حوّل أعضاء بهيئة دفاع عائلة الطالب “آيت الجيد بنعيسى”، جلسة الثلاثاء لمحاكمة القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، إلى مسرح للفوضى وكيل الشتائم والإهانات. كلمات نابية، وشتائم قبيحة وجهها المحامي الحبيب حاجي، الذي كوّن سمعة في هذا المجال، إلى حامي الدين لم تتوقف في حدود أشياء من قبيل “الشيطان” و”الإرهابي”، ولكنها بلغت حدا لم تطقه حتى هيئة الحكم التي تنظر في هذه القضية التي جرى إحياؤها فجأة بعد حوالي 25 عاما. وأعلن حامي الدين، في تصريح خص به “أخبار اليوم”، قراره اللجوء إلى القضاء في مواجهة المحامي الحبيب حاجي، بتهمة “القذف والسب” في حقه، موضحا أنه وبعدما تأكد دفاعه من تضمين ما تعرض له من إهانة وسب وقذف بمحضر الجلسة، فإن محامييه سيتقدمون بطلب لرئيس المحكمة لأجل إحالة هذا المحضر على الوكيل العام للملك بفاس، لمتابعته طبقا للقانون، فيما سيحال نفس المحضر، بحسب حامي الدين، على نقيب هيئة المحامين بتطوان، والتي ينتمي إليها المحامي حاجي، لأجل متابعته تأديبيا في المنسوب إليه. واستنكر قياديون بحزب العدالة والتنمية، حضروا الجلسة، ما تعرض له حامي الدين بجلسة محاكمته، من بينهم إدريس الأزمي الإدريسي رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ورئيس فريق الحزب بمجلس النواب، وسليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعبد الحق العربي المدير العام للحزب، ونبيل الشيخي رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، وعبد الله بووانو، عمدة مكناس ونائب رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، وزميله عبد الصمد سكال، عضو الإدارة العامة للحزب ورئيس جهة الرباط، وعبد الإله الحلوطي، الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية. وعاشت قاعة المحكمة أجواء من التوتر والاحتقان، عندما هاجم المحامي حاجي خصمه حامي الدين، وهو يرد على المذكرة الكتابية التي سبق للمحامي الطيب الأزرق، أن أدلى بها للمحكمة بجلسة يونيو الماضي، وقدم خلالها موكله حامي الدين على أنه أستاذ جامعي، وقيادي بحزب يرأس الحكومة، وبرلماني يرأس لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، حيث اعتبر حاجي كلام المحامي الأزرق عن حامي الدين، بأن فيه تأثيرا على المحكمة، واستفزازا له كمحامي لعائلة آيت الجيد، قبل أن يقوده غضبه تجاه المتهم، إلى نعته “بالإرهابي”، فيما وجه حجي مدفعيته صوب محاميي حامي الدين واصفا إياهم “بالشياطين الذين يرتدون ثوب الملائكة”، وهو ما جر عليه غضبا شديدا من فريق الدفاع، قاده منسقهم النقيب محمد الشهبي، حيث عاد المحامي حجي ليزيد الوضع توترا، لما اعتذر للدفاع وصرح على مرأى ومسمع من هيئة المحكمة ونائبي الوكيل العام للملك وعدد من المحامين والجمهور، تابعوا الجلسة، أنه لا يعني المحامين وإنما يقصد بكلامه المتهم، عبد العلي حامي الدين، فاهتزت مرة أخرى قاعة المحكمة باحتجاجات قوية لمحاميي القيادي “بالبيجدي”، فيما بدا رئيس هيئة المحكمة، القاضي محمد اللحية، عاجزا على ضبط الجلسة، بعدما سمح لحاجي بإهانة المتهم ومسه في كرامته وهو يمثل في قفص الاتهام، مما اضطر معه القاضي وسط تزايد الاحتجاجات عليه، إلى رفع الجلسة لأزيد من ساعة من الزمن. قرينة البراءة لا تساوي شيئا! الغريب أن قاضي الحكم ولما عاد لاستئناف جلسة المحاكمة، بعدما فشل في إجراء الصلح بين الطرفين خارج القاعة، منح الكلمة للمحامي حاجي كي يوضح موقفه الذي تسبب في رفع الجلسة، حيث عاد ليؤكد كلامه الجارح والمهين لحامي