تشكل العلاقات المغربية الإيرانية نموذجا لعلاقات ثنائية اتسمت على الدوام بطابع التوتر، لم تسعف الجغرافية البلدين على بناء علاقات عادية، بل على العكس من ذلك ساهمت في جعلها – في الغالب – صدى للحسابات الجيواستراتيجية لمنطقة الخليج، حيث كان المغرب باستمرار في صف الدول العربية ضد الرغبة الإيرانية في الهيمنة الإقليمية التي تجسدت في هيمنة منطق الثورة على منطق الدولة لدى طهران من جهة، ومن جهة ثانية، لمواجهة المد الشيعي الذي يستتبع بالنتيجة التأثير السياسي لإيران كلاعب إقليمي يصعب تجاوزه، يُضاف إلى ذلك التحول الأخير في العلاقات المتوترة، والتي بلغت القطيعة في أكثر من مناسبة، ما كشفه المغرب من تدخل إيران في قضية الصحراء المغربية، وهو تحول غير مسبوق في العلاقة بين البلدين. كان الملك الراحل الحسن الثاني واحدا من أشد خصوم الخميني الدينيين والإيديولوجيين، بل بلغ به الأمر إلى حد استصدار فتوى من علماء المغرب قضت بتكفير الخميني، وهو ما أعاد الملك الراحل التأكيد عليه في خطاب بث على شاشات التلفزيون. جُملة، كان الملك الحسن الثاني وزعيم إيران “الثورة” يخوضان معركة كسر عظام بلا رحمة، فالخميني لم يتقبل أبدا علاقة الحسن الثاني بشاه إيران بعد الثورة، بينما كان الحسن الثاني يعتبر ذلك واجبا معنويا قام به مع عائلات ملكية أخرى سقطت في ظروف مختلفة في عدد من بلدان العالم، لكن نظام الخميني كان ينظر إلى ذلك باستمرار بكثير من التوجس. شكلت ورقتا الصحراء المغربية ودعم التشيع بالنسبة إلى إيران على الدوام، ضغطا من أجل تليين مواقف المملكة المغربية المبدئية المتسمة بالدعم غير المشروط لدول الخليج العربي، فتراوحت مواقف إيران في الأربعين سنة الأخيرة، بين الدعم الكامل لجبهة البوليساريو وبين سحب هذا الدعم، في مقابل تأييد ما تقترحه الأممالمتحدة من تسوية للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وبذلك ظلت سفارتا البلدين في كل من طهرانوالرباط، تراوحان وضع الإغلاق الكلي والفتح الجزئي، أو في أحسن الأحوال تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، إلى قطع كلي للعلاقات الثنائية. سنة 2009 ستعرف العلاقات الثنائية بين البلدين منعطفا حادا وترسم نقطة نهاية لفترة هادئة استمرت منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، آثاره وتداعياته لازالت مستمرة إلى اليوم، إذ قررت وزارة الخارجية المغربية يوم 25 فبراير 2009 استدعاء نائب القائم بالأعمال بسفارة الرباطبطهران، كما وجهت المملكة استفسارات للجانب الإيراني ظل بلا جواب، وذلك على خلفية تصريحات رسمية إيرانية ومعاملة غير ودية مع البعثة الدبلوماسية المغربية في طهران، بسبب دعم ومساندة المغرب للبحرين في ما شهدته العلاقات بين المنامةوطهران من توتر، عبرت فيه أغلب الدول العربية عن موقف متضامن ومساند للبحرين، في حين فضلت إيران تخصيص المغرب بموقف عدائي، وكأن حكام إيران استكثروا على المغرب اتخاذ موقف صريح وواضح إلى الجانب البحريني.. فكانت النتيجة إعلان الرباط قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. لم يكن موضوع البحرين وحده ما سرّع تلك القطيعة بين البلدين، إذ كشف بلاغ لوزارة الخارجية المغربية، صدر في تلك الفترة، عن جوانب أخرى ظلت مبهمة وخارج الضوء، فقد أكد البلاغ على “نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي”، وبذلك تكون المواجهة قد اكتملت أبعادها، عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في سياق صعود الإصلاحيين في طهران، لكن سرعان ما ستعود القطيعة مجددا، وهذه المرة على خلفية قضية الصحراء المغربية. اللحظة الراهنة في العلاقة بين البلدين، تتسم في كونها تعرف قطيعة كاملة مع طهران، لكن في المقابل علاقات متوترة مع السعودية والإمارات، في لحظة عرفت فيها منطقة الخليج تحولات كثيرة، حادت بالعلاقة بين الرباط وكل من الرياض وأبو ظبي، عن طابعها التقليدي الذي كان يتسم بكثير من التطابق في وجهات النظر، فهل تكون قمة مكة، التي لا يخفى على الجميع كونها لا تعدو أن تكون بحثا من الرياض عن دعم عربي غير مشروط في المواجهة الحالية مع طهران، بوابة لترسيم القطيعة بين الرباطوطهران، أم إنها ستكون فرصة لتأكيد استقلالية القرار السيادي المغربي، خاصة وأن الأمر يتعلق في النهاية بمعركة كسر عظام مع إيران على أكثر من واجهة، ستكون لها تداعيات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، قد لا تقل عن تداعيات سقوط بغداد.