يربط المحلل السياسي وخبير القانون الدستوري مصطفى السحيمي، في هذا الحوار، بين مطلب تعديل الدستور في فصله 47 الخاص بتعيين رئيس الحكومة مؤخرا، وبين وضعية حزب الأصالة والمعاصرة الذي «فُرضت» عليه المعارضة، بينما تأسس ليكون في الحكم. في المقابل يرى السحيمي أن من الطبيعي أن يكون حزب العدالة والتنمية أكبر مدافع عن الاحتفاظ بالفصل 47، «فهو يعتزم الحصول على الصدارة من جديد في انتخابات 2021، أي للمرة الثالثة على التوالي». يجري النقاش حاليا حول فكرة تعديل الدستور، هل يستقيم ذلك بعد مرور 8 سنوات على اعتماد الدستور الحالي؟ تعديل الدستور يبقى دائما ممكنا. فهذا القانون الأسمى ليس نصا ثابتا محكوما بعدم التغيير، ولا يتمتع بطابع القداسة الديني. من بين الأسباب التي قد تدفع إلى تعديل دستور يوليوز 2011، هو ملاءمته مع هذه الوضعية السياسية أو تلك، أي ما يتطلبه أخذ الواقع ومستجداته بعين الاعتبار. وأنا أعتقد أن ترسيخ الجهوية المتقدمة يمكن أن يكون عاملا أساسيا في أفق التعديل الدستوري. أضيف إلى ذلك أن تعديل الدستور قد يرتبط بعوامل خارجية وليست داخلية فقط، أي في إطار تسوية نهائية لنزاع الصحراء تحت إشراف الأممالمتحدة، وإعطاء شكل ومضمون لخيار الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية المسترجعة. فالعنوان التاسع من الدستور الخاص بالجهات وباقي الوحدات الترابية، يتضمن 12 فصلا، وإذا كان هناك اتفاق ينبغي المصادقة عليه، فإن جميع المقتضيات ينبغي أن تعدل. لماذا؟ لأن المبادرة المغربية بإقامة حكم ذاتي والمقدمة إلى مجلس الأمن الدولي في أبريل 2007، والتي توصف منذ ذلك الحين بالجدية والواقعية وذات المصداقية، تخصص رؤية مجددة وجد متقدمة للامركزية. فهي توصف بكونها مقترح للحكم الذاتي الداخلي، أي درجة أكبر من الجهوية المتقدمة. هل يمكن الإقدام على هذه الخطوة بشكل مفاجئ؟ لن يكون في الأمر أي مفاجأة، وذلك لسببين اثنين، أولهما كون المغرب يعتزم تأكيد حرصه على نقل أكبر ما يمكن من صلاحيات إلى الهيئات المنتخبة من طرف ساكنة الأقاليم الصحراوية، أي برلمان جهوي باختصاصات حقيقية ورئيس حكومة جهوية منبثق من داخل أغلبية، وهيئات قضائية مستقلة باستثناء تلك المرتبطة بالوحدة الوطنية والاختصاص الحصري لمحكمة النقض. السبب الثاني قد يرتبط بإعادة النظر في القانون التنظيمي الخاص بالجهوية الصادر في يوليوز 2015، لإعطاء بعد آخر لما كان يفترض أن يأخذه البعد المؤسساتي الجديد للمملكة. من جنب آخر، هناك عملية إعادة ضبط تنطلق إما من شكل واحد من الجهوية أو من خلال جهوية بسرعتين، تسمح بتمييز جهة الصحراء من جهة، أي جهوية أكثر تقدما، وجهوية في باقي الجهات. يجري النقاش أساسا حول الفصل 47 من الدستور، ما الإشكال الذي يطرحه هذا النقاش؟ «ينبغي أولا التذكير بنص هذا الفصل، فهو يقول: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة”. هذا الفصل من دستور 2011 جرى تطبيقه مباشرة بعد انتخابات 25 نونبر 2011، وهو ما أدى إلى تعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على رأس الحكومة في 3 يناير 2012. وخلال كل هذه السنوات، أي من 2012 إلى 2018، لم يكن هذا الموضوع محط تساؤلات كثيرة أو انتقادات من جانب الأحزاب. بل إنه جرى تطبيقه مجددا بعد انتخابات 6 أكتوبر 2016، لكن وإن كان بنكيران قد أصبح رئيسا للحكومة من جديد، فإنه لم يتمكن من تشكيل أغلبية، وفي 15 مارس تم إعفاؤه وتعيين سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب الإسلامي نفسه، والذي سيشكل أغلبيته الحكومية في 20 يوما الموالية، أي في 5 أبريل 2017. أي أن مبدأ تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول تم تكريسه.. في هذه المناسبة تحديدا، طرح سؤال تأويل الفصل 47 من الدستور. هل ينبغي للملك تطبيقه من جديد وتعيين رئيس حكومة آخر من الحزب الأول، وهو حزب العدالة والتنمية الذي تصدر انتخابات 7 أكتوبر 2016 ب124 مقعدا في مجلس النواب؟ وبتعيينه سعد الدين العثماني، حرص الملك على التوضيح أن هذا واحد من خيارات موجودة بين يديه، لكنها لم يتم تحديدها ويمكننا استنتاجه على الشكل التالي: أولها أن الملك عيّن رئيس الحكومة من الحزب الأول مباشرة بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016. أي أن هناك انتخابات ونتائج، وأن الأرقام هي التي تقرر في اختيار الحزب الذي ينبغي أن يسير الحكومة. المسطرة دقيقة وتوضح أن الملك لا يمكنه أن يسند رئاسة الحكومة إلى حزب غير ذلك الذي تصدر الانتخابات. المجال يبقى مفتوحا أمام الملك من حيث اختيار الشخص الذي سيتولى هذه المهمة من داخل الحزب، ولا شيء ينص أو يشير إلى ضرورة اختيار الشخص الذي يسير هذا الحزب. وبالتالي فإن الملك يمكنه أن يقدر أن شخصا آخر من داخل الحزب مؤهل أكثر لتسيير الحكومة. خلال الفترة ما بين أكتوبر 2016 ومارس 2017، وخلال بحث عبد الإله بنكيران على أغلبية برلمانية، قفز النقاش السياسي الوطني إلى الواجهة، حول التبعات التي ينبغي أن تترتب عن فشل هذا الأخير في تشكيل أغلبية. وكان هناك موقف جرى التعبير عنه حينها، يقول بضرورة انتقال الملك إلى الحزب الثاني في الانتخابات لتعيين رئيس حكومة آخر. دستوريا لا يستند هذا الخيار على أي نص، وهو ينتهك بشكل من الأشكال معنى وحمولة الفصل 47 من الدستور. إذا أردنا المقارنة، ما الذي يقابل الفصل 47 من الدستور المغربي في التجارب الدولية؟ إذا قمنا بفحص القانون المقارن، نجد عددا من الدساتير التي دخلت في تفاصيل هذا الموضوع، ونصت على المساطر الدقيقة لتعيين الوزير الأول. مثلا في تونس، يكلف رئيس الدولة مرشح الحزب السياسي أو التحالف الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس نواب الشعب، بتشكيل الحكومة، وذلك حسب الفصل 89 من الدستور. بعد مرور أجل شهر واحد، قابل للتجديد مرة واحدة، وفي حال فشل الوزير الأول المعين في تشكيل أغلبية، يقوم رئيس الدولة بعد مشاورات بتعيين شخصية مؤهلة أكثر لتشكيل الحكومة. وفي حال فشل هذه الشخصية مرة أخرى، يمكن للرئيس أن يدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة. في اليونان، نجد أن دستور 9 يونيو 1975 يدقق أكثر في هذه النقطة ومساطرها. فتعيين الوزير الأول يهم رئيس الحزب الذي يتمتع بالأغلبية المطلقة في مجلس النواب. وإن لم يحصل أي من الأحزاب على الأغلبية المطلقة، يمنح رئيس الدولة ولاية استكشافية لرئيس الحزب الحاصل على الأغلبية النسبية، كما يمنح الولاية نفسها لرئيسي الحزبين الثاني والثالث. وفي حال استحالة تشكيل حكومة، يكلف رئيس الدولة رئيس مجلس الدولة أو رئيس محكمة النقض أو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، بتشكيل حكومة انتقالية تتولى الإشراف على انتخابات جديدة، تعقب حل البرلمان. وإذا أردت إضافة دولة أخرى تبين تنوع طرق تعيين رئيس الحكومة، سأقدم نموذج البرتغال، حيث يتم تعيين الوزير الأول من طرف الرئيس بناء على نتائج الانتخابات، وذلك عبر استماعه إلى الأحزاب الممثلة في البرلمان. أما في ألمانيا فإن المستشار (رئيس الحكومة) ينتخب من طرف البرلمان بعد اقتراح من رئيس الدولة. وإذا فشل هذا المرشح في الحصول على أصوات البرلمان، فإن هذا الأخير يقوم بنفسه بانتخاب شخص آخر خلال 14 يوما التي تعقب التصويت الأول. وفي حال انصرام هذا الأجل دون انتخاب رئيس الحكومة بالأغلبية، يتم تعيين الشخص الذي حاز على أكبر عدد من الأصوات. وإذا كان هذا المستشار المنتخب لا يتوفر على الأغلبية، فإن رئيس الدولة يكون أمام خيارين، الأول هو تعيينه والثاني هو حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. حزب العدالة والتنمية يعتبر مثل هذا التعديل موجها ضده، كيف تقرأ ذلك؟ أعتقد أن أول من تحدث عن تعديل المادة 47 من الدستور كان هو الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، وذلك في 2016 خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية. هذا الأمر لم يكن مفاجئا لكون هذا الحزب جرى تأسيسه سنة 2009 لكي يحتل الصدارة والهيمنة على الواجهة الانتخابية التي يشغلها الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، والذي كان يسيره حينها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة بين 2011 و2016. وحزب الأصالة والمعاصرة كان قد احتل صدارة الانتخابات الجماعية ليونيو 2009، بنسبة 21 في المائة من الأصوات والمقاعد، متصدرا جميع الأحزاب الأخرى. كان ذلك في الحقيقة نقطة ارتكاز لهذا الحزب، من الناحية الرقمية، من أجل السعي لتحقيق الشيء نفسه في الانتخابات الموالية، خاصة الانتخابات التشريعية التي كانت متوقعة في 2012. لكن الربيع العربي وحركة 20 فبراير 2011 قلبا هذه الأجندة ومعها حسابات حزب الأصالة والمعاصرة. مع الصعود القوي لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011، بحصوله على 107 مقاعد بعدما كان يتوفر على 46 مقعدا في انتخابات 2007، تولى هذا الحزب رئاسة الحكومة في شخص عبد الإله بنكيران. وحزب الأصالة والمعاصرة الذي جرى تأسيسه لكي يكون في الحكومة، بل وفي الصدارة، وجد نفسه وقد ألقي به في المعارضة إلى جانب حزب الاتحاد الاشتراكي ثم لاحقا حزب الاستقلال الذي غادر حكومة بنكيران في تعديل يوليوز 2013. ومعه تشكيل حكومة العثماني في 5 أبريل 2017، بقي هذا الحزب دائما في المعارضة إلى جانب حزب الاستقلال بينما انتقل حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الأغلبية الحكومية.. هل ترى أن «البام» هو الطرف السياسي المعني بمثل هذا التعديل.. حزب الأصالة والمعاصرة حقق أكثر من ضعف مقاعده السابقة في انتخابات 2016، بحصوله على 104 مقاعد، أي أقل من حصيلة العدالة والتنمية بنحو 20 مقعدا. في هذا الوضع، يعتبر حزب الأصالة والمعاصر نفسه معاقبا بالفصل 47 من الدستور، فمن جهة يجد غريمه الأساسي، حزب العدالة والتنمية، عائدا إلى الحكومة في أبريل 2017، ومن جهة أخرى يجد كتلته البرلمانية الكبيرة والتي يفوق عددها مجموع أربعة أحزب مجتمعة، هي الأحرار والحركة والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، لكنه عاجز رغم ذلك عن إيجاد موطئ قدم داخل الحكومة، فقط لأن الفصل 47 ينص على قاعدة الحزب الأول يرأس الحكومة. من خلال هذا التشخيص، من الطبيعي أن يكون حزب العدالة والتنمية أكبر مدافع عن الاحتفاظ بالفصل 47، فهو يعتزم الحصول على الصدارة من جديد في انتخابات 2021، أي للمرة الثالثة على التوالي. حزب التجمع الوطني للأحرار لعزيز أخنوش، يقوم بالحسابات نفسها، ويسعى للوصول إلى الصدارة في الانتخابات المقبلة خلال سنتين من الآن. كيف سيفعل التجمع الذي يتوفر الآن على 37 مقعدا برلمانيا فقط ليتجاوز حزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على 124 مقعدا؟ لاشك أن البيجيدي سيخسر جزءا من مقاعده في الانتخابات المقبلة، بسبب انقساماته الداخلية وحصيلته الحكومية. وحزب التجمع الوطني للأحرار قد يرفع من عدد مقاعده، والأفق قد يكون هو نجاح حزب أخنوش في تشكيل تكتل مع كل من الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، لرفض التحالف مع حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات 2021. حسابيا يبدو ذلك ممكنا، لكن لهذه الوصفة كلفة سياسية وديمقراطية جد مرتفعة، لأنها ستضعف أكثر عملية الانتقال وروح دستور 2011.