خبرة سنوات من العمل السياسي اختار أحد أقطاب المقاومة واليسار المغربي محمد بنسعيد أيت إيدر أن يوثقها في كتاب تكلم فيه بصفة الشاهد على مرحلة، وقدم خلاله شهادة تاريخية على مرحلة مهمة من الحياة السياسية في المغرب، ترصد لتحولات وأحداث ساهمت بشكل كبير في ولادة المغرب على ما هو عليه اليوم. الكتاب المعنون ب”هكذا تكلم محمد بنسعيد..”، اختير له يوم 23 من مارس لتوقيعه في حفل من تنظيم مركز محمد بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات. الرجل الذي عايش حياة ثلاثة ملوك، محمد الخامس والحسن الثاني، والملك محمد السادس، يكشف ويعري وقائع وأحداث يقول عنها إنها ظلت لسنوات طي الكتمان، إما بسبب الخوف نظرا لارتباطها بالقصر، وإما بسبب وجودها ضمن لائحة المحرمات، كما قال في تصريح ل”أخبار اليوم”، مردفا أن شهادته جاءت صريحة وواضحة لا لبس فيها ولا تحفظ، والهدف هو ابتغاء وضع الشباب المغربي في معمعة ما شهده المغرب من وقائع وأحداث إبان فترة من التاريخ المغربي اتسمت بالغليان السياسي. من فترة ما قبل الاستقلال إلى مخاض ولادة الاستقلال، يُنطق أيت إيدر التاريخ من جديد ليسافر بالقارئ عبر صفحات كتابه أرجاء مراحل ظلت معتمة، ولم يجرأ الكثير من الباحثين على إضاءتها بسبب الرقابة الذاتية التي مارسوها على أنفسهم، يقول بنسعيد في تصريحه. ومن ضمن هذه الأحداث، أحداث الريف الدموية عام 58، والوثيقة التي وقعها الملك الراحل آنذاك محمد الخامس مع وزير الخارجية الفرنسي يوم 6 من نونبر، والتي تؤرخ “للاستقلال المرتبط”، أي “الاستقلال المرتبط بفرنسا”، يقول بنسعيد، والذي ظل جزئيا، بحسب تصريحه ل”أخبار اليوم”، معرجا على الدور الذي لعبه القصر إبان تلك الفترة في تكريس هذا الاستقلال الجزئي، “ما فوّت على المغرب الاستقلال الحقيقي عن التبعية الفرنسية”، يقول اليساري المخضرم. وهو ما أفضى إلى رد فعل المقاومين آنذاك وما تلاه من اضطرابات واعتقالات وقمع وانقلابات منذ مطلع ستينيات القرن الماضي إلى مطلع الثمانينيات، بحسب بنسعيد، مردفا “من حق الجيل الجديد أن يعرف ويطلع على كل هذه الأحداث ويعلم بأسرارها وأسبابها”. هكذا تكلم بنسعيد عن فترة من الحياة السياسية المغربية، لكن كيف ينظر أيت إيدر إلى المشهد السياسي المغربي اليوم؟ ففي جواب له عن سؤال “أخبار اليوم”، قال أيت إيدر “نحن اليوم، مع طرح ملكية برلمانية، كما أننا مستعدون للتعامل مع القصر على أسس الديمقراطية والحريات والمواطنة”، مردفا أن القصر عمل على اتخاذ الكثير من الخطوات التي نعتبرها إيجابية، ولكن هناك تراجعا اليوم، “حراك الريف وجملة الاعتقالات التي شهدها المغرب أخيرا، تعني أن القضاء المغربي ليس مستقلا، وهذا ليس من مصلحة النظام”، يقول أيت إيدر. وأردف ابن منطقة شتوكة آيت باها، أن من يتحدث عن الاستقرار في البلاد، فإن الاستقرار لن يحصل طالما ليست هنالك ثقة متبادلة بين الشعب والسلطات، “فالسلطات يجب أن تعلم أن عملها من أجل تحقيق الاستقرار في البلد لن يحصل إلا إذا كانت هنالك ثقة متبادلة بينها وبين الشعب، وإلا إذا عملت بداية على كسب ثقة المواطنين”. كما عرج الشاهد على العصر للحديث عما يعتلي الجزائر اليوم، من حراك وانتفاضة شعبية، وكيف يخاطب الشعب الجزائري اليوم، الجيش على أساس أنهم إخوة، والهدف في النهاية ليس تخريب البلد، بل تكوين حكومة تمثل المواطنين”. وفي السياق قال بنسعيد، الذي ركز بشكل كبير على البعد المغاربي في مؤلفه الجديد، إن المغرب والجزائر لهما مصير مشترك، وكلاهما يطلعان بدور كبير في تحقيق ما يصبو له سكان شمال إفريقيا لكونهما قطبي المنطقة. وفي الأخير حث أيت إيدر الشباب المغربي على القراءة والتعلم والابتعاد عن الخرافات حتى يحمي نفسه ويخرج من “الدوخة”، بحسب وصفه.