لا بد أن نعترف لإدريس اليزمي ومحمد الصبار بأنهما كانا أكثر ذكاء في التغطية على نواقص استقلالية المجلسالوطني لحقوق الإنسان، وأبرز مثال على ذلك، طريقة تعاطيهما مع ملف حراك الريف، سواء في التقرير الموثقبالخبرات الطبية، التي أنجزها الطب الشرعي ضمن مهمة التحري التي قام بها CNDH في عهدهما، قبل تسريبهوإقباره، ثم مجازاتهما عليه جزاء سنمار، بإبعادهما عن المجلس. أو في تجنبهما الخوض في ما إذا كان الزفزافيوكثير من رفاقه معتقلين سياسيين أم معتقلي رأي، أم إنهم فقط معتقلو حق عام جرى توقيفهم في قضايا ذات طبيعةجنائية. لقد كان الصبار واليزمي، وهما سياسيان متمرسان، كما لو كانا يعملان بما قاله الكاتب الأمريكي Josh Billings «الصمت واحد من أقوى الحجج التي يصعب دحضها». لكن، الرئيسة الجديدة للمجلس نذرت نفسها لكشف الخَبِيء، والصراخ عاليا بأن المجلس ليس تعدديا ولا مستقلا، كماهو منصوص عليه في مبادئ باريس وفي الفصل 161 من الدستور (المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنيةتعددية ومستقلة). فبعدما أضعفت التعددية بوضع رفاقها السياسيين في أهم مناصب المجلس، ها هي تخرج لتعيدعلى أسماعنا أسطوانة السلطة والنيابة العامة عن أن معتقلي الريف وجرادة والصحافيين ليسوا معتقلي رأي أومعتقلين سياسيين. والحقيقة أن وضع النيابة العامة أفضل من وضع بوعياش، لأنها، على الأقل، تجد الفم الذي تقولبه إن هؤلاء معتقلو حق عام، وهذا، على كل حال، يبقى وصفا قانونيا، فيما بوعياش خرجت تصفهم وصفا إنشائياعاطفيا وهي تقول: «كيف يمكن، إذن، توصيف هؤلاء الشباب، إذا لم يكونوا معتقلين سياسيين؟ شخصيًا أقول إنهمضحايا تدبير متعثر تشوبه أوجه قصور كثيرة، ولم يستطع ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؛ كما لميتمكن من أن يضمن لهم عيشا كريما والاستجابة لمطالبهم المشروعة». يا سيدتي، أنت نزعت عنهم وصفا حقوقيا محددا في الشرعية الدولية، وبإثباته في حق أي معتقل، تصبح الدولةمحرجة أمام استمرار اعتقاله، فما هو الوصف البديل الذي تصفينهم أنت به؟ دعك من الأوصاف البلاغية المدغدغةللحواس، فأنت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولست رئيسة بيت الشعر. ولما كنت –سيدتي– تعرفين أنه «لا يوجد تعريف متفق عليه لمصطلح «المعتقل السياسي» (هذا كلامك الوارد فيمقالك المعنون ب«طلقو الدراري»)، فلماذا أدخلت نفسك في هذه المضايق التي تجنبها سلفاك اليزمي والصبار؟ لقدورطت من جاؤوا بك إلى المجلس في ورطة كانوا في غنى عنها؛ فحتى أيام قريبة، كانت المطالب لا تتجاوز سقف العفوالملكي، بعد خفوت مطلب العفو العام البرلماني. أما وأنك، الآن، فتحت نقاش طبيعة الاعتقال، وهو موقف لن توافقكعليه على الأقل 22 منظمة حقوقية وطنية، المشكلة للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، والتي تعتبر أن معتقليالريف سُجنوا بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، وهذا يقتضي الإفراج عنهم دون عفو، فهل يسعدك أن تضعيالمجلس الوطني لحقوق الإنسان على طرف نقيض إزاء العائلة الحقوقية المغربية، ومئات المسرحيين والموسيقيينوالشعراء والسينمائيين والإعلاميين والتشكيليين.. الذين وقعوا عريضة تحدثوا فيها عن «عودة المحاكمات السياسية،واستصدار الأحكام والعقوبات القاسية في حق محتجين وإعلاميين»، أم إنه يكفيك أن الجمعية التي كنت ترأسينهامتطابقة معك في الرأي؟ فأين هي تعددية CNDH التي تحدث عنها الدستور، إذا كان المجلس لا يعكس التعددالحقوقي والثقافي للمغرب؟ لقد اختارت أمينة بوعياش النقاش المفاهيمي على معاينة الواقع الإجرائي من أجل الهروب من توصيف معتقليالريف وجرادة، بالإضافة إلى الصحافيين المهدوي وبوعشرين وآخرين، بالمعتقلين السياسيين، غير أن هذا النقاشالمفاهيمي لم يسعفها في الهروب من حقيقة أنهم معتقلون سياسيون مستوفون كل معايير الجمعية البرلمانية لمجلسأوروبا، والتي حاولت أن تستشهد بها. فيكفي تطبيق المعيار الأخير لهذه الجمعية البرلمانية، والذي يتحدث عن: «إذاكان الاحتجاز ناتجًا عن إجراء مشوب بشكل واضح بالمخالفات، وكان يبدو أن ذلك مرتبط بدوافع سياسية للسلطات». فهل ستنازع بوعياش في أن الزفزافي ورفاقه حرموا من حقهم في إجراء تحقيق قضائي من لدن قضاة للتحقيقبخصوص ادعاءاتهم الجدية بتعرضهم للتعذيب، بشهادة الأطباء الشرعيين المكلفين من لدن المجلس الذي ترأسهبوعياش؟ وهل ستنازع في أن الزفزافي تعرض لمعاملة مهينة وقاسية وحاطة من الكرامة الإنسانية، عندما نشر موقعإلكتروني، يسيره عامل سابق بوزارة الداخلية، شريط فيديو يُظهره عاريا، صوّره موظفون مكلفون بتنفيذ القانونتابعون لإدارة الأمن أو لمندوبية السجون. لو كان معتقلو الحراكات المناطقية والصحافيون معتقلي حق عام، لما جاء احتجازهم طافحا بإجراءات مليئةبالمخالفات الجسيمة، التي رصدتها مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، في حالة توفيق بوعشرين الذي اتهمبالاتجار بالبشر، لماذا؟ لأنه استغل حاجة سيدة إلى المال، ستقول لنا الاستخبارات البلجيكية، لاحقا، إنها تشتغللصالح جهاز استخباراتي، وتشكل خطرا على الدولة البلجيكية. ولو كانت هناك إثباتات أن الزفزافي اقترف أعمالاجنائية، لما خرقت الكثير من حقوقه لإلباسه لبوس الحق العام. وهل تصدقين، سيدتي، أن حميد المهدوي معتقل حقعام لأنه كان سيدخل الدبابات إلى المغرب، لولا أن مكالمته الهاتفية مع الشخص الذي «يمونه بالدبابات» من هولنداانقطعت بسبب انتهاء رصيد تعبئة هاتفه؟ السيدة بوعياش؛ إذا لم تكونوا قادرين على شعار: «طلقو الدراري»، فأقوللكم: «طلقو من الدراري»، واتركوهم لقدرهم.