفادة أزيد من 26.000 سجين منذ إطلاق برنامج المصالحة الذي تنفذه المندوبية العامة لإدارة السجون، بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبعض الخبراء المتخصصين، كشفت مصادر مقربة من المعتقلين الإسلاميين المدانين بسبب قضايا التطرف والإرهاب، عن توقف هذا البرنامج بشكل مفاجئ، وعدم قبول المئات من طلبات الاستفادة التي تقدم بها هؤلاء من أجل الخضوع لهذا البرنامج الذي يقوم على ثلاثة محاور أساسية، هي المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ومع المجتمع. وحسب المصادر ذاتها، فإن من الأسباب المحتملة لتوقف برنامج المصالحة الذي تشرف عليه كل من المندوبية السامية لإدارة السجون والرابطة المحمدية للعلماء وجهاز المخابرات “الديستي”، هو التعثر الكبير الذي يعرفه منذ مدة طويلة، وعدم شموله كافة المعتقلين، وفي مقدمتهم السجناء المدانون بتهم ثقيلة وبمدد طويلة، والذين تقدم أغلبهم بطلبات رسمية من أجل الاستفادة من هذا البرنامج، لكن السلطات لا تستجيب إلى طلباتهم، رغم أن أغلبهم تقدموا رسميا بطلبات للعفو. وفي غياب أي معطيات رسمية تكشف الأسباب الحقيقية لعدم ولوج المئات من المعتقلين الإسلاميين المدانين على خلفية قضايا الإرهاب لهذا البرنامج، فإن مصادر مطلعة أوضحت ل”أخبار اليوم”، أن الأمر لا يتعلق بتوقف برنامج المصالحة، بل بفترات زمنية يتم تحديدها بشكل دوري لاستفادة هؤلاء المعتقلين من هذا البرنامج الرسمي. وفي مقابل ذلك، رفضت المصادر ذاتها، الكشف عن أسباب حرمان المئات من المعتقلين الخضوع لهذا البرنامج رغم أنهم تقدموا بطلبات رسمية، مشددة على أن الدولة المغربية تواصل برنامج المصالحة مع المعتقلين في قضايا الإرهاب، وتقوم بالإفراج عمن أعلنوا توبتهم من أفكار التطرف والإرهاب بشكل تدريجي. وحسب المصادر ذاتها، فإن العفو عن المعتقلين في قضايا لها علاقة بالإرهاب، يؤكد رغبة السلطات الأمنية والدينية، في الاستمرار في مقاربة ملف السلفية الجهادية، من أجل الحد من آفة الإرهاب، عن طريق محاورة المعتقلين من طرف الرابطة المحمدية للعلماء وإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قصد مساعدتهم على ترك الأفكار الهدامة والاندماج من جديد في المجتمع. وعلاقة بتعثر برنامج المصالحة، كان ياسين أمغان، عضو المكتب التنفيذي لتنسيقية المعتقلين الإسلاميين السابقين للإدماج والإنصاف، قد كشف في وقت سابق، أن المئات من المعتقلين وضعوا ملفاتهم بمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، منذ أكثر من 6 سنوات، إلا أن غالبيتهم لم يستفيدوا، باستثناء فئة قليلة. وأوضح أمغان، في اتصال مع الجريدة، أنه وضع ملفه منذ سنة 2012، ولم يستفد بعد، مؤكدا على وجود حالات مشابهة ما زالت تنتظر الاستفادة وتعاني من تسويف المسؤولين. وكانت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، قد كشفت أن برنامج المصالحة عرف استفادة أزيد من 26 ألف سجين، مؤكدة أنها تواصل تنفيذ خطتها المتعلقة بترويج خطاب التسامح ومحاربة الفكر المتطرف، عن طريق إطلاق برنامج المحاضرات العلمية بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي. واستهدفت المندوبية بهذا البرنامج 300 نزيل بالمؤسسات السجنية، وذلك لمساعدتهم على تحقيق الاندماج في المجتمع بعد الإفراج. وفي مقابل ذلك، فقد أكد مركز كارنيغي الشرق الأوسط للبحوث والدراسات، أن المغرب فشل في إعادة تأهيل الجهاديين السابقين ودمجهم في المجتمع، موضحا أن “المقاربة الأمنية التي اعتمدها المغرب للتصدّي للتطرف لا تترك مجالاً كافياً أمام جهود إعادة إدماج المعتقلين الجهاديين السابقين”، وهي الدراسة التي أعدها مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح. وحسب اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، فإن برنامج المصالحة مازال “يحتاج إلى الكثير من الاشتغال من قبل الهيئات الرسمية، لأن العديد من شيوخ السلفية مازالوا يعتنقون بعض الأفكار المتشددة، لاسيما تلك المتعلقة بقضايا المجتمع، إذ يعتقدون أن المصالحة تنحصر في التشبث بمرتكزات المملكة فقط، إلا أن التشبع بالأفكار التنويرية يبقى العنصر الغائب في المنظومة برمتها. وتؤكد اللجنة ذاتها، أن المصالحة “أغفلت المظلومين من المعتقلين الإسلاميين، الذين لم يجرموا و لم يخطئوا في حق أحد في محاولة للضغط عليهم كما ضغطت على غيرهم”. كما أن البرنامج “تضمن توصيفا لحالة المعتقلين غير صحيح، ولا علاقة له بواقع المعتقل الإسلامي اعتقادا و ممارسة