عرف المغرب خلال السنة الجارية مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية التي واكبت الربيع العربي الذي مر على المغرب بردا وسلاما، وساهم في تعزيز المشهد السياسي، من خلال إرساء آليات الديمقراطية المجتمعية، والتي انطلقت بالتصويت الشعبي على الدستور الجديد الذي اعتبر في رأي المراقبين خطوة كبيرة في سبيل تحقيق الديمقراطية التشاركية، خصوصا أنه اعتمد مجموعة من التوجهات الكبرى، التي ارتبطت أساسا بالتحولات السياسية العميقة التي عرفها المغرب منذ فاتح يوليوز من السنة الماضية، والتي زكت إرادة ملكية راسخة، في مواصلة ورش الإصلاح، وتبني منهجية جديدة في مقاربة المشهد السياسي، وتوفير شروط بناء دولة الحق والقانون، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان التي تعتبر آلية ضرورية من أجل مواكبة ورش الإصلاح السياسي والحقوقي الذي عرفه المغرب والذي يعتبر مثالا يحتذى به في المنطقة العربية ككل، فالتغيير السياسي والانتقال الديمقراطي الذي شهده المغرب مر في أجواء توافقية ودون أن يخلف أية خسائر مما اعتبر ثورة حقيقية على السائد. ربيع ديمقراطي بنكهة مغربية أجمع المتتبعون والمراقبون على أن المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي نجح في تدبير مرحلة الربيع العربي بشكل سلس ومن دون أن تنزل قطرة دم واحدة، وقال المراقبون إن ربيع الديمقراطية مكن المغرب من المرور إلى محطة سياسية جديدة قوامها التنزيل السليم للدستور الجديد، الذي اعتبر بحق ثورة حقيقية، مكنت من تدبير المرحلة الراهنة بكثير من الجرأة السياسية، وقال المراقبون إن المغرب عاش ثورته بطريقته التي اعتمدت على التوافق التشاركي وإشراك جميع فئات المجتمع في نقاش سياسي متحضر ومسؤول، مكن من تجاوز إكراهات المرحلة، وتفادي أي صدامات يمكن أن تؤثر في المستقبل. ومع أن المغرب كما هو حال أغلب الدول العربية، بل وحتى الأوروبية عرف حراكا اجتماعيا مهما، إلا أن ذلك لم يكن إلا محطة من محطات الحركية التي يعرفها المغرب منذ سنوات والتي بلغت مستوى من النضج، الذي ساهمت فيه كل القوى الحية مما جعل الأوضاع تبقى مستقرة إلى أبعد الحدود مستفيدة من حكمة ورزانة الشعب المغربي الذي تجاوب بشكل فوري مع خطاب الملك محمد السادس ليوم 9 مارس، والذي اعتبر أولا خارطة طريق أساسية في درب الإصلاح السياسي، وثانيا استمرارا لورش الإصلاح الذي أطلق الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش أسلافه قبل 13 سنة من الآن، وهو الورش الذي تم استكماله بالمصادقة على الدستور الجديد الذي نال ثقة شركاء المغرب، الذين وصفوه بكونه دستورا متقدما ومنفتحا على جميع القوى الحية. وقد شكل خطاب 9 مارس حلقة مهمة في سياق الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب منذ فبراير من سنة 2011، خصوصا أنه تفاعل مع مطالب الشارع المغربي، وقدم نموذجا حيا لتجاوب القيادة مع مطالب الشعب، كما أنه مكن المغرب من تفادي إكراهات المرحلة السابقة، التي هبت فيها نسائم الربيع الديمقراطي العربي الذي أعاد بناء الخارطة السياسية في كثير من الدول، ليتوج هذا المسار السياسي الحافل بالمراجعة الدستورية الشاملة، والتي شكلت الخطوة الأولى في سياق تجسيد الخطاب الملكي. استكمال ورش البناء يمكن القول إن الانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر الماضي أفرزت خارطة سياسية جديدة حملت حزب العدالة والتنمية إلى تدبير الشأن العام وفقا لمقتضيات الدستور الجديد، كما أنها اعتبرت بمثابة مرحلة ثانية في إطار التناوب الديمقراطي الذي انطلق سنة 1997 مع حزب