تعاون أمني مغربي-إسباني يفضي إلى تفكيك خلية إرهابية تنشط شمال المغرب وإسبانيا    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة تاريخية للمغرب    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني            تراجع معدل التصخم في المغرب إلى 0.7%    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    انهيار سقف مبنى يرسل 5 أشخاص لمستعجلات فاس    مكناس.. رصاص تحذيري يوقف شخص متلبس ب"السرقة" رفض الامتثال    أمن سيدي البرنوصي… توقيف شاب للاشتباه في تورطه بإلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة    صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الريف والسلطة.. محاولات المصالحة فشلت مرارا فهل تُطوى الصفحة هذه المرة؟
نشر في اليوم 24 يوم 21 - 07 - 2019


يونس مسكين -سليمان الريسوني
أسبوعا واحدا قبل حلول الذكرى 20 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، قفز واحد من أكثر الملفات تعقيدا التي ورثها الملك الحالي عن والده الراحل الحسن الثاني إلى الواجهة، وهو ملف المصالحة العالقة مع منطقة الريف شمال المملكة. في الكواليس تحركات واتصالات ومبادرات مكثفة لطي ملف معتقلي حراك الحسيمة، عامان بعد اتخاذ قرار الحسم الأمني للاحتجاجات التي انطلقت في الحسيمة متم أكتوبر 2016، إثر الوفاة المأساوية للشاب محسن فكري، والذي لقي مصرعه تحت ضغط آلة الضغط الخاصة بشاحنة النفايات التي كانت تتلف كمية الأسماك التي حجزتها السلطات منه بدعوى عدم ترخيصها.
وقبل أسبوع واحد من الآن، كان اجتماع كبير ونوعي ينعقد في إحدى قاعات فندق رباطي، بدعوة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومشاركة عدد من المؤسسات الدستورية المكلفة بالوساطة والتقنين، إلى جانب عشرات الحقوقيين والفاعلين المدنيين، خاصة منهم المنحدرين من منطقة الريف. فهل يُكتب لهذا الملف الحقوقي-السياسي أن يُطوى بشكل نهائي بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش، أو عيد الأضحى المقبل على أبعد تقدير؟ أم إن رفاق ناصر الزفزافي سيقضون مزيدا من الشهور والسنوات داخل الزنازين الباردة، وهم الذين قادوا احتجاجات شعبية يجمع الكل على سلميتها وشرعيتها؟
منظمو اليوم الحواري، الذي دعا إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اختاروا الاقتراب من العبوة بكثير من الحذر، حين سمّوا الموضوع ب”التعابير العمومية الجديدة”. هذه التعابير العمومية الجديدة تعددت من حيث أسبابها، لكنها استعملت، حسب رئيسة المجلس أمينة بوعياش، الأدوات ووسائل التعبئة نفسها، حيث “تنطلق بسبب حدث محدد، كما هو الحال بعد وفاة المرحوم محسن فكري بالحسيمة، أو موضوع مرتبط بالتنمية، كما هو الحال بجرادة، أو قضية لها علاقة بالبيئة، كما هي تعابير زاكورة أو مناهضة منتجات وطنية بحجة غلاء الأثمنة، كما هو الحال بالنسبة إلى حملة المقاطعة”.
شبح انزلاقات الماضي
“الانزياحات (الحقوقية) مازالت تقع مع أننا قررنا القطع مع مرحلة معينة كنا ندبر فيها الاختلاف عن طريق العنف، وأصبحنا اليوم نتحدث عن التآمر والمس بالوطن ورموزه، وجرى إحياء هذه التهمة بعد مسار الإنصاف والمصالحة وهذا يُسائلنا جميعا، علينا أن نقطع مع صك الاتهام الذي تم إحياؤه في ملف الحسيمة، بينما كنا قد تجاوزناه حتى في مجال مثل الصحراء وما يعرفه من نزاع”. هكذا علّقت الخبيرة الحقوقية والمتحدثة باسم المبادرة المدنية من أجل الريف، خديجة مروازي، أمام قاعة نقاش بات نادرا منذ سيطر منطق القمع والرأي الواحد وإسكات المخالفين. الملاحظة تؤكد استمرار سوء فهم قابع في عمق العلاقة بين منطقة جبلية تقع في شمال المملكة والسلطات المركزية.