الدين، وشدد حاجي والذي يُقدم نفسه على أنه ناشط حقوقي، في مرافعته أمام المحكمة، أنه لا يؤمن بقرينة البراءة، والتي دسترها دستور المملكة في 2011، وهو ما جر عليه انتقادات قوية من محامين ونشطاء حقوقيين حضروا الجلسة، حيث اعتبروا معاداة زميلهم لقرينة البراءة، بأنها مس خطير لحق من حقوق الإنسان الكونية، والتي ناضل من أجلها المحامون المغاربة قبل أن تتم دسترتها. حاجي لم يقف عند هذا الحد، بل قال في مرافعته أمام المحكمة، إن له قراءته الخاصة لما نصت عليه المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، حين اعتبرت البراءة هي الأصل إلى أن تثبت إدانة الشخص في محاكمة عادلة، بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، حيث أضاف المحامي المحسوب على الإتحاد الاشتراكي، في تفسير غريب لهذه المادة، أنه بمؤازرته لعائلة رفيقه آيت الجيد، كما نعته، لا يعترف إطلاقا بقرينة البراءة، ومن حقه كمحامي لآيت الجيد، أن يعتبر حامي الدين “قاتلا” و”مجرما” و”شيطانا”، بل إنه واصل تحديه للمحكمة ولنائبي الوكيل العام للملك، حضرا الجلسة، بتصريحه أمام الجميع، “أنه مستعد لدخول السجن بسبب فلتات لسانه، وأنه لن يعتذر كما قال لأي أحد عما صدر منه بجلسة المحاكمة”، فيما سانده في ذلك بالصراخ زميله المحامي محمد الهيني ومحامية من هيئة طنجة. ورد النقيب محمد الشهبي منسق دفاع حامي الدين، على تصرفات المحامي لحبيب حاجي، بطلبه من القاضي محمد اللحية، إثبات ما صدر عن هذا المحامي بمحضر الجلسة، كما التمس تلاوة ما دُون بالمحضر بهذا الخصوص، وهو ما تم بالفعل بأمر من القاضي، حيث تلا كاتب الضبط، عز الدين لكحل، ما جاء على لسان المحامي حاجي من إهانة وقذف وسب في حق عبد العلي حامي الدين، حيث اعتبر النقيب الشهبي هذه الواقعة، بأنها تسيء لمهنة المحاماة وأعرافها، فيما علق المحامي الطيب الأزرق، وهو يخاطب الحبيب حاجي، أن ما قاله في حق موكله حامي الدين، “فيه إهانة أيضا لهيئة المحكمة ولجميع الحاضرين، وقلة العفة، والحياء والاحترام الواجب من المحامي لشخص المتهم الماثل أمام المحكمة، يُورد المحامي الطيب الأزرق وهو يوجه كلامه للمحامي حاجي. مواجهات دائمة بعد مطالبة دفاع حامي الدين بجلسة يونيو الماضي، ببطلان قرار الإحالة والمتابعة الصادر عن قاضي التحقيق، محمد الطويلب، منتصف شهر دجنبر 2018، تحت طائلة سقوط الدعوى العمومية في حق القيادي بحزب العدالة والتنمية المتابع بتهمة “المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد”، (بعد مرافعات دفاع المتهم)، قدم محامو عائلة آيت الجيد، المطالبة بالحق المدني، ردودهم ضمن الجولة الثانية من جلسة أول أمس الثلاثاء، والتي أعقبت حالة الاحتقان التي تسبب فيها المحامي حاجي، حيث التمس إدريس الهدروكي، محامي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي دخلت طرفا مدنيا في هذه القضية، (التمس) من المحكمة رفض الدفوع الأولية والشكلية المثارة من قبل دفاع حامي الدين، خصوصا تلك المتعلقة ببطلان المتابعة وسبقية البت في قضية مقتل آيت الجيد منذ سنة 1994. وشدد ذات المحامي أن ما يهم الجمعية في هذا الشأن، هو أن يحرص القضاء على ضمان التوازن بين الحق في عدم جواز تعريض أي شخص للمحاكمة، أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها بحكم نهائي وفقا للقانون المغربي ودستوره الجديد، وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته ال14، مع ضمان في المقابل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، يُورد محامي الجمعية