موازاة مع القفزة الكبرى التي عرفتها وسائل الاتصال الرقمية إثر النقلة النوعية في مجال التكنولوجيات الحديثة للتواصل وتطور الشبكة المعلوماتية في المغرب، وما نتج عنهما من إقبال كبير على استعمال الأنترنيت، تحولت منصات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وشاشات الهواتف النقالة، إلى وسيلة سهلة للتبليغ عن الشكاوى ضد الموظفين العموميين ومنهم رجال الأمن، وذلك عبر تصويرهم لإثبات مخالفاتهم للقوانين ونشر صورهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار غضب السلطات الأمنية بالمغرب، عقب الانتشار الواسع لعمليات تصوير رجالها أثناء قيامهم بعملهم بالشارع العام، بعد أن تحولوا إلى فرجة عمومية تتشكل بعد عملية نشر الصور والفيديوهات التي يظهر فيها موظفو الأمن، مما عجل بلجوء إداراتهم إلى إصدار مذكرات إدارية تمنع تصوير رجال الأمن، وتبعتها في ذلك وزارة الصحة والتي منعت هي الأخرى تصوير عمالها ومستشفياتها، فيما رد المعنيون بمخالفتهم لهذا المنع بتشبثهم بحقهم في الفضح عبر التصوير، قبل أن يتدخل القضاء لحسم هذا الجدل والذي فجر نقاشا عموميا وسط المغاربة، حيث كانت “أخبار اليوم” السباقة لإثارة موضوعه عقب نشرها لقصة أول مخالف لمنع تصوير رجال الأمن، كانت شرطة فاس قد أوقفته نهاية شهر أكتوبر وتوبع في حالة سراح قبل أن يحصل بداية الأسبوع الجاري على براءته. أصل الجدل مع دخول قانون محاربة الإشاعة ونشر الأخبار الزائفة ونشر صور من دون إذن أصحابها ومقاسمتها مع الغير، حيز التطبيق ابتداء من فاتح شتنبر الماضي، بادر المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، إلى إصدار مذكرة داخلية عممها، منتصف شهر أكتوبر الماضي، على مختلف ولايات الأمن ومفوضيات ودوائر الشرطة في مجموع التراب الوطني، حيث حث فيها رجال ونساء الأمن الوطني على إعمال القانون وصيانة حقوقهم عند كل إخلال بواجب احترام أفراد أسرة الأمن أثناء أداء مهامهم الوظيفية، كما طلب منهم عدم التساهل مع كل شخص يقوم بتصويرهم، وذلك عبر تحرير محاضر وتوقيف كل مخالف لدورية الحموشي، مع حجز هاتفه وتقديمه للمحاكمة بتنسيق مع النيابة العامة المختصة. إجراءات فرض حماية الخصوصية، والتي بنا عليها الحموشي دوريته التي عممها على رجاله لمنع تصويرهم، أثارت نقاشا ساخنا بين المغاربة بمنصات التواصل الاجتماعي، حيث تباينت ردود أفعال المغاربة ما بين مؤيد ومعارض للإمكانية التي تجيزها هذه الدورية المغلفة بقانون حماية الخصوصية، وإعمال القانون لصيانة عناصر الشرطة من أي إخلال بواجب احترامهم أثناء أداء مهامهم الوظيفية، حيث يرى الكثيرون في دورية الحموشي بأنها تسعى إلى فرض قاعدة قانونية تسعى إلى خنق حريات المغاربة وحقهم في إثبات خرق عناصره للقانون، فيما أثارت نفس الدورية جدلا بين ألصحافيين، والذين يرون في حال شملتهم هم أيضا إجراءات تطبيق دورية الحموشي والتي تجرم تصوير رجال الأمن، فإنها ستحد من أداء مهمتهم الصحافية في تغطية ما يجري بالشارع العام، مما سيعرضهم هم أيضا في حال مخالفة دورية المنع للعقوبات والمساءلة القانونية. الضجة التي خلفها تقرير إخباري نشره مكتب فاس ل”أخبار اليوم” بعددها ل 6-7 نونبر من العام الماضي بعنوان “دورية الحموشي تسقط أول مخالف لقضية منع تصوير رجال الأمن”، بعد أن تحول الموضوع الى نقاش عمومي ملأ منصات التواصل الاجتماعي، وامتد إلى مقالات تناولتها على ضوء ما نشرته “أخبار اليوم” عدد من الجرائد ومختلف المواقع الإلكترونية، مما دفع بالمديرية العامة للأمن الوطني إلى أن تخرج بتوضيحات مفصلة، أرسلتها لجريدتنا تسلط فيها الضوء للمرة الأولى على الدورية الداخلية التي أثارت نقاشا بين المغاربة، بعد أن ربطوها بقضية