في مطلع شهر ماي من العام 2018 أَعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قطع الرباط لعلاقاتها الديبلوماسية مع دولة إيران، وجاء ذلك على خلفية اتّهامه لهذه الأخيرة بتوفير الدعم العسكري والمالي لجبهة البوليزاريو، انطلاقا من أحد خلايا حزب الله اللبناني وعبر سفارة إيران بالجزائر. وأنكرت بشكل قوي جل الأطراف المتهَمة هذا الأمر، في حين دعّمت كل من الجامعة العربية وقطر ومجموعة الدول المحاصِرة لها (السعودية والبحرينوالإمارات ومصر) قرار المغرب. تميّزت العلاقات بين المغرب وإيران بالتوتّر المستمر؛ فلقد سبق أن قطع المغرب علاقاته الديبلوماسية مع إيران منذ سنة 2009 إلى غاية سنة 2017 حيث استرجع البلدان علاقاتهما الديبلوماسية مجددا. بالمقابل، فإن خطوة قطع العلاقات الديبلوماسية في شهر ماي من سنة 2018 تحمل دلالات استثنائية هذه المرة، بحيث تُظهر مستجدات عديدة مرتبطة بالوضع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فمن جهة، تضغط السعودية على الدول العربية من أجل اتخاذ موقف حاد وصارم بخصوص الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران. في حين يبحث المغرب من جهة أخرى تسوية أزمة الصحراء بحيث تضمن حصوله على شرعية دولية في سيادته عليها. وتستمر الولاياتالمتحدة من جهة ثالثة في اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، وهو ما استثمره المغرب عبر تصعيد لهجته الديبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية وذلك من أجل حشد الدعم بشأن سيادته على الصحراء، وكذا لتقوية علاقاته مع القوى الغربية والإقليمية. يهدف المغرب من خلال قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران إلى ضرب عصفورين بحجر واحد: أولا، إضعاف وتجاوز سردية جبهة البوليزاريو والجزائر وحشد دعم دولي واسع لصالح موقفه من الصحراء. ثانيا، محاولة تقوية علاقاته مع حليفين بارزين: السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية وخصوصا مع أبرز الفاعلين في الأمن القومي كمسؤول الأمن القومي الأمريكي الحالي "جون بولتون". يناقش هذا المقال الموقف المغربي الصارم اتجاه إيران والذي يهدف من ورائه المغرب إلى تقديم نفسه باعتباره حليفا عربيا رئيسيا للإدارة الأمريكية الحالية بزعامة دونالد ترامب. ذلك أن المغرب يسعى إلى حشد وتكوين شرعية دولية واسعة بخصوص موقفه من النزاع على الصحراء، ويريد في الوقت نفسه البقاء محايدا بخصوص الأزمة الخليجية التي تجسّدت في الانقسام الحاصل بين تحالف الإمارات والسعودية من جهة وبين التكتّل القطري_التركي. لقد ظلّ موضوع الصحراء أولوية وطنية ووجودية بالنسبة للمملكة المغربية، بحيث يعطي المغرب لهذا الموضوع ولحشد الدعم الدولي له الأولوية القصوى في سياسته الخارجية. لكنه من جهة أخرى، يسعى إلى وضع سياسة خارجية أكثر استقلالية خصوصا فيما يخص تحالف السعودية والأزمة الخليجية الحالية. لقد اتخذ المغرب موقفا ثابتا من إيران سنة 2018، لكنه بالمقابل ابتعد عن السعودية سنة 2019 وعن قيادتها الجديدة بزعامة الأمير محمد بن سلمان. كما أن المغرب أصبح قلقا بخصوص التوتر الحاصل بين إيرانوأمريكا في المنطقة، لذلك اتّخذ مسافة بين سياسة أمريكا وبين سياسته الخارجية، وتأكيدا على ذلك فقد غاب عن حضور ندوة وارسو هذه السنة. العلاقات الإيرانية المغربية يَرجع التوتر الحاصل بين إيران والمغرب إلى أسباب ذات جذور أيديولوجية وأخرى سياسية؛ فلقد ظل الملك الراحل الحسن الثاني أحد الداعمين الأساسيين للغرب وخصوصا للسياسة الخارجية الأمريكية، تماما كما كان عليه الأمر بالنسبة للشاه الإيراني الأسبق محمد رضا بهلوي. هذا الأخير سمح له