الاتحاد الاشتراكي، وقد عكست نتائج هذه الانتخابات المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب، الذي حقق طفرة نوعية جعلت منه مدرسة في الديمقراطية على الصعيدين الإقليمي والعربي، مدفوعا بالتحولات السياسية التي عرفها المغرب والتي عكست إرادة الإصلاح في إطار الاستقرار التي اعتبرت مبدأ أساسيا توافق حوله الجميع، كما مكنت هذه المحطة الانتخابية من تعزيز مسار الإصلاحات الذي قامت على أساس محاربة الفساد ومواجهة تحديات البطالة وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ضمن إرادة سياسية مشتركة بين جميع المكونات السياسية من أحزاب وهيئات نقابية ومدنية، مدعومة برغبة ملكية حقيقية، وهو الأمر الذي تجسد مع تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات، وهي الإرادة التي عبر عنها الدستور المغربي وتم احترامها من قبل جميع الحساسيات والأطياف السياسية. وقد سار المغرب منذ التصويت على الدستور الجديد في اتجاه إرساء نظام ديمقراطي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ويحترم إرادة الشعب في تكامل تام مع مقتضيات الدستور الجديد، الذي أقرت مبدأ دسترة مجلس الحكومة بصلاحيات واسعة لرئيسها، وكذلك مبدأ الحكومة المنتخبة التي صعدت من صناديق الاقتراع٬ كل هذه المعطيات السياسية مكنت من تنزيل روح ومبادئ الدستور بشكل ديمقراطي وتشاركي وفي احترام تام للنصوص القانونية، التي أسفرت عن تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة. دستور مغربي متوافق حوله قال مراقبون إن صياغة مشروع الدستور الجديد اختلفت جذريا عما كان عليه الأمر بالنسبة للدساتير السابقة، من خلال إتاحة الفرصة لجميع الحساسيات السياسية بما فيها الأحزاب الراديكالية، والحركات الاجتماعية التي انبثقت عن حركة 20 فبراير، وجميع الهيئات والمنظمات المهنية والنقابية، وشرائح من المجتمع المغربي، وهو ما أفرز دستورا مغربيات يلبي جميع انتظارات الشعب المغربي، وأكد المراقبون أن المغرب توفق إلى أبعد الحدود في خلق مناخ سياسي جديد يقوم على أساس التوافق التشاركي بين الجميع في إطار احترام الخصوصية المغربية، وكذا تماشيا مع مطالب الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية، التي ظلت تنادي بإعادة تدبير المشهد السياسي وفق المتغيرات التي تعرفها الساحة السياسية ليس في المغرب فقط ولكن في جميع الدول. هذا المناخ السياسي الجديد مكن من وضع قطيعة ابستيمولوجية مع مختلف التجارب السابقة التي تميزت بوضع دساتير ممنوحة، لا تشارك في صياغتها الفعاليات السياسية والحقوقية، حيث ظل مبدأ تهميش مكونات المجتمع المغربي هو السائد، وشدد المراقبون على أن الدستور الجديد أسس لتجربة مغايرة تعتمد على مبدإ المقاربة التشاركية التي تقوم على أساس إشراك الجميع في النقاش السياسي ومن تم الخروج بخلاصات متوافق عليها، وتأخذ بعين الاعتبار جميع الملاحظات التي تم الإدلاء بها من قبل المشاركين في صياغة الدستور، وهو الأمر الذي كان مثار تنويه الملك بعد الاستفتاء على الدستور، الذي حضي بإجماع وطني كونه وضع حدا مع العقود السابقة، التي كان الدستور خلالها مجرد وثيقة لا علاقة لها بالواقع المعيش، حيث شهدت المرحلة التي سبقت عملية الاستفتاء نقاشا سياسيا حقيقيا، مكن المغرب من الارتقاء في سلم الديمقراطية، وبالتالي وضع دستور جديد بخصائص جديدة، أهمها أنه دستور من صنع المغاربة أنفسهم، وساهمت في وضعه جل القوى السياسية والمنظمات الاجتماعية والمدنية والحركات الاجتماعية التي تأسست على خلفية الربيع العربي، مما أعطى الانطباع أن المغرب دخل