أثار الباحث في الدراسات الإسلامية، عبدالوهاب رفيقي، الذي كان معروفا بلقب: “أبو حفص”، حينما كان سلفيا، إعجاب قيادات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، وعلى رأسهم نبيل بنعبدالله، الأمين العام، حين تبنى قراءة تاريخانية لنصوص القرآن، معتبرا أنها المسلك الوحيد لحل إشكاليات اجتماعية من قبيل المساواة بين الرجل والمرأة. واعتبر رفيقي، خلال استضافته في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية “ومنتدى المناصفة والمساواة” حول المساواة بين مستلزمات التحديث ومضامين الفكر الديني، مساء يوم الجمعة 15 مارس، أن هناك ثلاث قراءات لنصوص القرآن الكريم. الأولى “حرفية”، والتي أنتجت “داعش”، والثانية قراءة “مقاصدية”، و”انتهازية”، والتي “تبناها تيار الإسلام السياسي”، وهي قراءة وصفها “بالانتقائية” لأن الحركات الإسلامية لجأت إليها فقط، من أجل تبرير مشاركتها السياسية في الحكومة والبرلمان، ولم توسعها لتشمل الأحكام. والقراءة الثالثة “تاريخانية”، وهي التي ترمي إلى وضع النص القرآني في سياقه التاريخي، وعدم تطبيق أحكامه “القاسية” في حق المرأة، على ظروف المجتمع الحالي، وهي رؤية تتقاطع مع أفكار سابقة ماركسية تقرأ الدين في سياق التطور التاريخي، ما جعل مناضلي التقدم والاشتراكية وعدد من اليساريين الذين حضروا اللقاء يصفقون بحرارة لمواقف وتحليلات رفيقي، لدرجة أن نبيل بنعبدالله قال له مازحا: “إن اسمك رفيقي، وأنت بين الرفاق”. وبدأ رفيقي، محاضرته في مقر حزب التقدم والاشتراكية بإثارة إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة، متسائلا لماذا نتحدث دائما عن الدين في قضايا اجتماعية؟ ورد بأن هذا الأمر هو مسألة “موضوعية” لأن كثيرا من القوانين المتعلقة بالمرأة “منبثقة بشكل مباشر أو غير مباشر من المنظومة الفقهية الدينية”. واعتبر أن “الفقه الديني التقليدي” أصبح “عائقا” أمام تقدم القوانين لصالح المرأة، ومن الأمثلة على ذلك رفض اعتماد التحليل الجيني لإلحاق الأبناء بآبائهم، فرغم أن قاض في طنجة قرر إلحاق طفل بأبيه بعدما أظهر التحليل الجيني علاقته به، إلا أن محكمة الاستئناف نقضت الحكم. أيضا، النصوص الشرعية تمنع زواج المسلمة من غير المسلم، وعندما يطرح مطلب إلغاء التعصيب رغم أن بناءه ضعيف “يقال لنا إن ذلك مخالفا للشريعة”. نحن أمام عائق حقيقي لا بد من مناقشته، يقول رفيقي. وانتقد رفيقي بشدة مقولات الشيوخ والإسلاميين بأن الإسلام كرّم المرأة، قائلا: “تستفزني عبارات الشيوخ بأن الإسلام كرم المرأة وعظمها.. هذه أسطوانة نسمعها دائما، كلما طرحنا فكرة المساواة”. واعتبر أن نفس ذلك الشخص الذي يتحدث عن تكريم الإسلام للمرأة “يكرس احتقار المرأة”، ويرى أنها لا يمكن أن تتولى المناصب السياسية، بدعوى “لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، أو أن المرأة “ضلع أعوج”، وأن المرأة إذا امتنعت عن زوجها في فراش الزوجية “تلعنها الملائكة”، رغم أن الرجل يمكنه أن يمتنع عن زوجته، ولا يتعرض لشيء. واعتبر رفيقي أن هذه الأحكام “تكرس دونية المرأة”. هل الإسلام كرم المرأة؟ يجب النظر إلى الواقع التاريخي، يقول رفيقي، وللسياق الذي أتى فيه الإسلام، ونقارنه بما بلغه العالم من تطور اليوم. السياقات التاريخية الزمانية والمكانية مهمة لفهم النصوص، حسب قوله، لأن كثيرا من النصوص القرآنية مرتبطة بالسياق الزمني والمكاني. فعندما أتى الإسلام لشبه الجزيرة العربية كانت المرأة تعيش ظلما كبيرا، ولكن هناك أدلة تاريخية على احتلال المرأة مكانة أفضل في أماكن أخرى غير مكان نزول القرآن. في الجزيرة العربية كان هناك من يقتل ابنته، بل كانت المرأة تورث مثل سائر التركة. ولهذا لجأ الإسلام إلى “التدرج”، لأنه “لا يمكن قلب نظام اجتماعي رأسا على عقب”. المرأة لم تكن ترث فأصبحت ترث نصف ما يرثه الرجل، وهذه “قفزة نوعية” في ذلك الوقت. كما أقر الإسلام حقوق الأيتام، وهذا لم يكن معترفا به. تغير إذن، وضع المرأة وأصبحت السيدة عائشة مثلا، تدخل معارك سياسية. ويميز رفيقي بين النصوص القرآنية التي نزلت في مكة، والتي كانت واضحة في المساواة بين الجنسين، عبر إرساء مبادئ عامة والنصوص التي نزلت في المدينة، والتي أتت بالأحكام في سياق معين. واعتبر رفيقي أنه كان من المفروض بعد الثورة التي أحدثها الإسلام، في سياق نزوله، بإعطائه المرأة نصف ميراث الرجل، أن يقع تطور وأن تتواصل هذه الثورة، لكن ذلك لم يحصل. حصل تطور في العقد الأول والثاني والثالث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل اجتهادات عمر بن الخطاب، في إيقاف العمل ببعض الأحكام، لكن بعد تأسيس أول دولة في الإسلام، مع الدولة الأموية، “برز الاستبداد وتوقفت المسيرة كليا”، وحصل الجمود، بسبب تحالف الأنظمة السياسية مع الفقهاء الذكور، وتوالى إنتاج أفكار جيلا بعد جيلا ليس فقط، بتحريم تولي المرأة المناصب، بل “إلزامها بلباس معين” ومنعها من تولي المسؤوليات، وهكذا أصبح “كل قرن مُتَخلَّف عن سابقه، ومعه زادت حقوق المرأة تراجعا”. هل هناك إشكاليات في الفكر الديني؟ يرى رفيقي أن بعض نصوص السنة النبوية “لا يصدقه العقل”، مثل حديث يتحدث عن بطلان الصلاة “إذا مرت أمام المصلي امرأة أو حمار أو كلب”، وهو حديث استنكرته عائشة رضي الله عنها، ورواه أبو هُريرة، هو حديث مقرر عند الفقهاء. وحديث رواه البخاري يفيد أن “الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار”، والحديث عن كون المرأة “ناقصة عقل ودين”، و”لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”. ولم يقف رفقي عند انتقاد هذه الأحاديث، بل إنه انتقد حتى بعض النصوص القرآنية، معتبرا أن بها إشكاليات، من قبيل “للذكر مثل حظ الانثيين”، وآية “اضربوهن”، معتبرا أن هذا نصا “قاسيا”، بالنظر إلى واقع الحقوق التي تعيشها المرأة اليوم. وكذا الآية التي تنص على شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد. فكيف يمكن الخروج من هذه الإشكالية؟ يرد رفيقي أن الحل يكمن في “معالجة هذه النصوص”، “وتغيير نظرتنا إليها”. وفي هذا يقول: “بعض الفقهاء يَرَوْن أن هذه نصوص هي الدين”، في حين يرى أن هذه النصوص يمكن “فصلها” عن الدين وربطها بسياقها الزماني والمكاني، أو ما سمّاه “التفريق بين لغة النص ورسالة النص”: لغة النص مرتبطة بالمخاطب الذي وجه له النص، ولا يمكن قراءتها إلا بعقل المخاطب في ذلك الوقت. وحسب رفيقي “ليس كل النصوص التشريعية في القرآن هي من الدين”، داعيا إلى تغيير النظرة للدين. في عهد عمر بن الخطاب مثلا، بعد فتح أراضي العراق والشام أراد المقاتلون اقتسام هذه الأراضي عملا بآية قرآنية: “واعلموا أن ما غنمتموه فإن لله خمسه..” وهي تنص على اقتسام الغنائم، لكن عمر، يقول رفيقي، أوقف ذلك، معتبرا أن هذا النص القطعي كان مرتبطا بواقع في المدينة عندما كانت كتلة صغيرة، فضم تلك الأراضي لبيت مال المسلمين. وخلص رفيقي إلى أن الحل هو القراءة التاريخانية للنصوص القرآنية، واستبعاد النصوص التي اعتبرها “قاسية” في حق المرأة بوضعنا في سياقها التاريخي، لدرجة أن أحد مناضلي التقدم والاشتراكية وصف محاضرة رفقي بأنها “قراءة ماركسية للدين”. الحل هو العلمانية من جهته، ركز مصطفى الناوي، المحامي ومدير الدراسات والبحث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على تناول موضوع المساواة بين الرحل والمرأة في المواثيق الدولية وناقش إشكالية المساواة في المغرب سواء من حيث النصوص القانونية التي تكرس التمييز، أو من خلال الاجتهاد القضائي. فالمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نصت على أنه “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء”، معتبرا أن هذه المادة “عميقة في مضمونها”، كما شكلت المساواة “شعارا” وعنوانا لعدة ثورات في الماضي. وفي المغرب تناول الناوي إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة من خلال التشريع، فالرجل المغربي المسلم يمكنه الزواج من كتابية، لكن المرأة المسلمة لا يمكنها الزواج من كتابي إلا إذا أسلم، كما أن هناك قاعدة لا توارث بين المسلم وغير المسلم، فالزوجة الكتابية لا ترث من زوجها المسلم، وفِي حالة ما إذا كان متزوجا من امرأتين، الأولى مسلمة والثانية كتابية، فإن الأولى ترثه، والثاني لا ترثه. هذه الحالات اعتبرها الناوي تمييزا. كما تناول حالة المرأة التي تضع شكاية ضد شخص حملت منه، في حين أنه يتمسك بالإنكار، في هذه الحالة يتم النظر للمرأة كمتورطة في مشكلة لأنها اعترفت ودليلها في بطنها، أما الرجل، فيُعفى من المساءلة. وفِي مجال الحق في الصحة “حتى المرضى لا يمكنهم تلقي العلاج بسبب القوانين، وكمثال على ذلك مدمنو المخدرات يحتاجون إلى علاج وليس إلى عقاب، والمصابون بداء السيدا من عاملات الجنس لا يمكنهم تلقي وسائل الوقاية لأن القانون ضدهم، كما أن القانون يعاقب على العلاقات الجنسية الرضائية. هذه الأمثلة التي قدمها الناوي تعكس تمييزا “وتؤثر سلبا على أذهان القائمين على تطبيقها، فيجتهدون أكثر مما جاء في النص. ومن الأمثلة على ذلك، اجتهاد قاضي بمحكمة النقض بشأن حرمان المرأة من مستحقات الطلاق إذا لجأت إلى طلاق الشقاق. وخلص الناوي إلى أن المنظومة القانونية في المغرب “متضاربة وتعاني من سكيزوفرينيا”، داعيا إلى تعديلها حتى يكون التفاعل مع القضايا الدنيوية داخل المجتمع في “إطار ديمقراطي في إطار العدل”. وشدد الناوي على أن الحل يكمن في “فصل الدين عن القانون وترسيخ العلمانية”.