الملك الحسن الثاني بالفرار إلى المغرب عقب الثورة الإيرانية عام 1979 بعدما أطاح به آية الله الخميني وبنظامه، حيث توجه بداية إلى مصر قبل أن يستقر به الأمر في المغرب، وهو الأمر الذي خلق توترا بين المغرب والقيادة الجديدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبقيت العلاقة بين الجانبين متوترة، حيث أقدم المغرب سنة 2009 على قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران عقب اتهامات تفيد بتهديد إيران لسيادة البحرين، وكذا إثر شكوك حول تدخل إيران في زعزعة الوحدة الترابية للمملكة. فلقد أبدى المغرب قلَقا بخصوص إشعال إيران للتوتّرات الطائفية وكدا بسبب دعمها للطائفة الشيعية بالبلاد، حيث توجد بالمغرب طوائف شيعية صغيرة غير معترف بها من طرف الحكومة، والتي تمنع أنشطتها بحجة أنها تمثل تهديدا للأمن الروحي للمواطنين، بعدما حذّرت قيادات سياسية محافظة من الغزو الطائفي الشيعي. وفي حديث له مع إذاعة "برايتبارت" Breitbart السنة الماضية، وهي أحدى القنوات الإعلامية المفضلة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكّد وزير الخارجية المغربي السيد بوريطة بأن إيران تقوم بتشييع الشباب المغاربة. كما أكّد في أكثر من مناسبة أن إيران ترسل السلاح إلى جبهة البوليزاريو عبر أحد أدرع حزب الله، وأضاف لإذاعة "فوكس" الأمريكية أن شحنات الأسلحة الإيرانية تزامنت مع التهديدات الأخيرة لجبهة البوليزاريو التي حاولت "خلق وإنشاء محطات عسكرية شرق النظام الدفاعي في الصحراء المغربية". التوترات الناجمة عن أزمة الصحراء تَمّ اتخاذ قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران في ظرفية حساسة اتّسمت بتظافر عديد التحديات المحلية والإقليمية بالنسبة للمغرب؛ حيث وفي مطلع شهر أبريل من العام 2018، حذّر المغرب من انتهاك البوليساريو المحتمل للمنطقة العازلة التي فوضتها الأممالمتحدة في الصحراء خصوصا في محيط منطقة الكركرات، وهو ما زاد من حدة التوتر بين المغرب والحركة الانفصالية، في حين نفى ممثلو جبهة البوليزاريو وكدا مسؤولون من الأممالمتحدة هذه المزاعم. إن اعتبار الجزائر هي الجهة الداعمة والراعية لهذه الحركة الانفصالية يعني أن المغرب يرى في الجزائر مهددة لمصالحه القومية. وكثيرا ما يطلق الطرفان مزاعم بوجود تحركات للقوات من الجانب المغربي أو البوليساريو المحاذية للجدران الدفاعية، وكثيراً ما يهدد الجانبان بإشعال النزاع المسلح في حالة استمرار الاستفزازات. وهو الأمر الذي حدث فعلا في شهر أبريل من العام 2018، عندما اشتكى وزير الخارجية المغربي السيد بوريطة من أن جبهة البوليزاريو خرقت اتفاق وقف النار المبرم برعاية الأممالمتحدة عندما أقدمت على التحرك باتجاه منطقة تيفاريتي[14]، وهي مدينة تقع شرق جدار الدفاع المغربي وفي المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة داخل إقليم الصحراء. وكان السيد بوريطة قد التقى بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حيث طالب من الأممالمتحدة الوقوف على خرق الاتفاق من طرف البوليزاريو مضيفا أن المغرب يدرس جميع الاحتمالات الممكنة من أجل صد هذا الانتهاك. ترامب وإيران والصحراء توضح هذه التوتّرات في الصحراء جزئيا لماذا قرّر المغرب بدل مجهود واضح من أجل التقرب من إدارة ترامب الحالية، حيث يحتاج المغرب إلى إبداء الدعم الواضح والصريح لسياسة ترامب الخارجية لكي يضمن الدعم الأمريكي التقليدي لموقفه من النزاع على الصحراء. ونتيجة لذلك، وللمرة الأولى منذ ست سنوات، عُقدت مباحثات حول قضية الصحراء في شهر ديسمبر سنة 2018 بين المغرب وبوليزاريو والجزائر وموريتانيا، حيث عُقدت الدورة الأولى