منع تصوير رجال الأمن، وما خلفته أيضا من مخاوف لدى الحقوقيين من تقييدها للحقوق والحريات في إثبات خرق عناصر الأمن للقانون عبر تصويرهم. وأوضحت رسالة الحموشي ل”أخبار اليوم”، نشرتها بعددها رقم 2738 بتاريخ 8 نونبر الماضي بعنوان “مديرية الحموشي: هذه حقيقة مذكرة تصوير رجال الأمن”، أن موضوع تصوير رجال الأمن كان من جملة التعليمات التي جاءت في الدورية التي عممتها على مختلف ولايات الأمن ومفوضيات ودوائر الشرطة في مجموع التراب الوطني، غير أنها تعرضت للتأويل بشكل غير دقيق، موضحة بأن المديرية دعت عناصر الشرطة إلى الحرص على ضبط كل شخص يحاول عرقلة عمل مصالح الأمن، عبر تعمده تصوير تدخلاتهم للحيلولة دون مزاولتهم لمهامهم في التطبيق الحازم للقانون، والضغط عليهم بالتشهير أو الابتزاز. وشددت المديرية على أن مهمتها هي تأطير عمل موظفيها وتحديد الآليات المثلى لتطبيق القوانين المحددة من قبل المشرع المغربي، مؤكدة بأن التجاوزات المحتملة والتي تنسب لموظفي الأمن أثناء قيامهم بمهامهم تكون موضوع أبحاث إدارية معمقة لترتيب المسؤوليات التأديبية وكذا الجنائية عند الاقتضاء، فيما نفت مديرية الحموشي بأن تكون دوريتها قد جاءت بغرض فرض قاعدة قانونية جديدة خاصة في المجال الجنائي، لأن ذلك يخرج عن نطاق اختصاص مصالح الأمن، كما جاء في الخروج الإعلامي الأخير لإدارة الحموشي، ردا على الضجة التي تسببت فيها واقعة متابعة مواطن بتهمة تصوير شرطي للمرور بفاس، كانت “أخبار اليوم” السباقة إلى إثارة هذا الموضوع في حينه. أول المخالفين من فاس بعد مرور أيام قليلة على تعميم المديرية العامة للأمن الوطني لدورية منع تصوير رجال الأمن على مختلف ولايات الأمن ومفوضيات ودوائر الشرطة في مجموع التراب الوطني، والتي قال عنها الحموشي إنها أسيء فهمها، سقط أول مخالف لهذا المنع وهو موظف بالمحافظة العقارية بصفرو، يوم ال24 من شهر أكتوبر الماضي، حين ضبطه شرطي للمرور يسير في الاتجاه الممنوع بشارع يوجد بالساحة الخلفية لمقر محكمة الاستئناف بفاس، فقام بتسجيل مخالفة مرورية في حقه، غير أن المخالف نبه الشرطي بحسب ما جاء في أقواله للمحققين والمحكمة، إلى وجود حالة مشابهة لسائق سلك نفس الاتجاه الممنوع وركن سيارته، لكن الشرطي أغمض عنه عينه مجيبا عن ملاحظة المخالف بأنه لا دخل له في عمل شرطي المرور، فيما رد موظف المحافظة العقارية باللجوء إلى استعمال هاتفه الذكي لتصوير حالة سيارة توجد في وضعية مخالفة للقانون، لإثبات ازدواجية تعاطي الشرطي مع تطبيق القانون ضده دون غيره. بعد تصوير الموظف المخالف لقانون السير لحالة مشابهة لحالة سيارته، سارع الشرطي معية زميل له إلى توقيفه وحجز هاتفه، حيث تأكدوا من وجود مقطع فيديو يظهر فيه الشرطي أثناء مزاولته لمهامه بالشارع العام، وهو يقوم بتحرير مخالفة مرورية للسائق المخالف، وهو ما استدعى فتح بحث قضائي في الواقعة، انتهت بتقديم المتهم بتصوير الشرطي في حالة سراح أمام وكيل الملك بفاس. بعد مثول المتهم أمام القطب الجنحي “تلبس- سراح” بالمحكمة الابتدائية بفاس، على مدى أربع جلسات، والتي غاب عنها شرطي المرور بصفته الطرف المشتكي والذي يقاضي بصفته الشخصية موظف المحافظة العقارية المتهم بتصويره، وليس بصفته المهنية كرجل أمن، وذلك بعد أن اختارت المديرية العامة للأمن الوطني عدم تنصيب نفسها طرفا مدنيا في هذه القضية، أنهت هيئة المحكمة النظر في هذه القضية والتي أثارت وما تزال ضجة بين المغاربة، حيث أصدرت نهاية دجنبر الماضي، حكمها والذي قضى ببراءة المتهم من التهمة الجنحية التي نسبت إليه بخصوص تصويره لشرطي المرور. وعلق الأستاذ بهيئة المحامين بفاس، رضوان عبابو، محامي المتهم المبرئ من تهمة تصوير رجل الأمن بفاس، بأنه