فردنة السياسة من سمات المجال السياسي في المغرب. إنها علامة على ضعف الأحزاب السياسية كمنظمات، وكإيديولوجيات، وأكثر من ذلك كمشاريع، أو بالأحرى دليل على غياب المشاريع. هنا يكمن ضعف الأحزاب أمام السلطة على مر الزمن، ويفسر سبب أن يحظى الأفراد بمثل هذه الأهمية البالغة في حقلنا السياسي. ليس المخزن وحده الذي يفرّد. فهو كسلطة متعددة الأطياف يجري اتصالات ومفاوضات وراء الحجاب (حجاب السلطان)، ويفضل الروابط مع الأفراد بدل المنظمات (سمة موروثة من المجتمع المخزني/ القبلي). أفراد يضعهم في الواجهة بمدح عظمتهم من أجل ابتلاعهم وامتصاص طاقاتهم المعارضة وضمهم تحت جناحه. ومثل هذه الحالات متعددة، يمكن أن نذكر كمثال شهير وملفت للنظر، عبدالرحمان اليوسفي، الذي كان بمثابة المرشد العبّار «passeur» للملكية في مرحلة انتقالها من الحسن الثاني إلى محمد السادس. عبّد الجسر للأمير، لكنه وصل إلى الضفة الأخرى منقطع الأنفاس ومنهك القوى ومفرغا من رمزيته»السياسية» التي امتصها الملك الذي خدمه. ثم تُرك في قارعة الطريق، وانتهى أمره. لكن الفردنة تشكل في الوقت نفسه، ملجأ آمنا للأحزاب، بسبب ضعف هذه الأخيرة وانعدام مشاريعها. فذاكرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التي يتعامل بها حاليا، تتلخص في أسماء معدودة: ابن بركة، بنجلون وبوعبيد. وذاكرة حزب التقدم والاشتراكية مبنية على شخص علي يعته، كما هو الحال بالنسبة إلى حزب الاستقلال مع علال الفاسي. إذن، هناك تشابه في وجهات النظر حول هذا المستوى بين المخزن والأحزاب. هذه المقاربة ضرورية لفهم وضعية بنكيران بشكل أفضل. يجب ألا ننخدع بالحملة المتعلقة به على الشبكات الاجتماعية، والتي ليس لها أي تأثير سياسي على المدى المتوسط. ما يهمنا هو تحليل الهياكل وليس الأحكام الفارغة. بنكيران هو حالة خاصة، لقد تم تفريده بشكل دائم من قبل حزبه ومن قبل السلطة. هذه الأخيرة حائرة في كيفية التعامل معه، لأنها لا تمتلك حتى الآن، فكرة دقيقة عن مستقبله، لذلك لديها علاقة معقدة معه. ومعاملة المخزن له تذكر شيئا ما بمعاملة السلطة لقادة الزوايا في المناطق التي لا تتحكم فيها بشكل كلي. في هذا الصدد، يجب أن نموضع التفكير حول قادة الأحزاب والأحزاب نفسها. إن الهوس بمسألة التقاعد الاستثنائي تغير طبيعة المشكلة وتخفي جوهرها. فطبيعة العلاقات بين السلطة ومعارضيها، تتمثل أساسا في تدبير النزاعات. إن مسألة المال تخفي شخصية بنكيران الحقيقية، والطريقة التي تمت بها المظاهرة السخيفة قبل الانتخابات تكشف ذلك. فيما يخص القادة السابقين، بما في ذلك اليوسفي، ما يهم أكثر، هو مسألة الحصيلة السياسية والإنجازات الحقيقية، فيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة. أما التقاعد أو عدمه، فهو سؤال ثانوي، والأمر نفسه ينطبق على بنكيران.