في سوق ممتاز بحي أكدال، أحد الأحياء الراقية في مدينة الرباط، تقف سعيدة، ذات البشرة الداكنة، مرتدية جلبابا أزرق وتضع غطاء على رأسها، تنتظر دورها لأداء ثمن مشترياتها. كانت تتقدم بخطوات ثابتة، تنظر تارة إلى هاتفها المحمول، وتارة أخرى، توجه نظرها نحو الصف. تعمل سعيدة، التي تتحدر من إقليمسيدي بنور، لدى أسرة في الحي ذاته منذ سنتين بدون عقد عمل، وبشهرية تصل إلى 1500 درهم. الشابة لا تعلم بوجود قانون جديد يصون حقوق العاملات المنزليات، وترجح، أيضا، عدم علم مشغِّلها بهذا القانون، معتبرة – بعد معرفتها بمضامينه- أنه لو تم تطبيقه على الأقل ستضمن بعضا من حقوقها، وأهمها الاستفادة من العطلة والتغطية الصحية. المتحدثة، وعمرها 19 ربيعا، قالت ل”أخبار اليوم” إنها تعاني من طول ساعات العمل التي تصل إلى أزيد من 16 ساعة يوميا، بالإضافة إلى عدم استفادتها من يوم راحتها الأسبوعي أو إمكانية السفر إلى أهلها. ورغم أن مُشغِّلة سعيدة لا تعاملها معاملة سيئة، وسمحت لها بأن تعيش معهم في المنزل نفسه، إلا أنها تتمنى أن يطبق هذا القانون ويفرض على مُشغّلها الالتزام بمقتضياته لتصون حقوقها، غير أنها عبرت عن عدم رضاها من الحد الأدنى للأجر الذي حدده المشرِّع، والذي يتساوى مع الأجرة الشهرية التي تتقاضاها، مستبعدة أن “تقبل مشغلتها بالتصريح بها، فحتى إذا قامت بطردها لا تكون ملزمة بتأدية تعويضات لها عن سنين الخدمة، كما هو الشأن في باقي المهن في القطاع الخاص”، تضيف بحسرة. عاملة أخرى تجهل بمضامين القانون وبوجوده من الأساس، فاطمة الزهراء، البالغة من العمر 17 سنة، والمتحدرة من قرية قريبة من سيدي قاسم، تقول في حديثها ل”أخبار اليوم”، إنها لم يسبق أن سمعت بهذا القانون، موضحة أنها تعمل عند هذه الأسرة منذ سنة ونصف، لكنها تتابع تعليمها على أساس أن تتكلف الأسرة المشغلة بمصاريف الدراسة والسكن والأكل دون أن تستفيد من أجر شهري، مشيرة إلى أنها “حين تقرر السفر لزيارة أهلها عندئذ فقط، يمنحها مشغلها أجرها لكي تسلمه إلى أسرتها دون حرية التصرف فيه”. فاطمة الزهراء، التي تدرس في سنة أولى من التعليم الثانوي، تقول إنها “لا تريد الاستمرار في هذا العمل وتطمح أن تواصل دراستها لتغير مسار حياتها”، غير أنها تعود وتقول، بعدما عرفت أن القانون يحدد سن العمل في 16، إن “هذا القانون لو كان دخل حيز التنفيذ عند مجيئها إلى هذه الأسرة كان سيحميها على الأقل من العمل في سن 15 سنة، في وقت يدرس أقرانها ويلعبون”، مشيرة إلى أنها “إذا طلبت من مشغلها أن يصرح بها سيطردها من العمل، وهي لازالت في حاجة إليه إلى أن تنهي دراستها الثانوية”. جهل عام بالقانون.. ليس فقط، العاملات والعاملين المنزليين من يجهلون بتاريخ دخول القانون حيز التنفيذ وبمقتضياته، بل إن عددا واسعا من الأسر المشغِّلة لا تتوفر لديها معلومات تهم هذا القانون. سلمى، موظفة في القطاع الخاص، تقطن بحي الفتح بيعقوب المنصور، متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، تقول في حديثها ل”أخبار اليوم”، إنها سمعت قبل سنتين بالقانون، لكنها لا تعلم