في واحدة من أجرأ خرجاته الخطابية، حدد أحمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، شروط عقد البيعة التي ما زالت محفوظة بين إمارة المؤمنين والمجتمع في الحالة المغربية، مستندا في ذلك إلى ضوابطها الشرعية في الإسلام، مبرزا كيف تمكن البيعة للإمام؟ ومقابل ماذا؟ ليخلص إلى أهميتها في تقوية تماسك المجتمع المغربي وضمان أمنه واستقراره، حسب قوله. واعتبر التوفيق في كلمة له بمناسبة تنصيب الأستاذ الجامعي أحمد الوجدي، رئيسا للمجلس العلمي المحلي بعمالة إقليم فحص أنجرة، أمام حضور أغلبه من الأئمة والوعاظ والمرشدين، أن «عقد البيعة يعتبر أصيلا في تاريخ الإسلام»، وتبعا لذلك فإن «إمارة المؤمنين في رباط شرعي مع الإمامة العظمى منذ بيعة الرضوان ومستمر إلى يومنا هذا». وأضاف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن «مؤسسة العلماء مرتبطة ارتباطا وثيقا شرعيا وتاريخيا بالإمامة العظمى»، كما أنها «شعور أصيل عند المغاربة يرجع إلى ما يزيد عن ألف عام أو يكاد، ذلك أنه في عهد الدولة المرابطية نظر علماء المغرب في الحديث الشريف الذي يقول «لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الدين لا يضرهم من خالفهم إلى أن يأتي أمر الله وهم بالمغرب، وفي رواية أخرى أو هم بالغرب». وتابع أحمد التوفيق ساردا هذه الرواية للاستدلال بها على تفرد المغرب بنظام حكم شرعي قائلا؛ «فتعجب علماء المغرب في هذا الحديث، وأرسلوا يسألون عالما جليلا هو أبو بكررالطرشي الأندلسي، الذي كان إذاك مقيما بالإسكندرية، هل هذا الحديث النبوي مذكور فينا أهل المغرب؟ فأجابهم «لعله فيكم أنتم المغاربة لما أنتم عليه من التمسك بسنة رسول الله». غير أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أعطاه تفسيرا إضافيا يدل على اصطفاء أهل المغرب بحسب قوله، ويتمثل في «استقبال المغاربة ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمكينهم من الإمامة والولاية والحكم بكيفية سلمية لم يصاحبها حرب ولا سيف ولا دعاية، فقامت الإمامة منذ عهد الدولة الإدريسية التي كانت إيذانا لما سيأتي فيما بعد»، معتبرا أن إمارة المؤمنين «إحدى علامات وآيات على هذا الاختصاص والاصطفاء للمغاربة». ومضى أحمد التوفيق الذي تقمص جبة عالم أصول الفقه، موضحا أن «البيعة الشرعية للإمام مشتقة من قاموس التجارة، فمن يبيع من؟ وماذا يشتري؟ ومقابل ماذا؟ يتساءل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم يجيب عن كلامه، الذي يبيع هو الأمة، «تبيع المشروعية عن طريق ممثليها الموقعين على عقد البيعة»، وهم «وجهاء المجتمع من الشرفاء والعلماء والفقهاء وممثلو الحرفيين والتجار وأعيان الحواضر وكل من له مكانة في البلد». بحسب قوله. أما ماذا يشتري المجتمع من البيعة؟ أن يلتزم الحاكم بأمر حدده العلماء منذ القديم، وهو «الالتزام بأمر المعروف»، أو التي تسمى بالكليات الشرعية وهي خمس كليات أو مبادئ كبرى توجد في كل بيعة، وهي التزامات واضحة تكتسب بها مشروعية الإمامة، حسب قوله، موضحا بأن المبدأ الأول يتمثل في «أن يلتزم الإمام بحماية دينهم»، ولما كان الدين في المرتبة الأولى من حيث الأهمية لدى علماء الأمة، قيل «أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين». أما الالتزام الثاني بحسب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، فيلتزم بموجبه الحاكم في حماية أنفس وأرواح وأمن الناس، ويحميها من العدوان. بينما يتمثل المبدأ الثالث في حماية النظام العام، «أي أن يحي الحاكم قواعد تعاملهم كأمة ومجتمع، ويسميه العلماء بالعقل وهو ما يتعارف عليه الناس مثل قانون السير، العقل هو المرجع بين الناس حتى تحفظ حقوق الأطراف». وأبرز أحمد التوفيق، أنه يأتي في الدرجة الرابعة من الكليات الشرعية الخمسة للإمامة، «يجب أن يحمي معيشتهم وأموالهم وتصان حقوقهم في أملاكهم وكل ما يكتسب عن طريق الحلال»، في حين يتمثل الالتزام الخامس في «حماية الأعراض»، يحمي عرضهم، والعرض يقابل في اللغة ما يسمى بالكرامة، يؤكد أحمد التوفيق. وخلص إلى أن دور العلماء يوجد في هذه الكليات الخمس، لكن على الخصوص في المبدأ الأول، أي «حفظ الدين»، داعيا العلماء والفقهاء والمرشدين أن تقع عليه مسؤولية التبليغ على الخير والتحريض عليه، مضيفا أن هذا الأمر ليس جديدا، فالمجلس العلمي الأعلى هي وريث اسم قديم قدم البيعة والتي كانت تسمى مشيخة العلماء، حيث كان إلى جانب كل سلطان مشيخة للعلماء يحترمه الناس، واليوم هي مؤسسة دستورية إلى جانب أمير المؤمنين. يشار إلى أن رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم فحص أنجرة، أحمد الوجدي، تعهد في كلمة له بحفل تنصيبه الذي حضره أحمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، بالعمل على رفع الدين الصريح والعناية بالعلماء والحرص على الأمن الروحي للمواطنين، واختيارات ضمن ثوابت الأمة، وفي مقدمتها إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي.