تزامنا مع التحقيق الإعدادي الجاري بغرفة جرائم الأموال باستئنافية مراكش، تواصل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أبحاثها الأمنية في قضية توقيف مدير الوكالة الحضرية بمراكش، خالد وِيّا، متلبسا بحيازة رشوة مفترضة، عبارة عن شيك بقيمة 866 مليون سنتيم، ومبلغ نقدي ب 50 مليون سنتيم، فقد استمعت الضابطة القضائية، مؤخرا، لمهندس معماري خاص بالرباط، ولزوجة المدير الموقوف، قبل أن يُخلى سبيلهما في انتظار انتهاء البحث التمهيدي في شأنهما وإجراء مسطرة تقديمهما في حالة سراح، خلال الأيام القليلة القادمة، أمام نائب الوكيل العام بمراكش المكلف بجرائم الأموال. واستنادا إلى مصدر مطلع، فقد جاء التحقيق الأمني مع زوجة وِيّا على خلفية التصريحات التي أدلى بها هذا الأخير للضابطة القضائية والنيابة العامة، والتي حاول فيها تبرير حصوله على الرشوة المفترضة بأنها لم تكن سوى جزء من مبلغ مالي إجمالي، لا يقل عن 13 مليون درهم (مليار و300 مليون سنتيم)، متفق عليه مع المشتكي مقابل أن تتولى شركة في ملكية زوجة المدير أشغال “التتبع والمصاحبة” لمشروع سكني للمشتكي بمراكش. كما يأتي الاستماع إليها بعد التفتيش الذي أجرته الفرقة الوطنية لفيلتي زوجها، الأولى بمنطقة “المعدن” بمراكش والأخرى بحي “الرياض” بالرباط، واللتين حجزت بخزانتين حديديتين بهما على مبلغ مالي نقدي يصل إلى حوالي مليار و200 مليون سنتيم، بالعملة الوطنية وبعملات أجنبية، فضلا عن مجوهرات من الماس لزوجته، ومجموعة من الساعات الفاخرة، خاصة من نوع “رولكس” السويسرية، كما تناول البحث التمهيدي الأملاك العقارية لزوجها، التي تصل إلى سبعة عقارات راقية بمدن مختلفة. وبعد أن منعته المصالح الأمنية من مغادرة التراب الوطني عبر مطار الرباط، الأحد المنصرم، حققت الفرقة الوطنية مع المهندس “سمير.ل.م”، الذي يتهمه المشتكي بأنه تواطأ مع مدير الوكالة الحضرية في مسلسل طويل من ابتزازه انتهى بطلب وِيّا الحصول على رشوة مقابل الكف عن وضع العراقيل الإدارية في طريق إتمام بناء المشتكي لعمارة من ثلاثة طوابق بشارع “جون كينيدي” في الحي الشتوي، وتسهيل حصوله على الوثائق الخاصة بمشروع سكني آخر بالقرب من السوق الممتاز “مرجان” بطريق الدارالبيضاء. وأوضح المصدر نفسه بأنه سبق لشركة “زمان برومسيون” في ملكية المشتكي، وهو منعش عقاري وسياحي يسمى “رشيد.ح”، أن حصلت من بلدية مراكش، بتاريخ 18 غشت من 2017، على رخصة تحت عدد “308/17” لبناء العمارة المذكورة على مساحة 1761 مترا مربعا، بعد أن كانت تعاقدت مع المهندس المعماري “سمير.ل.م”، التي يتواجد مكتبه بحي “أكَدال” بالرباط، على أن يتولى إعداد التصاميم والحصول على الرخص، بدءا برخصة البناء وانتهاءً برخصة السكن، مع تتبع الأشغال والتنسيق مع كافة المتدخلين، من مقاولة مكلفة بالبناء ومكتب دراسات والمهندس الطبوغرافي. غير أن المهندس المعماري تقدم بشكاية إلى عمدة المدينة، بتاريخ 9 ماي المنصرم، يطالب فيها بوقف أشغال البناء، بسبب عدم وضع الشركة صاحبة المشروع رهن إشارته دفتر الورش Le cahier de chantier ، الذي يشدد عليه القانون رقم 12 66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء، وهو الدفتر الذي من المفترض أن يتضمن جميع العناصر المتعلقة بتعريف المشروع، وطبيعة الأشغال، والتعريف بالمقاولات حسب عملها، وتواريخ ومذكرات وأوامر ومحاضر وملاحظات وزيارات مختلف المتدخلين المعنيين، خصوصا المهندس المعماري المشرف على المشروع والمهندس المختص والمهندس المساح الطبوغرافي. وقد أحالت المصالح الجماعية الشكاية، خلال اليوم نفسه، على مدير الوكالة الحضرية، الذي أمر مرؤوسيه، وفي اليوم ذاته، بإيفاد لجنة مشتركة، مكونة من المصالح التقنية بالولاية والجماعة ومساح طبوغرافي، للقيام بمعاينة ميدانية للأشغال للوقوف على مدى مطابقتها للتصاميم الحاملة لعبارة “غير قابلة للتغيير”، وللضوابط وقواعد البناء. أياما قليلة بعد ذلك، وتحديدا بتاريخ 21 ماي الفارط، عهد مدير الوكالة الحضرية إلى رئيس مديرية الشؤون القانونية والعقارية فيها بتوجيه كتاب إلى والي جهة مراكشآسفي/عامل عمالة مراكش