ركز في مرافعته أمام المحكمة على ما تناولته “أخبار اليوم”، والتي كانت السباقة إلى إثارة موضوع موكله كأول مخالف لمنع تصوير رجال الأمن، حيث شدد في مرافعته، كما قال، على أن متابعة الناس لمجرد تسجيل صورة تم التقاطها بالمفهوم العادي لا تستقيم معه العناصر التكوينية للفصل 447-1 من قانون 103.13، والذي تضمن قانون دخل حيز التطبيق ابتداء من فاتح شتنبر الماضي، يخص محاربة الإشاعة ونشر الأخبار الزائفة ونشر صور من دون إذن أصحابها ومقاسمتها مع الغير، (لا تستقيم) إلا إذا كان ذلك بمكان خاص والشارع العمومي هو مكان عام بامتياز. وشدد ذات المحامي على أن مرافعته قدمت لهيئة المحكمة، خطورة تجريم التقاط الصورة في المكان العام على المواطنين وعلى رجال الصحافة، على اعتبار أن ذلك يعتبر سلوكا عاديا ومألوفا ولا يمكن اللجوء إليه في بعض التشريعات المقارنة، إلا وفق ضوابط وشروط صارمة، ذلك أن المشرع المغربي، يردف ذات المحامي اعبابو، لم يجرم التقاط الصورة في المكان العام، ودليله على ذلك كما قال، الرسالة التوضيحية التي أرسلها المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي لجريدة “أخبار اليوم”، ونشرتها بعددها رقم 2738 بتاريخ 8 نونبر الماضي، ردا على تقرير إخباري كان مكتبها بفاس قد نشره بعنوان “دورية الحموشي تسقط أول مخالف لقضية منع تصوير رجال الأمن”، وهو ما فتح نقاشا عموميا جادا انتهى كما قال محامي فاس، بنقطة مضيئة على درب شفافية العدالة وتيسير ولوج المعرفة القانونية، وذلك عقب لجوء رئيس مؤسسة النيابة العامة إلى إصدار منشور لحسم جدل منع تصوير رجال الأمن بالشارع العام، حيث قدم تفسيرا واضحا للنصوص القانونية ذات العلاقة بهذا الموضوع وتطبيقاتها، وهو ما استجابت له هيئة الحكم بالمحكمة الابتدائية بفاس “ملف جنحي تلبس- سراح”، حين قضت ببراءة المتهم من جنحة تصوير رجل شرطة، يورد محاميه ل”أخبار اليوم”. تصوير دركي بسطات عاشت سرية الدرك الملكي بسطات يوما استثنائيا في ال13 من شهر دجنبر الماضي، وذلك عقب انتشار مقطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه دركي بلباسه الرسمي يحمل حقيبة بداخلها كاميرا للمراقبة الطرقية ولوازمها، وهو يفر من عدسة سائق سيارة أجرة من الحجم الكبير، يقوم بتصويره، ردا منه على تغريمه من قبل زملاء الدركي بمخالفة للسرعة المسموح بها على الطريق الجهوية رقم 308 الرابطة ما بين جماعة أولاد سعيد- البروج ومدينة قلعة السراغنة، كلفت سائق سيارة الأجرة الكبيرة مبلغ 150 درهما، حيث اكتشف حينها السائق بأن من ضبطه هو الدركي الذي كان يختبئ وسط غابة بمحاذاة الطريق حاملا كاميرا للمراقبة (الرادار المتحرك) للإيقاع بالسائقين، كما ظن السائق القابع بالسجن، مما جعله يفكر في تصوير الدركي بلباسه العسكري وهو يختبئ وسط الأشجار حاملا “الرادار المتحرك” بغرض فضحه كما قال في الفيديو المنشور، أمام كافة السائقين الذين يسلكون هذه الطريق، خصوصا زملاءه بسيارات الأجرة والذين يقعون لمرات في مصيدة الدركي ويؤدون غرامات مالية أنهكتهم، بحسب مصور مقطع الفيديو، والذي حظي بمتابعة كبيرة بمواقع التواصل الاجتماعي. رد عناصر الدرك على مقطع الفيديو جاء سريعا، بعد أن طلبوا فتح بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة بسطات، انتهى باعتقال مصور الفيديو في ال19 من دجنبر الماضي، أي بعد أقل من أسبوع على نشره من قبل صاحب “الطاكسي” الكبير المنحدر من مدينة قلعة السراغنة للفيديو، والذي اعتبرته مصالح الدرك الملكي بأن فيه إهانة وتهديدا للدركي أثناء قيامه بمهامه على مستوى الطريق الجهوية رقم 308 لإقليم سطات، حيث توبع السائق بتهم جنحية ثقيلة، تخص “بث وتوزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص