محمد الحموتي -برلماني الأصالة والمعاصرة يوصف بأنه «رأس الحربة» في الأزمة القائمة داخل حزب الأصالة والمعاصرة، و«زعيم تيار المستقبل» الساعي دون تباطؤ إلى الإطاحة بحكيم بنشماش من منصبه كأمين عام للحزب. محمد الحموتي، أحد أعمدة «البام» منذ تأسيسه، وواحد من «رجال الظل» فيه كما يُقال، يقدم روايته في خروج صحافي نادر، للقلقلة الجارية داخل كيان سياسي نُظر إليه باستمرار، كذراع ضاربة للسلطة. بصفته، أيضا، رئيسا للجنة الوطنية للانتخابات بحزبه، عام 2016، التي كان يطمح لتصدر اقتراعها قبل أن يقنع بالمرتبة الثانية، ثم رئيسا للمكتب الفيدرالي قبل أن يعزله بنشماش مؤخرا، يعد الحموتي مفتاح أسرار رئيسي لعلبة «البام». لنبدأ بموضوع مالية الحزب. بعض المعلومات الرائجة تثير شكوكا حول تسليم ملايير إليكم من لدن الأمين العام السابق، وطرق صرفها لاحقا. هناك من يتحدث عن أربعة ملايير، وآخرون عن مليارين. ما هي قصة هذه الأموال بشكل دقيق؟ (يبتسم) هناك من لا يستطيع أن يتحدث بشكل سلس دون أن يشرع في قذف حكايات الملايير من فمه. من الواضح أن الطرف الآخر عندما يشعر بالخيبة، وبالانكسار في موقفه، يحاول أن يبتدع هذه الطريقة في الجدل. إني ألاحظ كيف يصبح الحديث عن هذه الملايير أكثر ترددا وحدة، عندما يبلغ الشعور بالهزيمة عندهم إلى مداه. هذه هواية صادرة عن أشخاص مضطربين فحسب، لكن يمكنني الجواب عن هؤلاء بطريقة مباشرة – والكل يعرف بأنني أربأ بنفسي عادة عن الجواب عن المزاعم التافهة: هل يقولون إن لدي أموال خاصة بالحزب؟ كلا، ليست لدي أي أموال كهذه، سواء أكانت أربعة ملايير أو اثنين أو أي مبلغ “كيشيرو بيه”. صفر درهم، لا شيء. الخيال المريض وحده من يختلق هذه الأرقام كي يجعلها وسيلة خسيسة في صراع سياسي. وأقول لهؤلاء الذين تستهويهم هذه اللعبة: إذا كانت لأي واحد منكم أي إفادة معاكسة لما أقوله هنا، فعليه أن يتفضل ويدلي بما لديه وأنا أتحدى أي شخص مهما كان أن يثبت عكس ما أقوله. إني أطلق هذا التحدي، وسترى ما سيحدث. كن على يقين من أن لا أحد من هؤلاء سيجرؤ على مواجهتي، لأني “تربيت في الخير” قبل أن ألتحق بالحزب، عكس الكثيرين ممن يخوضون هذه الحملة ضدي. زد على ذلك، فإن هؤلاء يحاولون أن يدفعوا الناس إلى الاعتقاد بما يقولون حينما يربطون وهم الملايير بصفات معينة بي. الحقيقة هي أني لم أكن يوما مسؤولا على أي مالية للحزب، ولست خازنا لأموال أي كان. عليهم أن يعلموا، وهم يعرفون هذا على كل حال، بأني صرفت الكثير من مالي الخاص على الحزب، وقد كنت مقتنعا بصواب فعل ذلك، وقد فعلته بشكل مطابق للقوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد. ولم أصرف المال فقط، بل بذلت جهدا كبيرا وضحيت في سبيل الحزب كي يصل إلى ما هو عليه الآن، كثاني قوة سياسية بالمغرب.