مرحلة جديدة في سبيل بناء دولة الحق والقانون، وهو ما عكس جو الثقة بين جميع المكونات بما فيها مؤسسة القصر. مؤسسات دستورية قوية وفعالة أجمع المراقبون والمهتمون على أن استكمال بناء الصرح المؤسساتي والتنموي الذي جاء به الدستور الجديد، يظل رهينا بالتنزيل الديمقراطي لهذا الدستور وهي المهمة التي أنيطت بحكومة عبد الإله بنكيران، كما أن التأهيل العميق للمشهد السياسي وللمؤسسات الدستورية يبدأ أساسا من خلال تطبيق مبدأ فصل السلطات، وتمكين كل مؤسسة من لعب دورها الحقيقي سواء تعلق الأمر بمؤسسة الحكومة التي منحها الدستور الجديد مزيدا من الصلاحيات، أو مؤسسة البرلمان، أو المؤسسة القضائية التي يمكن اعتبارها قطب الرحى في إي إصلاح سياسي ومجتمعي، وهو الأمر الذي سيمكن من استثمار مناخ الثقة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي. إن رهان تأهيل المؤسسات وتقويتها لتساير المتغيرات التي يعرفها المغرب ظل على الدوام التحديات التي أطلقها المغرب على اعتبار أن المؤسسات تمثل مرتكزا أساسيا في بناء مقومات الدولة، وتمثل الأحزاب السياسية فاعلا محوريا في العملية الديمقراطية، من خلال انخراطها في تأهيل المؤسسات الحكومية وممارسة السلطة التنفيذية وفق مقاربة تشاركية جديدة ترتقي بالنقاش السياسي بين الأغلبية والمعارضة، خصوصا داخل المؤسسة البرلمانية التي تتوفر على السلطات التشريعية والرقابية الواسعة. ومن هنا تبدو مسؤولية الفاعلين السياسيين كبيرة من أجل تدبير المنظومة الدستورية الجديدة، تتطلب في إطار من التنافس الجاد الرامي إلى بلورة مشاريع متميزة تتجسد في برامج خلاقة وواقعية وكذا في اختيار النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام. إصلاح العدالة ورش آخر من أوراش البناء الديمقراطي بتنصيب الهيئة العليا لإصلاح العدالة يكون المغرب قد قطع شوطا كبيرا في سبيل إصلاح منظومة العدالة التي تعتبر أحد المرتكزات الأساسية للارتقاء بالمشهد السياسي والحقوقي، كما أن هذا الورش الحقوقي يشكل لبنة أساسية من لبنات إصلاح ورش العدالة الذي تم فتحه قبل الربيع العربي بسنوات، إيمانا من جلالة الملك بأن إصلاح العدالة هو الطريق الأمثل لتطور المغرب، ويمكن القول إن هذا الورش يعتبر من الملفات التي حظيت بالأولوية، لدى جلالة الملك محمد السادس الذي جعل منه واحدا من الملفات التي يراهن عليها المغرب في إطار بناء دولة الحق والقانون، وينطلق مشروع إصلاح منظومة العدالة عبر معالجة ناجعة ووفق مقاربة شاملة ومتكاملة يشارك في صياغتها جميع المهتمين والمعنيين بمنظومة العدالة وهو الأمر الذي تمت ملامسته من خلال تركيبة الهيئة العليا لإصلاح العدالة التي تم تنصيبها من قبل الملك محمد السادس، وهي الهيئة التي روعي في تركيبتها مجموعة من الشروط، وفق منهجية تشاركية وإدماجية، كما أن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي انطلق منذ أسابيع يكتسي أهمية بالغة في سياق التحولات الكبرى التي يعرفها الميدان القضائي عقب صدور الدستور الجديد الذي كرس مبدأ استقلالية القضاء، وبات من المؤكد أن إصلاح منظومة القضاء يحتل صدارة أوراش الإصلاح الكبرى التي يعرفها المغرب بالنظر إلى حجم المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع والتي يتعين معالجتها عبر مستويات متعددة تتمثل في التنظيم القضائي والخريطة القضائية والنجاعة القضائية وفعالية العدالة الجنائية وتدبير الموارد البشرية والميزانية المخصصة للقطاع والبنية التحتية للعديد من المحاكم والولوج إلى القانون والعدالة' علاوة على المشاكل المتعلقة بالمهن القضائية