وصورته دون موافقته بواسطة الأنظمة المعلوماتية بقصد التشهير به”، و”إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم وبسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات، أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية، وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم”، طبقا لمقتضيات الفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والفصول 1-447 إلى 3-447 من قانون 103.13 المتعلق بجرائم العنف ضد النساء، أضيف له التعديل الطارئ للمادة 447 من القانون الجنائي الذي خرج لحيز التنفيذ في شتنبر الماضي، والهادف إلى حماية الخصوصية والمعطيات الشخصية، تورد مصادر “أخبار اليوم”. آخر جلسة مثل أمامها مصور دركي سطات، كانت عشية دخول السنة الميلادية الجديدة، حيث أصدرت المحكمة الابتدائية ضد سائق سيارة الأجرة الكبيرة المتابع في حالة اعتقال، حكما قضى بحبسه ب5 أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها 5 آلاف درهم، وذلك بعد أن آخذته المحكمة من أجل تهمة “إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم وبسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم”، وذلك طبقا للفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والذي يعاقب من أجله المخالفون لمقتضياته، بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم. إدانة مصور الدركي بسطات، خلف ردود أفعال متباينة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والذين تابعوا مند أسبوعين قبل حكم الإدانة، مشاهد مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك وتطبيق “الواتساب”)، حيث اعتبر البعض بأن الحكم مناسب لما اقترفه المتهم من إهانة للدركي والتشهير به عبر تصويره ونشره، فيما عبر آخرون عن مواقف ترفض التضييق على المواطنين الذين يحاولون إثبات مخالفة عناصر الأمن للقانون، كما جاء في “تدوينة” لمتتبع من مدينة سطات قال فيها إن “المشكل ليس في مراقبة المخالفين للقانون وهذا كلنا نتفق معه، وإنما المشكل في الطريقة التي يتخذها بعض رجال الدرك والتي تسيء إلى هذا الجهاز المهم في الوطن”، فيما تساءل صاحب التدوينة، “كيف لرجل الدرك يقوم بواجبه وهو يخالف الضوابط المهنية، وذلك لعدم ارتدائه الزي الرسمي عوض اللباس الحربي (الترييي) وفوقه لباس مدني وبدون سلاح وظيفي و”البادج” الذي يظهر اسمه ورقمه، وهو ما جعل الدركي، بحسب المدون من سطات، يخفي وجهه خلال تصويره؟”، فيما أنهى ذات المدون تعليقه بقوله “خلاصة القول نحن مع مراقبة المخالفين ولكن بطريقة تحفظ كرامة المواطن وهيبة المراقبين من رجال الأمن”. ماذا يقول الحقوقيون.. منع تصوير عناصر الأمن أثناء قيامهم بمهامهم، والذي ترى فيه المصالح الأمنية حماية لهم من كل شخص يحاول عرقلة عمل موظفي الشرطة والدرك وبقية أفراد القوات العمومية، عبر تعمد المخالفين أو المتضامنين معهم، تصوير تدخلات عناصر الأمن للحيلولة دون مزاولتهم لمهامهم في التطبيق الحازم للقانون، والضغط عليهم بالتشهير أو الابتزاز، (هذا المنع) أثار ردود أفعال حقوقيين ورجال القانون، حيث اعتبره غالبيتهم بأنه منع يفتقد لأي أساس قانوني، وذلك بعد أن تحولت دوريات منع تصوير عناصر الأمن، وبلاغات مشابهة لوزارة الصحة، إلى “قاعدة قانونية” تسعى لخنق حريات المغاربة، وتصادر حقهم لإثبات خرق عناصرها للقانون عبر تصويرهم، يورد الحقوقيون ممن تابعوا تداعيات منع تصوير موظفي الأمن. وفي هذا السياق، أوضح إدريس هدروكي، المحامي بهيئة فاس وعضو اللجنة الإدارية بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حديثه ل”أخبار اليوم” معلقا على الموضوع الذي أحدث