تلاحظ أن هذه المزاعم تُؤسس على مسألة أنكم كنتم شخصا مقربا من إلياس العماري، وموضع ثقته. لكن، وبعدما أصبح إلياس مساندا لبنشماش، كما يقول بعض قادة تياركم، تسربت هذه المزاعم. ما أعرفه هو أن السيد إلياس العماري لم تعد له صفة تنظيمية خاصة داخل الحزب منذ استقالته. لقد أخذ مسافة منذ مدة عن واقع الحزب. وكما أعرف السيد إلياس، فإني لا أظنه مساندا للسيد حكيم. وعلى كل حال، فأن تكون مقربا من فلان أو علان، ليس معناه أن تكون متبنيا لكل مواقفه، ومتماهيا مع شخصه على طول الزمن. ليس هناك شيء يفرض هذا، فالواقع يتحرك وكذلك المواقف بالضرورة. يرى الأمين العام الحالي أن المال يشكل هاجسا في الخلاف القائم حاليا، وأن عين معارضيه في الحزب تركز على الطريقة التي تجعلهم أغنياء، وليس تطوير أو تحسين أداء الحزب.. أنتم كُنتُم رئيسا للجنة الوطنية للانتخابات، هل بالفعل، تصبح هذه المراكز وسيلة للاغتناء؟ كلا، وليس قطعا، بالشكل الذي يجري تسويقه. في حزب الأصالة والمعاصرة، هناك الكثير من الناخبين الكبار لا يحتاجون إلى هذا. ما يحدث هو العكس تماما، فالأحزاب عموما هي من تسعى إلى طلب ود هؤلاء. صحيح أن هناك كثيرين من هؤلاء ليس لديهم اهتمام بالتنظيم الحزبي، لكن هناك، أيضا، من بينهم مسؤولون يولون الاهتمام الكافي بذلك، وعلى الأقل يفعلون ذلك في دوائرهم. ربما في الماضي، كان يحدث ما ورد في سؤالكم، لكن صدقني، في الوقت الحالي، تغيرت هذه الأمور بشكل درامي، بل إن أي أحد حاول أن يستمر على ذلك النمط في العمل فشل. لا يمكنك أن تتقدم في الزمن دون أن تتكيف مع التطور الحاصل في المجتمع، والشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل بالشكل الحديث، لم تعد تترك لأي أحد فرصة للإفلات من المراقبة. الجميع تحت المجهر، وكل ما ستفعله ستراه بارزا في اليوم الموالي لدى الناس جميعا.
في اللجنة الوطنية للانتخابات، التي تسلم التزكيات، تكونون، أيضا، في موضع اتهام من لدن بنشماش حينما يشير إلى أن هذه التزكيات هي هدف التيار الخصم له، لأنها وسيلة لجمع المال.. هل هي كذلك؟ في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، وقد كنت حينها رئيسا للجنة الوطنية للانتخابات، لم يحدث البتة أن بيعت تزكية، أو اشتكى أحد بأي طريقة من وقوع ذلك. لقد كنت صارما في هذه المسألة، وحرصت كل الحرص، في الدخول البرلماني الأول بعد الانتخابات، على حث السادة النواب البرلمانيين على فضح أي شخص كيفما كان اسمه أو منصبه أو قدره طلب منهم مالا مقابل الحصول على تزكية الحزب، أو سلموه مالا مقابلها. لم يحدث أن اشتكى أحد من حصول ذلك. ثم إن الطريقة التي رتبنا بها الترشح في اللائحة الوطنية جعلها في نهاية المطاف، ذات نقاء خالص. لن تجد بين أعضائها فردا من عوائلنا نحن، أو أصحابنا أو معارفنا. لقد كانت الطريقة المتبعة مثالية في إبعاد أي شبهة كيفما كانت، عن تلك اللائحة. وأنت كصحافي، يمكنك التحقق مما أقول، ويمكنك التحقيق فيما حدث، وابحث كيفما أردت، وسأشجع سعيك إلى العثور على شيء يمكن الاشتباه فيه بهذا الخصوص. لكني سأخبرك من الآن بأنك لن تجد شيئا، وأقول لك هذا ليس من باب تثبيط همتك أو عزمك، ولكن لأبلغك بقدر الثقة في مصداقية ما قمنا به آنذاك. أما بخصوص الأمين العام، فمن الواضح أن الرجل يعتقد ربما كما تفعل العامة، أن التزكية ليست سوى مرادف للمال. لكن يجب التحقق من الوقائع كما حدثت، وليست قذف الكلام في الهواء فقط؛ فالمرشحون لانتخابات 2016، وهم يشكلون نسبة تسعين في المائة من كامل المرشحين بمن فيهم مرشحو اللائحة الوطنية، جرت الموافقة على تزكيتهم في جموع عامة ضمت كافة الهيئات، ويمكن الرجوع إلى التقرير المقدم للمجلس الوطني المنعقد بعد الانتخابات كي تتأكدوا من هذا. إن أعضاء المجلس استحسنوا التقرير كله بشكل كبير سواء من حيث منهجية العمل، أو من حيث النتائج، بل إن أعضاء ينتمون إلى تيار الأمين العام وهم قلة على كل حال، أعجبوا بذلك التقرير يومها، وها هم الآن يتصرفون وكأنهم قد أصيبوا بالعمى، ويلعبون لعبة المزايدة بشكل مكشوف.