ومساعدي القضاء. وكان الملك محمد السادس نصب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي تتكون من 40 شخصية حقوقية وقضاة ومحامين وإعلاميين والتي ستكون القاطرة لهيئة الحوار الوطني وهي هيئة موسعة يناهز عدد أعضائها 200 عضوا، وستشارك في مختلف أطوار وأشغال الحوار الوطني الميداني وتتكون من ممثلي القطاعات الوزارية وممثلي مختلف الجمعيات المهنية ومكونات المجتمع المدني والفعاليات المهتمة. علاقات خارجية متميزة وفعالة منذ انتخاب المغرب عضوا في مجلس الأمن في فاتح يناير الماضي عمل على القيام بدوره كعضو كامل العضوية، وتشكل هذه المهمة الجديدة فرصة أمام المغرب لترسيخ حضور المغرب الوازن على الصعيد الدولي، وكذلك في تدبير علاقاته مع شركائه سواء في القارة الإفريقية أو المنطقة العربية وكذلك على صعيد القارات الأخرى، وذلك وفق مبدإ سيادة المغرب على أراضيه، ويمثل اختيار المغرب عضوا في مجلس الأمن أهمية كبيرة، خاصة في الظروف الحالية التي تتميز بمجموعة من التجاذبات، حيث يشهد العالم مجموعة من التحولات السياسية التي هبت مع أول نسائم الربيع العربي، الذي سمح بإعادة النظر في العلاقات بين الدول، وفق منظور استراتيجي يراعي مصالح المغرب أولا وأخيرا، وانطلاقا من الدور الحيوي الذي يلعبه المغرب قام بمجموعة من التدخلات في عدد من الدول التي تشهد مجموعة من التوترات، حيث شارك في بعثة الأممالمتحدة إلى سوريا وكذلك ساهم في هيئة المراقبين التي أحدثتها جامعة الدول العربية، كما تابع التطورات التي عاشها الشعب الليبي خلال الأزمة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق معمر القذافي، كما لعب المغرب دورا هاما في الدفاع عن قضايا العالمين العربي والإسلامي ومتابعة ما يحدث في القارة الإفريقية خاصة أزمة مالي التي كان للمغرب حضور كبير فيها. كما ظل المغرب ملتزما بدوره في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعن عاصمتها القدس، خصوصا أنه رئيس لجنة القدس، كما دافع عن قضايا بيئية ودعم مجهودات ضمان الأمن الغذائي عبر العالم/ وساهم بفعالية في مناقشات الحوار بين الشمال والجنوب والحوار جنوب جنوب، وهو ما مكن من عودة قوية للمغرب على مستوى السياسة الدولية وكذلك عبر الاضطلاع بدور دبلوماسي نشيط على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى وقوفه إلى جانب مجموعة من الدول التي تعرضت لكوارث طبيعية فأرسل مساعدات غذائية وطبية إلى النيجر ومالي، ودول أخرى صديقة وشقيقة. المغرب ينخرط في مشروع الطاقات البديلة واصل المغرب تبني سياسة البرامج المندمجة في مجال الطاقات المتجددة والتي توجها باستقبال طائة "سولار إمبولس" التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي حطت الرحال بمدينة وارزازات والتي ستشهد بناء أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم، وعمل المغرب خلال السنوات الأخيرة على إنجاح مخططات الطاقة الشمسية والريحية ومجموعة من مشاريع تصفية المياه العادة، وفي المجال الصناعي اللوجيستيكي اهتم المغرب بدعم المشاريع البناءة ووتقوية الاستثمار العمومي من أجل مواجهة تداعيات الأزمة العالمية، ومن بين المشاريع الرائدة التي أطلقها المغرب، مركب الحديد والصلب بالمحمدية ومنطقة العبور بميناء الدارالبيضاء التي دشنها الملك محمد السادس، إلى جانب بناء أكبر مغسلة للفوسفاط في العالم وهو المشروع الذي سيمكن من تحقيق تنمية مستدامة كما أنه سيعزز مشاريع البنية التحتية على اعتبار الأهمية الاقتصادية التي يحتلها الفوسفاط في النسيج الاقتصادي المغربي، وقد تم رصد أغلفة