في خلفية هذا اللقاء الحقوقي، كان يحضر تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، والذي تضمّن انتصارا صريحا للرواية الرسمية، وإن كان تجنّب لغة التخوين ضد شباب الريف المعتقلين. لكن اللحظة التي انتظرها كثيرون ضمن برنامج هذا اليوم الحواري، لم تحمل ما كان مأمولا منها. فالحقوقي والعضو السابق في هيئة الإنصاف والمصالحة، جاء حاملا مداخلة مقتطفة من توصيات تقريره المثير للجدل حول أحداث الريف، ثم انسحب من اللقاء مباشرة بعد استماعه إلى تعقيبين.
بنيوب حرص على تأكيد أنه يتحدث من موقع السلطة، وقال متحدثا بلسانها: “إن السلطة اليوم تطلب حوارا مسؤولا مع الغائبين عن هذا اللقاء. أنا مستعد وها هي الرئيسة موجودة (بوعياش) ونحن مستعدون للتحاور مع الإخوان في الحسيمة بالطريقة التي يريدون، ولو لم يكن لهذا التقرير طعم أو لون لما خلق من ردود حادة وقاسية، وأخطر ما يهدد حقوق الإنسان هو الركود والانحباس”.
معركة هوية أم اقتصاد؟
الفاعل المدني محمد المرابطي، الذي كان أحد المعقبين على مداخلة بنيوب، رفض ما ذهب إليه هذا الأخير، من كون احتجاجات الريف كانت بخلفية هوياتية وليس لأسباب اقتصادية واجتماعية. “لا يمكن حصر هذه الاحتجاجات في البعد الهوياتي لأنه متجاوز دوليا ووطنيا، فهي ليست لا احتجاجات عرقية ولا دينية، بل احتجاجات اجتماعية بالأساس”. من جانبه، الأستاذ الجامعي محمد سعدي، قدّم ملاحظات دقيقة حول تقرير بنيوب، وقال إن الوثيقة قفزت على السياق الذي جاءت فيه أحداث الريف، كما اعتبر استعمال كلمة “أحداث” تبخيسا لما وقع، مستدلا على ذلك بكون المنطقة عرفت رقما قياسيا من المظاهرات والمعتقلين، “كما تعرّضت لأكبر عملية تحريض سياسي، فقالوا عنهم شيعة، ثم سلفية، ثم داعش، ثم بوليساريو، ثم إن هناك مخططا صهيونيا إسرائيليا، ألا يكفي كل هذا حتى نتحدث عن حراك؟”.
وشدّد محمد سعدي على أن الشعور بالظلم لا علاقة له بالاقتصاد. “قد تُحوِّل الحسيمة إلى “مونتي كارلو”، لكنك لن تحل مشكلة الظلم التي تتطلب أمورا رمزية، لماذا لا يصبح علم الخطابي مثلا خاصا بالجهة عوض وصفه بعلم الجمهورية؟ ثم نحن في منطقة فيها حزن لأننا نفتقد لأماكن الذاكرة، لماذا لا نحول ذكرى أنوال إلى مناسبة للاحتفال؟”.
فما أصل هذا الشعور بالظلم؟ ولماذا استمر الحراك الشعبي في منطقة الريف مشتعلا رغم مسارعة الدولة إلى معالجة ملف محسن فكري بسرعة وفعالية؟ ألا يعني ذلك أن داء العطب قديم؟ ألا يعود أصل المشكل إلى عقود طويلة من الإقصاء والتهميش و”الحكرة” الجماعية لساكنة هذه المنطقة؟ ثم ماذا عن مشروع المصالحة التي جعلت من الريف إحدى أولى الأولويات الوطنية؟
روح محسن فكري
عودة ملف الريف الثقيل إلى الواجهة بدأت يوم 30 أكتوبر 2016، على إثر سحق محسن فكري في شاحنة أزبال. فالواقعة هزت الشعور الوطني، ودفعت الآلاف إلى الاحتجاج العفوي في الشارع على امتداد التراب الوطني، من الحسيمة إلى بني ملال ومن أكادير إلى وجدة. لكن هذا الحراك الشعبي سرعان ما أخمدته مبادرات السلطة، وانتقال وزير الداخلية شخصيا إلى بيت أسرة محسن فكري حاملا رسالة تعزية ملكية والتزاما رسميا للدولة بالذهاب في التحقيقات إلى أبعد مدى، لكن الغضب الشعبي لم يهدأ في الحسيمة ومحيطها.
