تعرف قضية نزاع الصحراء منذ نهاية السنة المنصرمة تطورات متسارعة وكبيرة، من شأنها أن تساهم في حلحلة الجمود السائد منذ سنة 2007. إذ بعد الضغط الواضح للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب على أطراف النزاع، للجلوس إلى طاولة الحوار للإسراع في إيجاد حل لهذا النزاع، وبعد العزلة الكاملة التي يعانيها النظام الفنزويلي، بزعامة الرئيس نيكولاس مادور، حليف البوليساريو، وبعد الحراك الشعبي منذ ثلاثة أسابيع في الجزائر؛ تشهد قضية الصحراء تطورات مهمة بإسبانيا كذلك، حيث اعترف خورخي فيرسترينج، العضو في حزب بوديموس الإسباني المعادي للوحدة الترابية للمملكة ومستشار زعيمه بابلو إغليسياس، بمغربية الصحراء، مهاجما الجزائر والبوليساريو. تطور ثان يتمثل في عودة أحدة الضباط السابقين، أول أمس الاثنين، إلى المغرب، في ظل الغليان الذي تعرفه مخيمات تيندوف؛ أما التطور الثالث فيتمثل في تأسيس الإطار السياسي “المبادرة الصحراوية من أجل التغيير”، في إسبانيا قبل شهور، والذي تقدم لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، بطلب عقد الجمع العام الأول له بتيندوف هذه السنة، مع دعوته إلى ضرورة الحوار مع المغرب من أجل حل “يرضي مصالح الطرفين”. ضربة قوية للبوليساريو في هذا الصدد، صدم خورخي فيرسترينج، العضو بحزب بوديموس الإسباني ومستشار زعيمه إغليسياس، والخبير والأستاذ الجامعي بجامعة الكومبلوتينسي بمدريد، أنصار البوليساريو في إسبانيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، بتأكيده على أن الصحراء مغربية، لأنه “لا وجود لشعب صحراوي”، وبرر ذلك بكون الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا سنة 1975 يتحدث عن “ساكنة” الصحراء وليس “الشعب”. هذا الموقف أحرج قيادة حزب “بوديموس”، لكن خورخي فيرسترينج نفسه يعترف بأن حزبه “لازال، للأسف، لم يدرك الوضع الحقيقي لهذه الأرض المغربية”، وتابع أن “النقاش حول الصحراء ما كان ليطرح أصلا، لأن أرض الصحراء مغربية وكانت دوما كذلك”. وأضاف “أنا قريب من حزب بوديموس، لكن علي أن أسمي الأشياء بمسمياتها”. وهاجم الجزائر باعتبارها طرفا أطال عمر النزاع المفتعل قائلا: “يجب على الجزائر أن تتعامل مع مشكلاتها الداخلية بدل التدخل في شؤون المغرب والصحراء”. ونظرا للجدل الذي أثاره كلام خورخي فيرسترينج، خلال مشاركته في أشغال الدورة السنوية الخامسة لمنتدى كرانس مونتانا، التي انعقدت من 14 إلى 17 مارس الجاري بالداخلة، واتهامه من قبل بعض الجهات المحسوبة على البوليساريو بالاصطفاف مع المغرب؛ كشفت صحيفة “آ ب س” الإسبانية، نقلا عن مصادر مغربية، أن مشاركة خورخي فيرسترينج في كرانس مونتانا لم تكن عرضية، كما أنه لم يحصل على أي مقابل، باستثناء تذكرة الطائرة والأكل والتنقل أسوة بمئات المشاركين. فيما يرى فيرسترينج أن موقفه هذا نابع من كون “المغرب هو البلد الذي حقق أكبر تقدم ونمو اقتصادي في إفريقيا، كما أنه يقوم بجهود مهمة في مجال التضامن مع البلدان