قال سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، إن المسار المغاربي متجه نحو توافقات الحد الأدنى. شهد مسار العلاقات المغاربية محطات دالة خلال السنة الماضية، خاصة في الربع الأخير منها، مع الدعوة المفتوحة إلى الحوار التي وجهها الملك إلى الجزائر في خطاب المسيرة الخضراء، ودعوة الجزائر، على إثرها، إلى عقد قمّة مغاربية تجمع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي؛ ثم مشاركة الجزائر للمرة الأولى بوصفها طرفا معنيا في مفاوضات جنيف حول الصحراء المغربية، والموقف الأمريكي الأخير حول آلية التمديد لقوات حفظ السلام في الصحراء. وتعبر هذه المحطات عن تطورات حقيقية في الوضع العام للدول المغاربية، وتعد مؤشرا على ديناميات مستجدة، سواء في أوضاعها الداخلية أو في علاقاتها الدولية والبينية. فسواء من حيث الوضع الأمني لدول الشمال الإفريقي، وأهميته في استراتيجيات القوى الكبرى (خاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي)، والذي يلح أكثر فأكثر على الاختيارات الأساسية للنخب الحاكمة في الدول المغاربية خصوصا؛ أو العلاقات الاقتصادية لهذه الدول، التي أضحت في صلب سياسات القوى الاقتصادية الكبرى (خاصة الصين ومشروعها المتعلق بطريق الحرير العابر لشمال وغرب إفريقيا)، يبدو الوضع المغاربي ماضيا نحو تحرك في اتجاه يحد من تأثير العوامل المعيقة لتقارب وتكامل مطلوب بشدة بين دوله. فبغض النظر عن حتميتي التاريخ والجغرافيا اللتين تحاكيان مسار الأنهار في احتفاظها بالذاكرة الحية والحاكمة لمسارها عبر الزمن، فإن مسار الوحدة المغاربية، كما بدأ حلما لدى آبائه المؤسسين من قادة التحرير وزعماء الوطنية المغاربية الكبار، متجه بلا شك نحو تطورات إيجابية قد تتوج خلال العام المقبل بتوافقات الحد الأدنى منطلقا لمستويات أخرى من الانفتاح السياسي والشراكة الاقتصادية التي تؤمن الحقوق الأربعة الأساسية للمواطن المغاربي، التي عبرت عنها الحراكات العربية في المنطقة (التنقل والإقامة والتملك والعمل)، والتي عكست وعيا متجذرا لدى الشعوب بالوحدة والخيار المغاربي الراسخ. وأتصور أننا نعيش مرحلة نضجت فيها الشروط الموضوعية لاجتراح خطوات نوعية، وغير تقليدية، في استعادة الأمل المغاربي وتحقيق التكامل الضروري بين دول الاتحاد المغاربي على الأصعدة الاقتصادية والأمنية والسياسية… وبناء على ذلك، فإن عام 2019 سيتيح المضي في الخطوات الأولى على الطريق المغاربي. وما يعطي مشروعية لمثل هذه التوقعات، في المدى المنظور، أن أغلبية العوامل التي ظلت تباعد بين الأفق المغاربي وواقع دول المغرب العربي داخليا، تتحول اليوم إلى عوامل دافعة باتجاه التقارب والحوار حول المشكلات العالقة، والانفتاح المتبادل (العلاقة بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء تحولت إلى عبء على كافة الأطراف. طبيعة النخب العسكرية والأمنية المتحكمة في بعض الدول التي تعرف تغييرات في بنيتها على صعيد مراكز القوى والمؤسسات. الوضع الأمني في المناطق الرخوة خاصة ليبيا. الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في أغلب الدول المغاربية…). لقد أدت حالة الانسداد إلى إنضاج وعي مشترك بين النخب المغاربية، لا تعوقه اليوم إلا الارتهانات إلى الماضي أو إلى المصالح الشخصية والفئوية الضيقة، وهنا تكمن أهمية العوامل الدولية الضاغطة لصالح استراتيجيات قوى أكبر، قد تدفع قيادات الدول دفعا إلى مسار السلامة المغاربي، بالإضافة إلى إلحاح التحديات المشتركة التي أصبحت ترقى إلى مستوى تهديد مستقبل كامل البلدان المغاربية، خاصة التهديدات الأمنية المركبة، التي يعد الانفتاح والتعاون الكامل بين الدول المغاربية ضرورة حيوية للتعامل معها. وفي اللحظات الأساسية، كان واضحا أن الدول المغاربية تحتاج إلى بعضها البعض لنيل الفرص الاقتصادية (الاستثمارات الكبرى، التظاهرات الرياضية العالمية)، باعتبارها مجالا جغرافيا واحدا، أو سوقا أكبر، أو اتحادا يمنح الكثير من المزايا الاستراتيجية..