لم تكد شعارات الحراك تخلو من عبارات “القمع” و”المخزن” و”الحكرة”، في مجال ترابي تردّد جباله أصداء مثل هذه الكلمات عشرات المرات قبل أن يخفت صوتها. في الذاكرة الجماعية لأبناء المنطقة كانت سلسلة من الثورات والانتفاضات تطل برأسها، منها الثورة ضد الاحتلال الإسباني، والثانية التي اندلعت بعد الاستقلال في مواجهة جيش الحسن الثاني. الأولى يخلّدها ولو جزئيا التاريخ الرسمي للمملكة، ويؤرّخ لأمجاد بطلها، مولاي محند بن عبدالكريم الخطابي، لكن الثورة الثانية بالكاد شرعت في شقّ طريقها نحو التاريخ الرسمي للمملكة.
في الوثائق الرسمية، نجد كتاب: “تاريخ المغرب تحيين وتركيب”، الذي أصدره المعهد الملكي للتاريخ، وقد وضع اندلاع ما يعرف ب”ثورة الريف” التي شهدها شمال المغرب نهاية الخمسينيات، في سياق التحركات المضادة لحزب الاستقلال ومساعيه للهيمنة على المغرب. واكتفى الكتاب بفقرة تقول إن: “المغرب عرف مجموعة من القلاقل التي انطلقت بإيعاز من القوى المناهضة لحزب الاستقلال عبر أرجاء البلاد، وخصوصا بالأطلس المتوسط ومنطقة الريف، حيث تم إخماد الحركة التمردية بقسوة بالغة في مطلع سنة 1959”.
جرح بدايات الاستقلال
ما إن شرعت أزمة الريف في الضمور نسبيا في نونبر 1958، حتى عاد التمرّد إلى الاشتعال بشدة أكبر في يناير 1959. فلقد خرج بني ورياغل (القبيلة التي ساندت بن عبدالكريم الخطابي)، ورئيسها أمزيان إلى السيبة. وعلى الرغم من أن ولي العهد مولاي الحسن، قائد القوات المسلحة الملكية، المتمركز في تطوان، والكولونيل محمد أوفقير، هما اللذان تولّيا قمع هذه الانتفاضة، فإن أهل الريف كانوا يرون هذا القمع يستهدفهم من حكومة الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
دخل مولاي الحسن وعبدالله إبراهيم معا مدينة الحسيمة “المحرّرة” في 16 يناير 1959، بعد ستة أيام من العمليات الضارية، التي قيل إنها أوقعت آلاف القتلى (ما بين 6000 و8000). فبقي الغموض سيد الكتابات المؤرخة لتلك الحرب الدامية، دون أن يُعرف من أشعل فتيلها، ولا من أخمدها، وما إن كانت ضد جيش ولي العهد أو ضد حزب علال الفاسي.
إرث تاريخي بادر حزب الاستقلال قبل عام إلى محاولة تجاوزه، من خلال طرحه فكرة المصالحة مع الريف. رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، نورالدين مضيان، قال في حوار سابق مع “أخبار اليوم”، إن الحزب سبق أن طلب في البرلمان من هيئة الإنصاف والمصالحة إدراج ملف أحداث 1958 ضمن ملف المصالحة، لكن لم يتم التجاوب مع هذا الطلب.
محاولة أخرى فاشلة
“تلك الأحداث كانت مذبحة رواها الآباء عن الأجداد، ومن حين لآخر كان يجري الحديث عن المسؤولين عن تلك الأحداث ويتم توجيه اتهامات لحزب الاستقلال، ولهذا حان الوقت لكشف هذا الملف ومعرفة من المسؤول عن تلك الأحداث، ولماذا وقعت؟ ومن ساهَمَ في تلك المذابح التي تم إلصاقها بالحزب؟”، يقول مضيان، مضيفا أن توجيه تلك الاتهامات لحزب الاستقلال تم لإضعافه تمهيدا للانشقاق داخله في تلك المرحلة. “في ذلك الوقت كان الحزب يضم توجهات مختلفة، على رأسها المهدي بنبركة وَعَبَدالرحيم بوعبيد من جهة، وعلال الفاسي من جهة أخرى. لذلك، فإن موضوع المصالحة مطروح مع الريف، ليس من أجل القصاص، بل من أجل معرفة الحقيقة والاعتذار إذا تبين أن للحزب مسؤولية وطي الملف والنظر إلى المستقبل، علما أن الحزب كان ضحية ويمكنني القول إن حزب الاستقلال بريء من التهم الموجهة له”.