والثانية من المباحثات في جنيف تحت رعاية مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى الصحراء السيد هورست كوهلر. وساعد وصول جون بولتون إلى البيت الأبيض وتعيينه مستشارا للأمن القومي في أبريل سنة 2018، قُبيل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران وقبل أن يعلن المغرب قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران، على إعطاء أهمية ولو رمزية للقرار المغربي بقطع علاقاته مع إيران. ذلك أن رجوع بولتون إلى البيت الأبيض، وهو السفير السابق لجورج بوش إلى الأممالمتحدة وأحد العناصر الداعمة للحرب على العراق، ستكون له تبعات مهمة على المغرب سواء في موضوع إيران أو النزاع على الصحراء. ومما يثير الانتباه أن المستشار بولتون كان واحدا من مهندسي مباحثات الصحراء، إذ يبدو أنه عازم على الدفع بحلحلة الملف، رغم احتمال مواجهته لتحديات جمة كما ذهبت إلى ذلك إحدى تقارير صحيفة "النيويوركر" المنشور في شهر ديسمبر سنة 2018 حول موضوع الصحراء: "يعتقد كثير من المتتبعين المغاربة أن بولتون متعاطف مع جبهة البوليزاريو، كما أن "جون بولتون ميّز نفسه ووجهة نظره وذلك بأخذه مواقف قريبة جدا وبشكل جلي من مواقف جبهة البوليزاريو. كما يبذل المسؤولون المغاربة جهودا لمحاولة إرضاء ترامب وبولتون على حد السواء، وذلك بتقديم خدمات تفي بهذا الغرض ومنها إقدام المغرب على قطع علاقاته مع إيران في فاتح ماي من العام 2018. وقد اتضح الاصطفاف المبهم للمغرب مع سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية اتجاه إيران في الحوار الذي خصّ به وزير الخارجية المغربي السيد بوريطة وكالة الانباء "برايتبارت"، عندما ذكر أن المغرب يقف بشكل حازم مع موقف إدارة ترامب اتجاه إيران. وقد أكّد الوزير في هذا الحوار الذي جرى في 16 سبتمبر سنة 2018 وبشكل واضح أن إيران تشكل تهديدا للمغرب خاصة وشمال افريقيا بشكل أوسع. ومن خلال اتخاذ هذا الموقف الصارم بشأن إيران يكون المغرب قد اتخذ لنفسه قريبا من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحالف السعودية، هذه الأخيرة كانت إلى جانب إسرائيل، من الأصوات القوية التي ضغطت على الإدارة الأمريكية لكي تنسحب من الاتفاق النووي مع إيران، خلافا لحلفاء أمريكا في أوروبا الذين ضغطوا لكي تبقى أمريكا في الاتفاق. في المحصلة، فقد ربح تحالف السعودية وإسرائيل المعركة؛ حيث وفي الثامن من شهر ماي سنة 2018 أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران والذي يُعرف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" ، وذلك خلافا لنصيحة الأوروبيين الإبقاء على الاتفاق الذي عُقد في حقبة أوباما. ونتيجة لذلك، قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإعادة فرض وتقوية العقوبات ضد إيران. لقد جعل ترامب وفريقه في الخارجية الأمريكية، بما فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، الهجوم على إيران أحد الأوراق الثابتة والمحورية التي تميّز استراتيجيتهم في السياسة الخارجية. وارتفع التوتر في الأسابيع القليلة الماضية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران بشكل مكثف، حيث عبّرت عديد التقارير عن تخوّف حول احتمال نشوب حرب بين الطرفين، في وقت صرّح فيه العديد من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية لوسائل الإعلام أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تدرس جميع الاحتمالات العسكرية الممكنة بما فيها الهجومية والدفاعية، وأن إيران تشكل تهديدا متزايد الخطورة. ويعتبر جون بولتون المهندس الرئيسي لهذه الاستراتيجية المتشددة ضد إيران، والتي يدعمها