نبيل بنعبد الله. ما هو انطباعك بشكل عام على 20 سنة الماضية من حكم الملك محمد السادس؟ أعتقد أن جميع الملاحظين الموضوعيين، سواء داخل أو خارج الوطن، يؤكدون على أن ما عرفه المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه، يشكل مرحلة إصلاحات عميقة على جميع المستويات، والمغرب عرف فعلا في نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية هذه الألفية طفرة حقيقية وتحولا عميقا من خلال السير قدما في اتجاه اعتناق كل الإصلاحات التي كانت تنادي بها القوى الوطنية والديمقراطية والحية عموما في بلدنا، سواء تعلق الأمر بالمشهد السياسي على مستوى طي صفحة الماضي ومسلسل الإنصاف والمصالحة، أو تعلق الأمر بتكريس مفهوم حقوق الإنسان على كافة المستويات، أو المساواة بين الرجل والمرأة أساسا من خلال مدونة الأسرة، أو أيضا تثبيت مكانة الأحزاب ودورها في الفضاء السياسي، كذلك الشأن بالنسبة إلى الحقل الديني الذي أعطى تحولا جذريا، خاصة بعد تعرض المغرب للأحداث الإرهابية لمدينة الدارالبيضاء، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الفضاء الاقتصادي والاستراتيجيات التنموية الكبرى القطاعية التي بدأت مع اعتلاء الملك عرش أسلافه، وكذلك الشروع بشكل قوي في تشييد بنيات تحتية مهيكلة، سواء على مستوى الطرق السيارة أو الموانئ أو المطارات وغيرها من التجهيزات الكبرى، ثم ظهر أكثر فأكثر الهاجس الاجتماعي في السياسيات العمومية، بمعنى أنه كان هناك شعور بأن لا نجاح في سياستنا العمومية إلا إذا وفرنا لها قدرة على تحسين مسألة التوزيع العادل للخيرات. وأخيرا، الفضاء الثقافي الذي عرف انفتاحا كبيرا والاعتراف بالأمازيغية كمكون من مكونات المشهد الثقافي المغربي. إذا ركزنا بالضبط على الحقل السياسي الذي تنتمي إليه، ما هي أهم المكتسبات التي تحققت في مجال الإصلاحات المؤسساتية والدستورية خلال العقدين الأخيرين؟ صحيح أن الإصلاحات المؤسساتية شملت قانون الأحزاب والقوانين الانتخابية بهدف تثبيت مكانة الأحزاب السياسية، علاوة على أن هذه الإصلاحات شكلت خطوات أساسية إلى الأمام، إذ منذ ذلك الحين عرفنا طفرة حقيقية على مستوى البناء السياسي والبناء المؤسساتي، وصولا إلى دستور 2011 الذي شكل تتويجا لهذا المسار، وتعامل المؤسسة الملكية مع الاحتجاجات التي عرفناها إبان الربيع العربي أثناء حركة 20 فبراير، والذي يسعنا وصفه بالتعامل الرائد والمقدام، الذي اختلف مع كل ما تم القيام به في الدول العربية وأعتقد أن ذلك يسجل، كذلك، لهذا العهد والجوانب الإيجابية التي تم تحقيقها. لكن بالموازاة مع هذه المكتسبات يعرف المشهد السياسي ببلدنا نوعا من الضبابية إن لم أقل افتقاد البوصلة. ما السبب في نظرك؟ هذا صحيح، ونحن نؤكد على كل هذه الإيجابيات، لكن في المقابل ضرورة استحضار بعض الإخفاقات المؤسفة التي ظهرت أو التي استمرت. ما ظهر هو بالضبط في المشهد السياسي عندما تم الاعتبار أنه يمكن الاستغناء عن الأحزاب التاريخية المكونة للحركة الوطنية والديمقراطية والاستعانة بمكون سياسي جديد، لتعويض دور هذه الأحزاب لمواجهة الصعود “الإسلاموي”، كما قيل من قبل مؤسسي هذا الحزب ولتقديم سند لمسلسل الإصلاح في المغرب، فيما النتيجة التي وصلنا إليها اليوم، هي أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، بل أكثر من ذلك فشل الحزب الذي تأسس بهذه المناسبة وتقوى التيار “الإسلاموي”، فيما ضعفت الأحزاب المنتمية إلى الحركة الوطنية الديمقراطية وإلى المشهد السياسي عموما. ما الحل إذن؟ وما هي الخيارات أو التحديات المطروحة أمام المغرب من أجل تجاوز حالة الجمود السياسي؟ في الحقيقة هذا جانب يستدعي اليوم، نفسا ديمقراطيا جديدا شبيها بما عشناه في بداية عهد الملك محمد السادس، ويتعين أن يتبلور هذا النفس الديمقراطي، أساسا، من خلال بلورة فعلية لمضامين دستور 2011 على كافة المستويات، ثم هناك محدودية النموذج التنموي التي أكد عليها صاحب الجلالة في خطب كثيرة، ولهذا يتعين أن نفرز نموذجا تنمويا جديدا كفيلا أن يضع المغرب في كفة البلدان الصاعدة، ولن يكون ذلك إلا بتوفير الشرط الأول الذي تحدثت عنه، وهو مشهد سياسي قوي وأحزاب قادرة على قيادة هذا النموذج التنموي الجديد، ثم الاحتجاجات التي لاحظناها خلال السنوات الأخيرة سواء في الريف أو جرادة أو زاكورة أو تنغير وغيرها، أو الاحتجاجات القطاعية أيضا المختلفة التي شاهدناها تدل على أن هناك رغبة جامحة في مزيد من العدالة الاجتماعية والمجالية، ولذلك يتعين أن يكون هذا النموذج التنموي مطبوعا بهذا الهاجس “التوزيع العادل للخيرات التي تنتجها البلاد”، وإذا وفرنا ذلك سيكتب للمغرب أن يكون فعلا ضمن الدول المتقدمة..