مالية جد مهمة، تعكس الإرادة القوية للمغرب في الانخراط في مشاريع ذات مردودية عالية، ومن المشاريع الرائدة التي أطلقها المغرب مشروع الخط فائق السرعة الذي أعطى انطلاقة أشغاله من طنجة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وهو يعتبر بحق واحدا من المشاريع العملاقة التي أطلقها المغرب في العهد الجديد والتي تعتبر ثورة حقيقية ليس فقط في مجال النقل السككي، ولكن في المجال الاقتصادي، كما واصل المغرب إنجاز مشاريع الطرق السيارة حيث واصل ربط جهات المملكة لتعزيز التنافسية الاقتصادية، وفي سياق دعم الصناعة قام المغرب بتهيئة المناطق الصناعية والخدماتية، ودعم مشاريع تنقيل الخدمات أو ما يعرف بالأوفشورينغ، مع العمل على ترسيخ مناخ الأعمال والاستقرار وهما عامل أساسي جعل من المغرب أرضية ملاءمة لاستقطاب الإستثمارات الخارجية، ودعم سوق الشغل، إلى جانب تقديم مجموعة من التحفيزات القانونية والمالية، وإصلاح منظومة القضاء التي تعتبر آلية أساسية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وقد نجح المغرب بفضل هذه السياسة في إقناع شركة رونو نيسان في فتح مصنع لها قرب ميناء طنحة المتوسط وهو المشروع الذي خلق المئات من مناصب الشغل بل وساهم في التنمية الاقتصادية وتأهيل المنطقة ككل، كما تم إحداث مصنع بونغ فوسفور المغرب بالجرف الأصفر، وسلسلة فنادق بومبارديي بالبيضاء. راميد ثورة جديدة في مجال التغطية الصحية مكن انطلاق العمل بنظام المساعدة الطبية "الراميد" في مارس الماضي من فتح آفاق جديدة في مجال الخدمات الصحية، ويعتبر مشروع المساعدة الطبية، مشروعا ملكيا بامتياز خصوصا أن حلالته سهر على متابعة أدق تفاصيله وكذا متابعة محطات إنجازه، وقال مراقبون إن مشروع "الراميد" يمثل بحق نقطة أمل جديدة بالنسبة للفئات ذات الدخل المحدود، من خلال تمكنه من تحسين الخدمات الصحية في المغرب وخاصة تلك الموجهة للفئات المعوزة، وكذلك الرفع من حجم الولوج إلى خدمات التطبيب والاستشفاء بالنسبة إلى الفقراء. وكان الملك محمد السادس ترأس مراسم انطلاق عملية تعميم نظام المساعدة الطبية، الذي سيستفيد منه إلى غاية متم السنة الجارية ما يقارب 8.5 ملايين نسمة من الفئات الاجتماعية المعوزة، وهي الفئات التي تجد صعوبات بالغة في الولوج إلى المستشفيات والتمكن من ضمان علاجها، حيث ينتظر أن يستفيذ ثلث سكان المغر ب من هذا المشروع الذي يعتبر بحق ثورة في مجال الولوج إلى الخدمات الصحية، حيث يعتبر من النمادج الفريدة على مستوى العالم. ويستفيد المسجلون في إطار هذا النظام من تجهيزات خاصة بمستعجلات القرب، التي ستتعزز بإحداث 80 وحدة طبية مجهزة ومسلك العلاجات (2030 مركزا صحيا)، وقوافل طبية متخصصة بالأقاليم، وتنظيم استشارة طبية أسبوعية قارة لمرضى السكري وارتفاع الضغط الدموي، إلى جانب الرفع من عدد الوحدات الطبية المتنقلة ليصل إلى 602 وحدة متنقلة و19 وحدة متنقلة لطب الأسنان. كما تشمل الخدمات الموفرة، دعم وحدات المساعدة الطبية للإنقاذ لفائدة النساء الواضعات والمواليد الجدد بالوسط القروي، وتوسيع القائمة الوطنية للأدوية، والرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لاقتناء الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية، كما تشمل الإجراءات والتدابير، التي جرى اتخاذها في إطار هذا النظام، أنسنة المرافق الصحية، من خلال إحداث شباك خاص لنظام المساعدة الطبية داخل المستشفيات، ونشر ميثاق المريض بالمستشفى، وتنظيم المواعيد الخاصة بالاستشارات الطبية المتخصصة، ودعم وحدات المساعدة الاجتماعية لتسهيل ولوج المستفيدين