إن كان البرلمان قد صادق عليه، مضيفة أنه “لم يسبق لها الإطلاع على مضامنيه، وأن كل ما تعرفه أنه كان هناك نقاش حول سن العاملات المنزليات، وكانت بعض الجمعيات تطالب بتحديد الحد الأدنى في ولوج العمل المنزلي في سن 18 سنة”، مشيرة إلى أنه من الصعب تطبيق مثل هذا القانون لكون المشغِّلين في الشهور الأولى يضعون العاملات التي لديهم تحت التجريب من أجل اختبار أمانتهن ومنسوب الثقة التي سيضعونها فيهن قبل أن تستمر معهم بشكل دائم”. وتابعت قائلة “أعرف عددا من صديقاتي تشتغل لديهن العاملة شهر أو شهرين وتغادر. لذا، يكون من الصعب أن يصرح بها المشغل في صندوق الضمان الاجتماعي أو حتى لدى مفتشية الشغل”. بعد أزيد من ثلاثة أشهر من دخول قانون العاملات المنزليات حيز التنفيذ، لم تتوصل مفتشيات الشغل سوى بنحو 133 تصريحا. فحسب المعطيات التي حصلت عليها “أخبار اليوم” من الوزارة، فإن أكبر نسبة التصاريح كانت في جهة مراكش، تليها جهة الرباطالقنيطرة، ثم جهة الدارالبيضاءسطات، بينما أضعف عدد التصاريح كان في مدينة أكادير، فيما تبقَى التصاريح في الجهات الثمانية الأخرى شبه منعدمة. وعن أسباب ضعف عدد التصاريح، يُرجعه جمال أغماني، وزير التشغيل السابق، إلى جهل الناس بمقتضيات القانون، بالإضافة إلى ثقافة تشغيل العاملات والعمال المنزليين بدون عقود عمل، معتبرا أن تطبيق هذا القانون سيكون مهمة صعبة، مشددا على أن الوزارة مطالبة بالقيام بحملة واسعة لشرح مضامين القانون وتوفير الإمكانيات اللازمة لمواكبته. قانون تعجيزي! واعتبر أغماني، الذي وضع الأرضية لهذا القانون، أن قانون العاملات والعمال المنزليين يعد من أصعب القوانين لأنه يمس كل الشرائح الاجتماعية، من مشغل وعامل وأسر، ومضيفا “للأسف، لم تواكبه حملة واسعة عند دخوله حيز التنفيذ تُعرّف بمقتضياته”. أغماني يرى في حديثه ل “أخبار اليوم” أن هناك صعوبةً ثالثة في تطبيق القانون بشكل السليم، وتتعلق بجهاز تفتيش الشغل لأنه اليوم، حسب مقتضيات القانون، “من المفروض أن الأسرة أصبحت تعتبر مثل أرباب العمل، فيصبح رب الأسرة الذي يشغل العاملة المنزلية أو البستاني رب عمل، وهو ملزم بأن يحرر عقد عمل عند مفتشية الشغل يتضمن توقيعه وتوقيع العامل (ة)، على أن يتم إيداعه لدى مفتشية الشغل”، لكن بحكم قلة الموارد البشرية الموضوعة في خدمتها لا تغطي، مفتشيات الشغل كامل التراب الوطني”، وكمثال في إقليموزان يجب على رب الأسرة أن ينتقل إلى سيدي قاسم ليودع التصريح لدى مفتشية الشغل”. من جانبه، اعتبر عمر سعدون، المسؤول عن ملف تشغيل القاصرات في جمعية “إنصاف”، “أن تنزيل هذا القانون سيبقى حبرا على ورق، نظرا إلى صعوبة تطبيقه، خصوصا وأن مفتشية الشغل المكلفة بالإشراف على تنفيذ القانون وتطبيقه، ليست مؤطرة بعد حتى تتمكن من دخول البيوت، مشيرا إلى أن مسألة السماح لمفتشي العمل بولوج المنازل يطرح مشاكل عدة؛ بسبب التعارض مع مبدأ حرمة البيت، مشددا على أنه كان يجب أن ترافق هذا القانون حملة دعائية تُعرّف المواطنين به وببنوده”. وزاد سعدون في حديثه ل”أخبار اليوم” أن هذا القانون