زهاء خمس ساعات متواصلة استغرقتها،أول أمس الأحد،مسطرتي تقديم مدير الوكالة الحضرية بمراكش،خالد وِيّا،أمام أحد نواب الوكيل العام لدى استئنافية المدينة، واستنطاقه الابتدائي من طرف قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال بالمحكمة نفسها،قبل أن يتم إيداعه، في حدود الثالثة زوالا،بسجن “الأوداية”،على خلفية توقيفه، الخميس المنصرم، متلبسا بحيازة رشوة مفترضة عبارة عن شيك بقيمة 880 مليون سنتيم،و مبلغ نقدي ب 50 مليون سنتيم داخل صندوق سيارته المركونة بمقهى بإحدى محطات الاستراحة،كما حجزت الشرطة 100 مليون سنتيم بمنزله. فبعد أن انتهت المدة القانونية للحراسة النظرية، تم إحضاره إلى محكمة الاستئناف بشارع الشهداء، في حدود العاشرة صباحا، من طرف ضباط وعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي تكلفت بإنجاز البحث التمهيدي، الذي انتهى بتقديمه أمام النيابة العامة المختصة،إذ كان مقرّرا أن تُجري له المسطرة المذكورة أمام القاضي عبد القادر الفتّاحي،باعتباره النائب الثاني المداوم للوكيل العام،قبل أن يحضر للمحكمة النائب الأول للوكيل العام،القاضي أحمد الناجي،ويتقرّر تقديم المسؤول المشتبه فيه،في حالة اعتقال، أمام نائب الوكيل العام المكلف بجرائم الأموال،القاضي المصطفى العمراني. وقد اكتظ محيط المحكمة،منذ صباح أول أمس،بالعديد من موظفي الوكالة الحضرية المتضامنين مع مديريهم،الذي كان مؤازرا بثلاثة محامين:النقيب السابق لهيئة المحامين بمراكش،مولاي عبد اللطيف احتيتش،وعبد الله النادي،من الهيئة نفسها،بالإضافة إلى نقيب هيئة المحامين بالرباط،محمد بركو. وفي غياب المتكي، استنطق نائب الوكيل العام خالد ويّا، المسؤول عن هذه المؤسسة الخاضعة لوصاية وزارة الداخلية،والذي أكد مصدر مطلع بأنه كشف عن روايته لخلفيات توقيفه،موضحا بأنه سبق له أن قام بتكليف من امرأة تحظى بالتشريف والتوقير ببيع بقعة أرضية بمراكش،مساحتها 20 هكتارا، في ملكيتها للمشتكي،وهو منعش عقاري وسياحي بالمدينة،يسمى “رشيد.ح”،الذي كان يعتزم تشييد مشروع سكني عليها،غير أنه وبعد انتهائه من التوسط في بيع العقار، سرعان ما تحولت مطالبته المبطنة بعمولة مفترضة إلى ابتزاز صريح. وعن اتهامه من طرف المشتكي بأنه طالبه برشوة مقابل إبداء رأيه بالموافقة على مشروعه السكني، نفى مدير الوكالة الحضرية الموقوف ذلك، وردّ بأنه اتفق مع المشتكي بأن تتولى شركة في ملكية زوجة المدير أشغال “التتبع والمصاحبة” للمشروع السكني بتكلفة مالية لا تقل عن 13 مليون درهم (مليار و300 مليون سنتيم)،وهي الشركة التي قال بأنها تلقت منه مبلغا ماليا عبارة عن تسبيق. وفي روايته للحظات القليلة التي سبقت توقيفه،أوضح ويّا بأن ضرب موعدا مع المشتكي بمحطة للاستراحة بطريق فاس،زاعما بأن اللقاء كان من أجل تسلم شيك في اسم شركة زوجته،وتابع بأنه وبمجرد أن انتهى من اجتماع بولاية الجهة،التقى،في حدود الخامسة من مساء الخميس الفارط،المنعش العقاري والسياحي،الذي ناوله شيكا بقيمة 880 مليون سنتيم،غير أنه قال بأنه لم يكن مضمّنا بأي اسم لحامله،ليطالبه بأن يشير فيه إما إلى اسم زوجته أو شركتها،وهو ما استجاب له المشتكي. أما عن المبلغ النقدي الذي ضُبط بالصندوق الخلفي لسيارته، فقد صرّح بأن المشتكي، وبخلاف ما كان متفقا معه عليه،جلب معه مبلغا ماليا موضوعا داخل علبة بلاستيكية للأرشيف Boîte archive،ووضعه رهن إشارته،على أساس أنه من ضمن المبلغ المتفق عليه كأتعاب لشركة زوجته،ليقوم بوضعه بصندوق السيارة،التي قال بأنه وما إن همّ بركوبها من أجل مغادرة المكان حتى حاصره ضباط وعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وتابع ويّا بأنه لم يكن متأكدا من هوية العناصر التي حاصرته، ولم يكن يعرف بأنهم رجال أمن تابعين لفرقة نخبة الشرطة القضائية بالأمن المغربي، ولذلك قال بأنه قام بتشغيل محرك سيارته محاولا الفرار منهم،قبل أن يصيب أحدهم برضوض،ويصدم سيارة أمن كانت مركونة خلف سيارته. و عند إجرائها لتفتيش لمقر إقامته بفيلا تقع بإحدى الإقامات السكنية الفاخرة بالمدينة،ضبطت الشرطة القضائية مبلغا ماليا آخر قدره مليون درهم (100 مليون سنتيم).
وقد انتهت مسطرة التقديم بإحالة المسؤول الموقوف على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلفة بجرائم الأموال،يوسف الزيتوني،الذي التمس منه نائب الوكيل العام إجراء تحقيق إعدادي في شأن الاشتباه في ارتكاب ويّا لجريمة “الرشوة”،مع متابعته في حالة اعتقال،وهي الجريمة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة الثانية من الفصل 248 من القانون الجنائي،التي تنص على أنه “إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم،دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة”.
من جهته،أجرى قاضي التحقيق جلسة الاستنطاق الابتدائي للمتهم، زوال اليوم نفسه،قبل أن يقرّر تأييد ملتمس النيابة العامة بمتابعته في حالة اعتقال،محرّرا أمرا مكتوبا بإيداعه سجن “الأوداية”، بضواحي المدينة،على ذمة التحقيق الإعدادي. ولم يحدد القاضي يوسف الزيتوني تاريخ جلسة الاستنطاق التفصيلي للمتهم،مرجئا ذلك إلى ما بعد العطلة القضائية،وهي الجلسة التي من المقرّر أن يسبقها الاستماع إلى المشتكي،الذي يملك مركبا سياحيا بالحي الشتوي الراقي،يحوي فندقا ومطعما وعلبة ليلية، بشراكة مع مستثمر أجنبي،وإجراء مواجهة بينهما،والاستماع إلى بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في محضر الضابطة القضائية. هذا، وقد علل مصدر قانوني عدم السماح للمتهم بلقاء زوجته بالتخوف من تأثير ذلك على مجريات التحقيق الإعدادي الجاري، خاصة وأنه تمت الإشارة إليها بقوة في البحث التمهيدي.