وما يزال ضجة كبيرة، (أوضح) بأن الأجهزة الأمنية لا تفرق ما بين الفضاء العام والخاص بخصوص عملية التصوير التي منعتها وجرمتها عبر منشورات ودوريات ذات الطابع التنظيمي، فالثابت قانونا، يضيف المحامي والناشط الحقوقي، هو أنه لا جريمة إلا بنص، والتصوير في الفضاء العام غير مجرم قانونا، بخلاف ما يدخل في الحياة الخاصة للأشخاص، والذين يتعرضون ضمن فضاءاتهم الخاصة لانتهاكات لخصوصياتهم، وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية تتعلق بحياتهم الخاصة، ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو الرأي العام. وشدد القيادي بجمعية الهايج، على أن المواطن حينما يقوم بتصوير رجل الامن أو أي موظف عمومي بالصحة أو التجهيز أو التعليم أو بباقي المرافق العامة، فإنه يريد عبر عملية التصوير إثبات واقعة يراها مخالفة للقانون بغرض التبليغ عنها بحسب الإمكانية التي تمنحه إياها مقتضيات المادة 299 من القانون الجنائي، والمتعلقة بضرورة التبليغ عن جريمة علم الشخص بوقوعها أو بالشروع فيها، وفي حالة التبليغ عنها بالنشر، يمكن لرجل الأمن بأن يتابع من صوره من أجل الإهانة إن ثبتت ضده، أو بتهمة اختلاق ادعاءات مست كرامة موظف الأمن، أما واقعة التصوير فلا يمكن تجريمها لعدم وجود نص قانوني يعاقب عليها، يوضح الناشط الحقوقي، وإلا فعلى المصالح الأمنية بأن تلجأ إلى البرلمان وتطلب منه إصدار قانون يمنع تصوير عناصر القوات العمومية بالشارع العام أثناء أدائهم لمهامهم في مراقبة الطرق وتوقيف المخالفين في حالات تلبس في قضايا إجرامية. آنذاك نكون أمام نص قانوني يفرض على الجميع احترامه والانضباط لمقتضياته، بحسب تعبير المحامي إدريس هدروكي، مؤكدا في ذات السياق بأنه بخلاف هذا، فإن هاجس السلطات والإدارات العمومية، يبقى هو التقليل من مظاهر الخروقات بالمرفق العمومي وموظفيه حتى لا تخرج للعلن، بعد إقدام المواطنين على تصوير ما يعتبرونه فسادا بالإدارات العمومية أو مشهدا مخالفا للقانون بالفضاءات العامة يستوجب فضحه عبر النشر بمنصات التواصل الاجتماعي. وتوقف ذات الناشط الحقوقي، عند الكاميرات الصغيرة التي يضعها الدركيون على بذلتهم أثناء قيامهم بمهامهم بالشارع العام، والتي يلجؤون إليها لإثبات ما قد يتعرضون إليه من ضغط أو ابتزاز، أو اختلاق ادعاءات في قضايا الرشوة ضدهم من قبل مخالفين أثناء التطبيق الصارم للقانون ضدهم، وهذا من حقهم، لكن الكاميرات التي يصورون بها، يقول المحامي والحقوقي، لا تتوفر على أي سند قانوني لاستعمالها، ولا يمكن لأي شخص أن يتابعهم بجنحة تصويره في الفضاء العام من قبل الدركي، ونفس الشيء ينطبق على المواطن الذي يقوم بتصوير الدركي أو الشرطي لحماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها. وخلص الناشط الحقوقي ورجل القانون في نهاية تعليقه على هذا الموضوع، بقوله إن تصوير رجال الأمن ليس جريمة يعاقب عليها القانون لغياب نص قانوني يجرمها، ودليله على ذلك قرار المحكمة الابتدائية بفاس والتي قضت ببراءة أول مخالف لمنع تصوير موظفي الأمن، ذلك أن محكمة فاس يقول المحامي كانت مع القانون، مشددا على أن المحكمة الابتدائية بسطات سارت على نفس الخطى رغم إدانتها لمصور الدركي بخمسة أشهر حبسا نافذا، لأنها آخذته من أجل تهمة “القيام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة”، و”إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم وبسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية، وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم”، وذلك طبقا للفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والذي يعاقب من أجله المخالفون