لاعبون إقليميون بارزون ومنهم السعودية والإمارات وإسرائيل، الذين سيضغطون بشكل متزايد على اللاعبين الإقليميين الصغار مثل المغرب. الأزمة الخليجية تزامن قرار قطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإيران مع الأوضاع والقرارات المتشددة التي ينهجها تكتّل السعودية؛ حيث وفي العام 2015 التحق المغرب بتحالف السعودية في الحرب على اليمن، إلا أن المغرب ورغم هذا الاصطفاف إلى جانب السعودية، فهو يحاول من جهة أخرى أن ينهج سياسة خارجية أكثر استقلالية. وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد كثّفتا من حدة التنافس الإقليمي مع إيران في السنوات الأخيرة، وهو الانقسام الذي بات جليا في العديد من الصراعات الإقليمية ومنها الحرب الدائرة في اليمن بين التحالف الذي تدعمه السعودية وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وتشمل المواقع الأخرى دولًا مثل لبنان وسوريا التي تلعب فيه إيران دورًا رئيسيًا من خلال دعمها العسكري للرئيس السوري بشار الأسد وكدا دعمها لحزب الله في لبنان. لقد خلقت هده الأزمة انشقاقا في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا حيث بدأت الدول تشعر بالضغط المفروض عليها بين اختيار جبهة التكتل السعودي أو الجهة القطرية التي غالبا ما يتم اعتبارها أكثر تعاطفا مع إيران. لقد حاول المغرب خلال الأزمة الخليجية الحالية ألا ينجذب لجهة معينة وأن يبقى محايدا قدر المستطاع والاستمرار في علاقاته المتوازنة مع جميع الأطراف. فبعد بدأ الحصار على قطر في يونيو من العام 2017، كان المغرب من بين الدول التي أرسلت معونات غذائية إلى قطر بمعية تركيا وإيران، إلا أنه ونتيجة لحياديته، فقد تصدّرت العديد من التقارير نبأ التوتر الديبلوماسي بين المغرب والسعودية رغم المجهودات المبذولة من كلا الطرفين لاحتوائها. ذلك أنه بعدما اصطّف المغرب وبشكل واضح إلى جانب الإدارة الأمريكية الحالية ومع تكتّل السعودية فيما يخص موضوع إيران، إلا أن المغرب من جهة أخرى اتخذ مؤخرا موقفا حذرا إزاء السياسات الإقليمية الأخرى للمملكة العربية السعودية. حيث أقدم على الانسحاب من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن، كما لم يصل الأمير محمد بن سلمان إلى المغرب خلال زيارته الأخيرة في المنطقة بعد أشهر من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهو الحادث الذي ولّد احتقانا دوليا مكثفا ضد السعودية وخصوصا ضد محمد بن سلمان. كما انتشرت في فبراير سنة 2019 مزاعم حول استدعاء المغرب لسفيره في المملكة العربية السعودية بعد أن بثت قناة العربية فيلما وثائقيا يهاجم سيادة المغرب على الصحراء مروجا رواية جبهة البوليساريو. من جهة أخرى، يقوم المغرب مؤخرا بالنأي عن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية أثناء محاولاتها تصعيد التوتر مع إيران؛ فعلى سبيل المثال، قرّر عدم المشاركة في مؤتمر وارسو المنعقد في شهر فبراير سنة 2019، والذي عقدته أمريكا لحشد الحلفاء في محاولة لتشديد العزلة الديبلوماسية والاقتصادية ضد إيران. حيث كان مقررا أن يحضر وزير الخارجية السيد ناصر بوريطة، لكنه عقد في آخر المطاف لقاءا مع وزير خارجية إسبانيا. ويعد غياب المغرب عن هذا اللقاء استمرارا لمحاولات المغرب الابتعاد قدر المستطاع عن الانقسامات الإقليمية، ويمثل ذلك في الحقيقة تحفظه على استمرار سياسة أمريكا في المنطقة الرامية إلى مواجهة إيران. وإذا كان تحالف المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ذات أولوية استراتيجية، فإنه لم يعد خفيا سعي المغرب إلى ثني الأطراف عن المواجهة عوض المشاركة في تصعيد التوترات الإقليمية.