الإفريقية”، مبرزا أن المغرب بلد “أساسي” في نمو إفريقيا وكشريك للاتحاد الأوروبي. تضعضع داخلي وعلى غرار الضربات التي تلقتها البوليساريو وحلفاؤها في الأسابيع الأخيرة في أوروبا وفنزويلاوالجزائر، تلقت ضربتين أخريين من الداخل؛ أهمها تأكيد وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم أول أمس الاثنين، نقلا عن مصدر عسكري، أن إطارا متمردا على جبهة البوليساريو، صرح أنه يحمل رتبة قائد ويشغل مهمة ضابط مساعد ل “قائد كتيبة” بما يسمى ”درك الجبهة الانفصالية”، تقدم صباح الاثنين على مستوى خط الدفاع بمنطقة “فارسية” (منطقة واد درعة)، معلنا رغبته في الالتحاق بالوطن الأم. وحسب ذات المصدر، فإن المعني بالأمر، الذي يبلغ من العمر 29 سنة، والذي كان على متن سيارة “جيب” بألوان عسكرية، قال إن هناك متمردين آخرين يرغبون في العودة إلى البلد. أما الضربة الثانية فتتمثل في تأسيس في نونبر 2017 إطارا سياسيا صحراويا جديدا بإسبانيا تحت اسم “المبادرة الصحراوية من أجل التغيير”، بزعامة حاج أحمد البخاري، وزير سابق في البوليساريو وشقيق الراحل أحمد البخاري، ممثل الجبهة في الأممالمتحدة لمدة 16 عاما، والذي راسل قيادة البوليساريو بهدف السماح له بعقد اجتماع عام هذه السنة بمخيمات تندوف وحضور أشغال الجمع العام السنوي للبوليساريو، لكنهم لم يتلقوا أي جواب. ويبدو أن قيادة البوليساريو متوجسة من الحاج أحمد البخاري بعد التأكيد على أنه يجب إخراج الشعب الصحراوي من “البئر المظلمة” التي يقبع فيها منذ انسحاب إسبانيا من الصحراء، مؤكدا أن “الحل يجب أن يكون وسطيا بين ما هو ممكن وما يتمنى. الحل المعقول هو ذلك الذي تتلاقى فيه مصالح بعض المغاربة وحقوق صحراويين آخرين”، وأردف أن الخروج من البلوكاج يفرض على الطرفين “إبداء حسن النية وبناء الثقة”. عزلة الحليف مادورو على الرغم من التحفظ المغربي عن الإعلان الرسمي والعلني بالاعتراف بالرئيس المؤقت الجديد لفنزويلا، خوان خوان غواييدو، والاكتفاء بالإعلان عن دعمه كرئيس مؤقت، اعترف غواييدو، نهاية الأسبوع الماضي، باعتراف المغربي به، ما شكل ضربة قوية، أيضا، للبوليساريو، إذ أن سقوط الرئيس الحالي، نيكولاس مادورو، ثاني حليف رئيس للجبهة في أمريكا اللاتينية بعد كوبا، يعني سقوط الجبهة في هذه القارة. غواييدو أقر في حوار صحافي مع “بي بي سي”، نهاية الأسبوع الماضي قائلا: “انجلترا وإسبانيا وفرنسا وكولومبيا والبرازيل والإكوادور وكوريا الجنوبية وأستراليا والمغرب وإسرائيل و60 دولة أخرى، كلها دول اعترفت بي (كرئيس مؤقت)، لأنه لم تكن هناك انتخابات في فنزويلا سنة 2018″، وتابع “من جديد، من يقفون وراء تغيير فنزويلا هم نحن الفنزويليون”. غواييدو كان أشار، كذلك، في حوار مع صحيفة “إلباييس”، يوم الخميس الماضي، إلى الاعتراف المغربي به قائلا: “يجب أن أشكر الإدارة الأمريكية (…)، وأستراليا واليابان والمغرب وكوريا الجنوبية؛ هذه ليست مشكلة بلد أو آخر، بل اعتراف دولي واضح بالأزمة التي تعيشها فنزويلا”..