صنّفت مجلة «ذي إيكونوميست»، في أحدث تقرير لها صادر قبل يومين، المغرب ضمن الأنظمة الهجينة ديمقراطيا، حيث حصل على معدل أقل من 5 على 10، وهو معدل دون المتوسط، علما أنه تصنيف لم يتغير طيلة سنوات رغم دستور 2011، الذي أقر الخيار الديمقراطي ضمن ثوابت المملكة، لكن يبدو أن الدساتير والقوانين لا تكفي لتغيير الموازين فوق الأرض. ومنحت المجلة البريطانية المغرب نقطة 4,99 من 10، وتبوأ بذلك المرتبة الثانية عربيا بعد تونس، و100 عالميا من بين 167 دولة، علما أن تونس جاءت في الرتبة الأولى عربيا وال63 عالميا. لكن المغرب متقدم أيضا على دول أخرى، مثل الجزائر، ومصر التي صنّفت ضمن الأنظمة الاستبدادية. وتصنف المجلة الأنظمة السياسية في العالم إلى أربعة؛ ديمقراطيات كاملة، وديمقراطيات معيبة، ثم ديمقراطيات هجينة، وأخيرا أنظمة استبدادية، وتضع خمسة مؤشرات لقياس مدى ديمقراطية كل نظام سياسي وهي: أولا، نزاهة وشفافية العملية الانتخابية واحترام التعددية. ثانيا، فعالية وكفاءة الحكومة المنتخبة. ثالثا، نسبة المشاركة السياسية للمواطنين. رابعا، الثقافة السياسية في دولة من الدول. وخامسا، احترام الحريات العامة (حرية التعبير والتنظيم والاحتجاج واحترام حقوق الإنسان…). وبناء على تلك المؤشرات، تفحص كل النصوص القانونية والممارسات السياسية، والقرارات الحكومية والسياسات العمومية، والتحديات التي تواجهها الأنظمة، وأيضا الأحكام القضائية ذات الصلة، وسلوك الأنظمة تجاه كل مؤشر من تلك المؤشرات، وفق تنقيط محكم إلى حد كبير، يحدد موقع كل نظام سياسي ضمن التصنيف الرباعي المذكور: ديمقراطي، معيب، هجين، استبدادي. المغرب، وبناء على التحليل الشامل لتلك المؤشرات، وُضع ضمن الأنظمة الهجينة، حيث حصل على 5,25 من 10 في مؤشر نزاهة وشفافية العملية الانتخابية؛ كما حصل على 4,64 في مؤشر فعالية وكفاءة الأداء الحكومي؛ وعلى معدل 5 من 10 في مؤشر المشاركة السياسية للمواطنين، ثم على 5,36 من 10 في مؤشر الثقافة السياسية، وعلى معدل أقل في مؤشر الحريات العامة ب4,41 من 10. ومقارنة بمؤشر 2017، يظهر أن هناك تقدما طفيفا في التنقيط، جعله يتقدم رتبة واحدة فقط من 101 سنة 2017 إلى الرتبة 100 سنة 2018، لكن التصنيف ظل هو نفسه، أي في منزلة بين منزلتي الديمقراطية والاستبداد، فلا هو نظام ديمقراطي معيب أو كامل ولا هو نظام استبدادي صريح. ولعل متتبع الدراسات العلمية الرصينة، سواء المغربية منها أو الأجنبية، حول الحالة الديمقراطية بالمغرب، لن يفاجأ بخلاصات «ذي إيكونوميست»، ذلك أن أفضل المتفائلين يتحدثون اليوم عن «انفتاح سياسي مراقب»، وكثير ممن كانوا يدافعون عن مقولة إن «المغرب يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي» في بداية الألفية، تراجعوا، خلال السنوات الأخيرة، إلى الخلف، ولم يعودوا يقولون أي شيء بخصوص ديمقراطيتنا الهجينة، حسب المجلة البريطانية. وحدهم الذين كتبوا كثيرا حول «تجديد السلطوية» يحتفون بخلاصات «ذي إيكونوميست»، وربما ازدادوا خلال السنوات الأربع الأخيرة تشاؤما تجاه الوضع المتدهور على أكثر من صعيد. لقد دفعت أحكام القضاء ضد معتقلي حراك الريف، خلال الصيف الماضي، والأحكام القاسية ضد الصحافيين، والتشهير الممنهج بالسياسيين والحقوقيين، إلى القول صراحة: «لم يعد ممكنا الحديث عن انتقال ديمقراطي في المغرب»، كما صرّح بذلك المفكر والأنتربولوجي، عبد لله حمودي. المثير أن المجلة البريطانية نفسها لا تتوقع أي تحسن في المؤشرات خلال المرحلة المقبلة، بسبب التحديات التي تواجه النخبة الماسكة بالقرار السياسي والاقتصادي، ومنها موجة الاستياء العارم التي تعم البلاد بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، والتي تفاقمت نتيجة حملة مقاطعة المواطنين بعض المنتجات الاستهلاكية، ثم أحكام القضاء الصادرة ضد معتقلي حراك الريف وجرادة، والتضييق المتزايد على الصحافة المستقلة، والأدهى أن المجلة استبعدت أن تعالَج الأسباب الرئيسة لتلك التحديات، بفعل «التداخل بين السياسي والاقتصادي، وتفشي التفاوتات وعدم المساواة على نطاق واسع». وهي خلاصة بقدر ما أنها متشائمة، فهي تحمل تحذيرا للممسكين بالقرار في بلادنا، مفاده أن البقاء طويلا في منزلة الهجنة بين الديمقراطية والاستبداد غير مأمون العواقب، خصوصا أن الوقائع تفيد بأن المملكة ربما تنزلق إلى الاستبداد أكثر.