أدار بنشماش التزكيات في الانتخابات الجزئية بعد انتخابه أمينا عاما، ولقيت تلك الإدارة انتقادات.. ما الذي ترونه معيبا في ذلك؟ هذا صحيح. في أغلب هذه الحالات لم يستشر معي الأمين العام، وربما لم يفعل ذلك، أيضا، مع أي أخ آخر يملك الإلمام الضروري والكافي بخصوص هذه الأمور. التزكيات موضوع حساس بالفعل، ومن المؤكد أن تسليمها لا يكون أبدا سليما إن لم تجر استشارات كثيرة ومتعددة. وهذه العملية تأخذ وقتا طويلا. ثم إن المسطرة تتوخى أن يكون مانحها حذرا من الآراء التي يقدمها المقربون سواء منك أو من المرشحين المعنيين. هذه العملية تتطلب حكمة، لكن لله يؤتي الحكمة من يشاء..
الطريقة التي يصوغ بها الأمين العام اتهاماته إلى قيادة التيار، توحي بأن الأمر يتعلق ب”مافيا” وليس بحزب.. يسميه هو أخطبوطا مصلحيًّا. هذه طريقة غير اعتيادية من لدن أمين عام في مواجهة خصومه في الحزب. ما صحة هذه المزاعم؟ إن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أن الأمين العام قد جانب الصواب في إطلاق هذه الاتهامات العشوائية، وتلك الخلاصات الصبيانية. لا أدري من أي مكان غرف منه السيد حكيم هذا الخيال، ولا من أقنعه به. إنه يعرف أننا مناضلون مثله ومثل أي عضو في الحزب. لست مثاليا بالطبع، وقد يكون بيننا من لديه نوايا غير سليمة، أو يتصرف بطريقة غير سليمة، وهذا النوع من الناس كما قد يكون بين ظهرانينا نحن، قد يكون أيضا معششا لدى الطرف الآخر كذلك. بشكل شخصي، لا تجمعني أي مصلحة أو مصالح مع أحمد اخشيشن وسمير كودار وعبداللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري، وهم بالمناسبة مناضلون حقيقيون يضحون بوقتهم وعائلاتهم وكل شيء في سبيل الدفاع عن هذا الحزب ومشروعه الحداثي. إن كودار ووهبي والمنصوري واخشيشن يستحقون التقدير، لأنهم مصممون على فعل ما يتعين فعله بغض النظر عن الخسائر التي سيتحملونها. لا يمكنني تصور أي عقل قد يخترع وجود أخطبوط مصالح بيننا، ربما، يحدث لهم هذا عندما يصبح إطلاق الكلام مسألة سهلة. إن ما يجمعنا أنا والآخرون، هو هذا الموقف الموحد من طريقة تدبير الأمين العام للحزب. وأشياء أخرى ذات طابع سياسي لم يحن الوقت المناسب بعد للكشف عنها..
