بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على توقيف مدير الوكالة الحضرية بمراكش متلبسا بحيازة رشوة مفترضة، عبارة عن شيك بقيمة 886 مليون سنتيم، ومبلغ نقدي ب 50 مليون سنتيم، يستأنف قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال باستئنافية المدينة، ابتداءً من أمس الأربعاء، أبحاثه القضائية في هذا الملف، إذ استمع القاضي يوسف الزيتوني، ابتداءً من الساعة ال 11 من صباح أمس، إلى المشتكي، وهو مستثمر عقاري وسياحي مغربي، يسمى «رشيد.ح»، سبق له أن تقدم، بتاريخ 3 يوليوز المنصرم، بشكاية مباشرة لدى رئيس النيابة العامة، محمد عبد النبوي، يتهم فيها المدير العام للوكالة الحضرية بمراكش، خالد وِيّا، بأنه طلب منه رشوة بمليار سنتيم مقابل الكفّ عن وضع العراقيل الإدارية في طريق إتمام بناء المشتكي لعمارة من ثلاثة طوابق بشارع «جون كينيدي» في الحي الشتوي بمراكش، وتسهيل حصوله على الوثائق الخاصة بمشروع سكني آخر بالمدينة نفسها. «أخبار اليوم» تكشف في هذا التحقيق عن تفاصيل مثيرة حول هذه القضية، التي يوجد فيها موضوع تحقيق إعدادي، في حالة سراح، كل من زوجة المتهم الرئيس ومهندس معماري خاص بالرباط. أموال مكدسة بخزانة استنادا إلى مصادر مطلعة، فقد وجّه المحققون المنتمون للمكتب الوطني لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية، التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أسئلة للمدير الموقوف، الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، حول مصدر المبلغ الكبير، المتجاوز ل 250 مليون سنتيم، الذي عثرت عليه الشرطة بفيلته بمنطقة «المعدن» بمراكش، خلال عملية التفتيش التي تمت بحضوره، كما تناول التحقيق دواعي الاحتفاظ بهذا المبلغ الكبير بخزانة الحديدية بمقر إقامته بدل إيداعه بالبنك، ليصرّح بأن جزءا من المبلغ، يصل إلى 100 مليون سنتيم، تسلمه من المشتكي بمنزله على مراحل، نيابة عن زوجته، كتسبيق عن المبلغ المتفق عليه مع شركتها التي قال إنها تتولى الاستشارة والمواكبة للمشاريع العقارية للمشتكي، بينما أوضح بخصوص بقية المبلغ بأنه كان يدخره، منذ عشر سنوات، من مبالغ مالية، تتراوح بين مليوني و4 ملايين سنتيم، كان يحصل عليها شهريا من مداخيل مطعم بالرباط تملك والدته ثلث أسهمه، والذي أشار إلى أنه يحقق رقم معاملات يناهز 50 مليون سنتيم شهريا، وهي المداخيل التي قال إن أمه تتنازل عليها لفائدته، لأن لديها مداخيل أخرى من عائد كراء عمارة بفاس يصل نصيبها منها إلى 4 ملايين سنتيم شهريا، فضلا عن مبلغ زعم بأنه لم يعد يتذكره، قال إنه اقترضه من صديقه المهندس المعماري، «سمير.ل.م» المتابع معه في الملف نفسه، لتغطية مصاريف سفره للخارج، ومداخيل أخرى متحصّلة من بيع بقع أرضية بتجزئة في طنجة بشراكة مع والده. وحسب المصادر نفسها، فقد اعتبر المحققون تصريحات ِويّا مجرد «أكاذيب وتبريرات واهية»، جازمين بأن مصدر هذه الأموال يعتبر «غير مشروع ومتحصل من الارتشاء والابتزاز»، بدليل عدم تسلمها إما عن طريق تحويل بنكي أو شيك أو بأي طريقة أخرى قانونية وشفافة، كما أن ادعاء تلقيه أموالا من مداخيل مطعم والدته غير منطقي ويفتقد للإثبات، ناهيك عن