من جانبه، المؤرخ علي الإدريسي، قال إنه وفي 1958 “انبرى حزب الاستقلال إلى اتهام الممتعضين من ظلم حكام ورثوا التسلط ولم يرثوا حكمة السلطة، بأنهم ضد الوحدة الوطنية، كما تم اتهام المطالبين الريفيين بأدنى حقوقهم في وطنهم بأنهم معادون للحركة الوطنية، وأنهم يتآمرون على النظام الملكي ويسعون إلى الانفصال عن المملكة. وذلك كله في نظرنا، لكي يحظى برضا السلطة”.
اتهامات تكاد تطابق تلك التي حاولت أحزاب الأغلبية الحكومية توجيهها إلى شباب الحراك في 2017. لهذا يصرّ الإدريسي على أن تأويل زمن اختيار توقيت إعلان حزب الاستقلال نية الاعتذار للريفيين كمناورة لاستغلال هذه الظرفية المتميزة بخصومة ساكنة الريف لأحزاب الأغلبية بسبب اتهامها الحراك بالتآمر على الدولة، وبنزعة الانفصال، وغضب هذه الساكنة على حزب الأصالة والمعاصرة. “والحال هذه، أمسى الريف، إذن، بدون وسيط يوصل مطالبهم بأمانة إلى ملك البلاد. وهذا أمر في بالغ الخطورة يترك الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات. خاصة بعد الأحكام القضائية الأخيرة”.
أستاذ العلاقات الدولية، سعيد الصديقي، قال بدوره في حديث سابق ل”أخبار اليوم”، إن حزب الاستقلال الذي كانت له مليشيات وكان يدير سجونا، “لم يكن يستهدف الريف باعتباره منطقة جغرافية أو مكونا سكانيا، بل انخرط في هذه الأحداث في إطار مواجهته لحزب الشورى والاستقلال الذي كان يحظى بتأييد شعبي كبير في المنطقة”.
لكن، وفي إطار الصراعات السياسية في المركز، يضيف الصديقي، تم إظهار حزب الاستقلال وكأنه يريد الانتقام من الريف، ومحاولة تحميله مسؤولية كل تلك المرحلة. “لكن الحقيقة أكبر من هذا، ولا ننسى هنا أن نذكر بما قاله الملك الحسن الثاني للريفيين في خطابه في 1984: “لقد عرفتموني في 1958 أميرا ومن الأفضل أن لا تعرفوني ملكا”، وهذا اعتراف صريح بمسؤولية الدولة عن القمع الذي طال المنطقة”. ويشدد الصديقي على أن عمليات الاغتصاب، وحرق الممتلكات، وقصف الناس بالقنابل، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب الذي صاحبها، قام بها الجيش، “ولم تكن هذه المؤسسة تحت إمرة حزب الاستقلال. وهناك روايات كثيرة تقول بأن القصر جعل من هذه الأحداث في البداية وسيلة لإضعاف حزب الاستقلال”.
هيئة بنزكري.. حبر على ورق
إلى جانب كتاب: “تاريخ المغرب تحيين وتركيب” الصادر عن جهة “رسمية”، هناك كتاب آخر فتح صفحات هذه المرحلة السوداء مؤخرا، هو الذي أصدره كل من أحمد شوقي بنيوب وامبارك بودرقة عن فترة اشتغالهما داخل هيئة الإنصاف والمصالحة، وقبل تعيين الأول مندوبا وزاريا.
“لقد أعطت الهيئة اهتماما خاصا لمنطقة الريف، منذ انطلاق عملها لأن حجم المعاناة والإهمال الذي لحق سكانها كان مهولا. وتعاطت الفرق الثلاثة (فريق التحريات، فريق جبر الضرر، وفريق الأبحاث والدراسات) كل في ميدان تخصصه مع منطقة الريف. وانكب فريق التحريات على استجلاء حقيقة ما وقع من انتهاكات خلال سنتي 1958 و1959″، يقول الحقوقيان في توضيحهما كيف انصرف فريق الأبحاث والدراسات لإعداد تقارير ودراسات تاريخية حول هذه المرحلة، “وأنجز فريق جبر الأضرار بتاريخ 14 مارس 2005 بمساهمة كل من النقيب مصطفى الريسوني والأستاذ مصطفى اليزناسني والدكتور محمد النشناش، دراسة تحليلية حول أحداث الريف جاء فيها: إن دراسة هذا الحدث، وفي مرحلة متقدمة من الصراع السياسي، عشية الحصول على الاستقلال، وقعد مفاوضات إيكس ليبان، وما نتج عن ذلك من انعكاسات سياسية سادت المرحلة الممتدة من 1956 إلى 1960، وتدخل ثورة الريف ضمن سلسلة الانتفاضات التي عرفتها البادية المغربية”. فيما كشف بنيوب في سياق النقاش الذي أثاره تقريره الأخير حول حراك الريف، عن قرب نشر دراسة أنجزت بطلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2005، وهو الإعلان الذي أثار تساؤلات جديدة حول سبب حجب هذه الدراسة كل هذه المدة.