(مقاطعا) يتوجب عليّ الإلحاح في السؤال عن أي مسائل هذه.. يوجد في صفوف الطرف الآخر، قيادي كبير لديّ معه ذكرى لواقعة. لقد أتى عندي في وقت كان النقاش بخصوص التحاقي بالمكتب الفيدرالي في بدايته، وطلب مني شيئا واحدا: العمل مع إحدى الهيئات السياسية، وعلى الخصوص في العمل المدني، وأن يشارك برلمانيونا بشكل مشترك في هذه العملية. لقد قال لي إنني إن فعلت هذا، فإننا سنجد كل الإمكانات المادية في المتناول. بالطبع، رددت هذا القيادي صفر اليدين، لقد رفضت ما يطلبه مني، وأجبته بأن علينا تقوية ذاتنا أولا، خصوصا بعد فترة استرخاء امتدت لحوالي عام ونصف، وبعدها، يمكننا مناقشة موضوع التنسيق. حدث هذا في غشت 2018. وبعدما التحقت بالمكتب الفيدرالي، عاد إليّ هذا القيادي بالطلب عينه وألح عليه. كان ردي هو: الرفض بشكل مبدئي. لا حاجة إلى التفكير في هذا. لم يتقبل هذا القيادي موقفي، وظهر ذلك في لجوئه في الاجتماع الأول للمكتب الفيدرالي إلى تصرفات غير أخلاقية وصبيانية. لم أهتم لأمره. أرى أنك فهمت الآن أين يكمن جوهر الصراع الحالي. لن أقبل إطلاقا أن أسلم حزبا كان لديّ فيه ولا يزال، الإيمان نفسه، وبمشروعه ككيان حداثي يواجه مشاريع خطيرة، وأرجو أن تنشروا هذا التوصيف في صحيفتكم، إلى كيان آخر. وإذا كان الأمين العام يتذكر، فإنه لن ينكر بأني قدمت إليه برنامجا طموحا يمتد حتى العام 2021، كما أنني أعددت ملفات أخرى لم أتمكن من عرضها عليه أو على المكتب الفيدرالي، وأحدها كان بخصوص الإعلام. لديّ دراسة على قدر بالغ من الأهمية بشأن هذا الموضوع. لقد سمعت همسا كثيرا بخصوص ما كنت أفعله، كانوا يقولون إن لدي طموحا كبيرا في الأهداف. وتوقف كل شيء. إنني أحدثك بهذه الأمور كي يفهم الناس كيف بدأت المشاكل، وعلى من يجب أن تعود المسؤولية عن المشاكل الحالية. لو كنت قبلت بالعرض المقدم إليّ، لكان قد جرى تفويت الحزب بهدوء ودون جلبة، ولكنني لم أفعل. لا يمكنني تفويت شيء ليس في ملكي أنا لوحدي.
بمعنى كان هناك من قيادة الحزب من يسعى ويخطط لتفويت الحزب إلى كيان سياسي آخر.. ألا يجب أن يعرف الناس اسم هذا القيادي؟ المجالس أمانات. إني أرى الأمر من الزاوية التالية: مادام هؤلاء لم يصلوا إلى مبتغاهم – ولن يصلوا إليه بإذن لله- فإني سأترك الموضوع على هذه الحال.
من تقصد بالهيئة السياسية التي كان يراد أن يفوت إليها “البام”؟ أقصد حزبا يريد الحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات..
أفهم بأنه حزب التجمع الوطني للأحرار.. أعتقد أني كنت واضحا بما فيه الكفاية.
لمحت فاطمة المنصوري إلى أن التيار بصدد التفكير في إجراءات جديدة لمواجهة بنشماش بسبب هذه الاتهامات.. هل تفكر أو تخطط لنقل المسألة إلى القضاء؟ لدينا لقاء وسط هذا الأسبوع وسنقرر بخصوص ذلك. في الحقيقة، أصبحنا نخاف على أميننا العام من نفسه أكثر من أي شيء آخر، فهو كثيرا ما يخلق لدينا المفاجأة من تلك القرارات المتخذة من لدنه، فهو كله آذان صاغية للمحيطين به. آخرها رسالة الإكوادور. الرسالة سيئة الذكر. لم يسلم منه ومن قلمه أي أحد، حتى الدولة نفسها، ومؤسسات البلاد نال من هيبتها. الحقيقة لما قرأت تلك الرسالة شككت حقا إن كان بنشماس هو حقا من كتبها. ما تحمله من استعارات لغوية مثير للشك، إننا نريد أن نفهم ما يعنيه بذكر “بوليفار” مقرونا بجبال الريف. إننا لسنا أغبياء كي نُستدرج إلى محاولته إخفاء الدلالات بإقحام جبال الأطلس عنوة. ببساطة، لقد كانت رسالة صبيانية.