انتفاء المصداقية في تصريحه بأنه اقترض مبلغا من صديقه المهندس، ذلك أنه زعم أنه استدان منه لأجل السفر، فيما عثرت الشرطة على مبلغ مالي كبير مكدس بمنزله. أما بخصوص المبالغ المالية بعملات أجنبية التي عُثر عليها بخزانته المنزلية، فقد أوضح بأن 4000 دولار اقترضها من المشتكي لأنه كان يعتزم السفر للخارج، فيما قال إن 850 أورو سبق له أن حوّلها من الدرهم إلى العملة الأوربية وتبقى لديه هذا المبلغ من سفر سابق للسنغال. ساعات، أكسسوارات، ومجوهرات عثرت الشرطة، أيضا، على عشر ساعات يدوية فاخرة خاصة بالرجال، بينها 3 من نوع «روليكس»، دون أن يتوفر على وثائقها المثبتة، وعلى إكسسوارات ومقتنيات نفيسة، عبارة عن أقلام وأسورة جلدية رجالية وحافظات ونظارات شمسية فاخرة وسبحة ذهبية، وقد أكدت مصادرنا بأن المدير، الموقوف احتياطيا بسجن «الأوداية» على ذمة التحقيق الإعدادي، صرّح بأنه إما اشتراها شخصيا أو اقتنتها له زوجته، أو تلقاها كهدايا من أفراد عائلته أو أصدقائه، بينهم المشتكي نفسه، لافتا إلى أن الشرطة بإمكانها التعرف بسهولة على من اقتنى الساعات، مثلا، من أرقامها التسلسلية. وبشأن 6 هواتف ذكية ولوحتين رقميتين باهظة الثمن التي عثر عليها بمنزله، فأجاب بأن واحدا من الهواتف اقتنته له الوكالة الحضرية، فيما الباقي قال إنه تلقاها كهدايا من الأصدقاء. ولم تختلف إجابته بالنسبة للمجوهرات الخاصة بزوجته، والتي قالت مصادرنا إن بعضها مرصع بأحجار كريمة، فضلا عن أكثر من 32 ساعة يدوية نسائية فاخرة، بينها 6 من نوع روليكس، و13 خاتما و16 سلسلة وأساور من المعادن النفيسة، وقلادات وأقراط، و19 نظارة شمسية نسائية من النوع الفاخر، وحوالي 50 حقيبة يدوية غالية الثمن، بعضها مغطى بالفرو، وهي المقتنيات التي قال إنها اشترتها من محل مجوهرات بالرباط وتتوفر على فواتيرها. وعن مصدر تمويل هذه المقتنيات أكدت مصادرنا بأن ويّا أجاب بأنه شخصيا يتقاضى 41 ألف ردهم كأجرة شهرية صافية وتعويض عن التنقل، بالإضافة إلى 17 ألف درهم يتقاضاها شهريا كواجب كراء مقر إقامته، فيما قال إن زوجته تتلقى شهريا حوالي 10 مليون سنتيم، تتضمن الراتب والمنح المختلفة، باعتبارها رئيسة مديرة عامة لثلاث شركات بالرباط، وتابع بأنه يتوفر على سيارة من نوع «أودي» اقتنتها له والدته، كما يملك فيلا صغيرة بمنطقة «بوسكورة»، بينما اقتنت زوجته، عن طريق قرض بنكي، سيارة رباعية الدفع من نوع «رانج روفير»، بحوالي 90 مليون سنتيم. وقد واجهت الفرقة الوطنية المتهم الموقوف بأن ممتلكاته العقارية والمنقولة تفوق بشكل كبير مداخليه القانونية، ما يؤكد بأن غالبيتها من مصدر مشبوه، وهو ما نفاه ويّا، الذي جدد التأكيد على أنه وزوجته يتقاضيان معا حوالي 16 مليون سنتيم شهريا، وهو ما اعتبره كافيا لتغطية نفقات أسرتهما واقتناء العقارات والمنقولات التي يمتلكانها. «تبريرات واهية» استهلت الفرقة الوطنية البحث التمهيدي بالاستماع إلى المدير الموقوف، الذي أقفل في 15 شتنبر الجاري سنته ال 50، والمزداد بمدينة القصر الكبير، وهو أب لابنين، حصل على دبلوم مهندس معماري سنة 1995 بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، ويشغل، منذ 2016، منصب