سيفتح الباب أمام التحايل والتلاعب من طرف الوسطاء الذين يشتغلون في الاتجار بالعاملات من خلال توقيع عقود عمل معهن وإلزامهن بها، وأضاف أن ما يعمق من مشكل تطبيق هذا القانون، هو عدم معرفة العاملات المنزليات بحقوقهن، خصوصا المتحدرات من البادية، وهو ما سيعرضهن للاستغلال من طرف المشغِّل، بالإضافة إلى استغلال حاجة الأسر إلى المال. وبالرغم من أن “القانون عرف نقاشا واسعا أثناء إعداده، إلا أنه لم يلق التفاعل نفسه عند إقراره ولم تتم مواكبته، سواء من طرف المجتمع المدني أو وسائل الإعلام أو الوزارة نفسها، للتعريف به وبمقتضياته”، يضيف أغماني، مشيرا إلى أن “لا أحد يُعذَر بجهله القانون، لكن اليوم، إن سألت العاملات المنزليات وحتى أرباب الأسرة ستجد قلة قليلة تعرف بمقتضياته”. وحسب المسؤول الحكومي السابق، فإن هذا القانون سيتطور مع الزمن، لكن على الوزارة تجاوز العجز في مفتشي الشغل، الذي يعتبر، أيضا، من أكبر العوائق، خصوصا أن عددهم لا يتجاوز 320 مفتش شغل، موضحا “أن مفتش الشغل ستُضاف إلى مهامه التقليدية في النظر في منازعات الشغل التقليدية تلقي التصريحات والتدخل بين رب الأسرة والعامل لديه، وهذا سيزيد من صعوبة تطبيق القانون”. عقبة الضمان الاجتماعي في الوقت الذي صادقت الحكومة على مرسوم جديد يحدد شروط تطبيق نظام الضمان الاجتماعي على العاملات والعمال المنزليين بعد أزيد من ثلاثة أشهر من دخول قانون العاملات المنزليات حيز التنفيذ، والذي يعول عليه لضمان حقوق العاملات المنزليات، أكد رضا بنعمر، مدير التواصل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خلال حديثه ل “أخبار اليوم” أن الصندوق مستعد لاستقبال طلبات التغطية الاجتماعية للعاملات والعمال المنزليين، مضيفا أنه تم رصد الموارد البشرية واللوجستيكية لتنفيذ هذا القانون، يبقى فقط، تفعيله من طرف الحكومة. بنعمر قال، أيضا، إن “التغطية الصحية لهذه الفئة مقرونة بعقود العمل، حيث ينص القانون على ضرورة وجود العقد لاستفادة العامل (ة) من التغطية الاجتماعية، في حين أن عدد التصاريح يبقى ضعيفا جدا، ويرجع سبب ضعف التصاريح إلى ضعف التواصل بخصوص هذا القانون”. من جهته، يرى جمال أغماني، وزير الشغل السابق، والذي وضع اللبنة الأولى لهذا القانون أن استفادة العاملات والعمال المنزليين من الضمان الاجتماعي سيعرف صعوبة في التطبيق، بالنظر إلى عدم تصريح أرباب الأسر بالعاملين لديهم، والذي يعتبر ركيزة أساسية لتسجيل هذه الفئة في الصندوق، مشددا على “أن الحكومة ملزمة بالعمل على مواكبة هذا المرسوم بإجراءات تشجع المشغل على التصريح بالعاملين لديهم”. وحسب المذكرة التقديمية للمرسوم، فإنه جاء لتعزيز الحقوق المضمونة لفئة العاملات والعمال المنزليين، ولا سيما الحقوق المتعلقة بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، إذ يتوقف طلب الانخراط والتسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، على الإدلاء بعقد العمل بين المُشغِّل والعاملة والعامل المنزلي، والمنصوص عليه في القانون رقم 19.12. ويتعين على المُشغِّل، الذي