بنشماش، أيضا، يشير بوضوح إلى أن التيار لا يريد من وراء الإمساك بالتزكيات سوى تعيين رؤساء جماعات أو جهات يستطيع بواسطتهم الحصول على صفقات عمومية دسمة؟ نحن لا نرغب في تزكيات، كما لا نرغب في أي شيء آخر من هذا القبيل، ولم يحدث في الماضي أن صدر منا مثل هذا. يملك الأمين العام خيالا واسعا، ومن الواضح أن الرجل يفقد توازنه مع توالي الأيام. هذه قاعدة: عندما تنقصك المعرفة الضرورية بالتنظيم والعلاقات العامة والتواصل، وتتجرأ مع ذلك، على طرح وإنتاج مقترحات منافية للواقع، فتفشل في إقرارها وتنفيذها، حينها تتخيل بأن الجميع يقف ضدك، وبأن هناك مؤامرة ما تحاك من وراء ظهرك. الواقع، أنه لا أحد يفعل ذلك، لقد انتهيت إلى ما انتهيت إليه لأنك كنت مخطئا منذ البداية في مقاربة الموضوع. وعلى سبيل المثال، فإنني سأذكر الأمين العام بأن التزكيات دُبرت عام 2016 بالاتفاق التام مع الأمناء الجهويين، وهذا خيار حيوي للحزب يتماشى بشكل مطابق مع التوجهات الحالية للدولة كما أقرها جلالة الملك نفسه. وهي من بين نقاط الاختلاف بيننا وبينه، بيننا نحن الذين نريد تدبيرا جهويا للتنظيم الحزبي، وبينه هو الذي يريد تسيير كل شيء من المركز.
يجري تقديمك في وسائل الإعلام كزعيم لتيار المستقبل، بل ويقال “تيار الحموتي” نسبة إليك.. هل أنت هو الزعيم فعلا؟ لست زعيما لأي تيار، وليس لدينا زعيم في هذه المجموعة، لا أنا ولا وهبي ولا اخشيشن ولا أي أحد آخر. وهنا أريد أن يطمئن الجميع، ليس لدينا، أيضا، أي مرشح لتولي منصب الأمين العام، والأخ وهبي حينما صرح بأنه يريد الترشح هذا من حقه. إننا نرى بأن هذه المسألة موضوع سابق لأوانه. إنكم تعرفون دون شك، بأني لم أرد يوما الزعامة، ولا طلبتها، ولقد كنت أمينا إقليميا للحزب، ثم أمينا جهويا، فبرلمانيا، وكل هذه الصفات لم أسع وراءها، وإنما قبلت مسؤوليتها على مضض وتحت ضغط وإلحاح من زملائي. إن الجميع يعرف ذلك داخل الحزب كما خارجه.
لكن بنشماش يشدد على أنك تسعى إلى الإطاحة به.. لم أنو يوما الإطاحة ببنشماش، لسبب بسيط، هو أنني على الأقل سألته ثلاث مرات عن نيته في الترشح مرة أخرى للأمانة العامة، وكان يجيبني بأنه لن يفعل ذلك. ما أقوم به الآن، هو تعبير عن اختلاف بين وجهات النظر، فأنا كما غيري، لدينا رؤية للطريقة التي يتعين أن نذهب بها إلى المؤتمر، كما لديّ رأي بخصوص بعض الاختيارات التنظيمية التي جرى إقرارها وتنم عن عدم وجود تجربة لدى القائمين عليها، ناهيك عن اعتماد الأمين العام على مريدين لا ينصحونه بطريقة جيدة.
اتضح أنكم الآن بصدد تحضير المؤتمر الوطني الرابع للحزب، رغم أن بنشماش لا يعترف بأي من خطواتكم.. هل ستنتهون إلى مؤتمر لا يحضره الأمين العام نفسه؟ لا أتمنى ذلك. إن الأمل كله في أن يلتئم الشمل بالرغم مما سببته قرارات الأمين العام من امتعاض كبير في صفوف مناضلي الحزب. وما هو مطلوب من الأمين العام على كل حال، هو أن يفسر لنا كما للرأي العام، كيف أباح لنفسه أن يرمي إخوانه بالبهتان، وينعتهم بأقذر الأوصاف، وهو مدرك بعدم صواب ما أتى به شكلا ومضمونا. على السيد حكيم أن يثبت بأنه هو الأمين العام حقا، وليس موظفيه في مجلس المستشارين.