مدير الوكالة الحضرية بمراكش، وقد تناول التحقيق الأولى علاقته بالمشتكي، إذ أكد بأنه تعرّف عليه منذ حوالي ثلاث سنوات، وأن لقاءاتهما تعددت على اعتبار بأن المشتكي كان ينجز مشاريع عقارية، حتى أصبحا صديقين يلتقيان بأماكن وفي مناسبات مختلفة. وقد أكدت مصادرنا بأنه برّر الوضعية التي ضُبط فيها متلبسا بحيازة رشوة، عبارة عن مبلغ نقدي ب 50 مليون سنتيم وشيك بنكي بقيمة 886 مليون سنتيم، بأن هناك معاملة مهنية بين شركة زوجته «ص.ب»، وهي الشركة المسماة IFA CONSEIL ،وشركة المشتكي، «دون أن يستطيع توضيح نوعية هذه المعاملة وظروفها ولا أية وثيقة موقعة سلفا بين الطرفين»، تقول المصادر عينها، التي تجزم بأن الضابطة القضائية خلصت إلى أن المدير متورط في «استغلال النفوذ والارتشاء والابتزاز». في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من ويّا بأن القضية برمتها لا تعدو أن تكون سوى فخ نصبه له المشتكي، موضحة بأن المدير لم يطلب من المستثمر «ر.ح» أي مبلغ، بل إنه لحظة توقيفه طلب من المشتكي أخذ المبلغ المالي الذي كان يحمله معه، غير أن هذا الأخير غادر السيارة مسرعا وترك هاتفه المحمول، قبل أن يفاجأ بالشرطة توقفه. من جهته، يرد مصدر مقرب من المشتكي بأن وِيّا تسلم منه، لحظات قليلة قبل التدخل الأمني، مبلغا ماليا نقديا ب 50 مليون بعلبة بلاستيكية للأرشيف Boîte archive وقام بوضعه بنفسه داخل الصندوق الخلفي لسيارته، كما تسلم منه الشيك. وتتابع مصادرنا بأن ويّا أوضح بخصوص علاقته بهذه المعاملة، بأن المشتكي سبق له أن كلفه بالبحث عن مشتر لعقار في ملكيته بالقرب من سوق «مرجان»، تبلغ مساحته 20 هكتارا، كما طلب منه البحث عن شركة تتولى المواكبة والاستشارة بشأن عملية اقتناء العقار المذكور، ليقترح عليه شركة زوجته، التي قال إنها اتفقت معه، خلال لقاء عمل جمعهما، على أن تتكلف بالخدمة المذكورة مقابل مليار و300 مليون سنتيم، والذي تقدم المشتكي بعدة مقترحات حول طريقة أدائه، إذ اقترح أن يتم الأداء بفرنسا، دون أن يعطي المشتكي تفاصيل عن ذلك، لكن زوجته رفضت هذا الاقتراح، قبل أن يتم الاتفاق شفويا بينهما على أن يسلمها المبلغ في المغرب، بناءً على عقد مكتوب يحمل عنوان LETTRE DE MISSION، مكون من خمس صفحات، ومرفق بفاتورة بتاريخ 7 يونيو المنصرم، وتنص بنود العقد على أن تتولى شركة زوجة المدير مواكبة المشاريع التي تنجزها شركة المشتكي، مقابل مبلغ جزافي قدره مليار و300 مليون سنتيم، يؤدى على مرحلتين: 780 مليون سنتيم عند اقتناء العقار، أي ما يشكل 60 في المائة من المبلغ المتفق عليه، و40 في المائة الأخرى (520 مليون سنتيم) بعد الحصول على تراخيص المشروع. «عقد عديم القيمة القانونية» وحسب المصادر نفسها، فقد واجه المحققون ويّا بأن الوثيقة التي يتذرع بها لا قيمة قانونية لها، ذلك أنها ليست في الواقع سوى مجرد «اقتراح»، كما يدل على ذلك اسمها باللغة الفرنسية PROPOSITION، ولا يمكن أن يترتب عليها أي أثر قانوني، في غياب أي اتفاق رسمي بين الطرفين، فضلا عن كونها موقعة فقط من طرف زوجة المدير ولا تحمل توقيع المشتكي، ولم تتضمن أي تنصيص على تحديد العقار موضوع المعاملة، كما أن هذا «الاقتراح» يحمل مرجعا يشير إلى أنه أنجز في 2018، فيما تحمل الفاتورة تاريخا مغايرا يعود إلى 7 يونيو من السنة الجارية، علما بأن عملية اقتناء العقار تمت في الفترة الممتدة بين أواخر 2017 وبداية 2018، ليخلص المحققون إلى أن شركة زوجة المدير لا علاقة بها بعملية اقتناء العقار المذكور، وأن ربط توقيع الزوجة على الوثيقة المدلى بها وبين المعاملة يعتبر «تزويرا». من جهته، نفى ويا عنه تهمة التزوير، مرجعا الاختلاف في التواريخ بين العقد المزعوم والفاتورة إلى أن زوجته وقعت على الاقتراح قبل أن تدخل في مفاوضات مع المشتكي حول طريقة الأداء، في الوقت الذي سبقت فيه عملية شراء العقار التوقيع على العقد وإنجاز الفاتورة. «مزاعم غير مقنعة» ضباط الفرقة الوطنية اعتبروا تصريحات ِويّا مجرد «مزاعم غير مقنعة واقعيا وقانونيا»، وأن إقحام زوجته في الموضوع لا يدفع عنه الأفعال المخالفة للقانون المنسوبة إليه، والمتعلقة ب»الابتزاز الارتشاء واستغلال النفوذ»، ناهيك عما اعتبروه اعتمادا من طرف ِويّا على وسائل احتيالية قائمة على التزوير للإيهام بقيام معاملة مفترضة بين الشركتين للتغطية على تلقيه الرشوة. مصادرنا لفتت إلى أن العديد من علامات الاستفهام ظلت عالقة، وتجعل رواية المدير «غير متماسكة»، خاصة حول السر الكامن وراء عدم أداء الخدمة المزعومة لشركة زوجة المدير عبر التحويل البنكي حرصا على الشفافية، إذا كانت العملية فعلا قانونية ونزيهة.. واستنادا إلى مصادرنا، فقد ألقى ِويّا بالكرة في ملعب المشتكي متهما إياه بأنه هو من رفض الأداء عن طريق التحويل البنكي لأسباب لها علاقة بالتهرب الضريبي، مستدلا على ذلك بأن المستثمر العقاري وقع الشيك في اسم شركة زوجته، مشددا على أن تبقى قيمته المالية أقل من المبلغ المتفق عليه للتهرب من أداء الضريبة على القيمة المضافة. كما واجه المحققون ويّا بالسجل التجاري لشركة زوجته، الذي يحدد تخصصاتها في «الهندسة الاستشارية، إنجاز الدراسات في جميع المجالات والأنشطة، توفير الموارد والاستعانة بطاقات خارجية في مجال الصحة، وتأمين ظروف العمل والبيئة»، ولا يدخل فيها الوساطة في شراء العقارات وتلقي عمولات عن ذلك، الذي لا يحق لها ممارسته، نظرا لكون هذا النشاط تنظمه نصوص قانونية محددة، وهو يعزز الاتهام الموجه إليه بإقحام شركة زوجته للتغطية على تورطه في الارتشاء، فيما وظل ويّا ينفي تورطه في أي ارتشاء أو تزوير، مصرحا بأن تقديم الاستشارات ومواكبة المشاريع يدخلان في إطار أنشطة الشركة المحددة في سجلها التجاري. وإذا كان المحققون واجهوا المدير الموقوف بأن شركة زوجته لم تتدخل عمليا في عملية الاقتناء، ولم تقدم أية استشارات، فضلا عن كونها لم تبرم مع المشتكي أي عقد في الموضوع، فقد اعتبر ويّا، من جانبه، بأن قبول المشتكي بالأداء الجزئي للمبلغ المتفق عليه بواسطة شيك محرّر في اسم شركة زوجته يعد دليلا يثبت قيام هذه الأخيرة بالمعاملة المنصوص عليها في رسالة المهمة LETTRE DE MISSION ، وعندما تمت مواجهته بأن انخراطه في عملية الاقتناء وسعيه للحصول على عمولة يتنافى مع منصبه، ردّ بأنه لم يتوسط شخصيا في العملية، ولكن شركة زوجته هي من تولت ذلك بناء على عقد مع المشتكي.