لمقتضياته، بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم. موقف النيابة العامة تنامت ظاهرة تداول الأشرطة والصور الإباحية والفاضحة للمغاربة على المواقع والهواتف النقالة، حيث تحولت إلى سلوكات متواترة، شكلت مع مرور الوقت جريمة تخترق المعطيات الشخصية للناس، مما أدى إلى ارتفاع أصوات المغاربة يطالبون بوقف جرائم الأنظمة المعلوماتية ومحاصرتها عبر إجراءات تضمن حق الأفراد في حماية الخصوصية، وهو المطلب الذي لقي مساندة وتضامنا واسعا من فعاليات جمعوية وحقوقية وفرق برلمانية ونشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، انتهت بتجريم مسألة التدخل في الحياة الخاصة للأشخاص وكذلك المس بالحق في الصورة، وذلك بموجب قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 15 غشت 2016 . غير أن هذه المقتضيات، كما جاء في مقال نشره مؤخرا عدنان بوشان، الباحث في العلوم القانونية بمجلة “مغرب القانون”، وضح فيه بأن التنصيص على مقتضيات تجريم خرق الحياة الخاصة للأشخاص، جاء ضمن قانون الصحافة والنشر، وهو قانون خاص يخضع من حيث المبدأ لقاعدة النص الخاص الذي يقيد العام، مما يجعل أحكامه تقتصر على فئة الصحافيات والصحافيين والمؤسسات الصحفية، استنادا على المادة الأولى من قانون الصحافة والنشر، وبذلك كان الإشكال يطرح أمام القضاء بشأن الأفعال من هذا القبيل التي يرتكبها أشخاص عاديون في بعض وسائل التواصل الاجتماعي ذات الطبيعة التواصلية، يضيف ذات الباحث في العلوم القانونية، مما أجبر المشرع المغربي على إيجاد وسيلة للردع تكلف بها قانون محاربة العنف ضد النساء من خلال الفصول 1-447 و2-447 و3-447، والتي قننت إجراءات فرض حماية الخصوصية، يقول عدنان بوشان، الباحث في العلوم القانونية. من جهتها، تفاعلت مؤسسة النيابة العامة، مع الجدل الدائر حاليا في المغرب حول منع التصوير في الفضاء العام، حيث أصدر رئيس النيابة العامة محمد عبد النبوي منشورا تحت عدد 84 س، بتاريخ 06/12/2018، عممه على جميع المسؤولين القضائيين وسائر القضاة في جهاز النيابة العامة، يوضح فيه الإطار القانوني المنظم لمنع تصوير الأفراد حماية للحياة الخاصة، كما جاء في قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، خصوصا في الجانب المتعلق في هذا القانون باجراءات فرض حماية الخصوصية (الفصول 1-447 إلى 3-447)، إضافة إلى بعض المقتضيات المتفرقة بين قانون الصحافة، وقانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، حيث تشمل أوجه هذه الحماية، بحسب منشور عبد النبوي، منع التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص، أو سري، دون موافقة أصحابها. فضلا عن منع تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء وجوده في مكان خاص دون موافقته. منشور رئيس مؤسسة النيابة العامة، أنهى الجدل الذي رافق حوادث تصوير رجال الأمن بالشارع العام، والذي فجرته قضية توقيف أول مخالف لهذا المنع بمدينة فاس منتصف شهر أكتوبر من العام الماضي، حيث شدد منشور عبد النبوي على أن نطاق حظر التصوير دون إذن خاص لا يشمل الحيز أو الفضاء العام، بل يقتصر على المكان الخاص غير المفتوح في وجه العموم، والذي لا يمكن ولوجه إلا بإذن أو موافقة ممن يشغله أو يتصرف فيه، فيما أبقى منشور النيابة العامة نطاق التصوير المسموح به لتقديم دليل إلى القضاء، (أبقى) الجدل حوله مفتوحا، حين أعلن بأنه استعان بالاجتهاد القضائي المقارن، والذي استقرّ على اعتبار “عملية التسجيل التي تكون الغاية منها تقديم دليل إلى القضاء أو الشرطة القضائية لا تقوم معها جريمة انتهاك الحياة الخاصة”، وذلك حماية للمبلغين عن حالات الفساد، كما هو الحال في جريمة الرشوة، يورد منشور عبد النبوي رئيس النيابة العامة.