منذ أشهر وعند كل نقاش كبير أصبح البعض يتحدث عن قضايا جوهرية وكأنها مجرد أمور ثانوية، وربما في نظره تافهة حتى، لا تستحق كل هذا النقاش والتدافع. بل وأصبح يقدم تبريرات تمهد ل “انقلاب كامل الأركان” على مبادئ الحزب وقيمه والرؤية الإصلاحية التي جاء بها وتأسس عليها. فأصبح بعض القادة وغيرهم من داخل الحزب يتحججون بسؤال: ما تعريف المنهج؟ ويتم تأويل المفهوم حسب الحاجة والظرفية ونوعية القضية المطروحة للنقاش. وقد عشنا ذلك بوضوح خلال النقاش العميق حول ما عرف إعلاميا ب “الولاية الثالثة” لبنكيران. ولمسنا كيف تم تقديم تفسيرات وتعريفات “جديدة” حتى لبعض المساطر والبنود القانونية في سبيل قطع الطريق على استمرار رجل كان ولازال الأصلح لقيادة المرحلة السياسية الدقيقة، مما سهل الطريق أكثر على جبهة التحكم بالبلاد. وإن كان النقاش العام حول لغة التعليم قد جعل البعض يعود لنفس الأسلوب، أي التأويل والتبرير وطرح استفسار حول هوية الحزب ومنهجه، فهذا يعني أمرا واحدا: مبدأ استقلالية القرار الحزبي سيصبح (أو لربما هو كذلك اليوم) مجرد شعار يتغنى به البعض. وهذا تفسيره أن القيادة الحالية حين تعجز عن التفاوض والضغط على الطرف/الأطراف الأخرى تعود إلى الحل الأسهل في نظرها وهو نقل النقاش إلى داخل الحزب ومحاولة تقديم تبريرات وحجج واهية وهمية وجر كل الحزب معها إلى مزيد من التنازل والانسلاخ عن هوية الحزب. فضلا عن محاولات الأمانة العامة “استغلال” مبدأ “الرأي حر والقرار ملزم” وسحب البساط من هيئات حزبية معنية وعلى رأسها المجلس الوطني عبر إصدار قرارات فوقية لتسهيل عملية جر كل الحزب إلى الطريق المجهول الذي دخلناه منذ مرحلة البلوكاج. كل هذا يجعلنا وانطلاقا من منطق المساءلة، كواحد من بين أهم القواعد الجوهرية للعمل السياسي الديمقراطي، أمام مطلب ضروري وعاجل لتقديم أجوبة وتوضيح الآتي: كيف يمكن تفسير الدفاع عن أمر بالأمس وعن نقيضه اليوم؟ هل كان الدفاع عن قضايا بعينها بالأمس دفاعا غير مبني على قناعات ورؤية توجهنا؟ هل تغير لدى البعض مفهوم العمل السياسي حين تغير الموقع من المعارضة إلى الوزارة والحكومة ورئاسة الجهات؟ هل للأمر علاقة بالضعف البشري أمام المكاسب و “الغنائم” فيصبح التبرير وسيلة تساهم في تمديد الفترة الزمنية على رأس منصب معين؟ هل كان البعض صادقا أمس أو أنه يصدق اليوم، وهذا يعني نقيض الصدق يا إما أمس أو اليوم؟ وأسئلة أخرى حارقة نابعة من الدهشة وشدة الغرابة التي تحوم حول مواقف البعض وقرارات عدة عايشناها مؤخرا. قبل الحصول على أجوبة صادقة يظهر أن واقعا حقيقياً ملموسا: ضعف القيادة الحالية على التفاوض وعلى التدبير والتوجيه، فضلا عن غياب شبه تام لخطة عمل وأهداف واضحة مما يجعلنا نتساءل بحرقة هل أصبح الحزب مجرد مكتب خدمات بدون هوية ولا رؤية ولا تموقع واضح كباقي جل الأحزاب السياسية؟! هذا يعني مطلبا واحدا ضروريا: رحيل القيادة الحالية في أقرب وقت لكي لا يستمر الارتباك في التدبير والهشاشة في القيادية ولا يستمر معه مسلسل انسلاخ الحزب عن هويته الإصلاحية.