يشغل عاملة أو عاملا منزليا واحدا أو أكثر، طبقا لأحكام القانون، أن يقدم إلى الصندوق داخل أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ إبرام العقد ملف انخراطه وتسجيل عاملاته أو عماله المنزليين، ويبلغ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى كل مشغل رقم انخراطه، وإلى كل عاملة وعامل منزلي رقم تسجيله. كما يتعين على المشغل أن يُشعِر الصندوق بأي وسيلة من الوسائل الممكنة بكل تغيير يطرأ على عنوان المنزل الذي تعمل فيه العاملة أو العامل أو على التاريخ المحدد لانتهاء سريان عقد العمل محدد المدة المبرم بين الطرفين، وذلك داخل أجل أقصاه شهر واحد ابتداء من تاريخ هذا التغيير. وفي حالة ثبوت عدم انخراط المشغِّل أو عدم تسجيل العاملات أو العمال المنزليين الذين يشتغلون لديه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بناء على شكاية توصل بها صندوق الضمان الاجتماعي في الموضوع، مشفوعة بعقد عمل أو بمحضر لمفتشية الشغل موقع بين المُشغِّل والعاملة في حالة إجراء محاولة التصالح، أو بناء على حكم قضائي يثبت العلاقة الشغلية، يُوجِّه الصندوق إلى المشغِّل المعني إنذارا بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، وذلك من أجل تقديم ملف وتسجيل عاملته أو عماله المنزليين، وإذا لم يقم المُشغِّل بالإجراء في أجل شهر، يُباشر الصندوق، تلقائيا، عملية انخراط المشغِّل وتسجيل العاملات والعمال المنزليين. ووفق نص المرسوم، فإنه يتم احتساب الاشتراكات الواجبة للصندوق طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، على أساس الأجر ومدة العمل المحددين في عقد العمل، وفي حالة تغيير مبلغ الأجر، تُحتسب الاشتراكات المذكورة على أساس آخر أجر مصرح به من قبل المُشغِّل، كما يسري التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على العاملات والعمال المنزليين. نص متقدم ولكن.. حدد قانون العاملات المنزليات الحد الأدنى للأجور في 1542 درهما شهريا، كما وضع سن 18 سنة كسن أدنى لعاملات المنازل، مع فترة تمهيدية تدوم 5 سنوات يسمح خلالها للفتيات بين 16 و18 عاما بالعمل. كما يحدد القانون ساعات عمل الفتيات في سن 16 و17 سنة ب40 ساعة أسبوعيا كحد أقصى، والبالغات 48 ساعة أسبوعيا، رغم أن مدونة الشغل تنص على حد لا يتجاوز 44 ساعة بالنسبة إلى عمال في مهن أخرى، بالإضافة إلى ذلك يضمن القانون 24 ساعة راحة متصلة أسبوعيا. للإشارة، سبق لرئيس النيابة العامة أن وجّه دورية إلى المحامي العام الأول لدى محكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، حول صدور القانون رقم 19.12 الخاص بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين والإجراءات اللازمة لتطبيقه، حيث تضمنت تعريف العمل المنزلي والأشغال المرتبطة به والفئات المعنية بالقانون، وسن التشغيل والأعمال الممنوعة على القاصرين، وشكليات أحكام عقد الشغل الخاص بالعاملات والعمال المنزليين وحقوقهم ومدة العمل، والحق في الراحة الأسبوعية، والحق في العطلة والأجرة والتعويضات ودور مفتش الشغل والعقوبات.