والذي التقى موقفه بما ورد في مرافعة الوكيل العام بجلسة يونيو الماضي. من جهته، لجأ منسق دفاع عائلة آيت الجيد، جواد بنجلون التويمي، وفي خطوة غريبة، إلى”تدويل” قضية آيت الجيد، حين اعتبر أن الجريمة التي أنهت حياته على خلفية الأحداث الدامية التي عاشتها جامعة ظهر المهراز في فبراير 1993، بأنها تدخل، كما قال، ضمن “الجرائم ضد الإنسانية”، كما عرفها المشرع الدولي، مشددا على أن هذه الجرائم لا يطالها التقادم، وأن مقتل بنعيسى تم على يد جناة متعددين، منهم فاعلون أصليون ومساهمون ومشاركون، حيث هدد التويمي في مرافعته أمام المحكمة بجر مزيد من المتهمين إلى القضاء. المحامي، محمد بوكرمان، عن عائلة آيت الجيد أيضا، كشف في مرافعته، أن المشرع المغربي والدولي يتجهان إلى إلغاء تقادم الجرائم، لأنه يصطدم بمبدأ “عدم الإفلات من العقاب”، وذلك بعدما لجأ المغرب بعد تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة إلى دسترة هذا المبدأ، فيما رد ذات المحامي على دفع دفاع حامي الدين بخصوص سبقية البت في مقتل آيت الجيد، أن هيئة الحكم والنيابة العامة في سنة 1994، عجزتا في الوصول إلى القاتل الحقيقي لآيت الجيد، لذلك لجأت المحكمة، بحسب المحامي بوكرمان، إلى إعادة تكييف المتابعة من”الضرب والجرح المفضي للموت”، إلى جريمة “المشاركة في مشاجرة نتجت عنها وفاة”، وذلك طبقا للقرار الجنائي لل4 من شهر أبريل 1994، الملف رقم 229/93 و8/94، الصادر عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس، والقاضي بسنتين سجنا نافذا، ضد 3 متهمين توبعوا في قضية آيت الجيد، وهم عبد العلي حامي الدين، المنتمي حينها لفصيل طلبة “الوحدة والتواصل” الدرع الطلابي “لحركة التوحيد والإصلاح”، والشاهد الوحيد في قضية اليوم، الخمار الحديوي، المنتمي آنذاك لفصيل “الطلبة القاعديين التقدميين”، وعمر الرماش، المنتمي حينها لطلبة العدل والإحسان. وعلق سليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في أول رد من قيادات “البيجدي” على رسائل ومرافعات دفاع عائلة آيت الجيد، أغلبهم محامون يساريون، (علق) في تصريح للصحافة في نهاية جلسة محاكمة حامي الدين بجلسة أول أمس الثلاثاء، أن “ردود هيئة دفاع المطالبين بالحق المدني، جاءت غير مؤسسة على الاعتبارات القانونية المطلوبة، وتفتقد للحجية ولا ترقى إلى مستوى الرد القانوني على دفوعات هيئة دفاع القيادي “بالبيجدي”، مضيفا في رسالة موجهة لأكثر من جهة، “لدينا قناعة أن الذي يحكم عمل المحكمة هو ما أقره الدستور المغربي من قواعد المحاكمة العادلة لصيانة الأمن القضائي للمغاربة، لأنه به ارتفع المغرب وحقق وضعا متقدما”، قبل أن يختم العمراني كلامه للصحافة بأمام باب جنايات فاس، “في النهاية لا ينتصر إلا القانون والمعقول”. وبعد أزيد من سبع ساعات من الجدل والمواجهة المفتوحة بين دفاع الطرفين، قرر قاضي الحكم، محمد اللحية، تأجيل المحاكمة لجلسة ال23 من شهر يوليوز الجاري، أي أسبوعين من الآن، وذلك بطلب من النقيب محمد الشهبي، منسق دفاع حامي الدين، والذي طلب مهلة للتعقيب على مرافعة الوكيل العام لجلسة يونيو الماضي، والرد على مرافعات دفاع المطالب بالحق المدني لجلسة أول أمس الثلاثاء، وانتهاء بالقرار الحاسم للمحكمة، حيث ينتظر أن يُصدر القاضي اللحية، إما قرار بطلان المتابعة وسقوط الدعوى العمومية في حق حامي الدين، كما طالب بذلك دفاعه، أو تقوم المحكمة برفض هذه الطلبات، أو ضمها للموضوع ومواصلة المحاكمة حتى النهاية، يُورد مصدر قضائي قريب من الموضوع ل”أخبار اليوم”.