من نظام الخدمات الطبية. كما أطلق المغرب المرحلة الثانية من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2011- 2015)، التي رصد لها غلافا ماليا بقيمة 17 مليار درهم، والتي ترتكز على ثلاثة مبادئ رئيسية، تهم تعزيز تجذر فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتلاؤم مع أسسها، والاحتفاظ بالبرامج الأربعة لمرحلة 2006- 2010، واعتماد برنامج طموح جديد مخصص ل"التأهيل الترابي" لفائدة سكان المناطق التي تعاني العزلة، وستمكن هذه المرحلة من توسيع مجال عمل المبادرة ليشمل 701 جماعة قروية، تطبيقا لعتبة 14 في المائة كمعدل للفقر بدل 30 في المائة، التي همت الجماعات ال 403، وتوسيع الاستهداف ليشمل 530 حيا حضريا مهمشا، تابعا للمدن والمراكز الحضرية، التي يتجاوز عدد سكانها 20 ألف نسمة، بدل 264 حيا تابعا لمدن يتجاوز سكانها 100 ألف نسمة، وإطلاق برنامج للتأهيل الترابي لفائدة 22 إقليما يعاني العزلة، وسيتم تخصيص 5 ملايير درهم من المبلغ الإجمالي لتمويل البرنامج الجديد الخاص ب"التأهيل الترابي"، الذي ينضاف إلى البرامج الأربعة الأخرى المعتمدة في المرحلة الأولى من المبادرة، كما تم تخصيص غلاف مالي بقيمة 3,1 ملايير درهم، لتمويل مشاريع برنامج مكافحة الفقر بالوسط القروي، والذي تستفيد منه 701 جماعة قروية مستهدفة، يروم الحفاظ على دينامية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحسين ظروف عيش سكان الوسط القروي، وتعزيز الولوج إلى التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية الأساسية. انخراط كلي في محاربة السكن غير اللائق أنجز المغرب مشاريع مهمة في سياق مبادرة إعادة إيواء قاطني دور الصفيح والسكن غير اللائق، في أفق القضاء على هذه الظاهرة التي باتت تؤرق بال المسؤولين والمهتمين على حد سواء، حيث تم إحداث مجموعة من المدن المندمجة وفق مواصفات خاصة، وهو ما مكن من إعادة إيواء الآلاف من الأسر التي كانت تعيش في أوضاع مزرية، ويمكن القول إن مشاريع محاربة السكن غير اللائق شكلت بالنسبة للمغرب منذ سنوات، تحديا كبيرا، رغم الإكراهات التي واجهها المشروع بسبب غياب الوعاء العقاري واستمرار المضاربات، وقد انخرط المغرب في عملية محاربة البناء العشوائي وأحياء الصفيح التي انتشرت في ضواحي المدن، كما عمل المغرب على تبني المقاربة المجالية في عمليات محاربة السكن غير اللائق، مع مراعاة احتياجات الفاعلين والمهنيين، فتم إحداث مجموعة من التجزئات وإنشاء مخططات التهيئة الحضرية وفق نظام تعمير صارم يأخذ بعين الاعتبار وحدة المدينة، والمكونات السوسيو مجالية والاقتصادية والمؤسساتية. وقد لعبت مشاريع محاربة السكن غير اللائق دورا تحفيزيا في خلق دينامية جديدة في مجال التنمية الاجتماعية، والتي تهدف إلى إدماج قاطني السكن غير اللائق في النسيج الاجتماعي إلى جانب الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية في المشاريع الخاصة بهذا النوع من السكن. وقد عملت الدولة على تأهيل المدن العتيقة التي تعتبر أحد النقط السوداء على مستوى السكن غير اللائق، مع اعتماد مشاريع تهيئة المراكز الحضرية مثل خريبكة والحسيمة مع مواصلة برنامج محاربة السكن غير اللائق والسكن العشوائي من خلال مقاربة مندمجة تراعي وضعية الأسر ذات الدخل المحدود، والضرب بقوة في حق المضاربين والمسؤولين على حد سواء. حضور كبير للجانب الديني احتلت مشاريع الإصلاح المرتبطة بالشأن الديني أولوية بالنسبة للدولة، على اعتبار المكانة التي تحتلها هذه المشاريع، كما عملت الجهات المسؤولة على تحسين الأوضاع الاجتماعية للقيمين الدينيين