يطلب فيه إيقاف أشغال بناء الإقامة، معللا ذلك “بوجود مخالفات تعميرية جسيمة، وبمنع المهندس المعماري المكلف بإنجاز المشروع من تتبع سير الأشغال”، مرفقا الرسالة بشكاية المهندس المعماري. من جهتها، كلفت شركة “زمان برومسيون” أحد المحامين بتوجيه كتاب إلى المهندس سمير، عبر مفوض قضائي، بتاريخ 14 ماي الماضي، يخبره فيه بأن الشركة فوجئت بلجنة من الوكالة الحضرية والبلدية تزور الورش وتشعر ممثلها القانوني بوجود مخالفات تتعلق بالزيادة في علو البنايات، وهو ما قالت إنه أثار استغرابها، خاصة وأن محاضر الورش لم تتضمن أي ملاحظات من طرف المهندس المعماري، الذي ذكّرته بأنه هو المكلف بتتبع الأشغال من بدايتها إلى نهايتها، داعية إياه إلى التدخل العاجل للوقوف على سبب هذا الخلل وإعداد التصاميم التعديلية اللازمة وتجنيب الشركة أية عرقلة قد تؤخر إتمام الأشغال والحصول على رخصة السكن، ومحمّلة إياه مسؤولية أي تأخير أو خسائر مادية قد تتكبدها الشركة. في المقابل، ردّ المهندس على كتاب محامي الشركة بأنه ظل يعاني، منذ إشرافه على الأشغال، من عدم توفر دفتر الورش، الذي قال إنه لم يوضع رهن إشارته سوى بتاريخ 9 ماي الفائت، مضيفا بأن هذا “التصرف غير القانوني من طرف صاحب المشروع”، لم يمنعه من القيام بمهامه والزيارة المنتظمة للورش، وتحرير محاضر بحضور رئيس الورش طالب فيها بالاستعانة بمساح طبوغرافي للوقوف على أي تجاوزات محتملة من أجل تداركها في الوقت المناسب، غير أنه قال إنه لم تتم الاستجابة لمطلبه، بل تم منعه من الدخول تنفيذا لأوامر “رشيد.ح”، ليجد نفسه مضطرا لإخبار السلطات المختصة. محامي الشركة عاد ووجّه رسالة إلى المهندس ذكّره فيها بأنه لا يُعذر بعدم إمساك دفتر الورش تحت أي مبرر، نافيا أن يكون صاحب المشروع تلقى منه أي إخبار بالاستعانة بمساح طبوغرافي، “إلى أن عمدتم بسوء نية إلى إعلام السلطات بمخالفات غير موجودة” تقول الرسالة التي حمّلت مسؤولية أي مخالفات مفترضة للمهندس نفسه، باعتباره المشرف على المشروع، وداعية إياه إلى اتخاذ إجراءات لتجاوز العرقلة وإتمام الأشغال في أفق استصدار رخصة السكن. وفيما كان المهندس ومحامي الشركة يتبادلان الرسائل، يقول مصدرنا إن مدير الوكالة الحضرية انتقل من المطالبة المبطنة برشوة مفترضة إلى ابتزاز صريح، موضحا بأنه توسط في عقد لقاء بين المهندس وصاحب الشركة، قبل أن يقرر هذا الأخير التقدم بشكاية مباشرة لرئيس النيابة العامة، محمد عبد النبوي، بتاريخ الأربعاء 3 يوليوز الجاري، الذي أعطى تعليماته للوكيل العام بمراكش للاستماع إلى المشتكي، لتقوم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بنصب كمين أمني انتهى، في اليوم الموالي، لتوقيف وِيّا متلبسا بحيازة رشوة كبيرة مفترضة بإحدى محطات الاستراحة بالمدينة. ونفى مصدرنا صحة التصريحات المفترضة التي أدلى بها وِيا، خلال البحث التمهيدي وتقديمه أمام النيابة العامة، والتي زعم فيها بأنه قام بتكليف من امرأة تحظى بالتشريف والتوقير ببيع بقعة أرضية بمراكش، مساحتها 20 هكتارا، في ملكيتها للمشتكي، وأوضح المصدر عينه بأن ممثلا قانونيا لمكتب مختص في الدراسات والاستشارات القانونية بالدارالبيضاء هو من تولى توقيع عقد البيع نيابة عن صاحبة العقار المذكور. كما نفى في تصريحات أخرى بأن شركة في ملكية زوجته اتفقت مع المنعش العقاري “رشيد.ح” على تولي أشغال التتبع والمصاحبة لمشروعه السكني، جازما بألا عقد يربط شركة المنعش مع زوجة المدير، ومؤكدا بأن وِيّا طلب رشوة بمليار سنتيم، وقد وضع بنفسه، لحظات قليلة قبل التدخل الأمني، مبلغا ماليا نقديا ب 50 مليون سنتيم داخل الصندوق الخلفي لسيارته، وتسلم الشيك الذي لم تتم الإشارة فيه إلى اسم حامله. في غضون ذلك، علمت “أخبار اليوم” بأنه من المقرر أن يتقدم المشتكي، اليوم الجمعة، عن طريق محام من هيئة مراكش، لدى قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال بطلب لتنصيب نفسه طرفا مدنيا في القضية، في الوقت الذي صدر قرار بمنع وِيّا من التواصل مع أي شخص، باستثناء محامييه اللذين من المنتظر أن يقوموا بزيارة مخابرة له الاثنين المقبل.