صادف تصريح المواطن عبدالاله بنكيران حول تونس الخضراء تواجدي بها لفترة أسبوع تقريبا، في ثالث زيارة لي لهذا البلد الجميل…. أزورها بشكل اعتباطي بحثا عن معنى لتواجدي في هذا العالم، وأساسا هروبا من جو خانق في وطني الأصلي المغرب، وأزورها أيضا في لقاء شبه صوفي مع روحي التي أجدها تشبهني وأشعر بأنني في سلام وود رفقتها…. منذ ذلك، وقبل تصريحه المتذاكي، للأسف، كنت أبحث عن مؤشراتها الإقتصادية والسياسية والمدنية، وأقارنها بما يماثلها في المغرب…. وفي المقارنة بحثا عن أوجه الاختلاف والتشابه بين التحولات التي وقعت في تونس جراء ثورة 14 يناير وتلك التي وقعت في المغرب بعد 20 فبراير 2011 والتي كان بنكيران من موقع رئيس الحكومة فاعلا فيها، أو بالأحرى أداة مفعول بها في توجيه هذه التحولات…. وأجد نفسي في موقف حرج لكي أشرح للأصدقاء التونسيين تفاهة وانعدام القيمة لتصريح مواطن لا موقع له على الخريطة السياسية الوطنية غير كونه كان من أدوات علاها الصدأ، وأنه كالذئب المجروح بأنياب الأسد، تم إبعاده عن قطيع ساهم في قتله ليس حماية له بل استفرادا به… وأن صفته الماضية هذه اكتسبها باسم هذه التحولات التي أزهرت في تونس رغم كل الشوك وأقبرت في المغرب رغم كل الآمال…. خلال مقامي بها لم أشاهد أوساخا، إلا ما يعلق بذاكرتي من تراكم الأزبال في شارع علال بنعبدالله بالرباط، وفي أحياء الدارالبيضاء الكبرى، من غيطو الهراويين إلى حدود أزبال الحي الحسني، ومن روائح العفن التي انتشرت فيها، أي البيضاء، إبان إضراب عمال النظافة في أيام عيد الأضحى، وغياب مصالح النظافة في أحياء عديدة بمدن كثيرة…. لم ألاحظ أزبالا بالعاصمة، ولا بالحمامات ولا ببيزرت ولا بسوسة…. الإضرابات التي تحدث عنها المواطن بنكيران فئوية، وتحظى بانتباه الجهات المسؤولة في حينها، حين اعتصم الأساتذة ضد ظلم لحق زميلا له، تم استقبالهم وتسوية وضعية هذا الزميل في إبانه، ليس خوفا من الإضراب ولكن مراعاة لمصلحة التلميذ التونسي، وحين انتفضت مدن محيطة بتونس هرعت السلطات إلى الحوار معهم وتلبية مطالبهم وليس نقلهم بالطائرات من شمال المغرب نحو البيضاء لمحاكمتهم والحكم عليهم بعشرين سنة سجنا… في البحث عن المؤشرات الوطنية، يبقى المغرب أكثر قلقا من هذا البلد، فالجريمة على انتشارها تبقى مضبوطة، تتجول في العاصمة تونس دون أن يضع لص مراهق سكينه على خصرك ليسلبك هاتفك ودون أن ينتشل ذات المراهق حقيبة فتاة اختارت أن تسير لوحدها في الشارع وفي منتصف الليل… الحماية الاجتماعية متقدمة بشكل كبير في هذا البلد، على المستوى القانوني وعلى المستوى التنفيذي ومعدل الأمية منخفض بكثير عما هو مسجل في المغرب، وأثمنة الأدوية والتي تصنع خارج تونس منخفظة عن ما هو معمول به في المغرب… طبيعي أن تعترض ديمقراطية فتية بعض العراقيل والصعوبات، لكن ذلك لا يدعو إلى الأسف بقدر ما يدعو إلى المساندة والاعتزاز وأكثر من ذلك الاقتداء… لذا، لا يمكن سوى الاعتذار عن الهراء الذي صدر عن بنكيران الذي يختزل بعض تاريخنا المنكوب، ودعوته للانتباه للأوساخ التي يدبرها إخوانه في حزبه…