وتنميتها وتطويرها بكيفية دائمة ومتجددة، باعتبارهم النواة الأساس لأي إصلاح يراد تحقيقه في هذا المجال، وقد بدا ذلك واضحا في الحرص الملكي على تقوية أوجه العناية بهذه الشريحة الهامة من المجتمع، باعتباره الراعي الأول لشؤونهم، والكافل لجميع قضاياهم، والضامن لحقوقهم، وملاذهم في كل ما يهمهم ماديا ومعنويا، ويتوفر المغرب على قَيمِين دينيين يغطون حوالي 50 ألف مسجد، 75% منهم يقومون بمهمة الآذان، وحوالي 7000 مؤذن يزاولون مهمة تنظيف المساجد، توفر لهم الوزارة منحة شهرية تصل إلى 800 درهم، حيث تبدل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مجهودات جبارة من أجل تسوية وضعيتهم الاجتماعية والرفع من "معاناة" القيمين الدينيين ومنظفي المساجد، حيث تعمل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية سنويا بتوفير منح لصالح هاته الفئة من قبيل منحة عيد الأضحى والتأهيل للزواج، بالإضافة إلى منحة تفوق التلاميذ أبناء القيمين الدينيين، وتهدف المؤسسة إلى العناية بالقيمين الدينيين باعتبارهم حاجة آنية وضرورية للحفاظ على تماسك المجتمع وضمان سلامته وحصانته، ولم يقتصر الجانب الديني على الإهتمام بالقيمين، بل تعداه الأمر إلى تشجيع بناء المساجد وأماكن العبادة بأوروبا من طرف المحسنين خصوصا في البلدان حيث كثافة سكانية كبيرة للمهاجرين المغاربة، كان آخرها بناء مسجد في مدينة نيس الفرنسية والذي يعتبر بحق مفخرة دينية، إضافة إلى إطلاق برامج تأهيل المساجد والتي شملت مجموعة من الأماكن الدينية، وهو ما يؤكد العناية التي يوليها الملك محمد السادس للمؤسسة الدينية، والتي تجسدت في إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم، وكذلك إذاعة محمد السادس التي تفوقت على مستوى حصة الإستماع. جهود المغرب في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بدل المغرب في السنوات الأخيرة جهودا مضنية في مجال محاربة الجريمة بكل أشكالها، سواء تعلق الأمر بالاتجار في الأشخاص وشبكات الهجرة السرية أو بالجريمة السيبرانية، وكذلك الجرائم المرتبطة بالإرهاب، عبر تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية في إطار خطط استباقية أثبتت نجاعتها. وأكد أن المغرب من خلال حربه المتواصلة على الإرهاب والجريمة، تحقيق مكاسب قانونية ومؤسساتية تندرج في مجموع الإصلاحات العميقة التي أطلقتها المملكة منذ سنوات عديدة تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي يعمل بشكل دؤوب ونشيط لمحاربة الجريمة بكل أشكالها. وبالنظر إلى موقع المغرب الاستراتيجي الذي يشكل ملتقى بين إفريقيا وأوروبا، ومن منطلق وعيه التام بمسؤولياته إزاء شركائه، فقد اعتمد سلسلة من التدابير لمكافحة شبكات الجريمة والإرهاب، ومن ذلك سن القوانين المتعلقة بدخول وإقامة الأجانب، وتعزيز الإمكانيات البشرية والوسائل المادية للحيلولة دون استعمال المغرب كبلد للعبور أو كقاعدة لتهريب المهاجرين، والإرهابيين. وقد اعتمد المغرب منذ سنة 2007 استراتيجية وطنية لمحاربة الاتجار في الأشخاص، تهدف إلى ملاءمة مجموع الترسانة القانونية في اتجاه مزيد من النجاعة، من خلال تفعيل مسلسل المصادقة، خاصة على البرتوكول الملحق المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، وكذا من خلال توسيع الحقل التشريعي والقانوني. وأكد أن المغرب، في إطار محاربته للاتجار في الأشخاص، يأخذ في الاعتبار البعد الإنساني للمشكل بتقديم الإسعافات الأولية للضحايا ومساعدتهم على القيام بإجراءات العودة الطوعية لبلدانهم الأصلية في احترام تام للقانون الدولي الإنساني.