حتى الآن يبدو الوضع محتدما، وكأننا إزاء تمهيد لانشقاق. الأمين العام وأنصاره من جهة، وأنتم وأنصاركم من جهة ثانية؟ هل هاجس الانشقاق حاضر في تدبير الصراع الحالي؟ لا أعتقد ذلك. عليكم أن تعلموا أن كل القوة التنظيمية الميدانية في صفنا، أي الأمناء الجهويين، والأمناء الإقليميين، وأغلبية النواب والمستشارين البرلمانيين. لدينا أغلبية، أيضا، في المكتب الفيدرالي القانوني – فأنا لا أتحدث عن المسخ الذي شكله الأمين العام مؤخرا- كما نملك أغلبية بالمجلس الوطني. ماذا سيتبقى في حال ما وصلنا إلى الانشقاق، وأنا لا أريد أن نصل إلى هذا !!؟ سيبقى فقط، العربي المحارشي، مع حفظ الاحترام للآخرين. وهل تعتقد أن البام سيخرج قويا لإدارة معركة قاسية كهذه التي تتعهد بها. الكثيرون يتوقعون أن يخرج حزبكم منهكا وضعيفا من هذه الأزمة.. والبعض يتوقع حدوث نكسة في الانتخابات؟ الكثيرون يدفعون بهذا التقييم، لكني أرى أن العكس هو ما سيحدث. في اعتقادي، لقد أصبحنا أكثر قوة. لا نريد الآن أنصاف الحلول، ولا نريد قيادة مكبلة بأي نوع من الالتزامات الخارجة عن قوانين الحزب. لا نريد قيادة تقرر لوحدها وكأن الوحي ينزل عليها وحدها. كما لا نريد في أجهزتنا التقريرية موظفين لدى الهيئات التي يترأسها الحزب. لا نريد التوافق بعد الآن، نريد الديمقراطية الداخلية، ولا نريد مكتبا سياسيا لا يناقش السياسة. نريد أن يصبح هذا من الماضي. ولدينا القدرة على فعل ذلك. عندما كنت مشرفا على انتخابات 2016، زرت كافة مناطق البلاد، وتيقنت بأن حزبا يملك تلك القاعدة من الشباب المؤمن بمشروع الحزب، لن يزول وكأنه لم يكن. لقد كان جلالة الملك واضحا عندما شدد على وجوب فتح المجال أمام الشباب. وهو ما نسعى بكل أمل إلى تحقيقه. هل حزب الأصالة والمعاصرة إزاء تحول في منظومة تأسيسه؟ أي هل تفكرون في نقله من المجال الذي يراه الناس به كحزب مقرب من السلطة، إلى حزب طبيعي؟ الأحزاب المغربية كلها قريبة من السلطة. هذا واقع تدل عليه معطيات تاريخ الحياة الحزبية وتطورها ببلادنا، ومن يقول غير ذلك، فإنه يوقع نفسه في الأوهام فحسب. واقعنا السياسي –ونحن جزء منه – يتطور كذلك. ومن الواضح أن التدخلات لم تعد بالحجم الذي كانت عليه في الماضي. فعلى سبيل المثال، ونحن بصدد ما نحن بصدده حاليا على مستوى الحزب، لم نتلق أي اتصال من أي أحد، ولم نتلق توجيها من أحد. نحن نتصرف وفقا للقناعات التي شكلناها. وحينما جرنا بنشماش إلى المحكمة، فقد دخلنا ردهاتها مثل أي شخص آخر، وخرجنا منتصرين. يجب على بعض الذين يلوكون الكلام، خصوصا أولئك المتحدثين الذين انفكت عقدة لسانهم مؤخرا، أن يعلموا أننا لا نشعر بأي نقص ولا أي حرج. إن كنتم تتحدثون عن قضية النشأة فاعلموا – وأنتم بدون شك تعلمون ذلك – أننا لسنا مختلفين فيها عن أي حزب آخر. نحن حزب عادي وطبيعي. وأريد أن أؤكد أن معركة حزبنا في الاستحقاقات المقبلة هو مواجهة المشروع الذي يقود الحكومة دون أن يحقق أي شيء. ويمكنني أن أتعهد بأننا رغم كل ما حدث، سنعمل بكل الجدية المطلوبة على إقناع الناخبين بجدوى المشروع الموجود بين أيدينا. يبدو أن بنشماش يترك الكثير من الجروح في النفوس في هذه الأزمة؟ بشكل ملخص، لدي نصيحة لحكيم: عليك أن تعود إلى جادة الصواب، وأن تدرك أن هذا الحزب ليس لك وحدك. على هذا الرجل أن يقتنع بأننا لا نريد به سوءا. وإن أراد أن يستمر في قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، وله كل الحق في هذا المسعى، فإننا نطلب منه ألا يستعمل سلطته الحالية كأداة ثقل. وإن أراد التنحي، فإن عليه الالتزام بالحياد. عليه أن يتذكر الحكمة القائلة إن لكل شيء أجله. وأجله كما أجلي وأجل الكثير غيرنا قد قارب نهايته. فلتكن هذه فرصة لتجديد النخب، وتشجيع الشباب على تحمل مسؤولية القرار والتنفيذ. على بنشماش أن يدرك بأن تحولات عميقة قد طرأت على المجتمع، حيث لم يعد بالمقدور أن تفرض نفسك بما تدعيه من علو كعب وأستاذية، وصلات بمراكز القرار. إن المواطنين باتوا يفهمون أحسن من هذا. سمعنا أنك كنت منقذا لبنشماش عندما اضطرب الوضع في الحزب قبل يناير، وأن وساطة قمت بها أنت هي التي أفضت إلى اتفاق الخامس من يناير. نريد أن نعرف كيف قمت بذلك؟ ثم ما هي تفاصيله؟ اتفاق الخامس من يناير كان نتيجة وساطة قمت بها مع أخوين آخرين بطلب من الأمين العام، وكل ما خلصت إليه، فقد كان باقتراح من الأمين العام نفسه. وللأسف الشديد، لم يستطع الأمين العام إقناع بعض أصدقائه بهذا الاتفاق، وهم من شكلوا أول مظاهر مقاومة بنود الاتفاق السياسي الذي حمله، وكل واحد منهم شرع في فعل ذلك وفقا لتقييمه لمصالحه الذاتية ولأهوائه ووفق تموقعه ضمنه. وكان هناك فريق يقاوم الاتفاق لأن أفراده لم تجري استشارتهم بخصوصه قبل إعلانه. وقد كثر الضغط على الأمين العام من أعضاء فريقه الذين يشكلون الآن أنصاره، حتى أصبحت كل خطوة يقوم بها المكتب الفيدرالي تتعرض للعرقلة، وتسارعت الأحداث حتى تحولت أنا من وسيط مقبول بين الطرفين إلى أحد أعضاء الطرف الآخر. أريد لي أن أكون هكذا. وقد انتهى الأمر إلى “إقالتي” المزعومة كرئيس للمكتب الفيدرالي، في سياق تداعيات الاجتماع الأول للجنة التحضيرية. في هذا الاجتماع، أحس كل الحاضرين فيه، بأن الأمين العام لم يعد محايدا، بل قرر الاصطفاف إلى جانب طرف ضد آخر، معاكسا بذلك الأعراف السائدة بهذا الخصوص. كنا قد اقترحنا عليه حلا وسطا بأن تترأس الأخت ميلودة حازب اللجنة التحضيرية، وقبل بذلك هو والعربي المحارشي والشيخ بيد الله. ولكن بعد وجبة الفطور –الاجتماع عقد في رمضان- قرر أنصارهم نسف هذا الاتفاق، والدعوة إلى التصويت. ولكن عندما تيقن هذا الطرف بأنه لا يملك الأغلبية، دفع بالأمين العام إلى رفع الاجتماع، وقد قمت بعدها باستكمال أشغال الاجتماع بصفتي رئيسا للمكتب الفيدرالي، الموكول إليه قانونيا تتبع الحياة الداخلية للحزب، وخاصة شقها التنظيمي. الخسارة موجعة في بعض الأحيان.