زلزال التنمية
يحدد العارفون بأحوال منطقة الريف وما تعيشه حاليا من محاولات لتغيير شامل لواقعها الاقتصادي والاجتماعي وعلاقتها بالسلطة، لحظة انطلاق هذه الحركة في ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، 23-24 فبراير من سنة 2004. ففي تلك الليلة المشهودة، تحرّكت الأرض بعنف، واهتزت جبال الريف المحيطة بمدينة الحسيمة، بفعل زلزال عنيف بلغت شدّته أكثر من ست درجات على سلمّ ريشتر، مما أوقع أكثر من 600 قتيل، وألف جريح وأزيد من 15 ألف مشرّد بدون مأوى.
سرعة وفداحة التدخّل الإسباني خلال المرحلة اللاحقة لذلك الزلزال الكارثي، أرعبت سلطات الرباط حينها نظرا إلى خطورة وقوة مثل هذا التدخّل الأجنبي. وتفاقمت خطورة الموقف سياسيا، حين بدأت إسبانيا تسوّق نفسها في صورة المنقذ الحقيقي لمنكوبي المنطقة، مُطلقة موجة مساعدات هائلة، لدرجة توزيع مبالغ مالية بالعملة الصعبة، وعلب من المصبّرات والأجبان تحمل عبارات السلطات المحلية لسبتة ومليلية المحتلّتين.
تحرّك إسباني أدى حينها إلى ردّ فعل مغربي متشنّج، تجسد في منع وصول كمّيات هائلة من المساعدات القادمة، بما فيها مساعدات المغاربة القاطنين بالخارج، وبدأت آلة الدعاية المغربية في الترويج لقافلات التضامن القادمة من مختلف المدن المغربية. ورغم أن بعضا من المتضرّرين من ذلك الزلزال المدمّر مازالوا يعانون إلى اليوم من مخلّفاته، فإن الجميع متفق على كون زلزال 2004، فتح صفحة جديدة في علاقة المنطقة بسلطات الرباط، وجعلها تدخل عهدا جديدا من المشاريع والأوراش.
في انتظار الملك
بعد تلك الفترة الصعبة، أصبح استقرار الملك المتكرر، خاصة خلال فصل الصيف، بمدينة الحسيمة، يجعلها محجّا لجميع مسؤولي الدولة بمختلف مؤسساتها وأجهزتها المدنية والعسكرية. ظل أبناء الحسيمة يحصون زيارات الملك لمدينتهم ويترصّدون تفاصيلها ومشاريعها ومخلّفاتها. نزول الملك خلال زياراته للمدينة في إقامة عامل المدينة، والتي تطلّ على الميناء، جعلها تصبح محجا لأبناء المدينة وزوارها، لتأمل البحر المتوسّطي منها، وممارسة بعض الرياضات الجماعية في ملعبين تم إنشاؤهما فيها.
تلك الدينامية الجديدة التي بثّها محمد السادس في المنطقة، أفرزت في شقها السياسي بروز نخب جديدة من المنطقة، تحوّل أغلبهم إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة رفقة المستشار الملكي الحالي فؤاد عالي الهمة. الأمين العام السابق للحزب، إلياس العماري، إلى جانب الرئيس الحالي لمجلس المستشارين، حكيم بنشماش، وكوكبة من الحقوقيين واليساريين السابقين، تكتّلوا موازاة مع الحزب في جمعية تلقّب ب”لوبي الريف”. هذه النخبة التي صعدت مع موجة المصالحة السياسية والاقتصادية، هي أول من وضعها بعض من “قادة” الحراك الشعبي المتواصل في المنطقة في قفص الاتهام، باعتبارها نخبة “انتهازية” في رأي البعض.
فهل ينهي عيد العرش ال20 قرنا طويلا من سوء الفهم والثورات والانتفاضات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.